في زمن المنتديات الاجتماعية في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، برزت شبكة فلسطين للحوار، وبرز فيها المحور الثقافي الذي ضمّ مجموعة من الشعراء الفلسطينيين الموهوبين الذين لم يحظوا بفرصة للانتشار، للأسباب التي ذكرناها في مقالات سابقة.

كان مشرف المحور الشاعر خميس، يدير عمله من السعودية، حيث يعمل مهندس كهرباء (راجع مقالنا عنه في الموقع).

ذات قدّم خميس في المحور الثقافي صديقه في العمل، لم يذكر اسمه، ولكنه كنّى نفسه ب "الزكراوي"، وبدأ يشارك في الشبكة..

وكانت تلك اللحظة أول معرفتي بالشاعر وشعره، علماً أنه ربما كان موجوداً في منتديات أخرى.. ولفتتني جودة شعره ومتانته، واستقلال رأيه وتغريده المتفرّد.. ومن خلاله عرفت قريته "زكريا" التي لم أكن أعرفها مسبقاً.. فهو لم يترك فرصةً ولم يألُ جهداً في التعريف بقريته وتاريخها ونظْمِ القصائد لها، حتى أنه أهدى مجموعتيه الشعريتين المطبوعتين لوالده المجاهد المرابط ولقريته زكريا.. التي ألف كتاباً عنها لاحقاً.

إنه الشاعر عيسى عدوي

ولد الشاعر عيسى محمد أمير عبد الفتاح علي خالد عدوي، كما هو اسمه في إهداء كتابيه، في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1951.

وفي حواري معه عبر المسنجر، قال إنه ولد في بيت جالا "بعد النكبة بثلاث سنوات، ولم أهاجر من زكريا، ولكنها كانت دائماً حاضرة في أحاديث الأهل.. وهي تسمى اليوم كفارزخريا، ومازال المسجد والمدرسة وبيت جدي قائمين في القرية"..

أقام في العاصمة السعودية الرياض مدة طويلة يعمل في مجال تخصصه، حيث يحمل درجة الماجستير في الهندسة الكهربائية، وعمل مهندساً ورئيس قسم ضمان الجودة.

بعد التقاعد، عاد من السعودية إلى فلسطين، وأقام في قرية اللجوء، بيت جالا، حيث يمتلك منزلاً مع حديقة وأرضاً للزراعة الموسمية، وعمل في النشاط الثقافي الذي اشتكى من وضعه الحالي تجاه ما يجري في غزة "لا لجان ولا هيئات ولا فعاليات ولا يحزنون".

حتى على المستوى الشخصي، سألته عن نشاطه، فقال: أنا الآن أعيش في بيت جالا، ولا نشاط لي سوى العمل في حديقة منزلي، فقد حُرمنا من الوصول إلى أراضينا في غرب بيت لحم بسبب تغوّل المستوطنين، فلم نستطع جمع الزيتون ولا تقليم دوالي العنب، ولا حراثة الأرض.. فهم يمنعوننا من الوصول إلى أرضنا والعناية بها.. أما غير ذلك، فلم نعد نملك إلا القراءة الدعاء بأن يرفع الله عنا وعن أهلنا البلاء وأن ينصرنا على الأعداء.

رغم عدم رضا شاعرنا عن النشاط الثقافي والفعاليات الشعبية، إلا أنه لم يقف مكتوف اليدين، فهو بالإضافة لشعره الفصيح، شاعر شعبي مُجيد، وله ديوان مخطوط في هذا المجال. ويظهر ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يُدير صفحات تراثية أدبية اجتماعية عن فلسطين أبرزها: "منبر الشعر والتراث الشعبي الفلسطيني". ورغم التضييق على المحتوى الفلسطيني، ما زالت صامدة في وجه المنع والإغلاق..

كما ذكرت أعلاه، إنه كان مستقلاً في رأيه، وعرف ماذا يعني أن يكون مناضلاً من أجل فلسطين ولو بالكلمة، وهذه تغريدة له في 10 كانون الثاني (يناير) 2024: "على الفصائل الفلسطينية ان تتوقف عن المشاركة في لعبة اليمين واليسار وتتوحد تحت راية المقاومة، كما على الشعب الفلسطيني أن يخلع عن نفسه عباءات النكبة والنكسة وأوسلو ويكتفي بثوب واحد مطرز بعلم فلسطين من النهر إلى البحر".

