برنت سادلر - نيكول روبنسون -

يهاجم الحوثيون الشحن في البحر الأحمر منذ أكتوبر، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن العالمية ووجود آثار مضاعفة على الأسواق والمستهلكين في الولايات المتحدة. ومع ذلك، مع استيلاء الحرس الثوري الإيراني مؤخرا على سفينة (إم إس سي آريس) التي ترفع علم البرتغال في مضيق هرمز، قد لا يكون البحر الأحمر هو الممر المائي الوحيد.

ليست الآثار الاقتصادية لاضطرابات البحر الأحمر وغيرها محسوسة إلى حد كبير حتى الآن، لكنها ستتفاقم بمرور الوقت. وسوف تكون شركات الشحن أول من يستشعر هذه التأثيرات، يليها المصنّعون، وتجار التجزئة، ثم المستهلك أخيرا.

يعد البحر الأحمر أحد أهم الشرايين في نظام الشحن العالمي، إذ يمر عبره ثلث إجمالي حركة الحاويات. بالإضافة إلى ذلك، يمر 12% من النفط المنقول بحرًا و8% من الغاز الطبيعي المسال عبر قناة السويس. ولكن بعد أربعة أشهر من الهجمات، فإن نصف أسطول الشحن العالمي الذي يعبر البحر الأحمر بانتظام يغيِّر مساره ليسلك طريق رأس الرجاء الصالح. وتؤدي تكاليف الوقود الإضافية، والتأخيرات الطويلة، وارتفاع أقساط التأمين إلى زيادة التكاليف على شركات الشحن بما يصل إلى مليارات الدولارات.

قال الرئيس التنفيذي لشركة (إيه بي مولر ميرسك)، وهي أكبر شركة شحن في العالم: إن «البحر الأحمر هو أحد الشرايين الرئيسية للاقتصاد العالمي، وهو مسدود في الوقت الحالي. وفي هذا الوقت الذي يمثل التضخم فيه مشكلة كبيرة، فإن ذلك يفرض ضغوطا شديدة على تكاليفنا، وعلى .زبائننا، وفي النهاية على المستهلكين في أوروبا والولايات المتحدة».

بلغت أسعار الشحن ذروتها في فبراير صعودا بنسبة 190% مقارنة بمعايير ما قبل الأزمة، وهو أعلى مما كانت عليه في ذروتها خلال جائحة «كوفيد-19» في عام 2021. وبرغم انخفاض هذه الأسعار، فهي لا تزال أعلى بنسبة 100% عن معايير ما قبل الأزمة. وتؤثر هذه التكاليف المتزايدة عبر سلسلة التوريد العالمية كما يتم استيعابها بشكل مختلف.

لا يعتمد المنتجون وتجار التجزئة الأمريكيون بشكل عام على طرق الشحن في البحر الأحمر. ومع ذلك، لا يستطيع شركاؤهم الأوروبيون والآسيويون أن يقولوا مثل ذلك. لأن قرابة 25% من الواردات الأوروبية و10% من الصادرات الأوروبية من الشرق الأوسط وآسيا تمر عبر البحر الأحمر.

في الوقت نفسه، تتمتع الولايات المتحدة بموانئ على المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما يقلل الاعتماد على طريق البحر الأحمر. كما يمكن للمنتجين وتجار التجزئة الأمريكيين أيضًا أن يعيدوا توجيه الشحنات بين سواحلها، باستخدام أنظمة الطرق السريعة والسكك الحديدية عبر الولايات المتحدة لنقل البضائع بسرعة من الساحل الغربي إلى ساحل الخليج والساحل الشرقي.

ومع ذلك، فإن التأثير الكامل لهجوم الحوثيين على الشحن سيؤثر على المستهلكين الأمريكيين. ومن أسباب ذلك أن زيادة تكاليف الشحن تشكل عبئا غير متناسب على القطاعات ذات هوامش الربح الضيقة، مثل الملابس والمواد الكيميائية، وحتى شركات الشحن نفسها.

