الجزيرة:
2025-04-30@08:57:50 GMT

غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال

كما كان متوقعًا، أنفذت إيران تهديدها لدولة الاحتلال بضربة صاروخية؛ ردًا على استهداف الأخيرة مبنًى تابعًا لسفارتها في دمشق قبل أيام، ذهب ضحيته عدد من قياداتها العسكرية، الأمر الذي وضعته طهران في إطار الاستهداف المباشر لأراضٍ إيرانية (بسبب رمزية السفارة)، وتوعّدت بالرد عليه. وإذا كان ثمة زوايا عديدة لتقييم الحدث كمتغير مهم في المنطقة، فإن علاقته بالعدوان على غزة – تأثرًا وتأثيرًا – تأتي في مقدمة هذه الزوايا في المرحلة الراهنة.

الرد الإيراني

ثمة تباين كبير في توصيف ما حصل، وكذلك في تقييم مظاهره ونتائجه بين إيران من جهة والاحتلال من جهة ثانية، وينسحب ذلك على المتابعين والباحثين، ويشمل ذلك عدد المسيّرات والصواريخ المستخدمة، وعدد ما وصل منها بعد تخطّي دفاعات الاحتلال ومن دعمه، ومدى الأضرار المباشرة للقصف، فضلًا عن الآثار غير المباشرة، ويشمل ذلك أيضًا معرفة موعد الرد ونوعيته وحدوده، وربما تفاصيل أخرى متعلقة به، والأسلحة المستخدمة، وغير ذلك الكثير.

إلا أن مما لا يختلف عليه الكثيرون، أن إيران لم تكتفِ بسردية "الصمت الإستراتيجي" هذه المرة، بل أنفذت تهديدها بالرد، وأن الرد كان مركّبًا من الناحية الجغرافية، إذ شاركت ببعض تفاصيله أطراف أخرى غير إيران، وعسكريًا من حيث الأسلحة المستخدمة، وأنها المرة الأولى التي تستهدف فيها طهران بشكل رسمي ومعلن عمق الأراضي "الإسرائيلية"، وليس عبر الأطراف أو الأذرع المحسوبة عليها، وأن الرد كان محددًا ومحدودًا في ظل سعي الأخيرة لئلا يتسبب بتصعيد كبير، أو اندلاع حرب موسعة قد تضعها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، وليس فقط دولة الاحتلال.

وبغض النظر عن التباين في زوايا والتوافق في أخرى، إلا أن أهم دلالات الضربة التي وجهتها إيران، أنها متغير جديد في معادلات المنطقة، فهي المرة الأولى لاستهداف إيراني مباشر وبشكل رسمي وعلني لدولة الاحتلال، والمرة الأولى بشكل عام في المنطقة بعد الصواريخ التي كان أطلقها الرئيس العراقي صدام حسين عليها في سياق مختلف تمامًا. وهي بهذا المعنى، سعي إيراني حثيث وجاد لاستعادة معادلة الردع والتوازن السابقة، التي حاول الاحتلال كسرها بعملية السفارة في دمشق.

وبالتالي، يؤشر ذلك على مرحلة جديدة في المنطقة بقواعد اشتباك مختلفة هذه المرة، إذ إنّ ما يكسر من قواعد الاشتباك السابقة مرة، يصبح أسهل على الكسر ويتحول على الأغلب لقواعد جديدة. بكلمات أخرى لم يعد قصف الداخل "الإسرائيلي" خطًا أحمر بل أمرًا يمكن أن يتكرر في سياقات وظروف محتملة في المستقبل القريب، أو المدى البعيد، وهذا أمر يغير الكثير من الحسابات والتوازنات في المنطقة.

