عربي21:
2024-12-22@01:19:56 GMT

الحركات الإسلامية.. أحزاب سياسية أم مجموعات مصالح؟

تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT

الحركات الإسلامية.. أحزاب سياسية أم مجموعات مصالح؟

عزمني أحد قادة التيار الإسلامي في بلد عزيز من بلاد العالم إلإسلامي، كانت بيني وبينه سابقا مساهمات جليلة في خدمة الفكرة والقضية الفلسطينية، فقضيت معه نصف يوم كامل غمرني فيه بالتقدير والكرم الجميل جزاه الله خيرا إلى أن أوصلني إلى المطار للعودة إلى بلدي، فكان الوقت كافيا جدا لنقاش فكري عميق، إذ هو  رجل على قدر كبير من العلم والأدب.



كنت أعلم قبل لقائه بأنه ممن تسكنه القناعة بأهمية الاقتراب من الأنظمة الحاكمة، ولكن للمحبة المتبادلة بيننا ولخلقه ولمكانته عندي ولانتفاء الخلفيات الشخصية بيننا علمت أن النقاش معه سيكون مفيدا لكلينا.

لا أريد أن أعرض ما دار بيني وبينه من نقاش، استحضرنا فيه التاريخ والفكر والسياسة والأدب والذكريات الجميلة، ولكن شدني تبريره الذي بدا منطقيا لأهمية الاقتراب من الأنظمة الحاكمة مع ما يمكن أن يعاب عنها من فساد وعجز في تحقيق التنمية أو حتى بعض الظلم والاستبداد، وهو أن تهدئة العلاقات مع الأنظمة ودعمها السياسي يتيح الفرص لتوظيف وترقية أبناء التيار الإسلامي المحرومين من ذلك ظلما بسبب انتمائهم، وكذلك لحماية العديد من المؤسسات التي تبذل جهدا كبيرا في إصلاح المجتمع.

لقد سبق لي أن سمعت مثل هذا التبرير من أشخاص آخرين ولكن لم أتأثر بكلامهم لعدم ثقتي بخلفياتهم ولأن العديد منهم أتيحت لهم فرص فلم يقدموا شيئا ذا بال لغيرهم ولا لصالح المؤسسات العاملة في الإصلاح الاجتماعي، عكس ما قدمه غيرهم ممن لم يكونوا على وفاق مع الأنظمة الحاكمة، ولكن مكانة الرجل الذي أتحدث عنه وأسلوب حديثه الهادئ والمفعم بالعاطفة أثر فيّ وجعلني أفكر  بعمق في ما قاله ولم أجبه إلا بعد سرد طويل لحججه، ولكن ما قلته له أثر فيه هو كذلك ورأيت أثر حديثي في ملامح وجهه جليا، إذ قلت له "أليس دور  رجل السياسة في الحزب أن يكون همه توفير الظروف في بلده لتُعطى الفرص لكل أفراد الشعب وليس لأفراد حزبه وحركته والقريبين منه فقط؟ أليس من أدوار الحزب أن يكافح من أجل تحقيق العدالة واحترام القانون لتصان حقوق كل المؤسسات والهيئات التي تعمل لصالح المجتمع؟"

حينما نريد أن نفهم الوضع المضطرب الذي عليه الحركات الإسلامية السياسية بين دورها كأحزاب سياسية ودورها كحركات اجتماعية ومجموعات مصالح في مختلف المجالات وفق التعريفات أعلاه، فإنه ينبغي أن نعود إلى مرحلة التأسيس والنمو حين كان منهجها منهجا شموليا ضمن الهيكل الواحد،افترقنا والتأثير متبادل بيننا، وكما وعدته فكرت طويلا في هذه المعضلة، فعلمت أن ما قلته له حق ولا بد أن يكون في البلاد من يكافح الاستبداد والفساد بلا هوادة وأن ينافس على الحكم بالطرق والأدوات السلمية ليقدم البديل من حيث البرامج والرجال بما يصلح البلد كله ويغير  حال مجمل المواطنين بقدر الإمكان، حتى وإن أدى ذلك الى توتر العلاقات مع الحكام، والتأصيل الشرعي لذلك حاضر في نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ذلك.

