صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-20@00:49:34 GMT

محجوب محمد صالح وجه للسودان بهي

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

محجوب محمد صالح وجه للسودان بهي

محجوب محمد صالح وجه للسودان بهي

د. أماني الطويل

اجتمع السودان، كما يليق به أن يكون، وكما نعرفه تاريخيا بكل أطيافه وفئاته، متآلفا متحابا، في رحاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ ليطلق باكورة الاحتفاء بذكرى ميلاد محجوب محمد صالح، الصحفي السوداني العتيد، ولينفي هذه الصورة البغيضة التي تطل علينا يوميا، ونرى فيها السودانيين يحاربون بعضهم البعض من أجل طموحات سلطوية للبعض منهم، أو مكاسب عرقية أو قبلية لبعض آخرين أو مكاسب أيديولوجية عفا عليها الزمن، وثار عليها الشعب كما يمارس نفر ثالث.

محجوب محمد صالح المحتفى بذكرى ميلاده 12 إبريل، يطلق عليه عميد الصحافة السودانية، وهو في مكانه مركزية في الصحافة السودانية مماثلة لمكانة محمد حسنين هيكل، في الصحافة المصرية؛ فالرجلان من رواد المهنة، والرجلان بدءا مسيرتيهما في خمسينيات القرن الماضي، حيث أسس محجوب محمد صالح، صحيفته الأيام، وبدأ هيكل مسيرة مغايرة للصحفيين المصريين في هذا التوقيت، حط بها في الأهرام كمحطة أخيرة، حيث أسس الرجلان في الأهرام، والأيام مركزين للدراسات بتواريخ متفاوتة مستهدفين دراسة أوضاع وطنيهما، المركز المصري كان الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1968 في أعقاب هزيمة 1967، تلبية لتحدي الانتصار الإسرائيلي، حيث وجب دراسة العدو عن كثب، بينما كان مركز الأيام هو تلبية لاحتياجات السودان في التنمية الثقافية التي هي الطريق الصحيح نحو بناء الأمم وصناعة اندماجها الوطني.

الرجلان والمركزان المصري والسوداني كانا استجابة صحيحة للتحديات الماثلة، وتعبيرا عن فهم ريادي للرجلين، حاولا فيه اكتشاف الطريق نحو الصعود على الدرج الصحيح في مسيرة البناء الوطني لبلديهما.

وإذا كان محمد حسنين هيكل، هو ابن للأمة المصرية المندمجة وطنيا بحكم قدمها التاريخي، فإن صالح هو ابن لأمة حديثة نسبيا لم تجد طريقا بعد للاندماج الوطني الشامل، وهو الأمر الذي يفسر لنا الحرب القائمة راهنا.

في هذا السياق، تجيء قيمة محجوب محمد صالح، المضافة مقارنة بهيكل، ويجيء تقدير كفاحه في الضمير الجمعي السوداني، بل والنطاقين العربي والإفريقي، حيث كان قلما وصوتا وطنيا مستقلا في وقت، كانت هناك أثمان مدفوعة للوطنية السودانية، وللاستقلال معا في بلد، يعج بالانقسامات وفي أحيان كثيرة، ويسيطر عليه الاستقطاب السياسي.

في عموده أصوات وأصداء، كان محجوب محمد صالح، هو صوت المواطن السوداني العادي المتطلع إلى وطن مستقر، ومستقل يلبي احتياجاته بكرامة، ويسود بين أهله سلام وقبول كل طرف للآخر .

هذه الكلمات البسيطة الاستقرار والاستقلال والكرامة، وقبول الآخر هي محور المعارك التي قادها محجوب محمد صالح، طوال تاريخه المهني، في سياقات صعبة في التاريخ السوداني الحديث، وذلك بين نظم سياسية متفاوتة الإيمان بحرية الصحفي، واستقلال قلمه، وتحت مظلة نظم عسكرية سودانية في المجمل، تعتبر القلم الحر والمستقل أهم المهددات.

