نحو حوار عقلاني يتجاوز الجدل الذاتي!
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
زهير عثمان حمد
ماذا يعني السجال بين المثقفين حول المواقف السياسية من منطلقات شخصية وغبن طبقي يحمل لغة تجريح حادة لا تحمل عقلانية ولا تحل قضية بل تعقد ما بين والمثقفين من شقاق وخلاف , السجال بين المثقفين حول المواقف السياسية يمكن أن يكون معقدًا ومتعدد الأبعاد. عندما ينطلق هذا السجال من منطلقات شخصية أو غبن طبقي، فإنه غالبًا ما يحمل معه لغة تجريح حادة ويفتقر إلى العقلانية.
ليست كل السجالات السياسية تحمل طابعًا شخصيًا أو غبنًا طبقيًا. في الواقع، الكثير من النقاشات السياسية تُجرى على أساس الأفكار والمبادئ والسياسات بطريقة موضوعية ومحترمة. السجالات البناءة تركز على القضايا والحلول بدلاً من التركيز على الأشخاص أو الطبقات الاجتماعية.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، قد تتأثر النقاشات بالمشاعر الشخصية والخلفيات الطبقية، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات والانقسامات. هذا يمكن أن يحدث خاصةً في الأوقات التي تكون فيها الأوضاع السياسية متوترة أو عندما تكون القضايا المطروحة حساسة جدًا وتمس الهُوِيَّة الشخصية أو الجماعية.
المهم هو أن يسعى المشاركون في السجالات السياسية إلى الحفاظ على مستوى من الاحترام والتفاهم، وأن يكونوا مستعدين للاستماع والتفكير في وجهات النظر المختلفة، وأن يتجنبوا اللغة التي تحمل تجريحًا أو إساءة. فالنقاش السياسي الصحي يمكن أن يكون محركًا للتغيير الإيجابي والتقدم الاجتماعي
السجالات السياسية في السودان، هي تعكس تحديات الانتقال السياسي والتوترات التي يمر بها البلد. والسودان شهد فترات من الحكم العسكري ومحاولات للتحول نحو الديمقراطية، وقد تأثرت السجالات السياسية بالتوترات بين المدنيين والعسكريين في الآونة الأخيرة، كان هناك حديث عن ضرورة تشكيل حكومة مستقلة والحفاظ على مسار الدولة المدنية.
من المهم الإشارة إلى أن السجالات السياسية يمكن أن تكون معقدة وتحمل أبعادًا مختلفة، وقد تتأثر بالمشاعر الشخصية والخلفيات الطبقية في بعض الأحيان، لكن هناك أيضًا جهودًا تُبذل للتوصل إلى حلول وتفاهمات تساعد في تجاوز التحديات الراهنة , وهذا هو الواقع الماثل الان
في أكتوبر 2021، شهد السودان نقاشًا سياسيًا مكثفًا حول مستقبل الحكومة الانتقالية. كان هناك تقارير تفيد بأن رئيس مجلس السيادة، البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، قد اتفقا على حل الحكومة. ومع ذلك، جاء نفي هذه التقارير بعد تصريحات من حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، تحدث فيها عن “توافق البرهان وحمدوك على حل المجلسين” السيادي والوزراء.
كان هذا النقاش جزءًا من تطورات سياسية أكبر تتسارع في السودان، والتي كانت تشمل تظاهرات مضادة واعتصامات أمام القصر الجمهوري. كانت هناك مطالبات بحل الحكومة برئاسة حمدوك، وكانت هذه المطالبات تأتي من مجموعة “الميثاق الوطني” التي انشقت عن قوى الحرية والتغيير. كانت هناك أيضًا مطالب بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وإنهاء ما وُصف بـ"حالة الاختناق السياسي" في البلاد.
هذا المثال يظهر كيف يمكن للنقاشات السياسية أن تكون معقدة ومتشابكة مع الأحداث الجارية في البلاد، وكيف يمكن للمواقف السياسية أن تتغير بسرعة في ظل الظروف المتقلبة.
نعم، يمكن للسجالات السياسية الحادة والمشحونة بالتوترات الشخصية والطبقية أن تكون لها تأثيرات سلبية على الحياة السياسية وعلى عملية الانتقال الديمقراطي. النقاشات التي تتسم بالحدة والتجريح يمكن أن تؤدي إلى تعميق الانقسامات وتقويض الثقة بين الأطراف المختلفة، مما يعيق الحوار البناء ويصعب من إيجاد حلول توافقية.
