وكيل الأزهر يؤكد مرونة الفكر الإسلامي وقدرته على تحقيق نهضة علمية وفكرية
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، اليوم الأحد، أن موضوع المؤتمر العلمي السنوي لكلية الترجمة «التكنولوجيا والترجمة وتعليم اللغات: آفاق وتحديات» موضوعٌ مهمٌّ؛ لما تمثله الترجمة من طريق مفتوحٍ بين الحضارات، يصل الأمم والثقافات بعضَها ببعضٍ على مر العصور، وهنا تكمن أهمية هذا المؤتمر في أن يكون باب خير تصل به معاني الإسلام من سماحة ويسر وعبادة للدنيا كلها بلا فهم منحرف، أو رأي قاصر.
وأضاف خلال كلمته بالمؤتمر الذي يعقد بمركز الأزهر للمؤتمرات أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يرعى هذا المؤتمر ويرجو منه أن يطرحَ بحوثًا جادَّةً ورصينةً، تكونُ نورًا، وتؤكِّدُ معاصرةَ كلِّيَّةِ اللُّغاتِ والتَّرجمةِ لزمانِها، وتفاعلَها مع معطياتِ الواقعِ، وتكشفُ عن مرونةِ الفكرِ الإسلاميِّ، وقدرتِه على الإسهامِ بنصيبٍ وافرٍ في تحقيق نهضةٍ علمية وفكرية كما فعلها علماؤنا الأوائل في عصر النهضة الإسلامية.
وأوضح أن السنوات الأخيرة تابعنا خلالها ظاهرة تألمت لها قلوب المسلمين، وهي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، تلك الظاهرة التي حاولت النيل من الإسلام والمسلمين، وتشويه صورتهم وبث الكراهية والأحقاد ضد كل ما هو إسلامي، والمتابع لتلك الظاهرة يدرك جيدا أن القصورَ في الترجمة، وضعفَ تحري الدقةِ في نقل المعارف والأفكار الغربية عن ديننا أدى إلى فجوة عميقة بين المجتمعات، ازداد بها تشويهُ الإسلام وأحكامِه ومصطلحاتِه ومفاهيمِه؛ وخاصة أن الترجمةَ المغلوطة أو الضعيفةَ قد تكون مقصودةً من قِبلِ مترجمين عديمي الخبرة أو أصحابِ أجندات مشبوهة.
وبيَّن أنه في أوج عظمة الحضارة العربية الإسلامية تُرجمت أحدث المعارف العالمية وأكثرها تطورًا ورُقِيًّا من اللغات الهندية والفارسية واليونانية، ونقل المترجمون -بتجرد فائق، وبمهنية عالية، وبإشراف ورعاية ولاة الأمر- آلافَ المراجع في الطب والرياضيات والكيمياء والأحياء والفلك والمنطق والفلسفة، وغيرها من ضروب العلم.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن من خلال ما سبق يبرز الفرق بين مترجم وآخر، فالمسلمون ترجموا المعاني بصدق، وكانوا أصحاب هدف في استعارة المعرفة وتثميرها، فحدثت النهضة، وأما اليوم فأرجو أن يكون نصبَ أعين المترجمين خدمةُ الهوية وصيانةُ العقيدة والمحافظةُ على الوطن، بدلا من الترجمات التي تنقل معها أفكارا شائهة لا تحرص على وطن ولا هوية.
وأردف بأن الواقع يشهد أن الإسلام يواجه حملة شرسة يشنها أعداء الإسلام ضد الإسلام لتصل إلى عامة الشعوب الغربية حتى لا يفهموا حقيقة الإسلام ومدى سماحته، والواقع يشهد أيضًا أن الترجمة الإسلامية ما زالت تحتاج إلى تجاوز محنتها، والتغلب على عقباتها، علمًا بأن الترجمة الدينية من أصعب الترجمات، فهي ليست ترجمة في فن من فنون العلوم الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي ترتبط بمعلومات تعارف عليها الإنسان واستقاها من علاقاته الممتدة عبر التاريخ.
