تقرير: حسن اسحق

منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي كانت موالية له، كثُرت الأحاديث عن الأطراف، التي تدعم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هذه القوات. القيادات العليا في المؤسسة العسكرية لم تخفي اتهاماتها للعديد من الدول في الجوار الإفريقي، وأشارت أصابع الاتهامات مباشرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وصفها الفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وعضو مجلس السيادة السوداني، "بأنها دويلة الشرّ، التي لا تتواني في دعم القوات المتمردة على الدولة" وتشير الدراسات والتحاليل السياسية الغربية في ذات الوقت، إلى الدور الروسي عبر مجموعة "فاغنر " المتورطة في دعم أسرة آل دقلو.


وبحسب تقارير علمية موثقة، أصبحت عمليات تهريب الذهب السوداني بمثابة شريان حياة لجهود الحرب الروسية في أوكرانيا وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، حيث يقال، إن الذهب غير المشروع من السودان يتم تهريبه عبر الإمارات العربية المتحدة وإلى السوق العالمية في نهاية المطاف. وأثار ذلك مخاوف من أن الإمارات قد تستفيد من الأنشطة المرتبطة بالنزاع، حيث يُعدّ الذهب مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الجماعات المسلحة في السودان، وتفيد التقارير، إن قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" تعتمد بشكل كبير على الذهب المُهرّب، كما أن دقلو، - الذي يُقال إنه أحد أغنى الرجال في السودان، وله أكثر من ٥٠ شركة تحمل اسمه -، له علاقات وثيقة مع مجموعة فاغنر الروسي الذي أُعيدت تسميته الآن "بفيلق أفريقيا". وقد حددت الأمم المتحدة "الشبكات المالية المعقدة التي أنشأتها قوات الدعم السريع" والتي تسهل الحصول على الأسلحة، ودفع الرواتب، والدعم السياسي. ووفقا للأمم المتحدة، أصبح تهريب الذهب مصدرا رئيسيا لتمويل الصراع في منطقة دارفور غرب في السودان، ومؤخرا اتهمت ثماني منظمات لتحليل التعدين، بقيادة Swissaid، جمعية سوق السبائك في لندن (London Bullion Market Association) بالفشل في استبعاد الذهب المرتبط بشكل كاف، لانتهاكات حقوق الإنسان من سلسلة التوريد الخاصة بها.
كشفت التقارير أيضا إن المصافي المعتمدة من قبل جمعية "سوق السبابك" في لندن تحصل على الذهب من مُورّدين ومناجم مشكوك فيها، على الرغم من وجود أدلة على "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والتدهور البيئي"، وتواجه الجمعية دعوات لاتخاذ إجراءات، وتعهدت بالقيام بذلك بعد قمتها القادمة حول مصادر المعادن المسؤولة. ومن المعروف أن الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لها صلات كبيرة بارتكاب جرائم دولية، كما يتضح من الصراعات مثل تلك التي اندلعت في ليبيريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية، حيث أدت التجارة غير المشروعة في الماس والذهب إلى تأجيج العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
الذهب.......كيف يغذي الحرب واتهامات بتورط الإمارات في تهريبه
في الحالة السودانية، من المعروف أن الأنشطة غير المشروعة، مثل تهريب الأسلحة والاتجار بالبشر، تُساهم في استمرار الصراع، وتُقوّضُ الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة. في ذات الوقت، تمّ تسمية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تقوم بتعدين الذهب بنفسها، على أنها بلد المنشأ لما يقرب من ١٥٠ طنًا متريًا من الذهب المباعة في عام ٢٠٢١.
لكن دولة الامارات العربية المتحدة نفت مزاعم التواطؤ في تجارة الذهب غير المشروعة، وتتهم جهاتٌ دوليةٌ وحقوقيةٌ الإمارات بتقديم الأسلحة والدعم اللوجستي للجماعات المسلحة في السودان، المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم حرب ضد المدنيين، ويُقال أيضا، إن دعمها ساهم في انتشار العنف والنزوح واستهداف المدنيين، والمجموعات العرقية، التي يمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. ما حدث في ولاية غرب دارفور من قبل قوات الدعم والقبائل العربية الموالية له بارتكاب فظائع ضد قبيلة "المساليت"، وأدي الصراع في السودان وخاصة في الجنينة بغرب دارفور إلى مقتل ١٥ ألف مدني منذ أبريل ٢٠٢٣ وفقا لتقارير الأمم المتحدة.
