إيهاب الملاح

أخبار ذات صلة تقديم الطبعة العربية من كتاب الرئيس الصيني «مبادرة الحزام والطريق» في «أبوظبي للكتاب» إطلاق برنامج مصر «ضيف الشرف» في معرض «أبوظبي الدولي للكتاب» معرض أبوظبي الدولي للكتاب تابع التغطية كاملة

واحدة من المفاجآت السعيدة التي أعلن عنها معرض أبوظبي للكتاب، في دورته الثالثة والثلاثين خلال الفترة من 29 أبريل الجاري إلى 5 مايو 2024، اختيار كتاب «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع، كتابَ المعرض المحتفى به، بوصفه أحد أبرز الكتب في التراث الإنساني التي أثرت في مسيرة الثقافة والأدب في التاريخ.

حيث يحتفي المعرض بالكتاب ضمن محورٍ كامل مستحدث تحت عنوان «كتاب العالَم» يتضمن لقاءات وندوات تدور حول «كليلة ودمنة» الذي يعد درة قصص الحيوان في التراث الإنساني كله، والذي تُرجم إلى كل لغات العالم من نسخته العربية الكاملة التي كتبها وحررها عبد الله بن المقفع.

1
وقد أسعدني الحظ بالمشاركة في إحدى الجلسات أمس التي ترأسها الإعلامي «حسن الشاذلي» تحت عنوان (كتاب «كليلة ودمنة» من المخطوطات إلى القراءات الحديثة)،  بحضور كلّ من د. محمد سليمان رئيس قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، والمؤلفة والباحثة شهرزاد العربي. وأشير هنا إلى أهم المحاور وأكثرها جاذبية وإثارة، وهو الجانب الفني الذي ارتبط بـ «كليلة ودمنة» وإثارته للمخيلة المبدعة في رسم عشرات اللوحات المستلهمة من قصصه وحكاياته قديماً وحديثاً، فضلاً على إخراج نسخة «محققة»، مُقابلة على ما وصلنا من مخطوطات الكتاب عبر القرون، والمقارنة بينها والمضاهاة بين نصوصها، وصولاً إلى النسخة الأكثر اكتمالاً وتماماً من هذا الأثر الإنساني الجليل.
ومن هنا تأتي قيمة هذه الطبعة «التاريخية» الممتازة التي أخرجتها دار المعارف المصرية في مطالع أربعينيات القرن الماضي، بمناسبة الاحتفال بخمسينية الدار العريقة. وبحسب النص الذي سجله المرحوم شفيق متري مدير الدار آنذاك، فقد «صدر عن الدار طبعة محققة فاخرة من كتاب «كليلة ودمنة»، وثَّق مصادرها، وحقَّق نصها الدكتور عبد الوهاب عزام، وقدَّمها إلى القراء الدكتور طه حسين تقديماً هو دراسة قيمة تُقرأ لذاتها».
فما سياق ظهور هذه الطبعة؟ ولماذا توصف بـ «التاريخية» وبأنها «الطبعة الأتم والأكمل» بين الطبعات التي لا حصر لها ولا عدد من طبعات «كليلة ودمنة»؟

2
كان شفيق متري صاحب مطبعة المعارف المصرية ومكتبتها (التي أصبح اسمها رسمياً دار المعارف بعد تأميمها عام 1963)، قد نظَّم حفلاً باهراً في منتصف العام 1941، بمناسبة العيد الذهبي لتأسيس المطبعة ومكتبتها (أي مرور خمسين عاماً على تأسيسها عام 1941)، دعا إليه لفيفاً من الوزراء والأدباء والمفكرين. وتفيدنا المصادر التاريخية بأن هذا الحفل كان من أيام دار المعارف المشهودة مع الدكتور العميد، إذ أعلن خلال ذلك الاحتفال عن صدور طبعة فخمة ممتازة من الكتاب التراثي الشهير «كليلة ودمنة» تهديها (دار المعارف) إلى قرائها في مصر والعالم العربي كله.
وقد توفر لهذه الطبعة ما لم يتوفر لطبعةٍ أخرى قبلها (وأظن أنه لم يتوفر لطبعةٍ أخرى بعدها)، متناً وإخراجاً فنياً، إذ تعاقدت الدار مع واحد من أشهر الرسامين المعروفين في العالم آنذاك، وهو رومان ستريكالفسكي، لرسم ثلاث عشرة لوحة مخصوصة للكتاب تم توزيعها كفواصل بين فصول الكتاب وحكاياته، وتأطير صفحاته رسما، بالإضافة إلى تصميم غلافه ورسم لوحة أخرى خصيصاً له.
أما النص ذاته، فقد عكف على إخراجه وتحقيقه والمقارنة بين نسخ مخطوطاته عميد الدراسات الشرقية في وقته، الدكتور عبد الوهاب عزام، يشاركه التقديم بين يدي هذه الطبعة الدكتور طه حسين.