الترجمة الدينية تستند مع معارف الواقع إلى علوم الإسلام ومناهج فهمها ومفاتيح قراءتهاوتابع أن الترجمة الدينية تستند مع معارف الواقع إلى علوم الإسلام ومناهج فهمها ومفاتيح قراءتها؛ ولذلك فإن الترجمة الدينية تحتاج إلى مهارة ودقة فائقة وتعامل خاص وقدر واسع من الحرص والمسؤولية حتى لا تُوقِع في تشويه من حيث لا تشعر، أو خلطٍ من حيث لا تدرك، وخاصة أننا نعيش في عالم تتصارع فيه الحضارات ليس بالسلاح فحسب، ولكن بالفكر والمعارف كذلك.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى ربما هي المجال الذي تظهر فيه مشكلاتُ الترجمة والمترجمين بوضوح، فلا نستطيع ترجمةَ معانيه بدقة لأن هناك بعض التعبيرات التي لا يمكن نقلها إلى اللغات الأخرى، حيث لا يفهم أهل اللغة المنقول إليها ما يُفهم من النص العربي، ولذلك نستعيض عن الترجمة الحرفية لمعاني القرآن الكريم بأن نترجم معنى النص القرآني، وليس النص نفسه، إضافة إلى أن بعض المصطلحات في الفكر الإسلامي وبخاصة في الفقه ليس لها ما يناظرها في اللغات الأخرى، ولذا تُنقل إلى أقرب كلمة في اللغة المنقول إليها، ثم نشرح المعنى بحيث يستطيع القارئ فهم المعنى المقصود منه في اللغة العربية، وحتى نصل إلى ما نرجوه فلابد من إعداد كوادر على مستوى عال في اللغتين وبخاصة في اللغة المنقول إليها.
وتحدث عن جهود الأزهر في هذا المجال، فقال إن الأزهر أنشا مركز الأزهر للترجمة سنة 2016م وهو يخضع لإشراف مباشر من فضيلة الإمام الأكبر، يضم عدة أقسام من اللغات الأجنبية؛ للقيام بخدمة جميع قطاعات الأزهر الشريف وهيئاته في كل ما يتعلق بمجال الترجمة المعتمدة إلى اللغات المختلفة، وتحقيق عدة أهداف منها ترجمة أفضل المؤلفات والأبحاث والدراسات، التي تحقق مصلحةً عامةً إلى اللغات الأجنبية، والتي تحددها هيئة كبار العلماء، وترجمة المؤلفات والدراسات الجادة، التي تكتب في الخارج باللغات الأجنبية عن الإسلام إلى اللغة العربية، ودراسة الترجمات الحديثة والمعاصرة لمعاني القرآن الكريم في كل لغة، واختيار أفضلها، ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها، ونشرها، وترجمة الحديث النبوي الشريف إلى مختلف اللغات، ودراسة الترجمات التي تمت في هذا المجال، وتصويبها، وإعادة نشرها بلغاتها، ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها، وترجمة الدراسات التخصصية والأبحاث العلمية، التي تعالج قضايا المجتمعات المسلمة غير العربية والقضايا الشائكة، وترجمة "المواد الفيلمية" التي تعرف بالإسلام بشكل جذاب ومتطور، والتي تعد عن طريق جهات الأزهر الشريف المختصة بذلك.
وأكد وكيل الأزهر أن التواصل اللغوي بين الشعوب يتم من خلال تبادل المعارف والمفاهيم ونقل المعاني الدينية والاجتماعية والثقافية التي تقرِّب بين شعوب العالم، ولا يخفي عليكم وأنتم أهل التخصص أن ترجمة المعارف الإسلامية قام بها في البداية غير المسلمين، ولم يتناولها المسلمون إلا في مرحلة متأخرة على الرغم من انتشار الإسلام بين الجنسيات المختلفة، كما ترجم القرآن إلى اللغات الأوروبية وجاءت الترجمات الأولى أقرب إلى الطلاسم التي لم يشعر أهلها إلا بالهجوم على الإسلام وتشويه القيم الإسلامية، ولم يكن الغرض منها علميًّا أو معرفيًّا.
ودعا وكيل الأزهر إلى تبني المعايير العلمية التي تصون نقل معارف الإسلام وعلومه ومفاهيمه في صورة واضحة لا لبس فيها، ونقل الصورة المغلوطة لدى الغرب عن ديننا وعقيدتنا؛ حتى نستطيع إيجاد سبيل نضمن به القيام بواجب بلاغ الدين الذي أُمرنا به، وتحقيقا لهذه العلاقة الحضارية التي أعلنها الله عز وجل واختصرها في قوله تعالى: «لتعارفوا»، وكذلك انطلاقا من ضرورة التواصل الحضاري بين أبناء الثقافات المختلفة، وقياما بالواجب الديني والمعرفي تجاه ديننا وأمتنا، وحرصا على صيانة علومنا ومفاهيمها.
