مُـتـلازِمـة غَـزَّة- بقلم: أ. د. بثينة شعبان
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
لقد كانت الأشهر السبعة الأخيرة كفيلة بتغيير حياة معظم البشر في أرجاء العالم إلى حدّ كبير، فضلاً عن أنها، وبطريقة غير متوقعة، غيّرت العالم الذي وُلدنا ونشأنا فيه؛ فصار معظم البشر في أنحاء العالم، ولا سيما في العالم العربي، يشعرون أنهم باتوا غرباء في منازلهم بل وفي بلدانهم إذ إنّ ما يجري في غزّة من إبادة جماعية قد قوّض بصورة كليّة جميع المفاهيم والأفكار والسلوكيات والأسس الإنسانية التي تعلّمناها وتربينا ونشأنا عليها.
اعتدنا عند اندلاع أيّ حرب أو صراع أهلي أو عند وقوع كوارث طبيعية في أي مكان من العالم أن نراقب المجتمع الدولي ونشاهد ما سيقدم من مساعدة لإنقاذ الأفراد الذين سقطوا جراء النتائج السلبية للحروب أو الصراعات أو الكوارث الطبيعية أو المجاعات. لكن مع مرور الوقت ومع الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها شعب غزة الأعزل على وجه الخصوص والشعب الفلسطيني عموماً، تحوّلت ردود الأفعال الدولية من الدعوة إلى التدخّل العاجل إلى حالة من الدهشة والعجز والرهبة التي قد تصل إلى اليأس بصورة أو بأخرى.
لقد أدرك العالم أجمع قبل تاريخ السابع من تشرين الأول /أكتوبر 2023 الوضع المروّع الذي يعيشه الفلسطينيون منذ سبعين عاماً، ولا سيما حصار غزّة الذي وُصف بأنه أضخم سجن مفتوح في العالم. لكنّ أحداً لم يكن ليتخيّل كيف يمكن لآلة عسكرية ضخمة مدعومة ومموّلة من قبل أعتى قوّة عسكرية في العالم أن تُحاصر 2.2 مليون مدني فلسطيني وتدمّر المنازل فوق رؤوس أصحابها وتهدم المشافي كلياً، بما فيها من كوادر طبية ومرضى ومصابين. لم يكن أحد ليتخيّل استهداف الإعلاميين ممن يحاولون نقل حقيقة ما يجري في غزّة إلى العالم، ولم يخطر لأحد أن يتمّ استهداف النساء والأطفال فضلاً عن التركيز على قتل النساء الحوامل لتحقيق القتل المزدوج للمرأة وللجنين في رحمها. كذلك لم يخطر في بال أحد أن يتمّ استهداف العاملين الدوليين في منظمة الأونروا أو في المطبخ العالمي أو قتل أيّ شخص يحاول الحصول على المساعدات الإنسانية المخصّصة لسدّ رمق الأطفال الجائعين.
تلك الأعمال الوحشية غير المسبوقة التي يرتكبها العدوّ الصهيوني بحقّ أبناء فلسطين قد تركت العالم كلّه في حالة من الهلع، وأصابته بالشلل وعدم القدرة أو عدم الرغبة في اتخاذ أيّ إجراء. لقد برهن مجلس الأمن ومنظومة الأمم المتحدة برمّتها أنهما رهينان لمن يموّل عملياتهما. كذلك الأمر بالنسبة للآلية الكاملة الناجمة عن الحربين العالميتين، حيث أثبتت أنها تعمل في خدمة الطرف الذي يحقّ له استخدام حق النقض (الفيتو) ولا يتردّد في استخدامه بغية ضمان استمرار عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضدّ المدنيين العزّل المحاصرين والذين تشكّل نسبة النساء والأطفال منهم الغالبية العظمى.
لقد اكتشفنا جميعاً من خلال هذه العملية المروّعة أنّ كلّ ما سمعناه وتعلّمناه حول حرية الصحافة في الغرب ليس سوى أسطورة فحسب، وتبيّن لنا وجود غرفة تحكّم واحدة مسؤولة عن نقل ونشر وتوزيع جميع الأخبار والمصطلحات والمفاهيم في أنحاء العالم. كذلك أدركنا أنّ كلّ ما قرأناه من أدبيات حول الديمقراطية لا يساوي ثمن الحبر الذي كُتب به، وأنّ حرية التعبير وحقوق الإنسان ما هي إلا مواضيع لحوارات أكاديمية ومقالات بحثية تُبهر المؤلفين والقرّاء دونما أيّ أثر أو علاقة موضوعية لها بما يجري في عالم الواقع. لقد اكتشفنا أنّ العلاقات بين الدول تقوم على المصالح لا على المبادئ وأنه لا أحد مستعد للتضحية بمصلحة ما مهما كانت صغيرة مقابل مبدأ جوهري.