ويكفي أن نستذكر في الإطار العام سورة العصر التي يؤكد فيها الله تعالى بأن الخسران مؤكد في الناس ما لم يؤمنوا بالله ويعملوا صالحا وما لم يتواصوا بالحق، وبالصبر على المكاره والأذى الذي يحصل حتما على هذا الطريق، وفي الإطار الخاص المتعلق بالحكام ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في البرء من النفاق:  "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عَرَفَ بَرِئ، ومن أنكر سَلِم، ولكنْ مَنْ رضي وتابع" وغير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة في الموضوع،  وفي التجارب البشرية تضحيات عظيمة، في تاريخ المسلمين وغير المسلمين، لأبطال غيروا التاريخ بوقوفهم في وجه الاستبداد، ولكن في نفس الوقت هناك مقاصد ومصالح عظيمة تحققها المؤسسات التي تعمل في إطار الإصلاح الاجتماعي تضيع أو تضعف إذا استهدفها الاستبداد، وحجج هؤلاء تدور حول فقه المقاصد والمآلات، وفتاوى ترك الإنكار الذي يؤدي إلى منكر أكبر منه، وهي فتاوى يقرها أهل العلم في موقعها وليس عوام الناس، فما العمل؟

لقد أرجعني التفكير العميق في هذه المعضلة التي يقع فيها الإسلاميون بين واجباتهم كأحزاب سياسية أسست من أجل التغيير من جهة، وواجباتهم كحركات إصلاحية اجتماعية من جهة أخرى، فتأكد لدي أن الأحزاب الإسلامية تؤدي دورين متناقضين لا ينسجمان معا، خصوصا في ظل حكم الأنظمة الاستبدادية، وأنها حتما ستضحي بدور من الدورين إن أصرت على جمعهما معا. إن أصرت على خدمة أفرادها والتمكين لعناصرها في مختلف المواقع وحماية مؤسساتها الاجتماعية ستضيّع دورها في التغيير والإصلاح السياسي العام فتسكت عن أخطاء الحاكم وضعفه وانحرافه فتتحول إلى أحزاب متواطئة مع منظومات الفساد والفشل والتخلف، ويكون حالها كحال من ورد فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، يَتَقَاحَمُونَ فِي النَّارِ كَمَا تَقَاحَمُ القِرَدَةُ))، ثم تفقد مصداقيتها مع مرور  الزمن وتكون نهايتها أسوء ما يكون، وقد رأينا هذا المآل عن بعضها في العالم العربي والإسلامي، وإن أصرت على واجب مواجهة الإستبداد وقول الحق لا تخشى في الله لومة لائم ستضيع كثير من مكتسباتها على جبهة الإصلاح الاجتماعي.

لقد راجعت مطالعاتي السابقة في علم السياسة وعلم الاجتماع لحل هذه المعضلة فوجدت أن التجربة البشرية حلت هذه المعضلة من حيث التفريق بين الحزب السياسي ومجموعات المصالح، فهل الحركات الإسلامية السياسية أحزاب سياسية (Des Partis Politiques) أم مجموعات مصالح (DesGroupes D’Intérêt )؟

مفهوم الأحزاب السياسية

لو أردنا أن نقدم صياغة شاملة لمختلف المعاني الموجودة في الموسوعات السياسية والقواميس اللغوية وما تبينه التجارب العملية، نستطيع أن نقول أن الحزب السياسي هو منظمة سياسية يجتمع فيها أشخاص تجمعهم رؤى وأفكار ومشاريع سياسية مشتركة، يرون أنها الأصلح لخدمة بلدهم ومواطنيهم، ينظمون أنفسهم بالتراضي بينهم من أجل المنافسة الديمقراطية على الحكم وتسيير الشأن العام في مختلف مستوياته المحلية والبرلمانية والرئاسية، يعتمدون في ذلك على النضال السياسي لقادتهم ومناضليهم من أجل إقناع الناخبين وإبرام التحالفات مع قوى سياسية  واجتماعية يتقاسمون معها نفس الأهداف بشكل دائم أو مؤقت. والانتماء للحزب السياسي مفتوح لكل المواطنين الذين يؤمنون ببرنامجه.