شعره

يقدم الشاعر عيسى عدوي، في ديوانيه: أحلام فراشة، وعلى شاطئ المستحيل (منشورات مؤسسة فلسطين للثقافة) شعراً فصيحاً متيناً ذا رؤية وطنية متجددة، جميل "بإيقاعه الغنائي المدفوع برعشة عاطفية ذاتية، تسكن تفاصيلها بين الجسد والوطن لتروي لك القصة والفكرة والموقف بطريقتها"، كما قدّم لهما د. أسامة الأشقر.

مؤلفاته

أحلام فراشة، شعر، مؤسسة فلسطين للثقافة، 2008.
على شاطئ المستحيل، شعر، مؤسسة فلسطين للثقافة، 2008.
إكسبو 1987، شعر فصيح، مخطوط.
عرس النصر، شعر شعبي، مخطوط.
عيون وقلوب، شعر فصيح، مخطوط.
زكريا قرية الآباء والأجداد، كتاب توثيقي عن قريته "زكريا"، مخطوط.



نماذج من شعره

من حديث ما كتب يواكب العدوان على غزة:
في 12 شباط 2024

يا رب
كيل الدم في غزة طفح
والحزن غطى خان يونس
والتهم دير البلح
ما ظل مسجد ع الأرض إلا انمسح
وما في قبر في مقبرة إلا انفتح
وما في طفل إلا انقتل تحت الردم
من بعد ما جِدّه انذبح
وجيرانا أموات.. ما نابح نبح
واتسكَّرت لبواب.. ما باب انفتح
والموت شفته حامل اولاده معه
ولما سألته قال: نازل ع رفح
إنت بعثته؟؟ ولا لنفسه سمح!!

وفي 10 تشرين الأول 2023

صباح الخير يا غزة
وربي ايصبّحِك بالخير
ولو إن القصف نازل على راسك
مَطَرْ أسود
وقصده يُخنق أنفاسك..
ولكن الربيع اليوم فوق ترابك مفتح
وخده شايفه مورَّد
خمس مية من الورد عديت
وفي ظني العدد أزود

****

عدوك ما اكتفى بالدم..
ونفسه اليوم يتغدى على اولادك
ولكنهم لحم مسموم..
شِرِب من نبعة عْنادك..
رِبي وإيده على زنادك
وحالف مهما يجرا له
وشو ما تصبّح احواله
ما ينسى حقه في ترابك
رمى عمره على بابك
وصلى ركعتين خفاف
وودع إمه واتْشَهَّد

****

صحيح إن العدو غدار
وبيهاجمنا ليل نهار
وانا شايف قرايبنا
كإنهم مش جيران الدار
ولا اللي بينذبح منهم
ولا انهدت علينا احْجار
تراها قلوبنا بتغلي
ولكن هالقِدِر ما فار..
وظايل عل الجمر نفخة
ويتململ.. ويشعل نار
وربي ع الجمر يشهد

****

رسمنا وردة الحنّون
على غزة
علامة تكون
فوق ترابها شُعلة
وقسمنا الوجع بالنص
حملنا في القلب نصين
وخلينا الأمل شَتْلة
سقيناها بدمع العين
ودمِّ اللي ما فكر يوم
يرضى يعيش بالذِلِّة..

****

صحيح إناع باب الله
صحيح إنا هِبِل وإقلال
ولكن قَلِبْنا صافي
بعون الله
على طول الزمان رجال
وإلنا النصر من ألله
ومهما اتجبَّر الدجال
وعنا الناس تتخلا
وعَدْنا بالنَصِرْ جبار
عظيم القدرة والتدبير
ومن يارب ينصرنا
سواك اليوم
يا الله!!




