نقد ودراسة .. وقصة قصيرة بعنوان “الزجاجة”
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
بقلم / عمر الحويج
الدراسة مع الناقد الأستاذ عز الدين محمد علي / نقلاً عن صحيفة الميدان بتاريخ 16/10/2014
"قراءة في مجموعة إليكم أعود وفي كفي القمر"
روح (أبا دماك) ومحاولة الإمساك بالزمن
إضاءة :
مجموعة إليكم أعود وفي كفي القمر للقاص عمر الحويج من مطبوعات دار عزة للنشر والتوزيع بالخرطوم صمم غلافها القشيب الأستاذ جمال خليفة ضمت بين كفتيها مائة وواحد صفحة وستة عشر نصاً قصصياً وتغريظ ثلاثة من أساتذة النقد والإصدارة الموسومة في تتابع النشر القصصي تعتبر الثانية لجماعة أبادماك في مجال القصة القصيرة.
وقد رافق القاص الراحل عبد الله حامد الأمين في مشواره الإبداعي بجماعة اباداماك والمجموعة امتداد لنهج أباداماك التنويري والإبداعي غير المحتفي بفكرة الانقلاب والاستبداد السياسي ونلمس في المنحى الإبداعي للمجموعة المنجزة موقفاً وملمحاً مماثلاً تجلى بوضوح في نص مطارات واحتشد في الدلالة الرمزية لمعظم النصوص المكتوبة في فترة التسعينات من 1995_ 2008 م وحمل عنوان المجموعة عدة إيحاءات مكثفة في حوار أباداماك المتفجرة في جوف النصوص وذاكرة الإبداع الادبي.
المجموعة في كبسولة الزمن :
المجموعة المنجزة ربطت في سردها بين الماضي والحاضر وانتقلت بذائقة المتلقي إلي الفضاء الحصري القائم على مفهوم الحرية والاستبداد والثورة والانقلاب واستعاد الراوي بأسلوب الفلاش باك الاكتوبري وصاغ سماته في قصة حتى الصغار وتحت تأثير ثورة أكتوبر 1964 م صمم مشاهد نصه على لقطات من تظاهرة شعبية وحياة أسرة سودانية فقيرة عقد بطولة السرد لطفلين شمالي وجنوبي جمع بينهما شغل الأورنيش في السوق العربي وعلى خلفية صورة الشهيد القرشي وتأثير ثورة أكتوبر 1964م نسج القاص حبكة النص ودلق فوق السرد بهاراً من التشويق لموت الطفل الجنوبي أثناء التظاهر ونطالع كذلك تأثير الزمن الاكتوبري في نص وردية الليل وحين انفتحت البوابة والقطار الثاني.
وفي نص الزجاجة قدم الزمن الآخر زمان الانقلاب المايوي بما فيه من انفلات ومراهنات كتبها بذاكرة الريفي المقيم بالعاصمة ثم وجد القاص نفسه في مأزق الراهن السياسي والكتابة في حقبة التسعينات الممتدة من 1995_ 2008 م فاستغرقته العناوين المنجزة التي جاءت بعد انقطاع ومخاض طويل أستمر طيلة عقد الثمانينات .
منفستو العودة
الراوي في إرهاصات الزمن المرتقب صاغ منفستو العودة وعنوان المجموعة على إشارات الزمن الظرفية وفي فضاءات المقابلة ومفهوم العودة ترك مفردة وإيحاءات الغربة تبرر الحنين وتفسر رغبته في العودة المحتملة وبتفكيك ضمير المخاطب الجمعي انتقل عبر الرؤيا الصوفية إلى مستوى معياري يجعل المقارنة بين الأمس واليوم حالة موضوعية تتخطى الواقع القائم إلى مغزى النص , وضرورات الإخبار بمشهد الحاضر الفاسد على منحى ما ورد بالنص وسرد الوقائع الملموسة في صفحة (51/52) , وبدلالة مفردة القمر ومستخلصاتها التحليلية في الفلسفة وفي فلسفة التصوف طرح الراوي نفسه بديلاً في الفضاء السجالي القائم بين الواقع والحلم وحشد في دلالة العودة أفكار الخلاص والإنعتاق وجعل شخوصه تحيا بين الناس بأوصاف الغربة وأسرار الماورائي مستخلصاً أن ما بين حامد الحفيان وسعدية غير ظاهر العبط المعلن هو سر الاسرار ومفتاح باب العودة القائم في جوف الحلم والانتظار الصوفي .
