‏إنه موضوع مهم، أخذ نقاشات كثيرة من الجهات المعنية وأيضًا من موظفي الحكومة، وهو منحة أو مكافأة نهاية الخدمة. والنقاش كان حول ما إذا كان هناك تأثير لصدور قانون الحماية الاجتماعية، في تحديد السقف والحد الأقصى لمبلغ تلك المنحة. ذلك النقاش وفي ظل عدم الوضوح، قام بعض من الموظفين الذين يشككون في حصول تعديل ما، بالتوجه نحو التقاعد الاختياري بمحض إرادتهم.

وفي نهاية المطاف، ذلك النقاش تم حسمه، بأن المنحة تصرف من قبل جهة عمل الموظف ولا علاقة لقانون الحماية الاجتماعية في تحديدها. في الجانب الآخر، وهو الهدف من هذا المقال، فإن تساؤلات موظفي الوحدات الخاضعة للخدمة المدنية، ليس في ذلك التأثير؛ لأنهم على يقين منذ عقود من الزمن، بأن تلك المنحة أو المكافأة غير موحدة وتتباين بالمقارنة مع الوحدات التي لا تخضع للخدمة المدنية وغيرها من الوحدات غير المدنية.

‏منحة نهاية الخدمة، محددة في قانون الخدمة المدنية والأنظمة الخاضعة لها، بأنها مبلغ يمنح مرة واحدة عند تقاعد الموظف، أو في حال إكمال سنوات معينة في الخدمة. وتحتسب على أساس آخر راتب شهري عن كل سنة من سنوات الخدمة. ولتقريب الصورة فإن الموظف الخاضع لقانون الخدمة المدنية يُمنح راتبًا شهريًّا عن كل سنة من سنوات الخدمة وبحد أقصى مبلغ (12) ألف ريال، بغض النظر عن عدد سنوات الخدمة. حيث أن عدم التوحيد، يقع في أن أغلب الأنظمة غير الخاضعة للخدمة للمدنية، لم تقيد مبلغَ المنحة أو عدد سنوات الخدمة، كما هو الحال في قطاع الخدمة المدنية. ومثال على ذلك، في حال رَغِبَ الموظف الذي أمضى (20) سنة والذي يعمل في الوحدات التي لا تخضع للخدمة المدنية في التقاعد، فإنه حسب اللوائح الحالية سوف يحصل على منحة نهاية الخدمة بمبلغ أكبر، عن الموظف الذي يعمل بالخدمة المدنية وإن كان الأخير أكمل سنوات أكثر من (20) سنة.

‏لقد عكف المسؤولون الحكوميون بالوحدات المستقلة في الفترات السابقة، على العمل لإيجاد قوانين ولوائح تختلف عما هو معمول به في الخدمة المدنية، وبحيث تكون تلك الوحدات غير خاضعة للنظام العام للجهاز الإداري للدولة. ولعل من تلك الأسباب، أن قطاع الخدمة المدنية تَكثر فيه البيروقراطية ويصعب تحديثه حسبما تتطلبه مقتضيات العمل. وأيضًا كون ذلك القطاع ينتسب إليه العدد الأكبر من الموظفين وفي حال اقتراح تعديلات، على سبيل المثال: منحة نهاية الخدمة، فإن هناك تأثيرًا ماليًا، وبالتالي فإن مصير تلك التعديلات إما التأجيل وإما الرفض. بعكس ذلك ففي الوحدات المستقلة والتي يكون فيها عدد الموظفين أقل وبالتالي التأثير المالي يكون أقل. وما حدث سابقًا من وجود (11) صندوقًا للتقاعد قبل دمجها في صندوق الحماية الاجتماعية، قد يفسر ذلك.

وخلال الحقب الماضية، لم يسعف أعضاء مجلس عمان الذين عينتهم الدولة من الكفاءات أو الذين تم انتخابهم من قبل المواطنين في مجلس الشورى، بأن يحاولوا على الأقل وضع الحقوق الوظيفية ومنها منحة نهاية الخدمة -المتباينة- بين قطاعات الدولة محل اهتماماتهم. ولكن ما حدث سابقًا كان عكس ذلك. حيث عكفوا على إيجاد لوائح وأنظمة عمل لموظفيهم حتى تمكنوا من الابتعاد عن أنظمة الخدمة المدنية، والتوجه نحو الأنظمة والقوانين المستقلة. وعندما نسرد هكذا ممارسات فإننا لا نقصد القول بأن هذا يعطى كذا وهذا يفترض أن يعطى كذا، كلا؛ لأن الاستحقاقات المالية تحددها الدولة. كما أن الموظف أيا كانت وظيفته فهو في عقد تنظمه اللوائح مع الدولة، ولكن نُعطي تجارب من الماضي ليتم تجنبها عند تعديل القوانين في المستقبل.