عندما تكون السجالات السياسية محملة بالمشاعر الشخصية والغبن الطبقي، فإنها قد تفقد التركيز على المصلحة العامة وتصبح أكثر تركيزًا على الصراعات الفردية أو الجماعية2. هذا يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الجهود عن القضايا الأساسية ويعرقل التقدم نحو تحقيق الديمقراطية والاستقرار السياسي.
لذلك، من المهم أن تُجرى السجالات السياسية بطريقة تحافظ على الاحترام المتبادل وتسعى للوصول إلى تفاهمات وحلول تخدم الصالح العام، وأن تكون مبنية على الحجج المنطقية والأدلة بدلاً من الهجوم الشخصي والتجريح
السجالات السياسية في الدول الأخرى يمكن أن تحمل طابعًا شخصيًا، خاصةً عندما تتداخل السياسة مع الشخصيات القوية والمؤثرة. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون السياسة مرتبطة بصورة الزعيم السياسي وتأثيره الشخصي على الجماهير , و كما يمكن أن تتأثر السجالات السياسية بالآمال والتوقعات الاجتماعية، وقد تتحول إلى حقل للسجالات السياسية التي تعكس الخيارات السياسية والإملاءات.
ومع ذلك، ليست كل السجالات السياسية تحمل هذا الطابع. هناك العديد من النقاشات التي تُجرى بناءً على الأفكار والمبادئ والسياسات بطريقة موضوعية ومحترمة. السجالات البناءة تركز على القضايا والحلول بدلاً من التركيز على الأشخاص أو الطبقات الاجتماعية.
وقد يعتمد طابع السجالات السياسية على السياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي لكل دولة، وكذلك على الأشخاص المشاركين في النقاش وطريقة تعاملهم مع القضايا السياسية. ، و يمكن للسجالات السياسية الحادة والمشحونة بالتوترات الشخصية والطبقية أن تكون لها تأثيرات سلبية على الحياة السياسية وعلى عملية الانتقال الديمقراطي. النقاشات التي تتسم بالحدة والتجريح يمكن أن تؤدي إلى تعميق الانقسامات وتقويض الثقة بين الأطراف المختلفة، مما يعيق الحوار البناء ويصعب من إيجاد حلول توافقية.
عندما تكون السجالات السياسية محملة بالمشاعر الشخصية والغبن الطبقي، فإنها قد تفقد التركيز على المصلحة العامة وتصبح أكثر تركيزًا على الصراعات الفردية أو الجماعية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الجهود عن القضايا الأساسية ويعرقل التقدم نحو تحقيق الديمقراطية والاستقرار السياسي.
لذلك، من المهم أن تُجرى السجالات السياسية بطريقة تحافظ على الاحترام المتبادل وتسعى للوصول إلى تفاهمات وحلول تخدم الصالح العام، وأن تكون مبنية على الحجج المنطقية والأدلة بدلًا من الهجوم الشخصي والتجريح ويجب أن نؤكد على أهمية الحُوَار البنّاء الذي يتجاوز الخلافات السطحية ويتعمق في جذور المشكلات لإيجاد حلول جذرية تضمن مستقبلًا أفضل للجميع. إن الوقت قد حان لنتحدى الأفكار القديمة ونتبنى نهجًا جديدًا يحترم التنوع ويقدر الحوار الهادف. لنكن جميعًا جزءًا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة، ولنعمل معًا من أجل تحقيق السلام والازدهار لوطننا العزيز. فلنتذكر دائمًا أن العقلانية والتجارب الإنسانية العظيمة هي منارات تضيء طريقنا نحو مستقبل مشرق يسوده العدل والمساواة والاحترام المتبادل.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الترکیز على من المهم یؤدی إلى جزء ا من أن تکون یمکن أن التی ت
إقرأ أيضاً:
الاصطفاف الصحيح خلف القضايا وليس الأشخاص
دعوات محمومة في مصر للاصطفاف خلف السيسي أو النظام الحاكم في مواجهة تهديدات الرئيس الأمريكي ترامب بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، وصل الأمر حد اتهام من يتأخر عن هذا الاصطفاف بالخيانة الوطنية، وهذه تهمة عقوبتها الإعدام، وبسبب الخوف من هذا الاتهام، أو لربما طمعا في إرضاء السلطة بالغ البعض في إظهار هذا الاصطفاف حد النفاق.