وفي الدول التي تتوفر فيها الديمقراطية يتجه جهد الأحزاب إلى قضايا التنمية والتنافس مع الأحزاب والقوى الانتخابية الأخرى لتقديم أحسن الحلول والأفكار والبرامج لتحسين معيشة المواطنين والوصول بالبلد إلى أحسن مستويات الرقي والتطور من خلال تنفيذ برامجهم إن كانوا في الحكم، أو من خلال الرقابة والمساءلة ونقد حالات الفساد والفشل والقصور في خدمة المواطنين وتقديم البدائل في مختلف المجالات إن كانوا في المعارضة، فيكون التداول على الحكم في صالح البلاد والعباد، وحين لا تتوفر الديمقراطية بشكل كلي يتوجه جهد الأحزاب إلى العمل الدفعي من أجل الحقوق والحريات، وفي حالة توفر هوامش للحرية والتعددية  في ظل الاستبداد ضمن ديمقراطيات الواجهة يزاوج الحزب بين النضال من أجل الحريات والعمل من أجل تحقيق التنمية بقدر الهوامش المتاحة في المجالين إلى أن يتحقق التحول الديمقراطي الذي يتيح التداول وتتمايز فيه فضاءات العمل بشكل واضح وبين.

مفهوم مجموعات المصالح:

أما مجموعات المصالح (interest groups, Les groupes d’intérêt ) فهي مجموعة تكتل أفراد من المجتمع تجمعهم روابط معينة مهنية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو دينية، ولهم مصالح وأهداف مشتركة يسعون إلى تحقيقها من خلال وسائل عديدة لا تقصد الوصول إلى السلطة باسم تكتلاتهم ومنظماتهم، ولا ينافسون على ذلك، ولا ينخرط في هذه المجموعات إلا أصحاب الاهتمام والاختصاص والمصلحة المشتركة.

تهتم مجموعات المصالح بخدمة الأهداف التي نشأت من أجلها، ولكن قد تكون لها أدوار سياسية غير مباشرة، وتتنوع وسائلها لذلك  وفق طبيعتها ومجالها، من الضغط السياسي إلى دعم مرشحين أو أحزاب معينة في السلطة أو مؤهلين للوصول إلى السلطة، إلى الاتصالات والعلاقات مع سياسيين يحملون نفس الأفكار ويدافعون على نفس الأهداف بشكل دائم أو ضمن ظروف عابرة، إلى السعي لإيصال أفراد من مجموعات المصالح إلى مواقع النفوذ والتأثير، إلى السعي إلى تجسيد تشريعات برلمانية وقرارات حكومية ودعم ميسورين وفاعلين في المجتمع لصالح أهداف مجموعة المصالح، وغير ذلك.

إن وجود مجموعات المصالح أمر طبيعي ومعلن في الأنظمة الديمقراطية، وفي بعض الدول يكون مقننا، ضمن المفهوم العام للمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وهي تتوزع على اختصاصات كثيرة ومتنوعة، فمنها مجموعات المصالح السياسية كاللوبيات والمجموعات العرقية والمذهبية والدينية والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومجموعات المصالح الاقتصادية والمالية كمنظمات رجال الأعمال والجمعيات المهنية والشركات العابرة للقارات، ومجموعات المصالح الاجتماعية والإنسانية والفئوية كالنقابات والمنظمات الشبابية والنسوية ومحاربة الفقر والمخاطر البيئية، ومجموعات المصالح الثقافية والدينية كالمنظمات الدعوية والطرق الصوفية وحفظ القرآن الكريم في البلاد الإسلامية والمحافظة على الهوية واللغة والأبعاد الحضارية.

وبالرغم من أن مجموعات المصالح منفصلة عن الأحزاب السياسية في الحياة الديمقراطية، فإن الكثير منها تجمعها مع الأحزاب ميولات سياسية وأيديولوجية.  غير أن  مجموعات المصالح الأكثر فاعلية هي التي تؤثر في الأحزاب أكثر مما تتأثر بها وذلك من خلال التأثير على جمهورها كقوة انتخابية، أو  ما لديها من نفوذ أو قوة مالية أو إعلامية.

ولا بد من التنبيه بأن وجود مجموعات المصالح، أو بأي اسم آخر نسميها به، أمر إيجابي حين يؤدي تحقيق مصالح من تمثلهم إلى تحقيق المصلحة العامة، وحين تكون في إطار التدافع العادي الذي يضمنه القانون والأفكار والقيم الإيجابية والأعراف السليمة، وقد تَحقق ذلك فعليا في زمن الحضارة الإسلامية، حيث كان المجتمع شريكا فعليا في النهضة الحضارية في إطار قيمة التعاون على البر والتقوى.