وتعتبر الوحدات الخاضعة للخدمة المدنية هي الأكبر من حيث عدد الموظفين، حيث ينضوي تحتها جميع العاملين بالوزارات والجامعات الحكومية والمحافظات والمؤسسات والهيئات العامة، إلا ما استثني بنص خاص في قرار إنشائها. كما أن الخدمة المدنية والوحدات الخاضعة لها تأثرت سلبا بالتشريعات التي تخص أنظمة التقاعد ومكافآت ما بعد الخدمة، سواء في الفترات الماضية وحتى الحالية. وكمقارنة بسيطة، فإنه في أنظمة التقاعد ظلت منظومة الخدمة المدنية هي الأقل من حيث المزايا التقاعدية ومنحة نهاية الخدمة حتى بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية، حيث كفل ذلك القانون المزايا نفسها بالوحدات الأخرى بدون تغيير، وهذا له مبرراته في عدم المساس بالمستحقات المالية طالما أن الموظف أكمل فترة زمنية في نفس النظام، وأيضًا لعدم تضرره بما يصدر من التشريعات الجديدة. ولكن في المقابل فإن قانون الحماية الاجتماعية لم يأتِ بمزايا أفضل لمن هم في أنظمة الخدمة المدنية، حيث إنهم مطالبون بالعمل عددًا من السنوات لكي تتحسن مستحقاتهم التقاعدية، وأيضًا تم إخضاعهم للخصم الإجمالي للاشتراكات التي تستقطع من مرتباتهم الشهرية. كما تم إخضاعهم كذلك للتقاعد الاختياري الجديد، وهو إكمال (30) سنة في الخدمة لاستحقاق المعاش للذين لم يكملوا (20) عاما أثناء الفترة الانتقالية لتطبيق قانون الحماية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال: الموظف الذي أكمل في الخدمة (19) سنة وقت صدور القانون، فيجب عليه أن يعمل (11) سنة إضافية لكي يستحق معاشا تقاعديا.

‏‏عليه فإن توحيد منحة نهاية الخدمة يعتبر مطلبًا مشروعًا، طالما أن موظفي الحكومة هم سواسية أمام القانون في تنفيذ ما يوكل إليهم من الواجبات الوظيفية، وأيضًا يتمتعون بنفس الحقوق، بغض النظر عن المكان، أو القطاع الذي ينتمون إليه، أو المنصب الحكومي الذي يتولونه. والمقصد هنا بأن طريقة تحديد الحد الأقصى لمبلغ المنحة أو عدد السنوات التي تحتسب عنها تلك المنحة يفترض أن تكون شاملة وموحدة للجميع تطبيقًا لمبادئ النظام الأساسي للدولة. حيث أن الموظفين الذين يعملون بالقطاع العام، أو أي قطاع آخر هم في الأساس مواطنون سواءً كانوا متقلدين لوظائف حكومية أو خاصة، أو لا يعملون بأية جهة. وهذا ما حدث عند توحيد المنافع الاجتماعية، فتم ذلك لجميع المواطنين بغض النظر عن كونهم مستحقين، أو غير مستحقين فهم سواء في الحقوق، ولا تمييز بينهم بأي شكل من الأشكال. وأيضًا ما حدث عند تطبيق جدول الرواتب والبدلات الموحد، حيث تم تطبيقه للجميع، وكذلك عند استحداث نظام تقييم الأداء الوظيفي (إجادة). وأيضًا ما تم قبل فترة من توحيد في البدلات والعلاوات المالية لموظفي الدولة؛ من أجل انسيابية التطبيق السليم لمنظومة قانون الحماية الاجتماعية.