إنّ إدراكنا لكلّ هذه التفاصيل فضلاً عن تفاصيل أخرى أكثر أهمية وأشدّ إيلاماً يضع عالمنا اليوم، عالم القرن الواحد والعشرين، في حالة من الضيق حيث لم تعد هناك قيمة لأيّ فعل أو أيّ إسهام في كتابة أو قراءة ولا حتى في بذل أيّ جهد لتغيير المسار المرعب للأحداث. ولذلك ينبغي علينا اليوم أن نعمل بجد ليس فقط من إجل إنقاذ شعب فلسطين من الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها، بل أيضاً من أجل إنقاذ ما تبقى من ثقة في إنسانية البشر وفي قدرتهم على تغيير مجرى الأحداث بما يعيد للإنسانية احترامها وقدسيتها. لقد كرّم الله ابن آدم وأعظم شأنه فسخّر كلّ مخلوقاته لخدمته، وجعل الإنسان خليفته على الأرض، وحرّم تعالى قتل الإنسان بغير حقّ فقال في كتابه العزيز: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”. من هنا يتبيّن لنا أنّ إذلال بني البشر وقتلهم وإرغامهم من شأنه أن يُدخل العالم كلّه في نقق مظلم لا نهاية له.
إنّ رائحة القتل والموت المرعب في فلسطين تفوح لتصل إلى أنوف البشر كافة في كلّ مكان وفي جميع القارات والبلدان، وتحثّهم على بذل قصارى جهدهم لاستعادة احترام الإنسان وحقوقه وكلّ ما من شأنه أن يضمن كرامته وسعادته. أما آن لفترة الصدمة والذهول والرهبة أن تنقضي وأن يتحرك الضمير العالمي الحرّ في كل أصقاع الأرض ليعيد للبشرية ما فقدته من احترام لبني الإنسان ولحياته العزيزة والكريمة؟ إنّ الامتحان في غزة وفلسطين صعب ومؤلم وقاسٍ لكل الفلسطينيين والعرب ولكنه أيضاً امتحان لكل قاطني هذا الكوكب ومفصل تاريخي لن تكون الحياة بعده كما كانت قبله؛ فإمّا أن نستجمع كل طاقاتنا الخيّرة ونسير بها نحو الأحسن، أو أن ندع البشرية تدخل في نفق مظلم لا يعلم أحد أين يمكن أن تكون نهايته.
جريدة الوطن السورية
بثينة شعبان 2024-04-15Zeinaسابق جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترف بإصابة 4 من جنوده أحدهم بحالة خطيرة في انفجار لغم بمركبتهم قرب الحدود مع لبنان انظر ايضاً حقيقة المشهد بقلم: أ.د بثينة شعبانتكاد أخبار مشاريع القرارات في مجلس الأمن وتحرُّك المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة ولقائهم مع أطراف …
آخر الأخبار 2024-04-15إيران: جرائم الكيان الإسرائيلي تهديد حقيقي للسلم والأمن الإقليمي والدولي 2024-04-15الحرارة حول معدلاتها وضباب في المناطق الداخلية 2024-04-15قوات الاحتلال تعتقل ثمانية فلسطينيين في الضفة الغربية 2024-04-15زلزال بقوة 6.5 درجات يضرب بابوا غينيا الجديدة 2024-04-14شهداء وجرحى جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة 2024-04-14السفير الضحاك: الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يتحملان مسؤولية أي تصعيد بالمنطقة 2024-04-14نيبينزيا: اجتماع مجلس الأمن استعراض للنفاق والمعايير المزدوجة 2024-04-14لافروف وعبد اللهيان يبحثان هاتفياً تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط 2024-04-14بوليانسكي: العمى الانتقائي للغرب تجاه الشرق الأوسط لا حدود له 2024-04-14مجلس الأمن القومي الإيراني: الاحتلال الإسرائيلي سيتلقى رداً أقوى عشرات المرات إذا واصل أعماله الشريرة فيكم الخير
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر قانوناً بتعديل مادة من قانون مصارف التمويل الأصغر لتحقيق دعم أكبر للمشاريع الصغيرة 2024-04-13 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بإحداث جائزة تقديرية تسمى “جائزة الدولة التقديرية للشجاعة والعطاء” 2024-04-09 الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإعفاء المتأخرين عن سداد اشتراكاتهم لـ “التأمينات الاجتماعية” من الفوائد والغرامات 2024-04-02الأحداث على حقيقتها استشهاد 3 مواطنين بانفجار لغم من مخلفات الإرهاب بريف حماة 2024-04-12 وحدات من قواتنا المسلحة تستهدف تجمعات الإرهابيين في أرياف دير الزور و تدمر وإدلب 2024-04-07صور من سورية منوعات الصين تطلق قمراً اصطناعياً مزوداً بخزان مصنع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 2024-04-10 الإثنين المقبل.. أول كسوف شمسي كلي في أمريكا وكندا والمكسيك 2024-04-04فرص عمل تمديد فترة التقديم للاشتراك بمسابقة السورية للبريد لـ 21 نيسان الجاري 2024-04-14 السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة لشغل عدد من الوظائف بفرعها بدمشق 2024-03-12الصحافة مُـتـلازِمـة غَـزَّة- بقلم: أ. د. بثينة شعبان 2024-04-15 «وقتلُ شعب كامل مسألة فيها نظر».. بقلم: أ. د. بثينة شعبان 2024-04-08حدث في مثل هذا اليوم 2024-04-1515 نيسان- مهرجان أريرانغ في كوريا الديمقراطية للاحتفال بعيد ميلاد القائد كيم إل سونغ 2024-04-1414 نيسان 1976- تأسيس المنظمة العربية لأبحاث الفضاء عرب سات 2024-04-1313 نيسان 1966 – سقوط طائرة مروحية تقل الرئيس العراقي عبد السلام عارف تؤدي إلى مقتله 2024-04-1212 نيسان – يوم رواد الفضاء 2024-04-1111 نيسان 1919- تأسيس منظمة العمل الدولية 2024-04-1010 نيسان 1946- إجراء أول انتخابات في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: بثینة شعبان
إقرأ أيضاً:
عظمة فك غامضة تكشف عن سلالة بشرية عمرها 190 ألف سنة
كشفت تحاليل جزيئية حديثة أن عظمة فك سُفلي عُثر عليها قبالة سواحل تايوان تعود لما يُعرف بـ"إنسان الدينيسوفا"، وهو فرع غامض من سلالة البشر الأوائل، ولا يُعرف سوى القليل عن سماتهم التشريحية من ضمن مجموعة قليلة من المستحاثات النادرة التي عادة ما تظهر في الصقيع البارد من صحاري سيبيريا في قلب روسيا.