غير أنه يمكن لمجموعات المصالح أن تصبح خطرا على الديمقراطية والعدالة بين المواطنين ومضرة بالقيم والاستقرار الاجتماعي والسيادة الوطنية حين تصبح متحكمة في رجال السياسة خارج التنافس الديمقراطي الشفاف، وحين تكون مصادمة للقيم والفطرة، وأخطرها في هذا الشأن المجموعات السرية.   وهذا الذي وصلت إليه الحضارة الغربية في زمنها الأخير حيث ألغت مجموعات المصالح مفهوم الديمقراطية الذي كان وراء تطور  الدول التي نشأت فيها، خاصة اللوبيات السياسية، والاقتصادية والمالية كاللوبي الصهيوني والماسونية والشركات العابرة للقارات ومؤخراً اللوبيات الثقافية كلوبيات الإباحية والشذوذ، بتحكمها التام في الأحزاب والنواب ورجال السياسة بمختلف انتماءاتهم.

الحركات الإسلامية السياسية.. بين مفهوم الحزب السياسي ومفهوم مجموعات المصالح:

إننا حينما نريد أن نفهم الوضع المضطرب الذي عليه الحركات الإسلامية السياسية بين دورها كأحزاب سياسية ودورها كحركات اجتماعية ومجموعات مصالح في مختلف المجالات وفق التعريفات أعلاه، فإنه ينبغي أن نعود إلى مرحلة التأسيس والنمو حين كان منهجها منهجا شموليا ضمن الهيكل الواحد، حيث لم تكن تنافس على السلطة و إنما تعمل في المجتمع فكريا ودعويا واجتماعيا وتمارس السياسة كتيار عام ضاغط على الأنظمة فحققت نتائج جيدة وأنشأت صحوة عارمة دخلت في كل مفاصل الحياة بل أثرت تأثيرا كبيرا في السياسات الحكومية وصار لها متعاطفين كثر لدى العديد من المسؤلين.

أمام حالة الصدام مع الأنظمة حاولت بعض الأحزاب الإسلامية التخلي كلية عن وظائفها ومؤسساتها الاجتماعية، وحاول أكثرها خفض الطموح السياسي في التغيير من أجل المحافظة على أدوارها الاجتماعية الإصلاحية، ولكن أمام إصرار الأنظمة الحاكمة على إنهاء أو إضعاف القوة التنافسية للأحزاب الإسلامية، وعدم السماح لها بالمشاركة الفعلية في الحكم قبلت هذه الأخيرة تسليم منظماتها ومؤسساتها للأنظمة الحاكمةولكن حين دفعتها حاضنتها الشعبية القوية إلى المنافسة على الحكم وتحولت في مجملها إلى أحزاب سياسية وجدت نفسها في صراع شديد مع الأنظمة الحاكمة التي استهدفتها في كل وظائفها، السياسية والاجتماعية، ليس لأنها أحزاب إسلامية أساسا بل لأنها القوة الأساسية التي تنافس على الحكم وتنجح في الانتخابات كلما أتيحت لها الفرصة.

أمام حالة الصدام مع الأنظمة حاولت بعض الأحزاب الإسلامية التخلي كلية عن وظائفها ومؤسساتها الاجتماعية، وحاول أكثرها خفض الطموح السياسي في التغيير من أجل المحافظة على أدوارها الاجتماعية الإصلاحية، ولكن أمام إصرار الأنظمة الحاكمة على إنهاء أو إضعاف القوة التنافسية للأحزاب الإسلامية، وعدم السماح لها بالمشاركة الفعلية في الحكم قبلت هذه الأخيرة تسليم منظماتها ومؤسساتها للأنظمة الحاكمة، كرها في بعض الدول أو طوعا في دول أخرى، ويئست من التغيير السياسي والديمقراطي، ولم يصبح لها من طموح سوى أن تقبلها الأنظمة الحاكمة كجزء من المعادلة السياسية ولو ضمن سقوف لا تؤهلها للتغيير  وتطبيق برنامجها ورؤيتها الحضارية أبدا، وأن يتاح لجزء من إطاراتها الفرصة لصعود المواقع البرلمانية والمجالس المنتخبة وللتوظيف والترقية في المناصب الحكومية، فتحولت بذلك إلى مجموعات مصالح لخدمة أفرادها أكثر بكثير من خدمة مشروعها، سواء قصدت ذلك أم لم تقصد، فلا هي حافظت على وجودها كمؤسسات اجتماعية ضمن منظور مجموعات المصالح ذات البعد الإصلاحي الحضاري كما كانت من قبل، ولا هي تحولت إلى أحزاب سياسية حقيقية فاعلة وفق التعريف الذي بدأنا به هذا المقال.