وختم وكيل الأزهر كلمته بالإشارة إلى أن ما تتيحه التكنولوجيا من إمكانيات يستطيع معها المترجم أن يصل إلى ترجمة كثير من النصوص بضغطة زر، وكذلك برامج الترجمة المنتشرة التي تحفظ على المترجم وقته وجهده، بحيث أصبح مترجمو اليوم أوفر حظا ممن سبقوهم؛ فنقرة واحدة على الحاسوب يصل بها المترجم إلى كمٍّ هائلٍ من المعلومات، دون معاناة الرجوع إلى المعاجم والقواميس، فيزداد تركيزه ويزداد إنجازه وإنتاجه ومن ثم تزداد مهاراته التي تجعل له من مجال الترجمة مهنة تحترم من يعمل بها، وهذا وإن كان من عطاء العصر فإن الواجب معه أن نستثمره بدقة ومهنية لخدمة الترجمة الإسلامية وتصحيح صورة الإسلام ومواجهة الإسلاموفوبيا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر التكنولوجيا والترجمة تعليم اللغات آفاق وتحديات شيخ الأزهر أحمد الطيب الترجمة الدینیة الأزهر الشریف وکیل الأزهر إلى اللغات إلى أن
إقرأ أيضاً:
السفير الإسرائيلي لدى واشنطن يؤكد الاقتراب من تحقيق التطبيع السعودي
قال السفير الإسرائيلي الجديد لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر، إن "إسرائيل أقرب من أي وقت مضى من تطبيع العلاقات مع السعودية"، قائلا إن هذا سيعمل على تغيير قواعد اللعبة في المنطقة وخارجها.
وأضاف لايتر "نحن أقرب إلى السعودية لأننا أضعفنا حماس وسقوط الأسد وضعف النفوذ الإيراني أوصلنا إلى لحظة فيها فرصة"، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة "جيروزاليم بوست".
وأكد أن "هناك عدد قليل من الدول في العالم إلى جانب إسرائيل مثل السعودية ترغب في رؤية حماس ضعيفة، وأينما يتم تحجيم جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن يزدهر الاعتدال وقد رأينا ذلك في مصر والسودان وتركيا".
واعتبر أن "السعودية تدرك أن هزيمة هذه العناصر أمر أساسي لعملية التحديث التي تقوم بها، وقبل ثلاثين عاما حتى مجرد مناقشة مثل هذا الاتفاق كان أمرا لا يمكن تصوره".
وذكرأنه "الآن بفضل اتفاقيات أبراهام والتغيرات الديناميكية نحن على أعتاب اختراق كبير، نظرا لأن التطبيع ليس مجرد اتفاقيات تجارية أو مجاملات دبلوماسية، بل يتعلق بإنشاء إطار جديد للاستقرار الإقليمي وهو إطار يرفض التطرف ويعزز التعاون".
وقال إن "السعوديين يريدون ضمان أن يرى شعبهم فوائد ملموسة للفلسطينيين في أي اتفاق، وهو توازن حساس ولكن يمكن تحقيقه من خلال مفاوضات براغماتية ودعم دولي".
وأعرب لايتر عن ثقته في نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه السياسة الخارجية، واصفا إياه بأنه "قائد حاسم تتماشى قراراته مع أهداف إسرائيل الأمنية".
والأسبوع الماضي، نفى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وجود وعد من تل أبيب بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية.
جاء ذلك في كلمته أمام الكنيست (البرلمان)، وهو الذي يعتبر الذراع الأيمن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمسؤول فعليا عن الاتصالات مع الولايات المتحدة، وكان ظهوره أمام الكنيست نادرا، باعتباره ليس عضوا فيه.
وقال ديرمر: "لا يوجد وعد بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية".
واشترطت السعودية في أكثر من مناسبة، موافقة الحكومة الإسرائيلية على قيام دولة فلسطينية، مقابل تطبيع العلاقات معها.
في السياق ذاته، أشار ديرمر، إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على وضع خطة بشأن "اليوم التالي" لحرب الإبادة في قطاع غزة.
وأضاف إلى حاجة "إسرائيل" للولايات المتحدة وقوى في المنطقة لم يسمها في هذا الصدد.
وسبق أن أعلن نتنياهو، مرارا، أنه لن يوافق على عودة حركة حماس أو السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة، قائلا: "لا حماسستان ولا فتحستان".