3
وقد لخص الدكتور طه حسين في مقدمته القيمة الإنسانية الكبرى للكتاب، باعتباره أثراً من آثار الإنسانية الخالدة تجمعت فيه عبر العصور خلاصات الحكمة والتهذيب والنقل والتعريب، إلى أن استقرت في صورتها العربية المكتملة التي قدر لها أن تكون هي الأصل الذي تنتقل منه بعد ذلك من بيئة إلى بيئة ومن شعب إلى شعب ومن أمة إلى أمة حتى جعلتها «جزءاً من التراث الإنساني الخالد».
ثم يضيف إلى ما سبق من مزايا هذه الطبعة (طبعة دار المعارف 1941) مزية أخرى تتلخص في أنها تقدِّم رمزاً آخر صادقاً دقيقاً لمعنى آخر سامٍ جليل، نحبه أشد الحب ونطمح إليه أشد الطموح، وهو هذا التعاون المنتج بين قديمنا العربي القيم، ونشاطنا العصري الخصب.
هذا الجهد الذي أنفقه ابن المقفع في نقل «كليلة ودمنة» إلى العربية، وهذه الجهود التي أنفقها المسلمون بعده في درس الكتاب وتصحيحه وتنقيحه، والاستفادة منه والانتفاع به، لم تذهب سدى، بل لم تنقطع، ولم تقف عند حد محتوم، ولكنها اتصلت بين الأجيال يضيف إليها كل جيل ما قصّرت عنه الأجيال الأخرى، حتى وصلت إلينا، فلم نعرض عنها ولم نزهد فيها ولم نأخذها كما هي في قناعة وكسل وفتور، وإنما أقبلنا عليها مشغوفين بها، راغبين فيها، وأخذنا نضيف إليها ما عندنا كما أضاف إليها الذين سبقونا ما كان عندهم.
ثم يقارن الدكتور طه حسين بين فضل طبعة دار المعارف هذه - في تمامها واعتمادها على أقدم النسخ وأصحها - والطبعات السابقة عليها، دون أن يبخس حقها، وهو يشدد على أن الجهد القيم الذي بذله الدكتور عبد الوهاب عزام لم يقف عند الحد الذي وصل إليه الأب لويس شيخو صاحب الطبعة التي أخرج فيها للناس أقدم نسخة ظفر بها من مخطوطات كليلة ودمنة، (ويثني الدكتور طه على جهوده ويحمدها، ويصفها بأنها جهود مشكورة)، لكنه يزيد على ذلك قائلاً: «ولكن زميلي الدكتور عبد الوهاب عزام يضيف إليه (أي إلى جهد الأب لويس شيخو) جهداً جديداً قيماً فينشر نسخة جديدة أقدم من نسخة الأب شيخو بأكثر من قرن من الزمان، ويمكن التاريخ الأدبي والنقد الأدبي من أن يعيدا نظرهما في هذا النص القديم، ويستخلصا منه نتائج جديدة لها قيمتها وخطرها، ومن المحقق أن هذا الجهد الذي بذله الدكتور عبد الوهاب عزام لن يقف عند هذا الحد ولن ينتهي إلى هذه الغاية.
فقد كان يريد، وكانت مطبعة المعارف ومكتبتها تريد معه، جمع أكثر عدد ممكن من النسخ المخطوطة لهذا الكتاب ومعارضتها والموازنة بينها واستخراج أصح نص ممكن من هذه المعارضة والموازنة، فحالة الحرب بينهما وبين ما كان يريدان، ولكنها لم تمنعهما من أن يقدما إلى الناس أقدم نص لهذا الكتاب عرف إلى الآن».