تري أطرافٌ قانونيٌة، تطرح عدد من الأسئلة أبرزها، بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، هل يمكن مساءلة الأفراد عن الجرائم الدولية بغض النظر عن مكان ارتكابها، وهذا يعني أنه حتى لو حدثت الجرائم المزعومة في السودان، فيمكن محاكمة المواطنين غير السودانيين المتورطين في ولايات قضائية أخرى بموجب قوانين الولاية القضائية العالمية.
تُطالب جهاتٌ قانونيةٌ وحقوقيةٌ سودانيةٌ بفرض عقوبات على الإمارات العربية المتحدة وجمعية سوق السبائك في لندن لتورطهما المزعوم في جرائم ضد المدنيين وجرائم إنسانية، وتسلط هذه الادعاءات الضوء أيضًا على الحاجة الملحة لمعالجة تجارة الذهب غير المشروعة وعواقبها المدمرة على المدنيين في السودان وخارجه.
في خضم الصراع المستمر في السودان، أصبح دور الجهات الفاعلة الخارجية وآليات المساءلة الدولية "موضع تركيز حاد، وواجهت المحكمة الجنائية الدولية، التي تتمتع بسلطة قضائية على الجرائم المرتكبة في دارفور بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٥٩٣، الذي تم اعتماده في عام ٢٠٠٥، العديد من التحديات في تأمين التعاون من الحكومة السودانية، وأصدرت مذكرات اعتقال بحق العديد من كبار الشخصيات المشتبه في تورطهم في الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وقد فشلت الحكومة السودانية في عهد الرئيس السابق، عمر حسن أحمد البشير في التعاون مع المحكمة، ولكن التطورات الأخيرة قد تعطي حياة جديدة للتعاون، ومن شأن إنشاء الحكومة مؤخراً للجنة العدالة الانتقالية، أن يفتح آفاقاً للتعاون. قد شكلت قضية الإبادة الجماعية في ميانمار وكذلك قضية جنوب افريقيا ضد اسرائيل، سابقة لرفع الشكاوى حول الانتهاكات المحتملة للإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية، وهو ما يراه القانونيون أنه قد يفتح الباب أمام آليات المساءلة الدولية، ومن المتوقع تقديم شكاوى مماثلة ضد الإمارات العربية المتحدة لدورها المزعوم في السودان.
ومع قيام المجتمع الدولي بالتدقيق في تورط الإمارات العربية المتحدة في صراع السودان، واحتمال ارتكاب جرائم دولية، فإن الولاية القضائية العالمية وآليات مثل محكمة العدل الدولية، توفر سبلاً للمساءلة، حتى في الوقت الذي تسلط فيه المخاوف بشأن تهريب الذهب الضوء على الروابط المعقدة وغير المشروعة المحتملة في السودان..
تورط الدب الروسي في حرب السودان
روسيا ومجموعة فاغنر، وقود الصراع في السودان بقلم إلين كاميرون’ علي موقع لندن بوليتيكا LONDON POLITICA " ومع حدوث التصعيد السريع، أصبحت الأدلة على الدعم الروسي لقوات الدعم السريع قبل النزاع واضحة. ويشير النشاط في القواعد الجوية الليبية المرتبطة بمجموعة فاغنر وروسيا إلى وجود خطط لدعم قوات الدعم السريع قبل اندلاع القتال. ويبدو أن الصراع في السودان يرضي المصالح الروسية في الذهب السوداني وسعي حميدتي إلى السلطة. إن المشاركة الروسية في القتال هي تذكير مهم بالأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنسبة للمصالح الروسية”
تؤكد إلين إن ظهور مجموعة فاغنر لأول مرة في السودان عام ٢٠١٧، حينها أسست شركة "مروي جولد" لاستكشاف واستخراج موارد الذهب الهائلة في السودان، منذ ذلك الوقت، عززت مجموعة فاغنر علاقاتها مع حميدتي، حيث قام أعضاء من قوات الدعم السريع بتوفير حماية لــ"مروي جولد"، وكانت هذه العلاقة أساسية في الإطاحة بالبشير عام ٢٠١٩، وكان تعاونهم المستمر فعالا في الحصول على الموارد والقوة للقتال المستمر في السودان.