‏ولعل الأمل يحدو الموظفين -الخاضعين لصندوق تقاعد الخدمة المدنية السابق- بأن يتم مراعاتهم في قانون الوظيفة العامة المنتظر، في تحسين أوضاعهم فيما يخص منحة نهاية الخدمة وإزالة ذلك التباين، بهدف مساواتهم مع بقية موظفي القطاعات الأخرى بالدولة. ولعلنا نقترح طالما أن الموظف أصبح مستحقًّا للتقاعد الاختياري بعد إكمال (30) عامًا في الخدمة بأن يتم أيضًا معاملته في استحقاق منحة نهاية الخدمة بنفس عدد تلك السنوات عند احتساب الحد الأقصى لاستحقاق المنحة، وبدون تقييد لمبلغ المنحة، ليكون متقاربا مع الوحدات الأخرى غير المدنية. هذا التوجه سوف يكون محفزًا لفئة كبيرة من موظفي الخدمة المدنية لمن يرغب منها في التقاعد الاختياري وبالتالي يفتح مجالا أوسع للباحثين عن العمل، وتقليل عددهم الذي تجاوز (100) ألف باحث عن عمل.

‏ومجمل الحديث بأنه ليس هناك أدنى شك بأن الفكر السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- الذي يُسدي توجيهاته دائمًا بالتكامل والشمولية في أنظمة العمل بين الوحدات الحكومية، بأن تقوم الجهات المختصة، بإعادة النظر في منحة نهاية الخدمة للموظفين الخاضعين للخدمة المدنية، تحقيقا لنهج المساواة والعدالة في الحقوق الوظيفية مع نظرائهم من موظفي الحكومة بالقطاعات المختلفة.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قانون الحمایة الاجتماعیة الخدمة المدنیة للخدمة المدنیة سنوات الخدمة فی الخدمة الخدمة ا منحة أو وأیض ا ما حدث

إقرأ أيضاً:

البلديات.. وحيادية الخدمة المدنية…أساس الحكم الرشيد للفترة الانتقالية

========
د.فراج الشيخ الفزاري
========
جاء في الأخبار اتجاه مجلس السيادة إلي تكوين حكومة كفاءات وخبرات لإدارة شئون الدولة للفترة الحالية إلي حين التوافق السوداني علي شكل ونظام الحكم في السودان بما يحقق الأهداف العليا للبلاد.
وبطبيعة الحال..يجب أن تكون للدولة هياكلها التنفيذية علي مستوي المركز والأقاليم.. وتقدير الحالة الأمنية في البلاد..مما قد يستوجب وجود حكومة مصغرة ذات صلاحيات محددة لإدارة شئون الحرب...
فإذا كان الشق الثاني يخرج من سياق الاجتهاد المدني.. فإن السياق الأول وهو تكوين الحكومة المدنية يجب أن يحظي بمشاركاتنا ولو بالرأي والأقتراح..وذلكم أضعف الإيمان ..
كما جاء في عنوان هذا المقال..فإن تقوية أجهزة الحكم المحلي هي الأكثر تفضيلا ، في تقديري، خلال الفترة الانتقالية..وقد كتبت من قبل في هذا المجال عشرات المقالات..اختار بعضا من حواشيها لتدعم فكرتي الأساسية وهي الرجوع إلي نظام (الحكومة المحلية )ذات الشخصية الاعتبارية في حدود صلاحياتها الدستورية دون التدخل في المجازبات الحزبية أو السياسية الا فيما يخص قضايا الوطن الكبري...
في مقال سابق تحت عنوان [ضرورة تقوية منظومة الحكم المحلي في السودان] أشرت بأنه قد ثبت بما لايدع مجالا للشك، خاصة خلال فترة الأحداث الدامية التي عاشها السودان، مدي اهمية أن يكون للبلاد البديل المعتمد عليه في ساعات العسرة والشدة..وهذا ما وفرته الادارات المحلية في الأقاليم..وهذا يؤكد من جديد ما سبق أن طرحناه بضرورة العودة إلي إلي نظام الحكم المحلي بذات الفلسفة والمقاصد والأهداف التي تبناها الانجليز في ادارة الخدمات عندما كانوا يحكمون البلاد..فقد كان نظاما ممتازا ويتناسب وظروف السودان..التي ظلت استثنائية منذ خروج الاستعمار مما يؤكد ضرورة استمرار نظام الإدارة المحلية إلي حين انتهاء الفترة الانتقالية...
أقول ذلك وفي الخاطر الرصيد الهائل من التراكم المعرفي لدي السودان في ادارة البلاد من خلال وجود( الحكومة المحلية)
وفلسفتها البرجماتية. وقد كان لنا مقالا مطولا في هذا المجال اقتطع منه بعض الفقرات ذات العلاقة حيث تشير..بالقول..
يعد السودان من البلدان ذات التجارب الثرة والواسعة الناجحة في مجالات الحكم المحلي، وله تأريخ عريق منذ العام 1937 , فقد صدرت منذ تلك الفترة العديد من القوانين والتشريعات بشأن الحكم المحلي في السودان بما يشكل مكتبة ومرجعا توثيقيا في ادارة الحكم المحلي...ابتداء من قانون مارشال عام 1951 وحتي قانون الحكم المحلي لسنة 2020 وما بين القانونين من عشرات القوانين وميثيلاتها من الدراسات والمؤتمرات التي تتناول شتي شئوون الحكم المحلي في السودان.
وكما أشرت في مقالات لاحقة ضرورة تقوية وتأهيل الجهاز الإداري وجعله جاذبا للكفاءات أينما ما كانت مواقعها في الخدمة المدنية...فقد أظهرت بعض القيادات الإدارية في الحكم المحلي خلال هذه الفترة الحرجة مدي قدرتها علي ادارة حدودها الجغرافية وتوفير خدماتها بدرجة عالية من الانضباط والوطنية..وأكدت بأن وظيفة المدير التنفيذي للمحلية أو البلدية يمكن أن تلعب دورا وطنيا رائدا، واضرب هنا مثلا حيا لأحد هؤلاء الجنود المجهولين وهو المدير التنفيذي لمدينة شندي التي يتهددها الجانجويد بالغزو والتنكيل.. ولكن الرجل ومن خلال لجنته الأمنية أستطاع ان يبث الأمن والثبات في قلوب المواطنين وتوفير الخدمات البلدية تماما كما كان هو الحال قبل اندلاع الحرب اللعينة..
هذا المثال الحي الممتاز لدور المدراء التنفيذيين والضباط الاداريين يجعلنا نشجع تقوية هذا الجهاز واعطائه الدور والصلاحيات الادارية والتنفيذية التي تساعده علي ادارة وحدته الإدارية بالكفاءة والجودة في تقديم الخدمات.
واقترحت في ذات السياق بأن تكون وظيفة ( المدير التنفيذي ) علي المستوي الإدارة العليا أو المحليات ،مفتوحة أمام الكفاءات أينما وجدت في ادارات الخدمة المدنية...وهذا يعني شغل الوظيفة بالاختيار(Selection )
وليس عن طريق الترقي :
Carrer advancement.
أعود وأقول...وبغض النظر عن الترشيحات أو الأسماء التي سوف تتولي شئون الوزارات التنفيذية للمرحلة الانتقالية..فيجب الأخذ بعين الاعتبار شئون الحكم المحلي...فالناس في الأقاليم لا يهمها ( أطماع) و( صراعات ) ألافراد والجماعات والاحزاب المرشحة والمترشحة في العاصمة أو مواقع اتخاذ القرار،..بقدر ما تهمهم وجود السلطة المحلية بينهم و( شم) ريحة الوطن والوطنية بين من يعايشونهم ويقاسمونهم حياة يومهم
وخدماتهم المعيشية..
لو أرادت حكومة الخرطوم أن ترتاح وتجد الوقت والتفكير في شئون وقضايا الوطن العليا...فعليها تقوية الحكم المحلي وحياد الخدمة المدنية..وتحقيق ذلك ،في تقديري، ليس بالأمر العسير.
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • تفاصيل نظام الموارد البشرية ونظام الخدمة المدنية الجديدين
  • "الصحة القابضة": تعويض مالي لإجازات الخدمة المدنية والأداء يحدد العلاوات السنوية
  • بدء العمل بنظامي الخدمة المدنية والموارد البشرية الجديدين
  • رئيس ديوان الخدمة المدنية بالكويت: لا توجد لدينا بطالة
  • وحدات الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في 12 موقعًا حول المملكة
  • وحدات الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (12) موقعًا حول المملكة
  • “الأحوال المدنية المتنقلة” تقدم خدماتها في 12 موقعًا بالمملكة
  • البلديات.. وحيادية الخدمة المدنية…أساس الحكم الرشيد للفترة الانتقالية
  • تزامنا مع السنة المالية الجديدة.. شروط الحصول على الإجازة الاعتيادية السنوية وفقا للقانون
  • خطوات تسجيل المواليد على "أبشر" وإصدار شهادة الميلاد