لا شك أن ثمة في العالم أحزاب صغيرة تؤدي دور مجموعات مصالح لفئات محددة، أو مجموعات عرقية أو مذهبية. لا تهتم كثيرا بالبرامج ومشاريع تطوير أوطانها وإنما تعمل من أجل مصالح فئاتها وأفرادها، ولكن هذا النوع من الأحزاب لا يعول عليه لنهضة الأوطان، و حين تنتبه الشعوب إلى حقيقتها لا تعتمد عليها في إصلاح أوضاعها دون تمييز.

فإن تحولت الأحزاب الإسلامية، ضمن حالة اليأس من الديمقراطية والتوقف عن دفع الأثمان من أجل التغيير إلى مجموعات مصالح،  واكتفت  بالخطاب السياسي الذي لا يزعج الحكام ولا يهدد مصالحهم وكراسيهم في إطار التداول السنني الحتمي وفق  قوله تعالى: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس))فإن الله سيستبدلهم حتما بأنواع جديدة من قوى التغيير لا تشبههم كما قال تعالى: ((و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)).

إن الطريق الذي يسمح للحركات الإسلامية أن تستكمل مسارها الحضاري أن لا تستغرق في "الحسابات المسطرية" مع الأنظمة، ولكن فلتحسب مع الله ومع الشعوب وفق قوله تعالى: (( هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين)). فإن اختارت أن تكون أحزابا سياسية فلتمارس العمل الحزبي على أصوله كما شرحناه في بداية المقال،  ولتمنح مؤسساتها الاجتماعية التي أسستها والتي يمكن أن يؤسّسها أفرادها إلى المجتمع وأن يرموا بها إلى الشعب ضمن نظريات التخصص الوظيفي وأن يقطعوا الحبل السري معها، ليلتقوا معها في الرؤية والرسالة أساسا، مع إمكان الدعم والتعاون المتبادل  كما هي العلاقة بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ومجموعات المصالح في الدول الديمقراطية ضمن مقاربات التشبيك بعيدا عن السيطرة التنظيمية العقيمة، كما لا يجب أن يسلموها للأنظمة الحاكمة، لتصبح لجان دعم للاستبداد بدل أن تكون صانعة حضارة.

ولا يعني ذلك أن تصادم هذه المؤسسات المجتمعية السلطات بالضرورة، ولكن تمارس دورها على طبيعتها، على يمين الأحزاب أو على يسارها، أي بعضها سيتعاون مع السلطات في اختصاصها كالجمعيات الخيرية والإغاثية والفنية والثقافية والرياضية والاقتصادية ونحو ذلك ، وبعضها تكون له حتما احتكاكات ومنابذة مع الأنظمة كالنقابات وجمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية وغير ذلك.

فإن أصرت الأحزاب الإسلامية أن تتحول إلى مجموعات مصالح فلا توهم الناس بأنها البديل السياسي للأنظمة الفاسدة أو الفاشلة ولتفرح لوجه الله تعالى بأن تفرز المجتمعات أحزابا أو  تيارات سياسبة  قوية غيرها تعمل من أجل التغيير الفعلي ولها القدرة على مناجزة الحكام سلميا إن لزم الأمر ذلك وفق ما جاء في الحديث حسن الإسناد: "سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك". وإلا ستستبدل رغما عنها، وأمارات ذلك بدأت تظهر مع التطورات العالمية الجارية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير السياسة سياسة رأي اسلاميون أطروحات أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکات الإسلامیة السیاسیة الأحزاب الإسلامیة أحزاب سیاسیة هذه المعضلة مع الأنظمة على الحکم فی مختلف من خلال فی إطار من أجل

إقرأ أيضاً:

كيف دعمت الدراما السورية فلسطين وسخرت من الأنظمة العربية قبل التكويع؟

عاد التركيز على العديد من الفنانين والنجوم السوريين أصحاب الأعمال الشهيرة بعد سقوط النظام السوري، وذلك للتذكير بمواقفهم المختلفة، سواء للإشادة بها عند رفضهم دعم بشار الأسد، أو للتذكير بأنهم رفضوا الانحياز للثورة وفضلوا دعم النظام الحاكم.

