اللعب الخشن.. نشاط صحي يضمن تطوير مهارات طفلك
تاريخ النشر: 4th, May 2024 GMT
عراك بالوسائد أو شقلبات أو حتى جلسة من المصارعة الخفيفة، كل هذه الألعاب غالبا ما يصاحبها نوبة عالية من ضحك وقهقهات الأطفال الذين يستمتعون بين حين وآخر بتلك النوعية من الأنشطة مع آبائهم.
ولكن قد يساور بعض الآباء والأمهات مخاوف من أن هذا الشكل من اللعب العنيف قد يؤذي صغارهم أو يعرضهم لمشكلات جسدية أو سلوكية، فما هو المعيار الذي يضمن سلامة واستمتاع الطفل؟
فوائد اللعب العنيفمن منا لا يقدّر سلامة الأطفال ويضعها المعيار الأول للعب في المقام الأول؟ ومع ذلك، يتضح أن اللعب الخشن أو الذي يتمتع ببعض "العنف الآمن" له العديد من الفوائد الحقيقية في حياة الأطفال.
فقد ألقى الباحثون نظرة علمية على تأثير الخشونة وما سموه بـ"العنف الآمن" في اللعب مع الأطفال الصغار في مراحل عمرية مختلفة، ووجدوا أنه:
يجعل الأطفال أكثر ذكاءًمن الناحية الفنية، يؤدي اللعب الخشن إلى إطلاق مواد كيميائية مسؤولة عن تغذية مناطق الدماغ المتعلقة بالذاكرة واللغة والمنطق، وهو ما يسهم بصورة غير مباشرة في تعزيز نمو الخلايا العصبية.
يساعد على بناء المهارات الاجتماعيةكما يساعد اللعب الخشن الأطفال على اكتساب ضبط النفس ويصبحون أكثر ثقة عاطفيا في الأقرباء منهم. ومن خلال الخشونة، يتعلم الأطفال قراءة مشاعر الآخرين، وكذلك التحكم في عواطفهم.
وبالرغم من الاعتقاد أن الأطفال الذين يعانون من سلوكيات عدوانية يتصرفون بهذه الطريقة لأنهم يقلّدون سلوكا عدوانيا شاهدوه لدى الآخرين. تظهر الأبحاث الحديثة أن العدوان يظهر بشكل تلقائي فطري عند الأطفال، لكنه يبدأ في الانخفاض عندما يتعلم الأطفال التعبير عن مشاعرهم بشكل مناسب، وبالتالي يكون هذا السلوك بمثابة تعبير عن مشاعرهم بشكل فعّال وصحي.
اللعب بخشونة قد يحسِّن أيضا من مستوى اللياقة البدنية عند الصغار، فاللعب الخشن لا يقتصر فقط على من لديه أكبر قوة، ومن يمكنه تثبيت الآخر بشكل أسرع عند لعبة العراك بين الأبوين من جهة والأطفال من جهة أخرى، بل يتضمن تحسين اللياقة البدنية لدى الصغار أيضًا من ناحية التعلم الحركي المعقد، والتركيز والتنسيق، ولياقة القلب والأوعية الدموية.
وقد يكون اللعب الخشن بمثابة تمرين رياضي يقوم الطفل بممارسته دوريا، مما يسهم في تعزيز صحته البدنية والنفسية بسبب تفريغ الطاقة وتقليل التوتر واللعب بحرية.
اللعب الخشن حسب الفئة العمريةيستمتع الأطفال من مختلف الأعمار باللعب بشكل خشن، سواء كان ذلك فيما بينهم أو مع الوالدين. ويكون ذلك من خلال العراك الآمن، والرقص أو القفز أو رفع الطفل في الهواء، أو شقلبته على الفراش و"زغزغته" (الدغدغة) بمختلف الصور المعتادة الأخرى.
وفي مرحلة سن الرضع، يستمتع الطفل بالحركة المثيرة والمفاجئة، طالما أنه يشعر بالأمان. فيحب مثلا أن يقفز على ركبتي والديه أو أن يُرفع في الهواء. وهنا يجب أن يكون الأبوان لطيفين مع الأطفال الصغار لتجنب أي إصابة.
لاحقا، يحب الأطفال الصغار في طفولتهم المبكرة وخلال سنوات عمرهم الأولى لعب المطاردة أو اللعب بالدمى، والدوران والرقص، والعراك بالوسائد و"الزغزغة". ويعمل هذا النوع من اللعب النشط بشكل أفضل عندما يكون الأطفال يقظين تماما ولا يُتوقع منهم الذهاب للنوم قريبا.
أما الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، فهم عادة ما يكونون الأكثر عنفا وحبا للعب الخشن، خاصة مع أصدقائهم. لذلك غالبا ما يستمتعون بالمصارعة الآمنة على الأسطح الطرية مثل الأسرّة، حيث يمكنهم السقوط أو التدحرج بأريحية.