والنص يفتح في حيثياته مدداً من الأمل والتفاؤل ويسوق المتلقي نحو فكرة مقاومة الفساد ومحاولة إصلاح عطب الراهن الإجتماعي والسياسي ونستنتج من جوف الإيحاءات الرمزية إدانة الراهن المتموضع في مشاهد الفساد والقفز فوق لحظة الكتابة نحو افق العودة والزمن المرتقب .
نقد النقد وبعض نقد / خاتمة
السارد عمر الحويج قاص من جماعة أباداماك دخل صالة النشر الأدبي شاهراً سيف موهبته من الوهلة الأولى في وجه النقاد ومن يكتب النص الآخر محاولاً قبض الزمن والإمساك به . وقف معه في إحداثي المسافة مابين النص والنص الأخر ثلاث من فرسان النقد : صفق له الأباداماكي العتيد د.عبد الله علي ابراهيم مهوشاً ومتهماً له بغواية الشعر وما هو بشاعر فالقاص عمر الحويج يحمل شهادة ميلاد صادرة في 1969 م بحسب إفادة من د. عبد الله جلاب في ص 18 بالمجموعة.
وفي سياق دهشة النصوص المنجزة نسي الناقد الراحل أحمد عبد المكرم فيزيائية الصوت ووصف إيقاع جرس السرد القصصي بتقطير,متجاوزاً القصر والطول والشدة والغلظة المعهودة في طبيعة الوتريات والأصوات لكنه أوجز إبداعية النص المقروء في لغة رصينة أثبتها مصمم الغلاف في لوحة التقديم .
توزع زمان الحكي والكتابة في التعاقب الزمني للمجموعة في أزمان ثلاثة للكتابة كان اتقاد موهبة القاص ملحوظاً في فترة الستينات والسبعينات 1964م إلى1973م وبمرجعية تأريخ الكتابة بالمجموعة جاءت معظم نصوص السبعينات تحمل سمات التحريض والتبشير بالحرية ووثقت تجلياتها الإبداعية الحالة النفسية للراوي والمتلقي وزمان الكتابة ولكن خلقت كتابة تأريخ النص بالمجموعة التباساً مقدراً وساقت المتلقي إلى مقارنة غير مطلوبة حول إبداعية النص الذي تنفس عبر الزمن بشروطه الفنية وطابع عصره وقياساً على ذلك فالإفادة بتاريخ الكتابة من اختصاص النص الآخر .
***
القصة القصيرة /الزجاجة
الجرعة الأولى :
ملعونون ... ملعونون... أيها النقاد -والقراء أيضاً- الضاجعون الآن مع عشيقاتكم ورفيقاتكم وصديقاتكم... وعيون حبيباتكم. إذا التفَتُّم إلى ضعف التكنيك في هذه القصة... فقد كُتِبَت أثناء سريان أحداثها... وساعتها لم تكونوا معي... معنا.
الجرعة الثانية :
رغم الإغراءات الوافرة في حَلّ مشكلتي نهائياً أو تجميدها على أقل تقدير، لمدة ستة أيامٍ بفعل الحلم المسحوب على شرف التذكرة الرابحة، إلا أنني لم أفكر لحظة واحدة في ممارسة لعبة (التوتو كورة)...ولنفس الأسباب؛ والتي لم أذكرها بعد، لم أحاول يوماً الاعتماد على قوى خارجة عني، بما فيها بركة جدي الشيخ حامد أب عصاةً سيف في حلّ مسائلي المعلقة... إلا أنني قبل ساعة فقط من الآن حدثت لي حالة، تمنيت فيها من سائق بص -تصوروا- ليست التذكرة الرابحة ولا القوى الخارجة عني -بما فيها جدي سالف الذكر- أن يخرجني من هذا المأزق الذي أوقعتني فيه الظروف، والتي لن أذكرها -ربما نكاية بكم- مما اضطرني لشتم ذلك الجد الذي لم يجعلني وارثاً لعصاته العظيمة تلك -حسب ما روي لي عنها من بطولات- لإضافة بطولة جديدة لها. بالضرب المبرح بها، على قفا وظهر وبطن ذلك السائق، الذي تفادى كل العوائق في سبيل تأمين وصولي سالماً إلى هذا المكان... غير السالم.
الجرعة الثالثة :
(ثم ماذا بعد أن تنتهي الزجاجة).
مع نفسي أتحادث فلا تحاولوا أن تحشروا أنوفكم في ما لا يعنيكم.
الجرعة الرابعة :
هنا مرت بي خاطرة إنقاذ تشبثت بها.. تلك القطة التي كانت تتشمم حولي قبل دقائق.