ويُعد هذا الكشف دليلا حاسما على وجود هؤلاء البشر في شرق آسيا، ورغم تعذّر استخراج الحمض النووي من العينة، فإن العلماء تمكنوا من تحديد نوعين من البروتينات داخل ميناء الأسنان (الطبقة الخارجية الصلبة التي تُغلف تاج السن)، وهي بروتينات سبق ربطها حصريا بالدينيسوفيين فحسب.
وأظهرت التحاليل أيضا أن العينة تعود لذكر، وذلك من خلال بروتينات مرتبطة بالكروموسوم "واي". وقد واجه الباحثون صعوبة في تحديد عمر العظمة بدقة نظرا لعدم إمكانية استخدام وسائل التأريخ التقليدية، إلا أن تحليل الأحافير الحيوانية المصاحبة يشير إلى أن عمرها قد يصل إلى 190 ألف سنة، مما يفتح المجال لاحتمال كونها أصغر أحفورة معروفة لإنسان دينيسوفا حتى اليوم.
وقد عاش الجنس الإنساني على الأرض قبل نحو مليونين و400 ألف سنة، ويعتقد العلماء أنه انتشر بشكل أساسي في جوانب قارة أفريقيا، ويضم عائلات مثل النياندرتال والدينيسوفان. وقبل نحو 500 إلى 600 ألف سنة ظهر البشر الحاليون، أو ما يسميه العلماء في هذا النطاق "الإنسان العاقل".
وتأتي أهمية هذا الكشف في كونه يوسّع النطاق الجغرافي المعروف لإنسان دينيسوفا، إذ تُعد هذه العينة رابع دليل أحفوري معروف حتى الآن، إلى جانب عينات من كهف دينيسوفا في سيبيريا، وكهف "بايشيا كيرست" في هضبة التبت، وربما كهف كوبرا في لاوس.
إعلانويمتد الفارق الجغرافي بين أقدم وأحدث هذه المواقع إلى نحو 4500 كيلومتر، مما يعكس قدرة هذه السلالة البشرية القديمة على التكيف مع بيئات متباينة تتراوح بين البرودة الجبلية في التبت والرطوبة الاستوائية في جنوب شرق آسيا.
ورغم تزايد الأدلة على انتشارهم، لا يزال إنسان دينيسوفا واحدا من أكثر فروع البشر القدماء غموضا، فقد عُثر على أول دليل لوجودهم مصادفة عام 2010 من خلال حمض نووي عُثر عليه في كهف بسيبيريا، وكانوا قد تزاوجوا مع الإنسان الحديث قبل أن يختفوا لاحقا لأسباب لا تزال غير مفهومة.
وتبقى البقايا الأحفورية المرتبطة بهذه السلالة محدودة للغاية، ومُقتصرة على شظايا من العظام والأسنان، دون أي هيكل عظمي مكتمل حتى اليوم، مما يعيق فهم شكلهم الجسدي أو أسلوب حياتهم بدقة. غير أن الدراسة الحديثة تُشير إلى أن فك الذكور لديهم كان عريضا، وأسنانهم كانت أكبر حجما من تلك الموجودة لدى الإنسان اليوم.
أما آخر أحفورة مؤرخة بالدقة العلمية فهي قطعة ضلع من كهف "بايشيا"، تعود إلى نحو 40 ألف عام، ورغم انقراضهم، فإن إرثهم الجيني لا يزال قائما وفقا لتحاليل الحمض النووي. فقد أثبتت الدراسات الوراثية أن بعض الشعوب في شرق وجنوب شرق آسيا تحمل آثارا من الحمض النووي لهم، وهو ما يُعد دليلا على تداخل الماضي السحيق في تشكيل الحاضر.