لجريدة عمان:
2024-10-06@02:14:14 GMT

صناعتنا الوطنية

تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT

صناعتنا الوطنية

في الحديقة العامة، حيث تُقصّر العائلاتُ مساءاتها الطويلة، جاءني ولدي الأكبر، الذي لا يلعب إلّا حافيا، وهو يعرجُ بقدمٍ دامية؛ لقد تعوّد أن يؤذي نفسه فاعتدنا على رؤية دمه؛ ولكن حين جاء أخوه المنتعل، المُحاذرُ بطبعه، داميا هو الآخر، أيقنتُ أن في الأمر خطب. ذهبتُ إلى اللعبة التي أشارا إليها، وهي زحليقة خرطومية كبيرة، مدعومة بسلالمٍ وجسورٍ وحبال، فوجدتُ مخلبا معدنيا حادا قد نتأ من أحد السلالم.

راعني المشهدُ فهرعتُ إلى عاملِ النظافة لأطلعه الأمر. جرّ الرجلُ كيسه ومكنسته بصورة عفوية، فكأنهما رفيقاه اللذان لا يستغني عنهما، ولا يستغنيان عنه، أو كأنهما عكّازه الذي لا يروم مشيا من دونه، وأسرع إلى المكان.

عَدّل نظارته الطبيّة الضخمة، وباهتمامٍ بالغٍ، راح يتفحّص المخلب. صوّرهُ بتلفونه الذي أطلق شعاعا أضاء الموضع، بعدها، وبحرصٍ شديد، لفّ المخلب بكيسِ «بطاطس عُمان» أخرجه من زبالته. كان يمارس «واجبه» بجديّة لا تخلو من متعة، وقد ذكرتني هيئته بالممرضين الذين طالما طببوا أطفالي، كلّ ذلك مشفوعٌ بابتسامةٍ هادئةٍ لم تفارق مُحيّاه.

ضحكتُ بحزنٍ على تصرف الزبّال الطيّب، وسألتُه عن مسؤول الحديقة. كوّر يده حول أذنه وأصاخ سمعه ثم أشار إلى جهةٍ كان الصراخُ يأتي منها: «هناك أرباب». نظرتُ فرأيتُ رجلا يهدّد أطفالا كانوا يوسّخون الحديقة فعرفتُ أنه المسؤول وقفزتُ إليه.

أخبرته عن أمر المخلب فقال إنه يعرف.

- تعرف؟!

- نعم أعرف، وهل تظنني نائما أو غافلا عن عملي؟

- ليس القصد، ولكنه أمرٌ خطير يا أخي، وها نصف أطفال الحديقة يعرجون أمامك.

- إن شاء الله سيتم اقتلاع الفيل، أقصد المخلب.

جمعتُ أسرتي للخروج، وقدتُّ ولديّ الأعرجين، مفكرا بالمخلب اللعين وبوسيلةٍ سريعةٍ، حاسمةٍ، تريح العائلات شرَّهُ. اتصلتُ بخطِ البلدية الساخن، فجاءني الصوتُ من الطرف الآخر، هاشا باشا، من فرط طلاوته ظننتُ أن صاحبه يحكي من الجنّة. رويتُ له قصة المخلب، سيد الزمان، عدوّ الإنسان، فشكرني، ووعدني، ثم تمنى لي ولأسرتي أوقاتا سعيدة، وأغلق الخط. الحقّ أن صوتَه الرغيد أصابني بعدواه، فانتقلت السكينة إلى نفسي، ولبرهةٍ، شعرتُ أني بجواره في الجنّة.

في الأسبوع التالي أخذتنا العادةُ إلى الحديقة: المتنفّسُ المجانيُّ الوحيد في منطقتنا. اتجهتُ فورا إلى ركن الألعاب فوجدتُ المخلب بانتظاري. إلّا أنه لم يكن وحيدا هذه المرّة، فقد نبت بجواره سِلكٌ صغير، ربما يكون أخوه، جاءَ ليسليه ويعينه في أمره. ناديتُ الزبالَ الطبيب، أقصد الطيّب، فهرع نحوي، ومن دون تأخير، باشر في عمله. اختار من زبالته كيس «بطاطس عُمان» (تكرارُ مُخَلّفات بطاطس عمان يعني أن الأطفال يحبونه أكثر من غيره) ربطه برأس المخلب ورأس أخيه الصغير، بعدها، وبعناية ظاهرة، رقعهما بمُغلّف «بسكوت نبيل» وثبّت عليهما قرطاسة «بوفاك عُمان» الشهير بالمينو. وقفتُ أراقبه، مُقارنا بين ما يفعله وما تقوم به الأطقم الطبية.

مازحته قائلا:

- هذا كثيرٌ يا رفيق!

