تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأحد، أن موضوع المؤتمر العلمي السنوي لكلية الترجمة «التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات: آفاق وتحديات» موضوعٌ مهمٌّ؛ لما تمثله الترجمة من طريق مفتوحٍ بين الحضارات، يصل الأمم والثقافات بعضَها ببعضٍ على مر العصور، وهنا تكمن أهمية هذا المؤتمر في أن يكون باب خير تصل به معاني الإسلام من سماحة ويسر وعبادة للدنيا كلها بلا فهم منحرف، أو رأي قاصر.

وأضاف فضيلته خلال كلمته بالمؤتمر الذي يعقد بمركز الأزهر للمؤتمرات أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يرعى هذا المؤتمر ويرجو منه أن يطرحَ بحوثًا جادَّةً ورصينةً، تكونُ نورًا، وتؤكِّدُ معاصرةَ كلِّيَّةِ اللُّغاتِ والتَّرجمةِ لزمانِها، وتفاعلَها مع معطياتِ الواقعِ، وتكشفُ عن مرونةِ الفكرِ الإسلاميِّ، وقدرتِه على الإسهامِ بنصيبٍ وافرٍ في تحقيق نهضةٍ علمية وفكرية كما فعلها علماؤنا الأوائل في عصر النهضة الإسلامية.

وأوضح أن السنوات الأخيرة تابعنا خلالها ظاهرة تألمت لها قلوب المسلمين، وهي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، تلك الظاهرة التي حاولت النيل من الإسلام والمسلمين، وتشويه صورتهم وبث الكراهية والأحقاد ضد كل ما هو إسلامي، والمتابع لتلك الظاهرة يدرك جيدا أن القصورَ في الترجمة، وضعفَ تحري الدقةِ في نقل المعارف والأفكار الغربية عن ديننا أدى إلى فجوة عميقة بين المجتمعات، ازداد بها تشويهُ الإسلام وأحكامِه ومصطلحاتِه ومفاهيمِه؛ وخاصة أن الترجمةَ المغلوطة أو الضعيفةَ قد تكون مقصودةً من قِبلِ مترجمين عديمي الخبرة أو أصحابِ أجندات مشبوهة.

وبيَّن فضيلته أنه في أوج عظمة الحضارة العربية الإسلامية تُرجمت أحدث المعارف العالمية وأكثرها تطورًا ورُقِيًّا من اللغات الهندية والفارسية واليونانية، ونقل المترجمون -بتجرد فائق، وبمهنية عالية، وبإشراف ورعاية ولاة الأمر- آلافَ المراجع في الطب والرياضيات والكيمياء والأحياء والفلك والمنطق والفلسفة، وغيرها من ضروب العلم.

وأشار وكيل الأزهر إلى أن من خلال ما سبق يبرز الفرق بين مترجم وآخر، فالمسلمون ترجموا المعاني بصدق، وكانوا أصحاب هدف في استعارة المعرفة وتثميرها، فحدثت النهضة، وأما اليوم فأرجو أن يكون نصبَ أعين المترجمين خدمةُ الهوية وصيانةُ العقيدة والمحافظةُ على الوطن، بدلا من الترجمات التي تنقل معها أفكارا شائهة لا تحرص على وطن ولا هوية.

وأردف فضيلته بأن الواقع يشهد أن الإسلام يواجه حملة شرسة يشنها أعداء الإسلام ضد الإسلام لتصل إلى عامة الشعوب الغربية حتى لا يفهموا حقيقة الإسلام ومدى سماحته، والواقع يشهد أيضًا أن الترجمة الإسلامية ما زالت تحتاج إلى تجاوز محنتها، والتغلب على عقباتها، علمًا بأن الترجمة الدينية من أصعب الترجمات، فهي ليست ترجمة في فن من فنون العلوم الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي ترتبط بمعلومات تعارف عليها الإنسان واستقاها من علاقاته الممتدة عبر التاريخ.

وتابع فضيلته أن الترجمة الدينية تستند مع معارف الواقع إلى علوم الإسلام ومناهج فهمها ومفاتيح قراءتها؛ ولذلك فإن الترجمة الدينية تحتاج إلى مهارة ودقة فائقة وتعامل خاص وقدر واسع من الحرص والمسؤولية حتى لا تُوقِع في تشويه من حيث لا تشعر، أو خلطٍ من حيث لا تدرك، وخاصة أننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات ليس بالسلاح فحسب، ولكن بالفكر والمعارف كذلك.