قالوا أتاك العيد

قالوا أتاك العيدُ قُلت وهل                     ..               مثلي لهُ بين الخلائق عيد
يَزْورُّ طرف العيد حين يمُر بي                   ..               ويلوحُ في العينين منه جُحُود
فالعيد فرحتُه "بلمّة" أهلِه                    ..               وأنا غريبُ الدار ثم وحيد
يا أيها العام الذي ولى                            ..                وجرحُك في الفؤاد صديد
قُل لي بربك كيف تضحك مُهجتي        ..                للعيد مهما زينته ورود
هل مرّ يوم دون ذكر مصيبة                 ..                وقعت وما زال الرصيدُ يزيد
وأنا أُغالب دَمعتي و أرُدها                   ..                فتغيب في الجفنين ثم تعود
حتى القَصيد نَظمتُه فَزفرتُه               ..                 فالشعر في قلبي صَحائف سود
وطني تَشرد أهله و شبابه                ..                 يا للعرين و ليس فيه أُسود
عاثت به الأرذال في جنباته                ..                 وتحكّمت في الـقَاطنين قُرود
سامت جمُوع الصامدين مَذلة        ..                  وأَقلها التغريب والتشريد
أما جموع العُرب من إخواننا            ..                  فسِلاحها الإنكار والتنديد
والاحتجاج مترجماً ومفسراً            ..                  لم يَكــفهم نثراً فجاء قصيد
والغربُ والشرقُ استقر قرارهم   ..                   فالكُــفر أصل واحدٌ ووحيد
عَرضوا الحُلول قَديمها وحديثها  ..                  فتعدّدت عند النقاش رُدود
لا فرق عندي أن يُقال" تكدموا"  ..                و"تلكدوا" فالكل خصم حاقد ولدود
ما الصلح إلا خدعة و خرافة            ..                  فمتى تمسكَ بالعهود يهود
و الأرضُ مثل العرض ليس يصونها..             إلا سلاح عانقته زنود
عرفَت عقيدتها فلا يرتابها شك       ..               وليس يخُيفها التهديد
فالنهر حدُ بلادنا من شَرقها           ..            والغربُ ترسُمه لنا أسدود

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير فلسطين الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشاعر عیسى بیت جالا

إقرأ أيضاً:

نجم السِّماك الأعزل

لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.

والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم السماك، وهو نجم أزرق لامع يقع في الكوكبة النجمية التي تسمى العذراء، وقد سمته العرب السماك الأعزل، وكلمة السماك تدل في المعاجم على معنى السمو والرفعة، ولذلك استخدمه الكثير من الشعراء العمانيين والعرب في الدلالة على هذه المكانة، أما عن وصفه بالأعزل فذلك لأنه لا يوجد كوكب بين يديه، والأعزل الذي لا سلاح له. والعرب اعتقدوا أنه نجم واحد منفرد، ولكن هو في حقيقة الأمر عبارة عن نجمين يدوران حول بعضهما البعض أحدهم أكبر حجما وأكثر حرارة وسطوعا من الآخر، هذان النجمان قريبان جدًا من بعضهما، مما يجعل من الصعب رؤيتهما بشكل منفصل بالتلسكوبات التقليدية، وقد كان العرب يقسمون السنة إلى منازل قمرية، وكان السماك الأعزل يُعتبر جزءًا من هذه المنازل كما أنهم استخدموه لتحديد أوقات الأمطار وبدء مواسم الزراعة. أما من حيث المعلومات العلمية حوله، فإن الدراسات أثبتت أن النجم الرئيسي يبلغ قطره حوالي 7.5 ضعف قطر الشمس، كما أن درجة حرارته عالية جدا، حيث تبلغ حرارته حوالي 25.300 كلفن، مما يجعل لونه أبيض مائلا للزرقة، وهذه الحرارة أعلى بكثير من حرارة الشمس، التي تبلغ حوالي 5.778 كلفن فقط، وهو يبعد عن الأرض حوالي 250 سنة ضوئية، ويمكن رؤيته بسهولة في شهر أبريل ومايو بعد غروب الشمس، ويبقى ظاهرًا حتى أواخر الصيف. وقد ورد في كتاب الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة الدينوري قول ساجع العرب «إذا طلع السماك، ذهبت العكاك، وقلّ على الماء اللكاك»، و«العكاك» الحرّ، يريد أنه لا يبقى منه شيء عند طلوعه، «وقلّ على الماء اللكاك»، يريد الازدحام عليه، لقلة شرب الإبل في ذلك الوقت، قال أيوب بن موسى بن طلحة: «إذا طلع السماك، ذهب العكاك، وبرد ماء الخرقاء» يريد أن الخرقاء لا تبرّد الماء، فيبرد حينئذ من غير تبريد، وقالوا: «لا يطلع السماك إلا وهو مادّ عنقه في قوة» . وقال الشعبى: «لا يطلع السماك إلا وهو غارز ذنبه في برد». وقد ورد هذا النجم كثيرا في الشعر العماني، فلا يكاد شاعر من الشعراء العمانيين المشهورين إلا وذكره في قصائده، فهذا الشاعر أبومسلم البهلاني يقول في إحدى قصائده:

كلمات كالسحب تمطر نورا

ومعان كالدر في الأسلاك

صبغت صفحة الوجود ضياء

خطف النور من بصير السماك

وفي قصيدة أخرى يقول:

لئن هدمت محياك قاصمة الردى

فمجدك يبقى شامخًا لا يهدم

على سورة في المجد قر أساسه

له شرف فوق السماكين ينجم

كما أن الشاعر الغشري ذكر هذا النجم في إحدى مطولاته التي بلغت 210 أبيات، فهو يصف أئمة بني خروص ويقول عنهم:

نسخ الظلامَ ضياءُ عدلهمُ إذاً

وبدا على وجه الدجى الأنوارُ

ولقد سما فوق السمَاكِ فخارُهم

ولهمْ على كلِّ الأنامِ فخارُ

وإذا أتينا إلى الشاعر المعولي، فنجده ذكر هذا النجم في قصيدة مدح بها حميد ابن الإمام سلطان بن سيف اليعربي يقول فيها:

لكَ همَّةٌ قعساء في النعماء ما

تزدادُ إلا رفعةً بتنقلِ

لقدِ ارتقيتَ بهَا رقيّاً عالياً

حتى علوتَ على السماكِ الأعْزَلِ

وهذا الشاعر راشد بن خميس الحبسي يمدح قوما بقصيدة فيعلي مقامهم فوق مقام نجم السماك الأعزل فيقول:

قومٌ مقالُهم الصوابُ وقدرُهُمْ

يعلو على هامِ السماك الأعزل

هم سادةُ النادي وحُمْسُ رجاله

وبدورُ ناشئةٍ الظلام الأليْل

ومن شعراء عمان المشهورين الذين ذكروا السماك هو الشاعر موسى بن حسين بن شوال الذي يقول في إحدى قصائده:

سقاها ملثُّ القطرِ كلّ مجلجلٍ

وَثجّت عليها المعصرات الحواملُ

وَأَلبَسها نوء السماكين حلّةً

فَيشرق بالأزهار منها الحمائلُ

وأما الشاعر العماني سعيد بن مسلم بن سالم المجيزي الملقب بأبي الصوفي فيقول في مدح أحدهم:

يومٌ عَلَى فَلك السِّماكِ تطايرتْ

أَفراحُه فأزالتِ الأَتْراحا

عَمَّ البسيطة ناشراً أعلامَه

بِشراً فَطَمَّ مَهامِهاً وبِطاحا

ويقول الشاعر ابن رزيق في إحدى قصائده يمدح فيها أحد السادة البوسعيديين فيقول:

سلالةُ سلطانِ اليمانىِّ سالم

إِليه يمينُ الدهرِ بالقهرِ ساجدُ

رَقا حيث لا يرقى السِّمَاكُ من العُلا

ولم يستقم حيث استقام عَطاردُ

مقالات مشابهة

  • مصطفى عيسى: الذكاء الاصطناعي غير مفيد على المستويين الفني والنقدي
  • نجم المرزم
  • برلماني: التاريخ لن ينسى تضحيات الشهداء وستظل ذكراهم نبراسًا للأجيال
  • النائب حازم الجندي: التاريخ لن ينسى تضحيات الشهداء وستظل ذكراهم نبراسًا للأجيال
  • زكريا وأيمن، طفلان غادرا الدار البيضاء متجهين إلى سبتة.. ثم اختفيا
  • حكاية شهيد لقمة العيش.. ترك قريته للعمل بالقاهرة ومات صائما| صور
  • نجم السِّماك الأعزل
  • اكتشاف مخطوط نادر يعود للقرن التاسع عشر في مكتبة نقابة الصحفيين
  • نجم الفرقد
  • مخطوط يعود لنحو قرنين يُجسّد إرث الفن الإسلامي في بينالي الفنون الإسلامية