تداعيات الرد لا يمكن الجزم بها من الآن، إذ ستعتمد على ما إذا كانت "إسرائيل" سترد على الرد الإيراني أم لا، وشكل هذا الرد ومكانه وباقي تفاصيله، وما إذا كان ذلك سيتسبب بسلسلة من الردود التي يمكن أن تتحول لمواجهة شاملة، أم أن الأمر سيقف عند حدود الرد الإيراني بقناعة "إسرائيلية" و/أو ضغط أميركي.

القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، تحدث عن معادلة جديدة حذر الاحتلال من اختبارها، مفادها: "إذا هاجم الكيان الصهيوني مصالحنا وممتلكاتنا وشخصياتنا ومواطنينا في أي لحظة، فسوف نقوم بهجوم مضاد عليه". الأمر الذي يعني أن ثمة قوالب قد كُسرت، وقواعد اشتباك جديدة يمكن أن تحل مكان القائمة، وبالتالي فقد دخلت المنطقة في مرحلة جديدة كليًا، إذا لم تكن العودة لمعادلات الردع وقواعد الاشتباك القديمة حلًا مفضلًا من الجميع.

موقع غزة

لم تعلن طهران أن الرد يستهدف وقف العدوان على غزة، ولا نصرة مقاومتها، ولا حتى أعلنت أنها تأتي في إطار مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، وإنما كرسالة تحذير لما يمكن أن تفعله مستقبلًا في حال استمرّ استهدافها. بهذا المعنى، فغزة ليست حاضرة في قلب دوافع الردّ الإيراني، لكن ذلك لا يعني أنها غير حاضرة في الحدث بالمطلق تأثرًا وتأثيرًا.

ففي المقام الأوّل، أتى الاستهداف "الإسرائيلي" للمستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا؛ بسبب دورهم في دعم المقاومة الفلسطينية، على ما قال الاحتلال، وأكّدته كتائب القسام في بيان لها. كما أن الرد الإيراني المباشر بهذه الطريقة لم يكن ليحصل لولا معركة "طوفان الأقصى"، وما تبعها من تطورات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أزالت الكثير من هالة القوة حول الاحتلال، وكسرت هيبته، وكشفت بعض ثغراته وفتحت الباب أمام معادلات جديدة في التعامل معه.

هذا، مع عدم إغفال أن الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية، ينظران للفعل الإيراني من زاوية الحرب في غزة، إذ طالما كان لطهران سهم مهم في مراكمة القوة في القطاع، كما كان لعدد من القوى المحسوبة عليها في كل من لبنان واليمن والعراق، مساهمات في هذه الحرب إسنادًا لغزة، فضلًا عن أن الخطاب المؤسس لمعركة "طوفان" الأقصى في الأساس كان يتحدث عن حرب شاملة وفق منطق "وحدة الساحات".

لكن، وحتى بعيدًا عن السياق السابق للعلاقة بين إيران وقوى المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حماس، وإضافة لتأثير غزة الواضح – من خلال معركة "طوفان الأقصى" وتداعياتها – على معادلات الردع بين إيران ودولة الاحتلال، تبدو غزة في موقع التأثر كذلك بالرد وتداعياته، بشكل مباشر أو غير مباشر.

في المدى المباشر، كان ملاحظًا أن العمليات العسكرية "الإسرائيلية" في قطاع غزة جوًا وبحرًا تراجعت وانحسرت أضرارها في تلك الليلة، كما كان واضحًا سعي نتنياهو للاستفادة من الحدث لاستعادة فكرة المظلومية والدعم الغربي، وتحصيل مكاسب من واشنطن، لكن هذه التأثيرات – الإيجابية والسلبية – سياقية وظرفية ومؤقتة.

على المدى البعيد، لا يمكن الجزم باتّجاه وحجم تأثير الحدث في العدوان "الإسرائيلي" على غزة بشكل خاص، والقضية الفلسطينية في العموم، إذا ما اتجهت الأمور للتصعيد الموسع، أو الحرب الشاملة، فذلك مرهون بنتائج هذه المواجهة المحتملة، وتداعياتها على الأطراف المنخرطة فيها، وعلى المنطقة ككلّ.