قلم محجوب محمد صالح الوطني والمستقل، هو ما أهله ليكون عضوا في البرلمان السوداني عام 1964، بعد ثورة أكتوبر وهو القلم الذي صنع مكانته التي لم يضاهيها أي صحفي سوداني في أجيال مواكبة أو ملاحقة للرجل، ونتيجة لذلك حصل محجوب محمد صالح، على جائزة القلم الذهبي العالمية عام 2005، حيث كنت في شرف استقباله في مطار الخرطوم مع لفيف واسع من النخب السودانية على المستويين المحلي والعالمي.

وإذا كانت جائزة القلم الذهبي قد توجت مسيرة صالح، في حصد الجوائز، فإنها لم تكن الوحيدة، حيث حصد الرجل جوائز من جهات ومؤسسات عالمية أخرى، ولكن أعزها على قلبه، كما أعلم تلك الجائزة السودانية التي حصل عليها عام 2012، من جامعة الأحفاد وكانت دكتوراه فخرية، وهي جامعة أهلية سودانية لها مكانة وطنية تاريخية، وإسهام أساسي في تعليم السودانيات، منذ وقت مبكر من القرن الماضي.

وفي وطن غلبت على أهله حتى وقت قريب ثقافة الشفاهة، كان محجوب محمد صالح من رواد التفكير والتوثيق، حيث أصدر الصحفي السوداني العتيد عدة كتب طوال مسيرته، تكشف مدى انخراطه في الهم الوطني السوداني، ومحاولة تقديم قضاياه الحرجة والملحة بمنظور وطني متقدم، ومستقل وكانت هذه الكتب هي:

تاريخ الصحافة السودانية التي أرخ فيها للصحافة السودانية ومعاركها، منذ بداية القرن، وكذلك أضواء على أهم قضايا السودان المركزية، وهي حرب الجنوب، وأيضا كتاب تحت عنوان مستقبل الديمقراطية في السودان، حيث استعرض التحديات التي تواجه معضلة التحول الديمقراطي في السودان، وبطبيعة الحال كان كتابه دراسات حول الدستور إدراكا رائدا من الرجل حول مسألة تدشين عقد اجتماعي جديد في السودان وضروراته الدستورية.

وربما يكون من أهم إسهامات محجوب محمد صالح، على صعيد العلاقات السودانية المصرية هي ورقته التي قدمها في مؤتمر هام، عقد تحت عنوان العلاقات الثنائية بين مصر والسودان في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بتسعينيات القرن الماضي، حيث قدم ورقة رصينة، ورؤية متقدمة بشأن هذه العلاقات، من حيث التحديات التي تواجهها، وآليات تجاوز هذه التحديات على المستويين الرسمي والشعبي.

وفي تقديري، أن محجوب محمد صالح، كما قدم للسودان وأهله في حياته موقفا وطنيا نزيها، ومنزوعا عنه أي نوع من الهوى السياسي أو غيره، فإنه قد ساهم بعد غيابه الذي جرى في مطلع هذا العام بالقاهرة في تقديم السودان بصورة بهية في توقيت صعب، وذلك بمناسبة الاحتفاء بذكرى مولده، حيث التف السودانيون حول بعضهم البعض من مشارب سياسية واجتماعية، وعرقية شتى؛ لتدشين المناسبة في عدد من العواصم الإقليمية، وفي احتفاليات افتتحتها القاهرة قبل أيام وتتوالى خلال شهر كامل.

هذه المجهود الأهلي السوداني ساهم فيه أسرة محجوب محمد صالح، وقامات وطنية سودانية من كافة المشارب الإيديولوجية السودانية، ومن كافة مهاجر الشتات السوداني، وكذلك رتل من رجال الأعمال المحليين، وذلك في نسيج وطني سوداني منظم ومتفاهم ومنجز.

هذه الصورة البهية للسودان هي جزء من صناعة محجوب محمد صالح، حيا ومحلقا في السحاب، وهي صناعة أن يتبناها آخرون حتى يعود السودان البهي واللائق الذي نعرف.