تشعر كبار علامات التجزئة التجارية مثل (إتش آند إم - وولمارت - تارجت) بآثار الاضطرابات في البحر الأحمر. تقوم شركة «تارجت»، على سبيل المثال، بتوريد الملابس والبلاستيك ولعب الأطفال ومنتجات الحمام من الموردين في الهند وباكستان، ويتم شحن هذه السلع عبر البحر الأحمر. وقد اتخذ معظم تجار التجزئة خطوات للحد من هذه الاضطرابات من خلال طلب منتجاتهم مسبقًا أو نقل الإنتاج إلى مقربة من المستهلكين.

والمنتجون وتجار التجزئة مقيدون بهوامش ربح ضئيلة، ومن ثم لا يستطيعون شحن المنتجات في وقت أسبق من المعتاد، فخياراتهم للتكيف مع تكاليف الشحن المتزايدة واضطرابات سلسلة التوريد محدودة. فيكونون مرغمين على تحميل التكلفة الإضافية للمستهلك، بما يسهم في الضغوط التضخمية الموجودة مسبقا. على سبيل المثال، حققت شركة ليفي شتراوس لبيع الملابس هامش ربح بنسبة 4.04% في عام 2023، في حين سجلت شركة (إيه بي مولر ميرسك) للشحن متوسط هامش ربح لمدة عشر سنوات بنسبة 0.74%. وبالمقارنة، حققت الشركات الخمسمائة المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز متوسط هامش ربح يبلغ 11.6%.

يظل الشحن مرنا، لكن الاضطرابات طويلة الأمد في البحر الأحمر سوف تستلزم تعديلات طويلة الأجل، واستثمارات جديدة في موانئ جديدة، وطلبات لشراء المزيد من السفن. وإذا اضطر الشاحنون إلى القيام بعمليات عبور أطول لتجنب البحر الأحمر، فسوف يحتاجون إلى المزيد من السفن للحفاظ على التجارة وتنميتها من حيث الحجم. ولقد كانت شركات الشحن -قبل هجوم الحوثيين- تطلب بالفعل سفنا ستبدأ في الوصول إلى أساطيلها الآن وحتى عام 2026. ومع ذلك، ليس واضحًا إن كانت هذه الاستثمارات ستخفف المزيد من الاضطرابات أم سيتبين أنها غير ضرورية في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي الوشيك.

بالإضافة إلى هذه المشكلة، هناك إمكانية لتقلص أو توقف العبور في قناة بنما. فقد أرغم الجفاف بالفعل سلطات قناة بنما على خفض حركة المرور فعليا بنسبة 36%، مما أدى إلى تفاقم الضغوط على طرق الشحن الحالية. وبرغم أنه من المتوقع أن تخفف القناة القيود المفروضة على حركة المرور مع تحسن منسوب المياه، فإن عمليات النقل لا تزال ذات قدرة منخفضة.

وبشكل ملحوظ، تعمل هذه الضغوط على تسريع الجهود الناشئة لتقوية وتنويع سلاسل الإنتاج والتوريد الأمريكية. وقد صار هذا أمرا حتميا عندما كشف وباء «كوفيد-19» الاعتماد المفرط على الصين وخطورة هشاشة سلسلة التوريد بالنسبة للصناعات الأمريكية. واستجابة لذلك، حاليا تقوم العديد من الصناعات الأمريكية والكونجرس باستكشاف الفرص المتاحة للسلع الأساسية البرية وقريبة المصدر المصنوعة في الخارج - وتزيد الأحداث في البحر الأحمر من الضغوط من أجل القيام بذلك.

وينفذ الاتحاد الأوروبي أيضًا إجراءات مماثلة «لإزالة المخاطر» عن سلاسل التوريد الخاصة به. ويمكن أن تساعد هذه الإجراءات في تخفيف الاضطرابات المستقبلية المماثلة للهجمات الحالية في البحر الأحمر مع تأكيد أهمية وصول الكتلة إلى شحن مضمون تعتمد عليه التجارة الأمريكية.

في الوقت الحالي، يتعين على شركات الشحن العالمية اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل. ومن الأمور الأساسية في هذا الصدد شراء سفن إضافية لتحسين وضعها تحسبًا لزيادة حجم التجارة وللاضطرابات البحرية المحتملة في المستقبل. وفي ظل البيئة الحالية، من المرجح أن تكون سعة الشحن الإضافية استثمارا حكيما.