الرضع، والأطفال الصغار خاصة معرضون للإصابة، لأن رؤوسهم أكبر من بقية أجسادهم، وعضلات رقبتهم ضعيفة، مما يجعل من الصعب عليهم دعم رؤوسهم.
إضافة لذلك، قد تكون جمجمة الطفل غير الناضجة أرق وأوعيته الدموية أكثر عرضة للتمزق من تلك الموجودة لدى الأطفال الأكبر سنا والبالغين.
ومع أن الآباء والأمهات لديهم طرق مختلفة للتواصل واللعب مع أطفالهم ولكن إذا ما رغبوا في ملاعبة صغيرهم بشكل عنيف، فيجب مراعاة ما يلي:
لا تهز الطفل بقوة أبدا: هز الطفل بقوة يمكن أن يسبب إصابات خطيرة ويؤدي إلى حالة تعرف باسم صدمة الرأس المسيئة (AHT) أو متلازمة الرضيع المهزوز التي قد تفضي إلى إعاقات خطيرة للعين والأذن والدماغ، أو حتى نزيف المخ والموت.
في المقابل قم بهز طفلك بلطف على ساقك، أو على أرجوحة، أو حركه بين ذراعيك بلطف.
لا ترمِ طفلك عاليا في الهواء، وبشكل خاص إذا كان عمره أقل من عامين. ومن الأفضل بدلا من ذلك رفعه بلطف وأمان وتحريكه في الهواء ببطء. أو يمكنك أرجحته بلطف من جانب إلى آخر.
لا ترفع طفلك أبدا من ذراعيه: خلال الأشهر القليلة الأولى، يجب رفع طفلك بلطف ووضع رقبته ورأسه في راحة يديك. وبمجرد أن يتمكن من الجلوس والوقوف، يمكن حمله بوضع يديك تحت إبطيه. أما إذا قمت بسحب طفلك للأعلى أو أرجحته من ذراعيه أثناء اللعب، فقد يؤدي ذلك لخلع مفاصل الكتف الحساسة.
وفي أعمار متقدمة نسبيا، مثل عمر 3 سنوات أو أكثر، من المهم التحدث مع الأطفال حول معايير وقوانين اللعب الخشن، خاصة فيما بينهم، لضمان استمتاع آمن وممتع للجميع.
إذ عادة ما يبتسم الأطفال ويضحكون في اللعب العنيف بشكل آمن، وتظهر عليهم الإثارة والمتعة والحماسة، ولا يتعرض أحد للمضايقة أو الأذى، أما إذا ظهر على أي طفل ملامح عبوس أو بكاء أو خوف أو غضب، فهذا ليس لعبا وقد تجاوز الأطفال حدودهم.
ومن المهم الانتباه إلى أن اللعب الخشن قد يؤدي في بعض الأحيان لعراك حقيقي، لذا يجب على الوالدين وضع بعض القواعد حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول أثناء اللعب للحفاظ على سلامة الجميع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات اللیاقة البدنیة الأطفال الصغار فی الهواء
إقرأ أيضاً:
صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
لا تمر مشاعر القلق أو الصدمات التي يختبرها الطفل مرورًا عابرًا، بل يستمر تأثيرها العقلي والنفسي والبدني حتى مراحل متقدمة من العمر، حيث قد تظهر اضطرابات في المزاج، والاكتئاب، وقد تصل إلى الإصابة بألزهايمر. لكن الأسوأ من ذلك هو أن هذه النتائج تتفاقم إذا لم يتم تلقي العلاج المناسب.