هذا لا يعني أيضا أن جميع الذين أعلنوا رفضهم للتهجير هم موالون أو منافقون للنظام، فهناك من اتخذ هذا الموقف عن قناعة حقيقية، وهي قناعة قديمة تجاه القضية الفلسطينية، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني، ورفض تهجيره داخليا أو خارجيا لأي مكان وليس فقط إلى مصر، حرصا على حيوية القضية الفلسطينية وعدم تصفيتها، كما أن أصحاب هذا الموقف يتسمون بالوطنية الحقيقية، ويدركون جيدا المخاطر على الأمن القومي المصري، ويحرصون على مواجهتها أيضا.
في هذا الإطار صدرت مواقف رافضة للتهجير ومثمنة للموقف الرسمي المصري، منها مواقف للمعارضة الداخلية ممثلة في الحركة المدنية وأحزابها، وأحزاب وكيانات من خارجها، ومنها موقف المناهض الأبرز للنظام وهي جماعة الإخوان التي لا يجادل أحد في صدق دعمها للقضية الفلسطينية منذ تأسيسها، إذ شارك متطوعوها وكتائبها في حرب 1948، مرورا بكل المحطات النضالية الفلسطينية وحتى الآن، وهي تعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية التي تخصص لها نصيبا ثابتا في مواردها واشتراكات أعضائها. الاصطفاف كما قلنا يكون خلف مبدأ أو قضية وليس خلف شخص، وحين يتطابق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي فهذا هو الخيار الصحيح، وهو الخيار الذي تتشارك فيه كل قوى المجتمع تقريبا، لكنه قد يستمر وقد لا يستمر، ويعتمد ذلك على مدى صلابة الموقف الرسمي في مواجهة الضغوط والإغراءات الدولية. ولا يعني الاصطفاف في موقف انسحابه إلى غيره من المواقف والسياسات الرسمية، فهذه هي طبيعة الممارسة الوطنية الصحيحةولا ننسى أن فرع الجماعة في فلسطين كان من أوائل من قادوا المقاومة، قبل أن يتحول هذا الفرع إلى حركة حماس التي تقود المقاومة حاليا.
لا ينكر أحد أن الموقف الرسمي المصري حتى الآن فيما هو ظاهر للجميع موقف جيد، فهو رافض للتهجير، كما أن السيسي أرجأ زيارته إلى واشنطن للقاء ترامب بعد أن شاهد على الهواء مباشرة ماذا فعل مع الملك عبد الله، وتوقع أن يتعرض للموقف ذاته، فأراد أن يقوي موقفه بموقف عربي داعم من خلال قمة ستستضيفها القاهرة يوم 27 شباط/ فبراير، وستسبقها بأسبوع قمة مصغرة في الرياض بهدف صياغة رؤية عربية أو خطة عربية بديلة لخطة ترامب لتعمير غزة، تعتمد بالأساس على تصور مصري قائم على التعمير في ظل وجود الشعب الفلسطيني، وهذا أمر جيد، لكنها تتضمن جوانب أخرى في إدارة القطاع، والتعامل مع المقاومة وسلاحها، وهذا لم يعلن حتى الآن. وهناك مخاوف أن يتصادم مع الإرادة الفلسطينية المدعومة برأي عام شعبي مصري وعربي واسع، وقد سمعنا أحد قادة حماس (أسامة حمدان) يؤكد في الدوحة أن إدارة غزة شأن فلسطيني وستبقى كذلك، وأن من يحاول وضع نفسه بديلا للفلسطينيين أو منفذا لرغبات إسرائيل ستتعامل معه المقاومة كما تتعامل مع جيش الاحتلال تماما.
الاصطفاف كما قلنا يكون خلف مبدأ أو قضية وليس خلف شخص، وحين يتطابق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي فهذا هو الخيار الصحيح، وهو الخيار الذي تتشارك فيه كل قوى المجتمع تقريبا، لكنه قد يستمر وقد لا يستمر، ويعتمد ذلك على مدى صلابة الموقف الرسمي في مواجهة الضغوط والإغراءات الدولية. ولا يعني الاصطفاف في موقف انسحابه إلى غيره من المواقف والسياسات الرسمية، فهذه هي طبيعة الممارسة الوطنية الصحيحة، وهذا ما نجده في الدول الديمقراطية، وللأسف نشاهده أيضا حتى داخل إسرائيل نفسها رغم أنها تتبنى ديمقراطية مشوهة، وعدوانية تجاه غيرها.