4
ولا يمكن أن نختتم الحديث عن هذه الطبعة بكل ما توافر لها من عناصر التميز والفرادة، متناً وإخراجاً، دون أن نشير إلى المقدمة الرصينة القيمة للدكتور عبد الوهاب عزام الذي استقصى جهده في الإحاطة بنسخ ومخطوطات كليلة ودمنة وقدم لها وصفاً تفصيلياً مقارناً بينها، ومشيراً إلى الفروقات والتفاوتات بينها، وصولاً إلى إعداد النسخة الأحدث التي تجمع بين مزايا كل هذه النسخ وتثبت الفروق بينها.
ولا يكتفي المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام بهذا الجهد «الفيلولوجي» العظيم، لكنه يضيف إلى ذلك دراسة عميقة للكتاب، وأصوله وتراجمه، وأثره في التراث الإنساني لا غنى عنها لأي دارس أو باحث مهتم بهذا الأثر، فضلاً على القارئ الشغوف المتطلع لمزيد من المعرفة والدراية بكليلة ودمنة..
ورغم أن هذه الدراسة قد مضى عليها حتى وقتنا هذا ثلاثة وثمانون عاماً كاملة، فإنها ما زالت تحتفظ بقيمتها كأساسٍ للدراسات والكتب التي عرضت لهذا الأثر النفيس في العقود التالية.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: معرض أبوظبي الدولي للكتاب معرض أبوظبي للكتاب الإمارات كليلة ودمنة التراث الإنسانی الدکتور طه حسین دار المعارف کلیلة ودمنة هذه الطبعة

إقرأ أيضاً:

النائب إيهاب أبو كليلة يستعرض طلبه أمام "الشيوخ" حول تفعيل دور صناديق الاستثمار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عرض النائب أيهاب أبو كليلة، عضو مجلس الشيوخ، طلبا أمام الجلسة العامة اليوم الأربعاء، بشأن تفعيل دور صناديق الاستثمار العقاري.

وأشار النائب، إلى أن صناديق الاستثمار العقاري، تقوم على جمع الأموال من المستثمرين عن طريق بيع الأسهم وإصدار السندات من أجل شراء وتأجير الأصول العقارية مثل مراكز التسوق ومباني المكاتب والمباني السكنية والمستودعات واستثمارها في مشروعات عقارية متنوعة مثل المشروعات السكنية، والمكاتب التجارية، والمراكز التجارية والفنادق والمستشفيات وغيرها، ويتم توزيع الأرباح الناتجة عن هذه المشروعات على المستثمرين وفقاً لنسبة محددة يتفق عليها الصندوق مع المستثمرين.

وأشار الطلب، إلى أنه يمكن للمستثمر شراء وبيع أسهم صناديق الاستثمار العقاري في السوق عبر حساب وساطة مالية، مثل أي شركة عامة أخرى، وهذا يجعل صناديق الاستثمار العقاري أكثر أنواع الاستثمار العقاري سيولة، وعلاوة على ذلك يمكن شراء أسهم الصناديق العقارية المتداولة في البورصة التي تمتلك أسهماً في العديد من صناديق الاستثمار العقاري.

وأوضح النائب في طلبه، أن سوق العقارات يلعب دوراً حيوياً في تنمية الاقتصاد الكلي كشكل من أشكال الاستثمار، لكونه من الأسواق الجاذبة للاستثمار في مصر.

وأشار إلى  دراسة حديثة أجرتها شركة "ماكنزي" والتي أكدت أنه يتم تخزين 68% من صافي الثروة العالمية في العقارات، وأكثر من 72% من النمو في الثروة العالمية جاء من ارتفاع أسعار الأصول متجاوزاً المدخرات والاستثمارات بنسبة 28%، وهو ما يؤكد أن  العقارات واحدة من أقوى المجالات الجاذبة للاستثمار على مستوى العالم.