وعليه، فإنّ سيناريو استمرار الاستهداف، والاستهداف المقابل، يمكن أن يفيد غزة – مقاومة وشعبًا – أو يضرّها حسب مآلات هذا السيناريو في نهاية المطاف، وكذلك حسب مدته وسقفه والأطراف المنخرطة به… إلخ.

لكن، في المقابل، فإن اكتفاء دولة الاحتلال بتلقّي الرد الإيراني وعدم الرد عليه، رغم محدودية آثاره المادية عليها، سيعني أن التأثير على غزة سيكون محدودًا وضئيلًا؛ بمعنى استمرار الحرب البرية "الإسرائيلية"، بما في ذلك احتمالات دخول رفح، إلا أن ذلك يبقى خيارًا غير مرجح بكل الأحوال.

الاحتمال الأرجح، هو استفادة قطاع غزة من الرد الإيراني بشكل غير مباشر. ذلك أن ما حصل، مع احتمالات الرد "الإسرائيلي"، وسيناريو التصعيد المتدرج أو المنفلت، يعني أن احتمالات خروج الأمور عن السيطرة بالكامل، وتحولها لحرب إقليمية موسعة أو مواجهة شاملة، تتعاظم مع الوقت، وتصبح راجحة، وهو ما سيعزز مساعي الاحتواء وضبط الأمور، وبالتالي دعم جهود وقف الحرب على غزة؛ تجنبًا للسيناريو الذي لا تريده واشنطن، على الأقل في المرحلة الحالية.

في الخلاصة، وإن لم تكن غزة عنوان الرد الإيراني أو دافعه الرئيس، إلا أنها حاضرة ضمن عوامل تهيئة الأرضية له من جهة، ومتأثرة بسيرورته ومآلاته النهائية من جهة ثانية. لا نرجح أن يكون ذلك التأثير مباشرًا وسريعًا وكبيرًا، لكن الأحداث مترابطة بشكل كبير وملاحظ، ما يعزز فكرة التأثير طويل المدى، وغير المباشر، لا سيما أن الأمر برمته متعلق بمعركة "طوفان الأقصى"، وما تسببت به من تطورات.

لقد فتحت معركة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، صفحة جديدة في المنطقة، فتحت بدورها البابَ على تطورات متسارعة – مقصودة أو غير مقصودة – يبني بعضها على بعض؛ لترسم وجهًا جديدًا للمنطقة بإرادة الدول والقوى المنخرطة أو رغمًا عنها أو عن بعضها.

إن المنطقة بعد "طوفان الأقصى" ليست كما قبلها، ولن تعود على الأغلب لما كانت عليه، فقد أسست المعركة لمرحلة جديدة يسعى مختلف الأطراف الإقليمية للتكيف معها طوعًا أو كرهًا، وما زالت تأثيرات المعركة المنكشفة حتى اللحظة أقل بكثير مما سيتّضح لاحقًا حين تتهيأ ظروفه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الرد الإیرانی طوفان الأقصى فی المنطقة على غزة أن الرد یمکن أن من جهة إلا أن ا یمکن

إقرأ أيضاً:

في المنطقة «ج».. قلوب تنهار تحت مطرقة جرافة الاحتلال ولهيب الاسيتطان

في فجر يومٍ قاتمٍ من أبريل 2025، اجتاحت جرافات قوات الاحتلال بلدة نعلين، شمال غرب رام الله، مصحوبة بآليات ثقيلة تستنفر قلبَ كل زاوية. كان الدكتور رائد سرور وأخيه نائل يقفان أمام منزليهما المشيدين بتعب السنين، ينظر إلى جدرانهما اللاتي ارتوت بذكريات العمر، عندما سمعت أخاه نائل صراخَ تنبيه الهدم.