وقدمت الدراما السورية في أوج عطائها العديد من الأعمال الفنية التي دعمت الحريات وانتقدت القمع ورفضت الجرائم الإسرائيلية ووقفت مع الشعب الفلسطيني، وهو الذي لم يتكرر تقريبا في أي مكان آخر بذات الشكل والتأثير.

وكان لمثل هذه الأعمال دورا بارزا في التعريف بالقضية الفلسطينية وضرورة التمسك بها، مع تقديم نظرة ناقدة وساخرة أحيانا لدور الدول والأنظمة العربية، وذلك قبل بدء الثورة السورية وتراجع الإنتاج الفني وحتى قبل ظهور مفهوم "التكويع" بعد إسقاط النظام.

و"التكويع" هو وضعية جلوس أو اضطجاع بالاستناد إلى الكوع، وهي وضعية تقليدية غير رسمية، وعلى "المُكوّع" أن يُعدّل من جلسته عند شروعه في الكلام الرسمي أو عند دخول أحد عليه منعا للحرج، وهو مصطلح يطلق حاليا على الممثلين والفنانين الذين انحازوا لنظام الأسد ومن ثم "عدلوا جلستهم" بعد نجاح الثورة.

الفصول الأربعة 
يتناول المسلسل السوري الشهير القضية الفلسطينية وأحداث الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000 من خلال حلقة جاءت بعنوان "بنت وصبي"، وتبدأ على مشهد من نشرة أخبار تتحدث انتفاضة الأقصى وجرائم الاحتلال.

 وما يثير انتباه شخصية "نارا" (تؤدي دورها روعة السعدي)، إلى جانب تعاطفها مع الشعب الفلسطيني، هو الحديث عن مجلس الأمن والأمم المتحدة محكمة العدل الدولية ومنظمة اليونسيف والمنازعات الدولية.


ومع أحداث الحلقة تكثر أسئلة "نارا" لوالدها المحامي عادل (جمال سليمان)، ويزداد اهتمامها بالقضايا الحقوقية، يعكس ذلك على شخصيتها وتعاملها مع صديقاتها في المدرسة وقرارها التخصص في القانون الدولي من أجل العمل ضمن محكمة العدل الدولية.

ومع اهتمام "نارا" بمتابعة الأخبار بشكل يومي تتحول الأسئلة إلى جوهر القضية الفلسطينية وفهم مبدأ المواجهة، لكنها تستغرب من عدم قدرة العرب على تحرير فلسطين، رغم عددهم الكبير ومواردهم النفطية الوفيرة.

وتتجه الأسئلة بعد ذلك إلى دور جامعة الدول العربية وتفاصيلها، وعن سبب عدم وجود محكمة العدل العربية ضمن الجامعة، أسوة بالأمم المتحدة، ومن ثم إلى الاستغراب من كل المواثيق الدولية واحتكار حق النقد "الفيتو" على الدول الخمس الكبرى. 

تتساءل "نارا" عن سبب تجاهل "إسرائيل" لقرارات الشرعية الدولية، وعن سبب سكوت العالم عن هذه الانتهاكات الدولية؟ ليرد عليها والدها أنها عندما تكبر سوف تجد أجوبة لكل هذه الأسئلة، لتقول مستغربة: "المشكلة في فلسطين سوف تبقى حتى أكبر؟".

ونتيجة ذلك تصل "نارا" إلى استنتاج إلى أن كل المنظمات الدولية والإقليمية والعقائدية وغيرها "ليس لها أي فائدة أو طعم مقابل الحجر"، وأن دراسة القانون الدولي غير مفيدة مقابل حمل الأحجار مع أطفال فلسطين، وهو ما تسبب في مشادة مع والدها.