برغم فشلها في الخروج مني بغنيمة، إلا أنني شعرت أنها عقدت معي صداقة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد خيل لي، أنها تدعوني... مما جعلني أزحف نحوها وفي نيتي صادقاً تلبية الدعوة الكريمة.. ولكن ها أنتم ترونني قابعاً في ركني حزيناً عليها -أعني القطة لا الدعوة- فقد دهسها سائق باص -عندي الرغبة في الحديث عنه في جرعة قادمة فترقبوها- أما القطة، لها الحزن، فقد حملت رأسها على كتفيها في سبيلنا... لها الرحمة و... وإنما الأعمال بالنيات...ولها الشكر.
الجرعة الخامسة :
الطفل.. إنه يعود.. إنه يمشي.. إنه يجلس.. إنه يقف.. إنه ينظر.. إنه.. إنه..
الجرعة السادسة :
إنه نفس السائق في قصتي -دائرة الضوء البيضاء- لو تذكرونها.. لا تؤاخذوني إذا افترضتُ فيكم حسن النية في متابعة أعمالي... في تلك القصة على ما أذكر سائق الباص -يتحدث، ولكن ليس كالآخرين- نفس الشيء يفعله هذا السائق الـ...الـ...الـ.
الجرعة السابعة :
هذا المذيع، ذو النبرات الجوفاء.. إنه يحوم بصوته اللزج حول طبلة أذني منذ الجرعة الثانية.. يعلن أنه سوف يسافر بنا من أثينا إلى لندن... إلى نيويورك.. إلى كوبنهاجن.. إلى.. إلى..
الجرعة الثامنة :
تركني هذا المذيع الجلف بدعوى أنني لم أستخرج جواز سفر مثل الآخرين.. طُظ!!.
الجرعة التاسعة :
آه.. ولكني لست وحدي، معي ذلك الطفل، الذي يمشي.. الذي يقف.. الذي يجلس.. الذي ينظر.. الذي لم يستخرج أيضاً جواز سفر.. طظ.
الجرعة العاشرة :
(ثم ماذا بعد أن تنتهي الزجاجة).
مع الطفل أتحادث فلا تحشروا أنوفكم في ما لا يعنيكم.
الجرعة الحادية عشر:
إنه يمشي.... .... .... ... إنه يعود.... .... .. إنه ينتظر.... ... إنه يقف.... .... .. إنه يريدها أن تنتهي.
الجرعة الثانية عشر:
حبيبتي تجعلني الآن في حلمها، أنام فوق حضنها... لو تعرف أين أنا الآن... لانتحر ذلك الحلم بداخلها.
الجرعة الثالثة عشر :
شروع الحلم في الانتحار لستُ مسؤولاً عنه أنا ولا حتى حبيبتي.. فماذا تريد يا هذا؟؟.
... ولكنه حين وصلني عرفت أنه لم يكن قد أتى بهذا الخصوص...فقد أخبرني -رجل البوليس هذا- أن الجلوس في هذا الوقت، وفي هذا المكان، ومع هذه الزجاجة، ليس لائقاً بشخص محترم مثلي.. فلأذهب بها إلي حيث -الأمكنة المحترمة- وهي كثيرة جداً، لو سمحت.. أضافها إلى حديثه، تصورا أنه كان جد مهذب.. لم أصدق نفسي.. ليس لأن رجل البوليس كان مهذباً معي، وإنما للطفل.. إنه يبكي.
الجرعة الرابعة عشر :
تعارفنا منذ الجرعة الأولى، ولذلك يمكن لنا أن ندخل في حوار مع بعضنا البعض.. ويمكن لكم أن تعتبروها فترة استراحة -كما يحدث في السينما والمسرح- ولتذهبوا أثناءها لتفتحوا بلاغاً ضدي عند رجال الأمن... أو... فلتأخذوا ساندوتشاً من لحم الخنزير، إذا كنتم من ذوي الآراء الحادة في المسائل الدينية.
الجرعة الخامسة عشر :
الحوار:
أنا: لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
أنا: لا أريدها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
الجرعة السادسة عشر:
يبكي..
الجرعة السابعة عشر :
أضحك..
الجرعة الثامنة عشر :
عودوا الآن من حيث كانت استراحتكم.. بشرط أن لا تكونوا قد فتحتم ضدي بلاغاً تحت مادة السكر البين أو أية مواد أخرى مشابهة.. ولأثبت لكم أنني لست واقعاً تحت طائلة أي منها سوف أسرد عليكم بعض الحقائق عني بترتيبها الأبجدي:
أ.ولدت في الزمن الذي كانوا ينتزعون فيه الطفل من رحم أمه المعلقة على الحبل.. لذلك تجدون صبري طويلاً جداً في تحمل الكثير من سخافتكم.