لم تكن صرخة تضجّ بحمايةٍ من الموت؛ بل تحذر من تدمير المأوى. ارتعدت أركان المنزل تحت وطأة المطرقة الميكانيكية، وتهاوى الجدار الشمالي لمنزل رائد خاضعًا لقانون القوة، التي زلزلت بيت نائل، وسوته بالأرض.

رائد، الذي قضى الليل يحلم بطفله الصغير يركض في باحة المنزل، وجد نفسه أمام سحابة من الغبار تنبعث من تعبّد حاضره وهموم مستقبله. قال بصوتٍ مبحوح: «كل حجرٍ كان يعنيني. سقط الحجر وسقط أملنا». وفي ركنٍ بعيد، تسللت دمعة صامتة على وجنة نائل، فاتحًا نافذة الماضي التي سكنت بين صدى الضحكات وصدى الأحلام.

حجارة الهدم تصيب القلب

نهال شكري، زوجة رائد التي وقفت يوم الهدم أمام الباب تتحدى الأيادي الغليظة، تسرد بحسرة: «حسبي الله ونعم الوكيل. شو بدي أقول؟ مقدرش أقول أي شيء! مقدرش أقول: دارنا وانهدت. ولادنا بقوا في الشارع». وتنهش الكلمات قلبها قبل أن تتوقف، والطرقات الحديدية تغلّق باب الأمس في وجه أهله.

صوت الانهيار تردد في قلب البلدة، كنبضٍ يمتدّ عبر حيِّ نعلين الصاعد غارقًا في الصمود. «سنتين بنسمع في أخبار غزة وتعبانين نفسيًا، فيجي علينا لسه أشياء ثانية أكبر. والله صعبة. والله كأن الحجارة كانت بتنزل في قلبي» هكذا نظرت نهال حيث رحل الأمان، وظلت السماء تراقب أهل نعلين.

وفي المساء ذاته، حل الظلام على أطلال المنزلين، فاختزل البيت قصصه في أطلالٍ وصدى. جلست نهال على ركام ما تبقى، واضعةً وسادة طفلها الملونة على رأسها، وعقدت العزم أن تنام على باب الدار المهدم، تجربةً ما عاشه أطفال غزة.

قالت بعزمٍ مشتعل: «أنا الليلة بدي أنام على باب الدار، ولا ممكن أسيب هاي المنطقة. أنام هنا. أجرب زي ما ناموا. أنام في العراء زيهم».

هجمات وتجريد وإرهاب يومي

المنطقة (ج) في الضفة الغربية تحددها اتفاقيات أوسلو لتخضع للسيطرة المدنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة، مما يجعلها ساحة مفتوحة لسياسات الاحتلال في اقتلاع الفلسطينيين. امتدت في هذه البقاع خريطةُ هدمٍ وتجريفٍ وحرقٍ، لتعكس صراعًا يستهدف قلب الوجود. تتراكب في هذه القرى حقول الزيتون على أطلال الأمل، بينما تواصل الجرافات رسم معالم الاستيطان الجديد.

الاحتلال لا يكتفي بهدم المنازل، بل يتجاوز ذلك ليمتدّ إلى تجريف الأراضي وحرمان المزارعين من موسم الزيتون. ففي قرى نعلين، وسنجل، ودير جرير، قُطع الربيع قبل أوانه، وظلّت الأيادي الفلسطينية معلقة بين حجر وسنبلة، تراقب الحروق تحت أشعة الشمس. الماءُ الملوّث والريحُ العاتية باتت من تبعات التوسع الاستيطاني، يقف الفلسطيني أمام جذوره بلا دفاع

لا تقل اعتداءات المستوطنين تحت غطاء الحماية عن وحشية الجيوش النظامية، فهم يأتون في الليل ليلتهموا أجزاء من حياة الأهالي، يركضون بين بيوت القرية ويشعلون العزب حرقًا. يختزل هذا الإرهاب اليومي معاناةً مستمرة فارضةً واقعًا مريرًا على السكان، من أطفالٍ وأمهاتٍ وكبار في السن.