وأشارت إلين إلى أن حميدتي سافر إلى روسيا في فبراير ٢٠٢٢، لتأمين المعدات العسكرية والموافقة على بناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، وهي خطوة لم يؤيدها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مبينة أن الاعمال بين السودان ومجموعة فاغنر كانت موضوعا للنقاش، لكن فشل البرهان وحميدتي في الاتفاق عليه، وشكلت هذه الخلافات حول فاغنر نقطة محورية في التصعيد، حيث شكلت زيادة النشاط في قواعد فاغنر الجوية وتزويد حميدتي بالصواريخ خطة واضحة للحرب قبل اندلاع القتال.
تري الين أن الدوافع الروسية ليست واضحة تمامًا فيما يتعلق بتعاونها مع حميدتي، فمن الواضح أن روسيا ومجموعة فاغنر لهما مصالح اقتصادية حاسمة في السودان، بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال امتداد الصراع إلى البلدان المجاورة يمكن أن يكون قاتلاً لمشاريع استخراج الذهب الأخرى، في ذات الوقت تتزايد الضغوط على الدول الغربية بشأن اتخاذ اجراءات لحماية المدنيين السودانيين الأبرياء.
وفي هذا الإطار، واجه الاتحاد الأوروبي المزيد من الانتقادات والإدانات لتمويله مشاريع مكافحة الهجرة لوقف الهجرة الجماعية من السودان إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأعرب وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو عن ضرورة بذل المزيد من الجهود في السودان، مع تزايد المخاوف من دور روسيا في ظل صمت الاتحاد الأوروبي عن جهوده لوقف العنف، وهذا يفتح الفرصة أمام روسيا لتعزيز مصالحها مع السودان.
تقول إلين ان هذه ليست المرة الأولى للتدخل الروسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان لروسيا دور كبير في الحرب الأهلية السورية بمصالح اقتصادية وسياسية، ولعبت مجموعة فاغنر أيضًا دورًا حيويًا في الصراع السوري، حيث قدمت المعدات والقوى العاملة مقابل النفط والغاز، بالإضافة إلى ذلك، فقد دعمت شركة النفط والغاز EvroPolis، المملوكة لمجموعة فاغنر، أيضًا العديد من العمليات في جميع أنحاء إفريقيا والتي تتوسع مع استمرار روسيا في حملات التضليل في جميع أنحاء القارة.
وتتهم إلين الحكومة الروسية بالمساهمة في عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشكل الصراع السوداني جزءًا حيويًا آخر من خطة مواصلة دورها كلاعب داخل المنطقة، في حين يقدم السودان لروسيا مجموعة من المصادر الاقتصادية، ويبدو أن روسيا تريد أن تضع نفسها كقوة عسكرية مهيمنة للسيطرة والقوة من أجل تحدي تلك الدول التي تهدد مصادرها الاقتصادية في المنطقة، ولا يبدو أن احتمال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممكن طالما أن روسيا متورطة، خاصة فيما يتعلق بالسودان.
الدعم السريع وتوفير الذهب لحكومة الإمارات
بينما يري الناشط الحقوقي السوداني، إدريس هارون المقيم في شرق دولة تشاد، إن هناك أطراف عديدة متورطة في إذكاء الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى وجود جهات إقليمية متورطة ممثلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم قوات الدعم السريع، التي ارتكبت انتهاكات ترتقي إلى الإبادة الجماعية في ولاية غرب دارفور "الجنينة"، حيث قُتلَ الآلاف من الأبرياء من قبيلة المساليت، وهو ما يرتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعلى دولة الإمارات أن توقف هذا الدعم لهذه القوات سيئة السمعة.
يضيف إدريس، أن الغرض من الدعم الإماراتي هو الحصول علي الذهب السوداني بمساعدة هذه القوات، قبل سنوات كانت تسيطر بالكامل على منطقة جبل عامر الغنية بمعدن الذهب. وتعتبر فترة الرئيس السابق عمر البشير هي الفترة التي اكتسبت هذه القوات مناعة وقوة، كما عمل المقربين من النظام السابق على فتح علاقات اقتصادية للدعم السريع من حكومة أبوظبي، ما ساهم في جعل الدعم السريع أيضا قوة اقتصادية لا يستهان بها، على الرغم من سكوت العديد من الاحزاب السياسية لتمدد الدعم السريع في السودان، لكن الجهات القانونية والحقوقية كانت مدركة لخطورة هذا الوضع في البلاد، لأن ما حدث في أبريل ٢٠٢٣، هو دليل واضح لتلك المخاوف.