وتتأخر "نارا" بالعودة إلى البيت بعد المدرسة بهدف زيارة سفير اليونيسف الإقليمي، ليظن والدها وعائلة أمها المتوفاة بأنها ذهبت إلى فلسطين، وبالفعل تلتقي بسفير اليونسيف (دريد لحام)، وتشرح له كيف أن والدها يمنعها من الحديث بحرية عن قضية فلسطين، ثم يصطحبها إلى عائلتها القلقة على سلامتها.

وجاءت هذه الحلقة من المسلسل الذي أخرجه الراحل حاتم علي، في آيار/ مايو 2001، بعد أيام فقط من استشهاد الرضيعة إيمان حجو، في أحضان أمّها سوزان، أمام بيت عائلتها في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة.



مرايا
جاء في جزء مسلسل مرايا السوري الشهير "مرايا 99" بعنوان  "سوسو السفاح" (ياسر العظمة) وهي أيضا من إخراج حاتم علي، وتعرض رمزيات حول القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والدول العربية.

وشخصية سويو هي لـ"قبضاي" جبان يخاف من أي شيء، خصوصًا زوجته، لكنه بارع جدًا التمثيل، ويستغل صوته المرتفع وعيونه المخيفة في صناعة هيبة وهمية له في نظر الآخرين.

ويمارس "سوسو" الداعية على "قباضايات القهوة"، ويستغل احترامهم المبالغ به للقوة، وينجح في إرهابهم وتخويفهم.

وخلال أحداث الحلقة، يلوم "القبضايات والازقردية" بعضهم لعدم قدرتهم على الرد على "سوسو"، ثم يبتكروا التبريرات لخوفهم منه.


ويحاول شاهر (محمد قنوع) أو "شوشو" كما يسخر منه رواد القهوة، إثبات قوته وأنه يستحق المكانة والاحترام، يكتشف حيلة "سوسو" وجبنه وخوفه، ذلك يلحق بـ "سوسو" ويختبر جبنه وخوفه، بل يعمل إهانته وتهديده، لكن سوسو لديه المزيد من الألاعيب والحيل. 

ويصر شاهر على مواجهة "سوسو" داخل القهوة، وبالفعل يأتي سوسو قويًا ومهابًا كالعادة، ويمارس حيلته على الجميع، ويعمل على إيقاع "شوشو" في قبضة باقي "أقوياء" القهوة.



الاجتياح
مسلسل من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي في عام 2007، وهو من إخراج شوقي الماجري، وسيناريو رياض سيف، ويصور معاناة الشعب الفلسطيني خلال اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين سنة 2002.



ويتناول العمل الأحداث التي ترافقت مع إعادة احتلال الضفة الغربية عام 2002 من حصار لرئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم، ومجزرة جنين.

وفي تصريح سابق له، أكد المنتج عدنان عواملة أن 80 بالمئة من مجريات المسلسل حقيقية وتمثل عملا وثائقيا، وكاتب العمل استمع إلى شهادات من أناس عايشوا الاجتياح، وبالتالي كانت الرواية واقعية بنسبة كبيرة". 

وأحجمت معظم الفضائيات العربية حينها عن بث المسلسل، بحجة تضمن أحداثه قصة حب بين مصطفى الفلسطيني المطارد ويائيل الفتاة اليهودية وهي نقطة تعرض المسلسل للانتقاد بسببها.

انتو شو جايبكو ؟ شو بدكو ؟ انا هون بيتي .. #مصطفى#منذر_رياحنه #شوقي_الماجري
مسلسل #الاجتياح pic.twitter.com/ImqZC2LDmV — monther rayahneh (@RayahnehMonther) August 11, 2024
وعن ذلك قال عواملة إنه "حال لم تكن القصة واقعية بالمطلق، فقد تترك للكاتب مساحة للتشويق، وقد تكون تلك القصة جاءت من هذا المنطلق، لتؤكد أن الفلسطيني لا يبحث عن الإرهاب والموت بل تعني له الحياة الكثير".

وحصل المسلسل جائزة "إيمي" المعادلة لجائزة الأوسكار، إلا أنها تمنح للمسلسلات والبرامج التلفزيونية المختلفة، وهو ما أحدث مفاجأة متفوقا على أكثر من 500 عمل تلفزيوني عالمي.