وأشار وكيل الأزهر إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى ربما هي المجال الذي تظهر فيه مشكلاتُ الترجمة والمترجمين بوضوح، فلا نستطيع ترجمةَ معانيه بدقة لأن هناك بعض التعبيرات التي لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى، حيث لا يفهم أهل اللغة المنقول إليها ما يُفهم من النص العربي، ولذلك نستعيض عن الترجمة الحرفية لمعاني القرآن الكريم بأن نترجم معنى النص القرآني، وليس النص نفسه، إضافة إلى أن بعض المصطلحات في الفكر الإسلامي وبخاصة في الفقه ليس لها ما يناظرها في اللغات الأخرى، ولذا تُنقل إلى أقرب كلمة في اللغة المنقول إليها، ثم نشرح المعنى بحيث يستطيع القارئ فهم المعنى المقصود منه في اللغة العربية، وحتى نصل إلى ما نرجوه فلابد من إعداد كوادر على مستوى عال في اللغتين وبخاصة في اللغة المنقول إليها.

وتحدث عن جهود الأزهر في هذا المجال، فقال إن الأزهر أنشا مركز الأزهر للترجمة سنة 2016م وهو يخضع لإشراف مباشر من فضيلة الإمام الأكبر، يضم عدة أقسام من اللغات الأجنبية؛ للقيام بخدمة جميع قطاعات الأزهر الشريف وهيئاته في كل ما يتعلق بمجال الترجمة المعتمدة إلى اللغات المختلفة، وتحقيق عدة أهداف منها ترجمة أفضل المؤلفات والأبحاث والدراسات، التي تحقق مصلحةً عامةً إلى اللغات الأجنبية، والتي تحددها هيئة كبار العلماء، وترجمة المؤلفات والدراسات الجادة، التي تكتب في الخارج باللغات الأجنبية عن الإسلام إلى اللغة العربية، ودراسة الترجمات الحديثة والمعاصرة لمعاني القرآن الكريم في كل لغة، واختيار أفضلها، ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها، ونشرها، وترجمة الحديث النبوي الشريف إلى مختلف اللغات، ودراسة الترجمات التي تمت في هذا المجال، وتصويبها، وإعادة نشرها بلغاتها، ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها، وترجمة الدراسات التخصصية والأبحاث العلمية، التي تعالج قضايا المجتمعات المسلمة غير العربية والقضايا الشائكة، وترجمة "المواد الفيلمية" التي تعرف بالإسلام بشكل جذاب ومتطور، والتي تعد عن طريق جهات الأزهر الشريف المختصة بذلك.

وأكد وكيل الأزهر أن التواصل اللغوي بين الشعوب يتم من خلال تبادل المعارف والمفاهيم ونقل المعاني الدينية والاجتماعية والثقافية التي تقرِّب بين شعوب العالم، ولا يخفي عليكم وأنتم أهل التخصص أن ترجمة المعارف الإسلامية قام بها في البداية غير المسلمين، ولم يتناولها المسلمون إلا في مرحلة متأخرة على الرغم من انتشار الإسلام بين الجنسيات المختلفة، كما ترجم القرآن إلى اللغات الأوروبية وجاءت الترجمات الأولى أقرب إلى الطلاسم التي لم يشعر أهلها إلا بالهجوم على الإسلام وتشويه القيم الإسلامية، ولم يكن الغرض منها علميًّا أو معرفيًّا.

ودعا وكيل الأزهر إلى تبني المعايير العلمية التي تصون نقل معارف الإسلام وعلومه ومفاهيمه في صورة واضحة لا لبس فيها، ونقل الصورة المغلوطة لدى الغرب عن ديننا وعقيدتنا؛ حتى نستطيع إيجاد سبيل نضمن به القيام بواجب بلاغ الدين الذي أُمرنا به، وتحقيقا لهذه العلاقة الحضارية التي أعلنها الله عز وجل واختصرها في قوله تعالى: «لتعارفوا»، وكذلك انطلاقا من ضرورة التواصل الحضاري بين أبناء الثقافات المختلفة، وقياما بالواجب الديني والمعرفي تجاه ديننا وأمتنا، وحرصا على صيانة علومنا ومفاهيمها.

واختم وكيل الأزهر كلمته بالإشارة إلى أن ما تتيحه التكنولوجيا من إمكانيات يستطيع معها المترجم أن يصل إلى ترجمة كثير من النصوص بضغطة زر، وكذلك برامج الترجمة المنتشرة التي تحفظ على المترجم وقته وجهده، بحيث أصبح مترجمو اليوم أوفر حظا ممن سبقوهم؛ فنقرة واحدة على الحاسوب يصل بها المترجم إلى كمٍّ هائلٍ من المعلومات، دون معاناة الرجوع إلى المعاجم والقواميس، فيزداد تركيزه ويزداد إنجازه وإنتاجه ومن ثم تزداد مهاراته التي تجعل له من مجال الترجمة مهنة تحترم من يعمل بها، وهذا وإن كان من عطاء العصر فإن الواجب معه أن نستثمره بدقة ومهنية لخدمة الترجمة الإسلامية وتصحيح صورة الإسلام ومواجهة الإسلاموفوبيا.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الإسلاموفوبيا الأزهر الشريف الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر المؤتمر العلمي السنوي الأزهر الشریف وکیل الأزهر إلى اللغات إلى أن

إقرأ أيضاً:

جوتيريش يدعو إلى تكثيف الجهود الدولية لمحاربة آفة الإسلاموفوبيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى تكثيف الجهود الدولية لمحاربة آفة الإسلاموفوبيا، مناشدًا العالم التمسك بقيم المساواة وحقوق الإنسان والكرامة، وبناء مجتمعات شاملة، حيث يمكن لكافة الناس العيش في سلام ووئام بصرف النظر عن الديانة التي يعتنقونها. 