على المجتمع الدولي أن يكون حاضرا في الملف السواني، خاصة الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات والأطراف الإقليمية والدولية، التي تورطت في دعمهم، ويجب تقديم شكاوى إلى المحاكم الإقليمية والدولية بخصوص الانتهاكات المعروفة للعالم في إقليم دارفور، وكردفان، والخرطوم والجزيرة، ويجب تفعيل الولاية القضائية العالمية ضد كل من يتورط ويشارك في الانتهاكات، حتى أذا كان يقيم خارج السودان. ويري إدريس بأنه هنا يأتي الدور الحقيقي للمحامين السودانيين في الداخل والخارج، لرفع هذه القضايا إلى الجهات العدلية الدولية والحقوقية، ويجب عدم التغاضي عن الايادي الروسية في غرب إفريقيا وتأثيرها المباشر على الأوضاع في السودان واقليم دارفور بطريقة سلبية.
الدعم الغربي الخفي للحرب
في ذات السياق قال محلل سياسي فضل حجب اسمه لــ(سوداني بوست) إن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية متورطة بشكل أساسي في الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم، بسكوتها على دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لأسرة آل دقلو، وأن الدول الغربية تستخدم النهج الاستعماري لتركيع الحكومة السودانية، التي يقودها الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان. لقد أصبح السودان لعقود عصيا على الاستجابة لسياساتهم الاستعمارية والاستبدادية، ورفض تنفيذ اجندتها، التي لا تتوافق مع السياسة الداخلية والثقافية للسودان، كما يسعى الغرب بكل ما أوتي من قوة للقضاء على السودان، وجعله دولة ضعيفة يسهل السيطرة وفرض الإملاءات عليها. وأشار إلى أن هذه الدول رغم الانتقادات التي توجهها لدولة الامارات العربية المتحدة، لكن في باطن الامر، هناك تنسيق على مستوي عالي جدا، بهدف إخضاع الجيش السوداني. إن حكومة أبوظبي لا تعمل وحدها في هذا الجانب المتعلق بتهريب الذهب السوداني، بل تستفيد من العوائد المالية الضخمة للذهب في الأسواق العالمية أطراف أخرى. إضافة لذلك، توقع كثيرون أن يسقط الجيش في أول أسبوع من محاولة سيطرة الدعم العاصمة المثلثة "الخرطوم"، حتى يتم تكوين حكومة موالية لدولة الإمارات العربية المتحدة، المتحالفة تحت الطاولة مع بعض الحكومات الغربية. أما دول الجوار الإفريقي التي تُستخدم ضد السودان، هي مجرد تابع، وترتزق على الموائد الغربية.

ishaghassan13@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا دولة الإمارات العربیة المتحدة قوات الدعم السریع الذهب السودانی الجیش السودانی حقوق الإنسان غیر المشروعة مجموعة فاغنر تهریب الذهب هذه القوات الروسیة فی الفریق أول فی السودان العدید من الصراع فی فی منطقة جرائم ضد فی ذات

إقرأ أيضاً:

الآلية التقنية لقهر انتهاكات الجيش والدعم السريع

A Techno-human Mechanism to Vanquish SAF and RSF Atrocities

بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي - مركز مأمون بحيري، الخرطوم

يتزايد الاهتمام بالسودان من الدول الفاعلة في الجغرافيا السياسية العالمية بسبب تمتعه بموارد هائلة وموقع جغرافي استراتيجي متميز. ونظراً للتغييرات المعاصرة في موازين القوى العالمية ببروز الصين وروسيا، ومجموعة بريكس، كقوى مؤثرة في الجغرافية السياسية العالمية أصبح من الصعب على أي قوى عظمى التصرف الأحادي في المواقع الاستراتيجية المهمة مثل السودان. وبالتالي لجأت تلك القوى للكيانات الأممية والإقليمية لمساعدتها في بلوغ غاياتها الجيوسياسية. ومن هذا المنطلق لجأت أمريكا في مبادرة جنيف للمساعدة من شركاء متعددي الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد، وشركاء قُطْريين مثل مصر والإمارات في سعيها لحماية مصالحها الاستراتيجية في السودان عبر تحقيق الأمن والسلام اللذان عصف بهما الجيش والدعم السريع في حربهما العبثية المستمرة منذ أبريل 2023.