صدمات منذ اليوم الأول في الحياةيمكن للطفل حديث الولادة أن يختبر في يومه الأول بعد الميلاد ما يكفي من التوتر والأحداث المجهدة التي قد تصل إلى مرحلة الصدمة أو ما يُعرف بـ"التروما"، والتي تهدد الأطفال من عمر يوم واحد وحتى 18 عامًا. وبحسب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن أبرز أنواع الصدمات التي يتعرض لها الأطفال تشمل:
الإساءة أو الاعتداء النفسي أو الجسدي أو الجنسي. العنف المنزلي أو المدرسي أو المجتمعي. الحروب والكوارث الوطنية. فقدان الممتلكات أو النزوح. الفقدان المفاجئ أو العنيف لأحد الأحباء. تجارب اللجوء أو الحرب. الضغوط المرتبطة بعمل أحد أفراد الأسرة في المجال العسكري. الحوادث الخطيرة والأمراض التي تهدد الحياة. الإهمال والتجاهل والتعرض للتنمر.وهو ما يظهر في صورة علامات واضحة وعديدة على الطفل، تؤكد إصابته بالصدمة أبرزها:
إعلان شعور الأطفال في سنة ما قبل المدرسة بالخوف من الانفصال والكوابيس والبكاء أو الصراخ كثيرا مع ضعف الشهية. إصابة الأطفال في عمر المرحلة الابتدائية بالقلق، والشعور بالذنب والخجل وعدم التركيز، مع صعوبة النوم والانسحاب من المجتمع وعدم الاهتمام، مع عدوانية واضحة. إصابة الأطفال في عمر المدارس المتوسطة والثانوية بالاكتئاب وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات وأيضا الانسحاب أو عدم الاهتمام أو اتباع السلوك المحفوف بالمخاطر والعدوان.في عام 2012، حاول مجموعة من الباحثين في البرازيل دراسة "تأثير ضغوط الطفولة على الأمراض النفسية" بصورة أعمق، تحديدا عبر التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد أظهرت تقنيات التصوير العصبي العديد من التغيرات العصبية الهيكلية مثل:
انكماش الحصين وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ، وأيضا انكماش الجسم الثفني وهي عبارة عن حزمة من الألياف العصبية تعمل على ربط نصفي الدماغ أحدهما مع الآخر وتبادل المعلومات. زيادة خطر الإصابة باضطرابات المزاج. زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. زيادة خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب. إمكانية الإصابة بالفصام. زيادة احتمالات إدمان المخدرات.وفي مقال علمي نشر بمجلة "السلوك البشري في البيئة الاجتماعية" عام 2018 أشارت الباحثة هيثر دي إلى العواقب السلبية طويلة المدى للصدمات المعقدة، تقول دي "تتسبب مثل تلك الصدمات في تغيرات عصبية حيوية تؤثر على نمو الإنسان وتسبب تغيرات كبيرة في وظائف المخ وهياكله المسؤولة عن الأداء الإدراكي والجسدي، فضلا عن أعراض جسدية وعقلية وعاطفية يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ".
مزيد من التأثيرات البدنية والنفسية والعقلية تظهر على الأطفال بوضوح عقب التعرض للصدمات أبرزها:
إعلان الشعور بالإجهاد البدني وأعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة غير المبررة. تأثر القدرات المعرفية والعمليات العاطفية العقلية فتصبح أمور مثل حل المشكلات والتخطيط وتعلم معلومات جديدة، والتفكير وفق منطق فعال أمرا صعبا وغير ممكن. تدني احترام الذات والشعور بعدم القيمة والعار، والذنب واللوم المتواصل للذات والشعور بالعجز. صعوبة في إدارة العواطف التي تصبح مع الوقت عامرة بالخوف والقلق. تأثر قدرات الطفل على تكوين علاقات اجتماعية مع الأصدقاء أو مقدمي الرعاية أو المحيطين به بشكل طبيعي.الأطفال أكثر عرضة للتأثر بالأحداث المجهدة في حياتهم بسبب ضعف قدرتهم على التعامل مع التوتر. وقد ربط باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية -بالتعاون مع عدة مراكز أخرى- بين ضغوط منتصف العمر وصدمات الطفولة، وزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر نتيجة لارتفاع مستويات بروتين بيتا أميلويد، الذي يعد بروتينًا أساسيًا في تطور مرض ألزهايمر، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بالتهاب الأعصاب.
ويقول الباحث إيدر إرينازا أوركيو، أحد المشاركين في الدراسة، إن الاستجابة للتوتر تختلف بين الأفراد؛ ففي حين يتراكم بروتين الأميلويد لدى الرجال، تصاب النساء بضمور الدماغ. ويزداد الأثر بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الأمراض النفسية، حيث يتأثرون لاحقًا بانخفاض حجم المادة الرمادية في أدمغتهم مع تقدمهم في العمر.
هكذا تُجنب طفلك المعاناة مبكرا"لا يمكن تجنيب الأطفال الصدمات أو المعاناة، فهي خارج دائرة التحكم، كالمرض أو التعرض لمشاهد سيئة، أو الحوادث وغيرها". تحسم الأخصائية النفسية دعاء السماني الأمر مؤكدة للجزيرة نت "سوف يعاني الطفل ويتعرض للصدمات على طول الطريق، ولذلك جانب إيجابي فهي تساهم في تهذيب النفس، وتساعد الطفل على النمو وتكوين أساليب ومهارات أفضل للتكيف، لكن هذا مرهون بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الطفل عقب الصدمات".
إعلانوتنصح السماني بإسعافات نفسية أولية إن تعرض الطفل لصدمة أو إجهاد نفسي شديد، تقول "في البداية ندع الطفل يتحدث بحرية عما حدث بطريقته، دون أسئلة تشعره بالتقصير أو أنه مسؤول عما جرى، أو أنه كان يمكن أن يتصرف بطريقة أفضل، التعافي من الصدمات يستغرق وقتا، يختلف من طفل لآخر بحسب شخصيته وطبيعة الصدمة التي تعرض لها، المهم ملاحظة سلوكه، والطريقة التي يتعامل بها مع من حوله، مادامت طبيعية فهو في طريقه للتحسن، أما إذا تأثرت حياته أو بدا عليه تغييرات فيجب اللجوء لمختص نفسي".