ووفقا لطلب النائب المقدم فإن حجم السوق العقارية المصرية يبلغ حالياً 3.5 تريليون جنيه مصري وفقاً لآخر إحصاء في عام 2023.

ولفت إلى أنه تشكل العقارات السكنية أكبر حصة من السوق المصرية، حيث بلغت قيمتها 2.5 تریلیون جنيه مصري في عام 2023 ، وتأتي العقارات التجارية في المرتبة الثانية بقيمة 1 تريليون جنيه مصري.

ووفقاً لتقرير صادر عن شركة جلوبال كابيتال بارتيزرز فإن قطاع العقارات في مصر سيشهد نمواً بنسبة 8% خلال عام 2024 ، مما يعد إشارة إيجابية للاستثمار في هذا القطاع، ومن المتوقع أن يصل نمو القطاع إلى 5.2 تريليون جنيه مصري بحلول عام 2028.

ووفقاً لوكالة فيتش العالمية، فهناك توقعات بزيادة الاستثمارات في السوق العقاري المصري على المدى الطويل، مدفوعاً بقوة القطاع العقاري التجاري في مصر، وذلك نتيجة جهود الدولة المستمرة في إنشاء المدن الجديدة مما يعزز الاستثمار العقاري، حيث توفر المدن الجديدة للمستثمرين المحتملين فرصاً جذابة وواسعة النطاق للمشروعات العقارية.

وشدد النائب على أن صناديق الاستثمار العقاري، تمثل ملتقى للفرص والابتكار في قطاع العقارات، وهي إحدى أدوات الاستثمار الجديدة، التي تم إطلاقها في السوق المصري خلال السنوات الأخيرة، وتهدف إلى جذب الاستثمارات في القطاع العقاري من تجميع الأموال من المستثمرين وإعادة استثمارها في مشروعات عقارية مختلفة مثل المشروعات السكنية، والمكاتب التجارية، والمراكز التجارية والفنادق والمستشفيات وغيرها، ويتم توزيع الأرباح الناتجة عنها على المستثمرين بنسبة محددة تتفق عليها صناديق الاستثمار العقاري مع المستثمرين.

وقال عضو مجلس الشيوخ: بالرغم من وجود عدد من صناديق الاستثمار العقاري في مصر، إلا أن هذه الصناديق لم يتم تفعيلها بشكل كاف على الرغم من أن السوق العقاري المصري قد شهد طفرة تنموية كبيرة خلال السنوات الماضية في إطار دعم الدولة المصرية للتنمية العمرانية.

ولفت إلى حرص الدولة على تنفيذ العديد من المشروعات في مختلف محافظات الجمهورية والتوسع في إنشاء المدن الذكية أو مدن الجيل الرابع، والتي وصلت إلى 14 مدينة، وهذه المدن ستمنح مصر فرصة الارتقاء بعقاراتها على المستوى العالمي وبالتالي سيكون هناك طلب دولي على العقار في مصر.

مقالات مشابهة

  • انتخابات تشريعية تاريخية في بريطانيا اليوم
  • الصراع الحضاري في تاريخ سورية القديم… محاضرة الدكتور عبد الرحمن البيطار باتحاد كتاب حمص
  • الحركة الوطنية: بيان 3 يوليو نقطة تحول تاريخية لانتصار إرادة الشعب
  • «هنو وكجك» أسماء تاريخية (قديمة ومملوكية) في حكومة مدبولي الجديدة
  • النائب إيهاب أبو كليلة يستعرض طلبه أمام "الشيوخ" حول تفعيل دور صناديق الاستثمار
  • جامعة الإمارات وتريندز يطلقان كتاب الأمن المائي في دولة الإمارات
  • جامعة الإمارات و”تريندز” يطلقان كتاب “الأمن المائي في دولة الإمارات”
  • كتاب جديد يستكشف حضور إدوارد سعيد في الخطاب النقدي العربي المعاصر
  • جامع حٍسْلْ .. منارة تاريخية توشك يدّ الإهمال على هدّمها
  • هيبة العالِم والمنطق المعوَج