تبدو الفرص ضئيلة للعودة إلى الشحن العالمي الآمن البعيد عن النزاعات في أي وقت قريب، بعد أشهر من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية. بل إن الرئيس بايدن اعترف بأن الضربات لم تنجح. والأسوأ من ذلك أن إسقاط المسيّرات الحوثية الرخيصة بصواريخ تبلغ قيمة الواحد منها مليون دولار قد كلّف الجيش الأمريكي مليار دولار، بما يكبّد الولايات المتحدة تكاليف كبيرة.

يعد البحر الأحمر طريقًا حيويًّا للطاقة والسلع الاستهلاكية. وفي ظل عدم ظهور نهاية واضحة في الأفق، سوف يشعر المستهلكون ودافعو الضرائب في الولايات المتحدة بالآثار. وللتخفيف من التحديات الحالية والمستقبلية في سلسلة التوريد العالمية، يجب أن يجمع الكونجرس قادة الصناعة والعسكريين والدبلوماسيين معًا لوضع تشريعات تحمي المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وخارجه.

برنت د. سادلر: زميل أبحاث أول في الحرب البحرية والتقنيات المتقدمة في مؤسسة هيرتيدج

نيكول روبنسون: باحثة مشاركة أولى في مركز هيريتيدج للأمن القومي

عن ذي ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر الشحن العالمی سلسلة التورید شرکات الشحن ومع ذلک

إقرأ أيضاً:

لويد ليست: عودة الشحن عبر باب المندب مرهون بقرار القوات المسلحة اليمنية

الثورة / متابعات

حذرت شركات عاملة في مجال الأمن البحرى من أي خروقات او انحرافات للاتفاق المعلن فيما يخص وقف إطلاق النار بغزة قد يقوم بها العدو الصهيوني وأن ذلك قد يؤدي الى استئناف الهجمات من اليمن

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن جاكوب لارسن مسؤول الأمن البحري في “بيمكو” أكبر جمعية شحن في العالم ان وقف إطلاق النار في غزة ما زال يعتبر هشًا، ولذلك حتى الانحرافات البسيطة عن اتفاقات وقف إطلاق النار قد تؤدي إلى تجدد الهجمات البحرية من اليمن

من جانبها قالت شركة أمبري البريطانية للأمن البحري ان السفن التي تملكها “إسرائيل” وترفع علمها لا تزال معرضة للاستهداف في البحر الأحمر وخليج عدن

واشارت الشركة الى ان استئناف عمليات الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، يتوقف على مدى استمرار وقف إطلاق النار في غزة.

وقالت الشركة ” نحذر من الشحن المرتبط بـ”إسرائيل” والتجارة الإسرائيلية في البحر الأحمر معرض لخطر أكبر من الشحن المملوك لأمريكا وبريطانيا حيث لا يزال وقف إطلاق النار هشًا وتستمر المفاوضات الثانوية

من جانبه قال مركز المعلومات البحرية المشترك “JMIC” الذي تشرف عليه البحرية الأمريكية” التهديد في البحر الأحمر وخليج عدن للشحن المرتبط بـ”إسرائيل” أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة “سيظل مرتفعًا”

ذكر موقع “لويد ليست” البريطاني أن” الحوثيين” لا زالوا يسيطرون على البحر الأحمر وإعلان الاتفاق في غزة يفتح الباب أمام إمكانية عودة الشحن إلى باب المندب. مضيفا أن قطاعا كبيرا من الصناعة لا يزال رهينًا بما يقرر “الحوثيون” القيام به بشأن عودة الشحن عبر باب المندب.

وكان مسؤولون تنفيذيون في صناعة الشحن والتأمين والتجزئة قد ذكروا في وقت سابق أن الشركات التي تنقل منتجاتها في جميع أنحاء العالم ليست مستعدة للعودة إلى طريق البحر الأحمر في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان “الحوثيون” في اليمن سيواصلون مهاجمة السفن.