وذكر مركز إعلام الأمم المتحدة، أن جوتيريش قال إن شهر رمضان المبارك أقبل فيما يعيش العديد من المسلمين في جو من "الخوف من التمييز والإقصاء، بل وحتى الخوف من العنف"، مؤكدا أن ظاهرة التعصب ضد المسلمين تتنامى، وهي تتجسد "في إجراءات التصنيف العنصري، والسياسات التمييزية المنتهكة لحقوق الإنسان وكرامته"، والعنف ضد الأفراد ودور العبادة. 
وشدد جوتيريش على أن هذا الواقع ليس سوى مظهر من آفة أوسع نطاقا قوامها التعصب والأيديولوجيات المتطرفة والاعتداءات ضد الطوائف الدينية والفئات المستضعفة. 
وقال أمين عام الأمم المتحدة "ولكن كلما تعرضت فئة من الفئات للاعتداء، أصبحت حقوق وحريات جميع الفئات الأخرى عرضة للخطر، لذا يجب علينا، بوصفنا أسرة عالمية، أن ننبذ التعصب ونستأصل شأفته، ويجب على الحكومات أن تعزز التماسك الاجتماعي وأن تشمل الحرية الدينية بالحماية ويجب أن تكبح المنصات الإلكترونية جماح خطاب الكراهية والتحرشات، ويجب علينا جميعا أن نجهر بمناهضة التعصب وكراهية الأجانب والتمييز".
من جانبه، دعا المتحدث باسم المجموعة العربية بالجمعية العامة للأمم المتحدة، السفير الأردني محمود ضيف الله الحمود، إلى إيجاد إطار قانوني دولي لمحاربة الإسلاموفوبيا، وإنشاء آليات مساءلة لمحاسبة مرتكبي جرائم الكراهية وضمان دعم الضحايا، وقال إن المجموعة العربية تتطلع إلى تعيين "ميجيل مارتينز" مبعوثا خاصا للأمم المتحدة معنيا بمكافحة الإسلاموفوبيا، بما يسهم في تنسيق الجهود الدولية للتصدي لهذه الظاهرة المتفاقمة.
وأوضح المركز أن المتحدث باسم المجموعة العربية، أضاف أن هناك تزايدا مقلقا في خطاب الكراهية والتحريض على العنف والتمييز ضد المسلمين، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشددا على أن حرية التعبير "لا ينبغي أن تستخدم أداة لنشر التعصب وتأجيج الفتن".
وأشار إلى أن المجموعة العربية تؤكد على أهمية رصد وتحليل محتوى الإعلام والمنصات الرقمية لمكافحة الصور النمطية السلبية بالتعاون مع شركات التواصل الاجتماعي، ووضع مدونة سلوك تحظر التحريض على الكراهية.
وأكد أن الاحتفال باليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام، يمثل محطة جوهرية في تعزيز الجهود الدولية لمواجهة تصاعد موجات الكراهية والتمييز ضد المسلمين، وترسيخ مبادئ احترام الأديان، والتسامح والتعايش السلمي.
كانت الجمعية العامة قد حددت يوم 15 مارس للاحتفال باليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام في عام 2022، وبهذه المناسبة تبنت قرارا العام الماضي بعنوان "تدابير مكافحة كراهية الإسلام"، ويدعو القرار، من بين أمور أخرى، إلى تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة الإسلاموفوبيا، كما يدين أي دعوة إلى الكراهية الدينية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المسلمين.

مقالات مشابهة

  • في اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام.. دعوات للتسامح في مواجهة تصاعد الإسلاموفوبيا
  • اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام.. دعوات للتسامح في مواجهة تصاعد الإسلاموفوبيا
  • السيد القائد يدعو الشعب اليمني للخروج المليوني غدًا في ذكرى غزوة بدر دعمًا لفلسطين ومواجهة العدوان الأمريكي
  • شيخ الأزهر يحذر من تصاعد الإسلاموفوبيا ويدعو إلى وضع قوانين لوقفها
  • جوتيريش يدعو إلى تكثيف الجهود الدولية لمحاربة آفة الإسلاموفوبيا
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا
  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام
  • محمد بن زايد: الإمارات حريصة على استثمار التكنولوجيا في النهوض بالتعليم
  • شيخ الأزهر يدعو في خطاب بالأمم المتحدة إلى إنشاء قواعد بيانات توثق الجرائم ضد المسلمين
  • محمد بن زايد: حريصون على استثمار التكنولوجيا في النهوض بالتعليم