ب.مشيت بخطواتي على الأرض بعدد الحصى الذي فوق سطحها.
جـ. توقفت الآن عن المشي، لأن الحصي الذي تحسب به خطواتي قد انتهي. ولحين استيراد بعض الحصي من مناطق أخرى غير الأرض، سوف أظل جالساً في مكاني هذا ومتمنياً:
لسائق الباص، دوام الصحة والعافية.
ولتوتو كورة، أن لا ينقصنا سوى سحبها الرابح.
وللمذيع وصوته وركابه، العود الأحمد.
و.. للزجاجة أن لا تنتهي. أما الطفل فسوف أجعله يضحك الآن: سوف أجعله، يبكي الآن.. لن أقول لكم كيف... ولكنه حتماً سوف يضحك.. حتما سوف يبكي.
الجرعة التاسعة عشر:
أضحك...أنا. يبكي.. هو.
يضحك...هو. أبكى.. أنا.
نحن نضحك.. معاً. نحن نبكى.. معاً.
الجرعة العشرون :
نسيت أن أتمنى لحبيبتي شيئاً.. سوف أترككم تتمنون لها بدلاً عني... فأمنياتي أنا لا تتحقق أبداً... وإلا كانت تحققت أمنيتي مع سائق الباص الذي أصر -كعادته منذ قصتي آنفة الذكر- أن يصل بي إلى هذا المكان الآمن، خوفاً عليّ من العواقب الوخيمة.. كما قال.
الجرعة الحادية والعشرون :
اضطررت لإيقاظه.. ذلك الطفل.. لأدخل معه في حوار من جديد حول الزجاجة، التي يريدها فارغة لأسباب لم يذكرها لي صراحة ولا ضمناً، لذلك تجنبت إدراجها هنا... والتي أريدها ملأي لأسباب لم أذكرها لنفسي، وبالتالي لن أدرجها هنا أيضاً.. فإلي الحوار علّنا نصل إلى وفاق مُرْضٍ للجانبين:
أنا: لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
أنا لا أريد لها أن تنتهي.
هو: أريدها أن تنتهي.
الجرعة الثانية والعشرون :
يبدو أننا في هذه المرة تحاورنا بوسائل أكثر همجية، فقد تحطمت الزجاجة.
انتبهوا... إنني الآن.
أتقيأ...أتقيأ...أتقيأ.
omeralhiwaig441@gmail.com
///////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عمر الحویج
إقرأ أيضاً:
هل يساعد الإعلان الدستوري سوريا في تجاوز عنق الزجاجة؟ محللون يجيبون
اتفق محللون على اعتبار الإعلان الدستوري الانتقالي في سوريا، خطوة ضرورية لتأسيس شرعية جديدة وتجاوز مرحلة الفراغ الدستوري، ورأوا أن الملاحظات المتعلقة ببعض تفاصيله مبررة بسبب المرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وأن ما تم الوصول إليه هو أفضل الممكن.
وفي حين أشاد البعض بالفصل بين السلطات، شكك آخرون في إمكانية تطبيقه عمليا، في ظل ما يرونه من تركيز الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، والذي يملك حق تعيين جزء من مجلس الشعب وأعضاء المحكمة الدستورية، حسب نص الإعلان الدستوري.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع، قد وقع -اليوم الخميس- مسودة الإعلان الدستوري، التي ترسم شكل الحكم خلال الفترة الانتقالية المحددة بـ5 سنوات، وسط غارة إسرائيلية جديدة على دمشق، اعتبرها محللون رسالة تحد واضحة.
وأبرز ما نصت عليه هذه المسودة، وفق ما بيّن عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري عبد الحميد العواك، تحديد الفترة الانتقالية بـ5 سنوات، وتشكيل لجنة لصياغة دستور دائم.
تأسيس للشرعيةويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، أن الإعلان الدستوري يؤسس لشرعية النظام الجديد، ويؤطر عمل الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويوضح طبيعة النظام الجديد وعلاقته بالشعب، مضيفا أنه لم يعد هناك شيء غامض، فالنظام سيحاسب لاحقا على أساس ما هو موجود في النص الدستوري.
إعلانويشير في هذا السياق إلى أن المراحل الانتقالية معقدة، وأن هذا الإعلان هو أفضل الممكن، لافتا إلى أن الإعلان الدستوري نص على منح رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ، على أن يكون بموافقة مجلس الأمن القومي، وتمديدها بموافقة مجلس الشعب.