وبسبب تمادي الطرفين في الازدراء بماضي وحاضر ومستقبل السودان أصبح التوصل لوقف إطلاق النار عصياً رغم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية. وساهم في استمرار تلك الحرب الفاجرة جملة من العوامل التي تشمل الصراع على السلطة، والخوف من المحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية الي ارتكبها الطرفان، وتشبث الجماعات الإسلامية بالعودة للسلطة التي انتزعها الشعب في ثورة ديسمبر، والمؤثرات الخارجية المؤججة للصراع، والديناميكيات العسكرية المترتبة على المكاسب الجغرافية السريعة التي حققها الدعم السريع مما دفع الجيش للتمسك بالانسحاب منها قبل وقف القتال، رغم أن قيادة الجيش قد سهمت جوهرياً في سيطرة الدعم السريع عليها. وذلك فضلاً عن التصدعات والاختراقات التي أضعفت طرفي الاقتتال، خاصة طرف الجيش الذي خضع مجبراً لتشكيل حكومة أمر واقع كاكستوقراطية (kakistocratic) من بقايا الصف الثاني من الإسلاميين الذين توارى صفهم الأول خذياً بعد الويلات التي أذاقوها الشعب السوداني طوال حكمهم البائد الذي دام ثلاثين سنة. كما أضعفت الحرب السافرة طرف الدعم السريع الذي اخترقته مجموعات من النهّابين ومنتهكي الأعراض مما أثار حفيظة قطاع واسع من السودانيين، رغم تبني الدعم السريع لأهداف ثورة ديسمبر في التحول المدني الديمقراطي.
وقد تضافرت هذه العوامل مجتمعة لإفراز واقع عسكري ميداني معقد حيث استند الجيش كلٌ من والدعم السريع على أسبابه الجوفاء لمواصلة الإحتراب، مما جعل التوصل إلى وقف إطلاق النار مستعصياً على الجهود الدبلوماسية القطرية التي قامت بها الولايات المتحدة والسعودية ومصر وسويسرا، والجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد والاتحاد الأوربي. كما لازم الفشل أيضاً العقوبات الاقتصادية الخجولة وحظر الأسلحة الصوري المفروض على الطرفين من بعض مكونات المجتمع الدولي.
وقد أدى استمرار القتال وتصاعده إلى مضاعفة معاناة المدنيين بدرجة أودت بحياة الآلاف من السودانيين بدرجة تستلزم تدخلاً عزوماً من المجتمع الدولي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواسعة المتضررة من الحرب التي شملت أربع عشرة ولاية وتهدد الأربع ولايات المتبقية بمصير وخيم. ولعل ما يستوجب التدخل الناجع للمجتمع الدولي خطر المجاعة الزاحفة التي طالت أكثر من عشرة ملايين نسمة، أي أكثر من خُمس السودانيين بسبب النقص الخطير في الغذاء المؤدي لسوء التغذية الحاد ثم الوفاة. كما يتطلب الأمر تدخلاً نافذاً لحماية المرافق الصحية وضمان سلامة العاملين، بحيث يُفرض قسراً على الجيش والدعم السريع السماح بمرور آمن للعاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى. وغني عن القول أن كل هذا يستحيل تحقيقه تحت القصف الجوي والمدفعي العشوائي العنيف الذي يمارسه الجيش والدعم السريع بدرجة شكلت جرائم متزايدة ضد الإنسانية.
وتستوجب هذه الفظائع التي يرتكبها الجيش والدعم السريع إجراء تحقيقات محايدة ومستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب حتى لا يفلت الجناة من المحاسبة والعقاب. وفي حين توفر هذه الإجراءات إطاراً لوقف إطلاق النار وانتهاكات حقوق الإنسان، لكنه لمن المهم مراعاة التعقيدات التي تكتنف أسباب الإحتراب بوجود أصحاب مصلحة متعددين وقضايا متجذرة تتطلب جهوداً دؤوبة ونهجاً منسقاً مغايراً للمألوف ومتعدد الأوجه (multifaceted).