فردّ دون أن يسهو عن عمله:

- ما فيه خوف أرباب، هذا نمونة كشرة واجد منيه.

سمعتُ صيحات المدير تملأ فضاء الحديقة ففضلتُ ألّا أقاطعه، وفكّرت في موظف الجنة، أقصد البلدية، ولكني لم أرغب بإزعاجه.

حملتُ أولادي وذهبنا إلى الوادي، هناك حيث سيلعبون بأحجاره ويتزحلقون على صخوره، تماما كما كان أسلافُهم يلعبون. ولكي أبدّد ملل الطريق، رحتُ أستعيد الزبّالَ المنهمك في حلوله السوريالية؛ شيئا فشيئا حتى اختلطت الصور في رأسي، فرأيتُه في غرفة العمليات وقد ارتدى ثوب الجراحين الأخضر، قِناعُهُ - كيس بوفك عُمان، وقفازُهُ - كَفّان من بطاطس عُمان؛ ومستعينا بنظارته الكبيرة على التركيز، راح يُمرر مشرطه على قلبِ المريض. في الأخير خلصتُ إلى أن الزبّال الطيّب كان يحلم أن يكون طبيبا! ثم ها أنا أراهُ كما يجب أن يكون في الواقع: حائمٌ في الحديقة، يتبع بمكنسته وكيسه ما تبَعثرَ من قمامتنا، يتبعها ويطارد أحلامه الشاردة...

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بطاطس ع

إقرأ أيضاً:

السفير التركي بالقاهرة: نود أن يكون لنا حضورا قويا بمهرجان الإسكندرية السينمائي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال السفير التركي بالقاهرة صالح موطلو شن، إن تركيا تود أن يكون لها حضور قوي في كافة الفئات “فيلم طويل، فيلم قصير، ‏أفلام الأطفال" في مهرجان الإسكندرية الذي سيقام عام 2025.‏

والتقي السفير شن، أمس الأربعاء الموافق 2 أكتوبر الجاري،  بمحافظ الإسكندرية اللواء أحمد خالد على هامش مشاركته في افتتاح مهرجان الإسكندرية ‏السينمائي الأربعون لدول البحر المتوسط. وعبر عن تقديره للدعم الذي يقدمه السيد المحافظ للاستثمارات التركية في مدينة برج ‏العرب بالإسكندرية.  ‏

كما التقي السفير شن بوزير الثقافة المصري الدكتور  أحمد فؤاد هنو وذلك على هامش المهرجان. ‏

وكان قد زار الأسبوع الماضي وفد مصري برئاسة رئيس اتحاد النقابات الفنية، السفير شن و توافق الطرفان خلال اللقاء على ‏تنظيم "أسبوع الفيلم التركي" في الأعوام القادمة. ‏

وأشار السفير شن إلى أن هناك أكثر من ألف عام من التاريخ المشترك والثقافة السينمائية المشتركة بين تركيا ومصر وأن هذا ‏يعد كنز ثقافي.‏

وقال السفير شن إن بعض أبطال هذه الكنوز الثقافية يقبعون في اضرحة بعضها بإسطنبول وبعضها بالقاهرة، ولم تُنشر قصصهم بعد.‏

وقال السفير شن إن بعض هذه الكنوز الثقافية مخبأة في الآثار والنوافير العامة والأضرحة والمخطوطات والأرشيفات والمساجد ‏والمآذن والقصور التي تنتظر الزيارة في اسطنبول والقاهرة. ‏‎

وأفاد السفير شن أن كل ذلك يمكن نقله إلى الأجيال القادمة بشكل سليم وصحيح من خلال الروايات و فن السينما. ‏‎

مقالات مشابهة

  • ماكرون: لا يمكن التضحية بالشعب اللبناني.. ولن يكون هذا البلد غزة جديدة
  • فيديو| حمدان بن محمد: أهم وظيفة لأي أب أن يكون معلماً.. وأنا وأبنائي من مدرسة محمد بن راشد
  • دراسة: مرض السكري من النوع الأول قد يكون ناجما عن عدوى بكتيرية
  • فيلتمان للحرة: يجب أن يكون اغتيال نصر الله دافعا لتوحيد اللبنانيين
  • حديقة أم الإمارات تستضيف «سوق الحديقة 4» 18 أكتوبر
  • فؤاد: “الشكري” أضاع فرصة أن يكون محافظاً لسنوات عديدة دون عزل
  • من يكون الفلسطيني الضحية الوحيد الذي سقط بصواريخ إيران في الضفة الغربية؟(صورة)
  • السفير التركي بالقاهرة: نود أن يكون لنا حضورا قويا بمهرجان الإسكندرية السينمائي
  • الصحة العالمية تحذر: خطر وباء عالمي جديد قد يكون غير قابل للعلاج
  • موفرة وصحية.. طريقة عمل بطاطس محمرة من غير زيت