في الأسبوع الماضي وعقب عودة نتنياهو من واشنطن، وهي عودة بدت مظفرة بالمقاييس التقليدية، حيث حصل من خلالها على موقف أمريكي جديد من الرئيس ترامب بتطهير فلسطين من سكانها، وضم هذه الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، سواء من خلال خطة تهجير أهل غزة، أو اقتطاع جزء من الضفة وضمه إلى إسرائيل التي رآها ترامب صغيرة، أو حتى تهجير أهل الضفة إلى الأردن، وضم الضفة بكاملها لاحقا للكيان، رغم هذه العودة المظفرة والتي كانت تستوجب وفقا -للممارسات العربية- أن يخرج سكان الكيان الصهيوني عن بكرة أبيهم لاستقباله في المطار، إلا أن الأمر جاء معاكسا تماما، حيث عقد الكنيست جلسة محاكمة لنتنياهو، وانهالت عليه الانتقادات والشتائم من نواب الكنيست ما تسبب في طرد الكثيرين منهم خارج القاعة، وفي الوقت نفسه تصاعدت مظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين، وواصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية توجيه انتقاداتها لنتنياهو وحكومته، ولم يقل أحد إن هذا خيانة وطنية تستوجب معاقبة مرتكبيها.
صحيح أن مصر تمر بتهديد حقيقي لأمنها القومي، والدفاع عن الأمن القومي وإن كان الوظيفة الدستورية الرسمية للجيش والأجهزة الأمنية، فإنه يحتاج موقفا شعبيا قويا داعما في مواجهة التهديدات، هذا الدعم ليس تكرما، ولا منحة، بل هو واجب وطني، وأخلاقي، حتى في ظل الخلاف السياسي مع نظام الحكم
في الحرب الأطلسية على العراق بقيادة أمريكية بريطانية كانت أكبر المظاهرات المناهضة للحرب في هاتين الدولتين، وغيرهما من الدول المشاركة، ونقلت وسائل الإعلام الرأي والرأي الآخر تجاه الحرب، ولم يرفع أحد في وجهها شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لأن صوت الحق ينبغي أن يعلو كل صوت، وصوت الحق قد ينقذ أمة ووطنا من نزوات عسكريين مغامرين كما حدث في حرب يونيو (حزيران) 1967 التي بدأتها مصر بقرار أحمق من قائد عسكري غر، ومعه بعض القادة المراهقين، لنتصور لو كانت مصر دولة ديمقراطية في ذلك الوقت، فإن ذلك لم يكن ليحدث أصلا، حيث ستظهر الأصوات الحكيمة التي تعد للحرب عدتها قبل الانزلاق إليها، والاحتراق بنارها.
في الحديث الشريف "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا" (رواه الترمذي)، هذا مبدأ حاكم في التعامل مع القضايا والسياسات المختلفة، فليس مطلوبا أن يكون الناس إمعات أي تابعين لغيرهم كالقطيع، ولكن المطلوب الإنصاف، والتعامل مع كل موقف بما يستحقه، إن مدحا وإن ذما، أما ما نشهده في مصر من دعوات لاصطفاف مطلق خلف شخص أو قيادة سياسية، دون أي مناقشة فهذا لعمري منهج القطيع الذي نهينا عنه، والذي لا يليق بشعب متحضر.
صحيح أن مصر تمر بتهديد حقيقي لأمنها القومي، والدفاع عن الأمن القومي وإن كان الوظيفة الدستورية الرسمية للجيش والأجهزة الأمنية، فإنه يحتاج موقفا شعبيا قويا داعما في مواجهة التهديدات، هذا الدعم ليس تكرما، ولا منحة، بل هو واجب وطني، وأخلاقي، حتى في ظل الخلاف السياسي مع نظام الحكم، ومواجهة هذا التهديد المصيري للأمن القومي لا تعني التسامح في حقوق الشعب الأخرى، أو نسيانها، ولكنه فقه الأولويات الذي يعطي أولوية لأمر في لحظة معينة عن غيره. وإذا كان المطلوب من الشعب دعما مفتوحا لجيشه ومؤسساته القومية دفاعا عن أمن الوطن، فإن المطلوب أيضا أن ينال هذا الشعب حريته، ويتمتع بكرامته، ويحظى بلقمة العيش الكريمة حتى يتمكن بالفعل من دحر عدوه.
x.com/kotbelaraby