وكما هو معلوم فإن ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي تبيحان تدخل المنظمتين عسكرياً في دولهما الأعضاء في حالة تهديد السلم وارتكاب جرائم حرب وفظائع ضد الإنسانية كالتي ظل يمارسها الجيش والدعم السريع منذ اندلاع الحرب الكارثية في أبريل 2023. ونظراً لاتساع الجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها طرفا الاقتتال في السودان العضو في المنظمتين، فإن التنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي صار حتميّاً لاستنباط الآلية القوية التي تمكن من وقف الحرب دون خشية مواجهة مباشرة بين دول الفيتو الخمس المهيمنة على الجغرافيا السياسية العالمية. وغني عن القول أن صدور قرار من مجلس الأمن باستخدام البند السابع في السودان ظل رهيناً بالفيتو الروسي أو الصيني المحتمل. وعلى الرغم من أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "الاتحاد من أجل السلام - Uniting for Peace " رقم 377A(V) الصادر عام 1950 يتيح للجمعية العامة القدرة على التدخل في حالات تهديد السلم والأمن الدوليين عندما يعجز مجلس الأمن عن اتخاذ إجراء بسبب الفيتو، إلا أن تنفيذ هذا القرار العتيق تكتنفه تحديات توفر الإرادة السياسية للدول الأعضاء وقدرتها على التعاون لتنفيذ قرارات الجمعية العامة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين. وذلك فضلاً عن أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، على عكس قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. كما أن الجمعية العامة لا تستطيع فرض التدخل العسكري القسري الذي يظل حكراً على مجلس الأمن. وعليه فقد تضاءلت فاعلية قرار "الاتحاد من أجل السلام" لفرض وقف إطلاق النار في السودان، حيث أدركت الدول الخمس الدائمة العضوية أن هذا القرار ضار بمصالحها.
ومن ثم فإن استخدام القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي يمثل الخيار الوازن لتوفير الآلية القوية الضرورية لفرض وقف إطلاق النار في السودان وتنفيذ إعلان منبر جدة الذي ظل مغلولاً لغياب الآلية الفاعلة التي تُرغِم الجيش والدعم السريع على تنفيذه. ويجدر بالذكر أنه وفقاً للمادة 4 (ح) من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي فقد تدخلت قواته العسكرية الإفريقية في بوروندي ويوغندا وموزمبيق والسودان لحفظ السلام في إطار حماية الاتحاد الإفريقي لدوله الأعضاء من جرائم الحرب والفظائع ضد الإنسانية. أما بالنسبة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فقد أصدر قرارات بالتدخل الذي حقق نجاحاً كبيراً تحت البند السابع في كمبوديا، والسلفادور، وغواتيمالا، وموزمبيق، وناميبيا، وطاجيكستان. كما ساهمت قوات الأمم المتحدة في تحقيق نتائج إيجابية في فرض السلام في كل من سيراليون، وبوروندي، وكوت ديفوار، وتيمور الشرقية، وليبيريا، وهايتي، وكوسوفو، والسودان.
لقد أكد فشل منبر جدة والمبادرات الأخرى في وقف مستدام لإطلاق النار وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في السودان أن كبح جماح المواجهات الدامية بين الجيش والدعم السريع يحتاج لآلية هجين (hybrid) تحتوي على مزيج من التقنيات الحديثة للارتقاء بقدرات المراقبة، ومراقبين عسكريين ومدنيين لبناء الثقة وتفسير البيانات، بحيث تكمل التكنولوجيا المراقبة البشرية ولا تستبدلها. وحتى تتمكن هذه الآلية الهجين من النجاح لا بد لها من تفويضات واضحة واتفاقيات مفصلة حول ما يجب مراقبته، وتوفير مزيج من التقنيات مثل الطائرات بدون طيار (Drone) والكاميرات والأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار الصوتية (acoustic) لرصد مصدر الخروقات، وأنظمة إدارة المعلومات لجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، وهياكل لإدارة الانتهاكات ومنع التصعيد، واستراتيجيات للاتصال الداخلي والخارجي، وعناصر مستقلة من المدنيين والمجتمع المدني للمشاركة في الرصد لضمان الملكية المحلية لآلية المراقبة.