ويعتبر مكي أن مواد الفصل بين السلطات وعدم حصر السلطة بيد رئيس الجمهورية، مهمة للغاية، وأن السلطة القضائية أصبحت مستقلة، أما السلطة التشريعية، فقد حصل مجلس الشعب على كثير من المهام.
من جهته، يرى الدكتور حسن بحري، أستاذ القانون الدستوري بجامعة دمشق، أن الإعلان الدستوري جاء متأخرا، لكنه أفضل من الفراغ الدستوري، وأنه حافظ على نظام الحكم الجمهوري وشكل الدولة الموحدة.
ويوضح أن الإعلان أخذ بنظام الحكم الرئاسي، مع فصل تام بين السلطات الثلاث، بحيث تناط السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية، والسلطة التشريعية بمجلس الشعب، والسلطة القضائية بالمحاكم، مشيرا إلى أن ما يراه البعض من تركيز للسلطة بيد الرئيس هو أمر طبيعي في المرحلة الانتقالية.
تركيز السلطةوعلى الجانب الآخر، يرى الدكتور كمال عبدو، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال، أن الفصل المطلق بين السلطات لا وجود له، مبررا أخذ رئيس الجمهورية بعضا من الصلاحيات التشريعية وأنه من سيعين وزير العدل، بالوضع الحساس الذي تمر به سوريا، وبأنها مرحلة استثنائية تتطلب صلاحيات استثنائية لرئيس الجمهورية.
ويضيف أن الإعلان الدستوري مؤقت، وأن اللجنة التي ستشكل لوضع الدستور قد تستغرق سنوات، وأن الظرف العام في سوريا هو الذي دفع باتجاه هذه الإجراءات الاستثنائية.
وحول آليات المحاسبة والمراقبة، يوضح الدكتور حسن بحري، أنه لا يمكن للبرلمان أو المحكمة الدستورية عزل رئيس الجمهورية، وأنه غير مسؤول أمام أي جهة، إلا أن المحكمة الدستورية العليا الجديدة التي سيتم تشكيلها ستتولى محاكمة الرئيس في حال اتهامه بالخيانة العظمى، بناء على اقتراح من ثلثي أعضاء مجلس الشعب.
إعلانفي حين يرى الدكتور كمال عبدو، أنه لا وجود حاليا لأي آلية محاسبة أو مراقبة، وأن ذلك نابع من ضرورات المرحلة الاستثنائية.
رسائل إسرائيليةوفي سياق متصل، جاء الإعلان الدستوري في وقت شهد تصعيدا إسرائيليا داخل الأراضي السورية، إذ نفّذ الجيش الإسرائيلي غارتين في دمشق والقنيطرة خلال ساعات، وهو ما رآه مراقبون "ليس مصادفة"، إذ تحاول تل أبيب إرسال رسائل سياسية واضحة إلى النظام السوري الجديد.
وفي ذلك يرى الدكتور لقاء مكي، أن إسرائيل أرادت إيصال رسالة، بأنها قادرة على فعل ما تريد، وأنها تمثل محاولة للتشويش على المرحلة الجديدة التي تدخلها سوريا، في ظل مخاوف من إعادة ترتيب المشهد السياسي بما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
ويشير إلى أن إسرائيل تدرك هشاشة الوضع السوري، وتسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، مستفيدة من حالة الضعف التي تعيشها الدولة السورية.
ويعتبر مكي أن هذا الإعلان الدستوري مناسب لهذه المرحلة وإن كان غير محمل بالديمقراطية، لأن سوريا ليس فيها حماية، ومن ثم لابد من تجاوز المرحلة الحالية كأولوية تسبق أي أولوية أخرى، بما فيها الديمقراطية.
أما الدكتور كمال عبدو، فيرى أن سوريا تفتقر للسلاح ووسائل الدفاع الجوي، وأنها غير قادرة على ردع إسرائيل، وهو ما يجعل من الضروري أن ينحني نظامها قليلا أمام العاصفة الحالية إلى حين مرورها.
أما على المستوى الدولي، فيرى مكي أن المواقف ستنقسم بين داعم ومعارض للإعلان الدستوري، حسب المواقف السابقة من النظام في سوريا، فيما يشير الدكتور حسن بحري، في هذا السياق إلى أن الإعلان الدستوري إيذان بمرحلة جديدة، هي مرحلة بناء الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وهو ما ينتظر النظام التجاوب معه من قبل المجتمع الدولي.