تفحم عزب (سنجل) بنيران الاستيطان

في ليلةٍ سوداءٍ بضوء القمر الخافت، اجتاح مستوطنون بلدة سنجل شرق رام الله. أحرقوا عزبًا ومنازل تعود لأهالي المزرعة الشرقية، تاركين وراءهم دخانًا أسود يتصاعد في السماء، كقصة تنتهي قبل أوانها.

قال أحد السكان الذين فوجئوا باحتراق منزل، في غيبة أهله، على يد فرقة من المستوطنين، وقد ارتجت كلماته بين غضب وحسرة: «جاءوا فجأةً، أحرقوا البيت وكل أغراضه بداخلها؛ لم نكن هنا لنواجههم، كل شيء في المنزل تفحم». لم تكن تلك الكلمات مجرد سرد لمشهد مروع، بل صرخة حارقة تعكس حرمان أهل البلدة من ملاذِهم الآمن.

وروى شابٌ من العائلة المجاورة كيف تسلل نحو الموقع فور سماع دوي الحرائق، فتفاجأ بعشرين مستوطنًا يحرقون المكان دون اكتراثٍ لصرخات الجيران.

يقول الشاب علاء اشتية، ووجهه يحمل آثار الدخان: «لو كنا موجودين لما وصلوا إلى البيت، لكنهم أحرقوه بسرعةٍ فائقة حتى قبل أن يتسنى لنا الوصول». وحملت صرخته تساؤلاً عن غياب أي ردّ فعلي من قوات الاحتلال التي صمتت أمام اعتداءٍ بلغ حدّ التجزئة المنهجي للحياة الفلسطينية.

رجل مسن كانت يقف على بعد أمتار، اختلج صمته عند سؤاله عن دور المجتمع الدولي. أشار بيده نحو الأفق وقالت بصوتٍ متهدج: «هذا اضطهادٌ للشعب الفلسطيني... نُلاحق في أرضنا، في دورنا، في بيوتنا وأحلامنا. إلى متى نظلُ بلا حماية؟ أين الصوت الذي يدافع عن حقوقنا؟». كانت نظراته مليئة بمرارةٍ تشي بأن سنواتٍ من الانتظار لم تحمل سوى مزيدٍ من الصمت.

تجريف قوت الناس في دير جرير

مع بزوغ شمس اليوم التالي، خرجت جرافة الاحتلال من مخابئها لتجرف هدوء قرية دير جرير الواقع شرق رام الله. وقف المزارع محمود أبو زيد على بقايا أرضه المقلوبة، والأكوام الترابية تعلو حيث كانت تثمر أشجار الزيتون.

يقول بصوتٍ متهدجٍ وقد ارتعش له لسانه: «رأيتُ الجرافة تلتهم أرضي بشراهة، كأنها تريد أن تمحو هويتي قبل جذوري. حين حاولت الصراخ لأوقفها، وجدتُ نفسي وحيدًا أمام آلة لا تعرف الرحمة».

لم يكتفِ المستوطنون بإغلاق المدخل الرئيسي للقرية؛ بل انتقلوا إلى قلع الأراضي الواقعة غرب جبل تل العاصور، حيث زرع أجداد الأهالي زيتونهم قبل عقود.

تذكر أيمن علوي، رئيس المجلس القروي لدير جرير، كيف احتشد المستعمرون بصمتٍ غريبٍ، ثم أنزلوا الجرافة وسط الطريق الرابط بين سلواد والدير.

ويوضح علوي متألمًا: «لاحقوا الحياة هنا بخبث؛ أغلقوا المدخل وأحكموا الحصار على السكان، ثم شرعوا في تجريف الأراضي حتى لا يبقى للفلسطيني مكان يعود إليه».