أما الجانب البشري من الآلية الهجين فيشمل مراقبين إقليميين ودوليين محايدين لعمليات وقف إطلاق النار والجرائم ضد الإنسانية يعملون على الأرض يراقبون ويقدمون التقارير ويساهمون في جهود خفض التصعيد وتسهيل مشاركة المدنيين والمجتمع المدني المحلي في عملية وقف إطلاق النار ورصد الفظائع ضد المدنيين. ويظل دور هؤلاء المراقبين حاسماً حتى في وجود دعم التكنولوجيا الحديثة في أنشطة المراقبة. ويشمل دور المراقبين التعامل الاستباقي (proactive) مع المحفزات المحتملة للخروقات أو سوء الفهم بين الجيش والدعم السريع، وبناء الثقة من خلال الاتصال المباشر مع طرفي الاقتتال والمدنيين المتضررين، وإجراء الدوريات والاستقصائية بالاشتراك مع الأنظمة التكنولوجية.
ونسبة للتحديات التي تكتنف تدخل عناصر بشرية أجنبية في السودان عبر مجلس الأمن فإن "القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا-إيساف" (Eastern Africa Standby Force-EASF) تمثل الخيار الأفضل للمشاركة في آلية مراقبة وقف إطلاق النار في السودان. ويجدر بالذكر أن بروتوكولات إنشاء "إيساف" قد نصت على التعاون مع الأمم المتحدة، ووكالاتها بما فيها مجلس الأمن، والمنظمات الدولية، والمنظمات الإقليمية الأخرى ذات الصلة، وكذلك مع السلطات الوطنية والمنظمات غير الحكومية، عند الحاجة. وعند نشر قوة "إيساف" في السودان يتولى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة مهمة السيطرة العملياتية عليها. ومن الضروري أن تعمل "إيساف" بالتنسيق مع مختلف الشركاء القطريين ومتعددي الأطراف الذين يقدمون لها الدعم المالي واللوجستي والفني اللازم لإنجاز مهامها ومراقبة استقلالها التام من أي مؤثرات من طرفي الاقتتال. ويشمل الشركاء القطريين الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وألمانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد. كما ينتظر أن تتلقى "إيساف" مساعدات من مصادر متعددة الأطراف تشمل الأمم المتحدة وبرامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوربي.
وفي ضوء الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في آلية المراقبة يمكن حصر قوة "إيساف" في حدود 10000 فرد بالاستفادة من الأقمار الصناعية في الاستطلاع والإنذار المبكر والاتصالات. إذ توفر أنظمة الاستطلاع الفضائي المعلومات اللازمة عن تمركز قوات الجيش والدعم السريع، وترصد بدقة الطرف الذي ينتهك وقف إطلاق النار أو يرتكب جرائم ضد الإنسانية في حينه باتصال أنظمة الاستطلاع الفضائي بأنظمة الاستخبارات والرصد والاستطلاع لاتخاذ ما يلزم تجاه الطرف المنتهك بالسرعة اللازمة.
ويجدر بالذكر أن الأقمار الصناعية تدور خارج نطاق مجال أسلحة الدفاع المحدودة لطرفي القتال، وتمر فوق مواقع المعارك دون تواجد فعلي على الأرض السودانية، وبالتالي تسقط الادعاءات الجوفاء بالغزو الأجنبي للأراضي السودانية التي تعلل بها المعارضون لأي دور إيجابي للمجتمع الدولي لوقف الحرب العبثية في السودان. كما أن هذه الأقمار الصناعية بإمكانها كشف الطرف المنتهك لوقف إطلاق النار قبل تحركه نظراً لقدرتها على تجريده من عنصر المفاجأة لصعوبة إخفائه لعملياته التعبوية أو التكتيكية. وفوق ذلك يمكن لمنصات تطبيقات الاستشعار عن بُعد تحديد المواقع الخفية للجيش والدعم السريع في منازل المواطنين والأعيان المدنية وتحركات قواتهما وطرق إمداداتها مما يسمح أيضاً بالتحقق بشرياً من تطبيق مخرجات منبر جدة. كما يمكن لهذه التطبيقات التقنية حماية حقوق الإنسان السوداني بتتبع الانتهاكات البشرية خلال الإحتراب، ومساعدة الفرق الإنسانية الأرضية في مهامها الرقابية، ودعم عمليات إغاثة اللاجئين، وتقديم أدلة في المحاكم المحلية والدولية لمعاقبة مرتكبي الفظائع ضد المدنيين. ومن ناحية أخرى فإن استخدام أنظمة الاستطلاع الفضائي في السودان يوفر أيضاً المراقبة الدقيقة لسلوك قوات "إيساف" نفسها ويضمن التزامها المهني دون أي تأثير بالإغراء أو الإكراه من الجيش والدعم السريع.