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين تنفيذيين في صناعات الشحن والتأمين والتجزئة، إن المخاطر لا تزال مرتفعة للغاية بحيث لا يمكن استئناف الرحلات عبر مضيق باب المندب في البحر الأحمر الذي يجب أن تمر عبره الصادرات إلى الأسواق الغربية من الخليج وآسيا قبل دخول قناة السويس.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة Basic Fun ومقرها الولايات المتحدة، جاي فورمان، والتي تزود الألعاب لتجار التجزئة الأميركيين الرئيسيين مثل Walmart و Amazon.com لا توجد طريقة لأضع أيا من بضائعي على متن قارب سيمر عبر البحر الأحمر لبعض الوقت في المستقبل. وأضاف فورمان: سأنفق الأموال الإضافية، وسأرسل كل شيء عن طريق إفريقيا، لا يستحق الأمر المخاطرة.

وأعلنت شركة “ميرسك” للشحن البحري تحفظها الشديد على العودة السريعة إلى حركة الشحن عبر البحر الأحمر. وأكدت أنها ستواصل مراقبة الوضع عن كثب قبل اتخاذ أي قرار بشأن استئناف عملياتها بشكل كامل في المنطقة.

وقال نائب رئيس الشحن العالمي في مجموعة الخدمات اللوجستية سي إتش روبنسون، مات كاسل: من غير المحتمل أن تشهد الصناعة تحولا كبيرا إلى قناة السويس على المدى القصير. وأضاف أن هذا يرجع إلى التحديات المتعلقة بتأمين التأمين على البضائع نظرا للمخاطر العالية والقيود الزمنية المتصورة، حيث سيستغرق الأمر أسابيعا أو شهورا لتنفيذ خطة جديدة للشحن البحري.

من جانبه قال كريج بول، العضو المنتدب في شركة كاردينال جلوبال لوجستيكس، التي تشمل عملائها شركة بي آند إم ريتيل وبيتس آت هوم: “إذا أوقف الحوثيون الهجمات، فقد يضطر تجار التجزئة إلى الانتظار حتى الربع الثاني حتى تغير خطوط الشحن مساراتها بالكامل”، مضيفا: “ستكون بالتأكيد حالة تجربة الطريق، والتأكد من أن وقف إطلاق النار حقيقي”.

وبالنسبة للسفن الأكبر حجما، مثل الناقلات التي تحمل الغاز الطبيعي المسال، فإن أي استئناف سيستغرق وقتا أطول بسبب مخاطر أكبر إذا تعرضت مثل هذه السفينة التي تحمل شحنة قابلة للاشتعال.

وقالت شركة الشاحن النرويجية والينيوس فيلهلمسن التي تنقل المركبات بالسفن إنها لن تستأنف الإبحار عبر البحر الأحمر حتى تصبح آمنة.

وقالت القوة البحرية للاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر إن تقييمها للتهديد لم يتغير.

ووفق تقارير دولية، أضافت هجمات “الحوثيين” ما لا يقل عن 175 مليار دولار إلى تكاليف الشحن في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024.

 

 

مقالات مشابهة

  • توقع تراجع أسعار الشحن البحري 20% بتوقف هجمات الحوثيين
  • لويد ليست: عودة الشحن عبر باب المندب مرهون بقرار القوات المسلحة اليمنية
  • شركات الأمن البحري: خروقات وقف إطلاق النار قد تُشعل هجمات من اليمن
  • امبري للأمن البحري: نحذر الشحن المرتبط بـ”إسرائيل” من المرور في البحر الأحمر
  • شركات بريطانية: سفن الحاويات ستتأثر بشدة من الشحن في البحر الأحمر 
  • ترقب حذر لشركات الشحن العالمية بخصوص أزمة البحر الأحمر بعد وقف إطلاق النار بغزة
  • موقع بريطاني: عودة الشحن عبر باب المندب مرهون بقرار “اليمنيين”
  • موقع بريطاني: عودة الشحن عبر باب المندب مرهون بقرار “الحوثيين”
  • الحوثي تعلن موعد رفع الحظر البحري عن السفن المرتبطة بالاحتلال
  • الحوثيون: هجماتنا على السفن التجارية ستقتصر على المرتبطة بـ”إسرائيل”