تركت عمليات التجريف آثارًا عميقة على الأهالي، إذ فوجئوا بأطنان من التربة تحاصر بساتينهم بلا إنذارٍ مسبق. تقول فاطمة غنيمات، التي كانت تملك قطعة أرض صغيرة لتأمين قوت أسرتها: «عندما جئت لأجدّ الماشية، رأيت الأرض مشتعلةً بالتربة، وكأنهم يريدون أن يدفنوا حاضرنا. لم أكن أتخيل أن يتجرؤ أحد على انتزاع لقمة العيش من يدي».

وبينما استمرت الآليات في حفر الأرض، توافد سكان دير جرير لمراقبة قلب مزارعهم، يحملون فوق أكفهم لهيب غضبٍ يرفض الخضوع. تردد صدى أصواتهم بين أكوام الأتربة: «لن نترك أرضنا. ستبقى شجرة الزيتون رمز صمودنا».

وفي الأفق بدا أن الحبر الملطخ على خريطة القرية قد تغير مسار الأحياء، ولكن عزيمة الأهالي تبقى ثابتة، تنبئ بأن زمام الأرض لم يزل في قبضة ساكنيها الأصليين.

مخطط (ج): الفلسطينيون أقلية

تُظهر البيانات الصادرة عن مركز الميزان الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريره الصادر بتاريخ 15 مارس 2025 أن محافظة رام الله والبيرة قد شهدت خلال الفترة من 1 مارس 2024 حتى 28 فبراير 2025 هدمًا لـ 350 منشأة سكنية وتجارية، وتعريض أكثر من 500 دونم للحرائق والتجريف برعاية قوات الاحتلال والمستوطنين.. إذ تهدف خطة التوسع الاستيطاني إلى ربط مستوطنات كتلة رام الله–البيرة ببؤر جديدة، تمتد من شمال سنجل حتى جبال البيرة الجنوبية، لتفصل شمال الضفة عن وسطها.

يستهدف مشروعُ «الطوق الاستيطاني» المحيط برام الله إقامة بلوك استيطاني ضخم يضم أكثر من 20 بؤرة استيطانية جديدة، ويستوطنها ما يزيد على 15 ألف مستوطن خلال السنوات الخمس المقبلة. ويؤكد محللون فلسطينيون وإسرائيليون أن الهدف هو تقليل الكثافة السكانية الفلسطينية في هذه المنطقة لتصبح أقلية في ديارها، مع قطع خطوط الاتصال المثلى بينها وبين باقي محافظات الضفة الغربية.

الاحتلال يصدر قرارات وضع يد على مساحات شاسعة، إذ تم اعتماد خطة ضمّ 30 دونمًا في شمال سنجل كمرحلة أولى، وفتح مناقصات لإنشاء طرق التوصيل للمستوطنات الجديدة، إلى جانب مخطط لربط بؤرة «موشاف هار جيلو» بمستوطنة «بيت إيل» عبر شبكة طرق معزولة، لتسهيل حركة المستوطنين وتأمينها.

مقالات مشابهة

  • هآرتس تهاجم رئيس دولة الاحتلال بسبب إذعانه لنتنياهو
  • وزير الإعلام الباكستاني: الهند تنوي شن هجوم خلال الساعات والرد سيكون حاسما
  • غوتيريش يدعو للتحلي بالشجاعة وتنفيذ حل الدولتين
  • في المنطقة «ج».. قلوب تنهار تحت مطرقة جرافة الاحتلال ولهيب الاسيتطان
  • محافظ الدقهلية: سرعة إنهاء طلبات المواطنين والرد على الشكاوى بالمركز التكنولوجي
  • رئيس البرلمان الإيراني يحذر من إشعال برميل بارود قد يفجر المنطقة كلها
  • فؤاد حسين: المنطقة على حافة الانفجار إذا فشل الحوار الأميركي الإيراني!
  • كاتس: لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي
  • وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الإيراني
  • غزة الفاضحة للجميع