وبالنسبة لإمكانية نجاح الآلية التنكنوبشرية لوضع حد للحرب المستعرة في السودان فإن ذلك مرهون بعدة عوامل، تشمل فيما تشمل، عدم استخدام القوة إلا في حالات الدفاع عن النفس، وكسب ثقة المواطن السوداني عبر استراتيجية تواصل مبسطة (Communication Strategy) تقنعه بأن هذه الآلية لوقف إطلاق النار ترمي لحماية المواطن من فظاعات الجيش والدعم السريع وجرائمهما ضد الإنسانية، وتعزيز الملكية القومية والمحلية لعملية السلام في السودان بإشراك قوى المجتمع المدني المستقلة بقيادة مراكز التميُّز ومؤسسات الفكر الوطنية، والتزام سلطة الأمر الواقع بعدم عرقلة الآلية ومنح مكوناتها البشرية والتقنية حرية التمركز والتحرك. ويساعد على تحقيق ذلك المشاركة الداعمة من البلدان المجاورة (مثل مصر وتشاد وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى، وجنوب السودان) والدول الفاعلة الإقليمية (مثل السعودية والإمارات والبحرين وقطر)، والتنسيق الإيجابي مع الكيانات الشعبية مثل لجان المقاومة، والتزام أقصى درجات الحساسية تجاه السكان المحليين والحفاظ على أعلى معايير المهنية والسلوك الذي يراعي الثقافات والأعراف السودانية التي عبس بها الجيش والدعم السريع.
وحتى لا يفلت مرتكبو جرائم الحرب من الجيش والدعم السريع من العدالة الناجزة يجب القيام بإجراءات مُرَكَّبة ومتماسكة تتضمن عدة خطوات وآليات قانونية دولية تنطوي على تصنيف تلك الجرائم إلى ثلاث فئات رئيسية تشمل الجرائم ضد السلام، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. ويلي ذلك جمع الأدلة بحيث يلعب الصحفيون والمحققون دوراً مهماً في الكشف عن هوية مجرمي الحرب وجمع الأدلة ضدهم. ويتطلب ذلك اتباع استراتيجية فاعلة لجمع المعلومات تشمل رصد منصات التواصل الاجتماعي، والتحقق من صحة مقاطع الفيديو والصور المنشورة عليها، وإجراء مقابلات مع الضحايا والشهود والناجين، وجمع الأدلة المادية من مسارح الجريمة، وتحديد شهود العيان وإجراء مقابلات معهم، والتنسيق مع السلطات الوطنية والدولية، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة، والتشاور مع الهيئات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية (International Criminal Court). ومن خلال هذه الاستراتيجية العدلية يستطيع المحققون جمع أدلة شاملة وموثوقة لدعم ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب من الجيش والدعم السريع. ومن المهم التأكيد على أن هذه العملية معقدة وتتطلب بناء القدرات وتوفير موارد متخصصة حتى لا يعاقب البريء بجريرة المجرم.

melshibly@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني ينفي استهداف منزل السفير الإماراتي ويتهم الدعم السريع
  • الجيش السوداني ينفي قصف مقر سفير الإمارات بالخرطوم.. ويتهم قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني ينفي اتهامات الإمارات بقصف مقر سفيرها في الخرطوم
  • الآلية التقنية لقهر انتهاكات الجيش والدعم السريع
  • الإمارات تندد بـ “اعتداء غاشم” على مقر سفيرها في الخرطوم من طائرة تابعة للجيش السوداني
  • الجيش السوداني ينفي اتهام الإمارات: لا نرتكب الأعمال الجبانة
  • الإمارات تدين مهاجمة مقر بعثتها في الخرطوم.. قصفه الجيش السوداني
  • مقتل 18 في قصف مدفعي للدعم السريع على الفاشر
  • عشرات القتلى في هجمات نفذها الدعم السريع في السودان.. ومعارك بالخرطوم
  • 18 قتيلا في هجوم للدعم السريع في الفاشر غرب السودان