* نقلا عن مصر 360

الوسومأصوات وأصداء الأهرام السودان الصحافة السودانية القاهرة جائزة القلم الذهبي د. أماني الطويل محجوب محمد صالح مصر مطار الخرطوم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأهرام السودان الصحافة السودانية القاهرة د أماني الطويل محجوب محمد صالح مصر مطار الخرطوم الصحافة السودانیة محجوب محمد صالح فی السودان

إقرأ أيضاً:

تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)

■ عقب دخول الجيش والتشكيلات العسكرية الأخري إلي مدينة ودمدني وتحريرها تم نقل عدد من الجرحي والمصابين إلي مستشفي السلاح الطبي بمدينة القضارف .. داخل عنابر المستشفي كانت هنالك لوحة رسمتها دماء الشجعان الذين شاركوا في معارك التحرير بالمحور الشرقي ..قوات مسلحة .. مخابرات .. مشتركة .. مستنفرون ..براؤون ..ودرع السودان ..

■ كانوا جميعاً يتلقون العلاج من طاقم طبي واحد ويتقاسمون آلام ( غيار) الجروح الصعب .. ويتعاونون في تدبير أمورهم بطريقة مدهشة ..لا تكاد ( تفرز) هذا من ذاك ..

■ أثناء تجوالنا داخل الأقسام المخصصة لجرحي عمليات المحور الشرقي استوقفني شاب في بداية العقد الثالث من عمره .. كان ينادي : يا أستاذ .. يا أستاذ .. ذهبت إليه في الركن الشمالي الشرقي من العنبر برغم جرحه الغائر إلا أن إبتسامة وضيئة غطّت وجهه الصبوح .. علمت أنه من الذين يكرموني بالمتابعة .. قال لي : أنا تابع لدرع السودان .. قلت له : يعني إنتو أولاد كيكل؟! .. قال لي لا .. كيكل دة قائدنا في الحرب .. نحنا أولاد البطانة ..

■ قضيت وقتاً مع ابن البطانة داخل عنبر الجرحي بالسلاح الطبي .. علمت أنه طالب بكلية الهندسة جامعة السودان .. وأنه ليس وحده .. عدد كبير من خريجي وطلاب الجامعات السودانية التحقوا طوعاً بدرع السودان لحماية أهلهم والمشاركة في تحرير وتطهير القري التي دنستها وأستباحتها مليشيات التمرد ..

■ عدد كبير من الذين التحقوا بدرع السودان رجال مال وأعمال وأصحاب مهن وحرف وتجارة تركوا كل مايشغلهم وتفرغوا لتحرير أرضهم وحماية أعراضهم تحت لواء قوات درع السودان .. وبعض هؤلاء سقطوا شهداء ومن بينهم حملة درجات علمية عليا في مقدمتهم من يحمل درجة الدكتوراة في الفيزياء النووية تقبله الله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ..
■ بعيداً عن التدقيق في النوايا وتصنيف المقاصد ومراجعة المواقف والملفات السابقة .. نقول إن تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت وتساهم حالياً في سحق الجنجويد ومليشيات التمرد .. هذه التجارب مجتمعة تستحق الآن التقدير وكامل الإحترام ..

■ يكفي أن هؤلاء الشجعان يقاتلون الآن تحت مظلة الجيش السوداني الذي تعرف قرون استشعاره كيف تدير وترتب أمرها أثناء وخلال وبعد الحرب ..
■ نصرٌ من الله وفتحٌ قريب ..

عبد الماجد عبد الحميد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. على الطريقة السودانية.. فنان مصري يغني أغنية كوكب الشرق “رجعوني عنيك” ويقول: (ماذا لو كانت أم كلثوم من السودان)
  • الجيش السوداني من الجيوش القليلة في عالم اليوم التي تضم أكفأ الجنرالات وأشجع الجنود
  • الفن التشكيلي السوداني- النشأة، الرواد، ومدرسة التشكيل السودانية لمحة
  • سدرة منتهى الإرادة السودانية الجبارة التي لاتعرف المستحيل
  • ما اسباب تصاعد وجود الشركات المصرية في العراق؟.. توضيح من مستشار السوداني
  • في ندوة بالقاهرة: مجمل الخسائر السودانية 127 مليار دولار ومصر الأولى بإعادة الإعمار
  • ظل مقيما في السودان خلال فترة الحرب.. وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية زيمبابوي لدى السودان
  • “عافية”.. خطوة من القنصلية السودانية في أسوان لتخفيف معاناة المهجرين
  • كيكل: نحن جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة السودانية، وعلى أهبة الاستعداد لترتيبات الدمج والتسريح
  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)