وبعد هذه الجائزة، لفتت قوة العمل انتباه صناع السينما والدراما الغربيين، الذين أبدوا إعجابهم بأداء الممثلين القوي واستغرابهم لهذا الكم الهائل من المعلومات والواقع الذي يخفى عنهم.

ويأتي هذا بعدما امتنعت قنوات عربية بارزة عن عرضه، وهي ذاتها التي ذهبت إلى عرض مسلسلات تروج التطبيع وتحسن صورة الاحتلال عالميا في السنوات الأخيرة، فضلا عن عقد شراكات مع جهات إسرائيلية.

على هلسيرة تنسوش تحضروا مسلسل الاجتياح.
أفضل مسلسل عربي انعمل بالتاريخ بدون اي مبالغة.

المسلسل كان من المفترض انه ينعرض عMbc لكن زي ملتويت الاصلية بتقول عن التطبيع، انسحبت من بثه و ضله سنة مرمي لحتى منعرض على شبكة LBC و ياخد جائزة Emmy لافضل مسلسل عالمي طويل. https://t.co/7CBxN8Tr2n pic.twitter.com/W3qrKqPo84 — Yeezoz المتهكم ¥ (@izzwhatitizzz) June 7, 2021
أعمال بارزة أخرى 
يعد مسلسل التغريبة الفلسطينية من أبرز وأهم الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية بعمق، يروي المسلسل مأساة الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 وحتى الشتات، مع تسليط الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية.

وجاء المسلسل بتأليف من وليد سيف، وإخراج الراحل حاتم علي، وجرى حذف حلقاته من منصة "شاهد" التابعة لشبكة "إم بي سي" السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وبعد توقيع دول خليجية لـ"إتفاقيات أبراهام" للتطبيع مع الاحتلال،  إلا أن حملة كبيرة أجربت المنصة على إعادة الحلاقات.

العالم كله تآمر علينا |

بدل ما تِتلقّح تحت عمودك خيمتك، اخلعه واطلع فيه..
خذ حقك فيه بالمليحة ولاّ بالعاطلة..
تقوليش بصير ولاّ بصيرش...إذا "إسرائيل" قامت كل إشي بصير..

(التغريبة الفلسطينية) pic.twitter.com/iLdYm0GtU5 — The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) November 18, 2023
أما فيلم رجال تحت الشمس الصادر عام 1970، فهو مقتبس عن رواية غسان كنفاني، ويروي قصة ثلاثة فلسطينيين يحاولون عبور الحدود بحثا عن حياة أفضل، لكنهم يواجهون مصيرا مأساويا، وكان العمل دراميا بارزا في السينما السورية، وأُلهمت منه مسلسلات لاحقة.

وحصل الفيلم على الجائزة الفضية في مهرجان قرطاج في العام ذاته، وشارك في تمثيله يوسف حنا، وعاطفة الخالدي، وأخرجه محمد شاهين.


وفي عام 2020، صدر مسلسل حارس القدس، الذي يحكي سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وإخراج باسل الخطيب، وبطولة الممثل السوري رشيد عساف.

يروي المسلسل سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، الذي كان من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ويسلط الضوء على دوره في مقاومة الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • سماء سليمان: تمثيل المرأة في البرلمان تجاوز 28% وبالحكومة 25%
  • طارق صالح يناقش مع بن دغر ''الإنتهاء من اعداد البرنامج السياسي'' لتكتل الأحزاب اليمنية
  • يا شعبنا المعلم: أشعلت ديسمبر ضد الظلاميين ضد الحرامية!
  • العاصمة .. انقاذ شخصين في عرض البحر بـ شاطئ الحزائر
  • هزة أرضية تضرب عين الدفلى 
  • بحضور 30 لاعبًا من دول العالم.. المغرب تستضيف بطولة الدوري الإفريقي للسلة
  • بحضور 30 لاعبا من دول العالم.. المغرب تستضيف بطولة الدوري الافريقي للسلة
  • كيف دعمت الدراما السورية فلسطين وسخرت من الأنظمة العربية قبل التكويع؟
  • الإعلان عن نظام الدوري السوداني: 23 فريقاً و4 مجموعات
  • أستاذ علوم سياسية: أزمات الشرق الأوسط أهم ملفات قمة الدول الثماني الإسلامية