فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
الذي يصاب بمرض تنفسي معد كالأنفلونزا هل يُعذر من المجيء إلى المسجد وحضور صلاة الجماعة لأنه قد يسبب العدوى وينقلها إلى الآخر؟
القاعدة التي يستند إليها في مثل هذه الأحوال هو أن المريض معذور من شهود الجماعات فإذا كان مرضه معديا فمن باب أولى أن يرخص له في عدم شهود الجماعات ولكن بعض الأمراض الموسمية المعتادة غير مقصودة، إلا إذا كانت حالة المريض أو حالة من يصلي معه تكون عرضة لقلة المناعة فتكون نسبة أو احتمال الإصابة بالعدوى كبيرة فهذه أحوال تراعى.
لكن لا ينبغي في الأمراض المعتادة الشائعة كأمراض الزكام ونزلات البرد أن يضيق على الناس فمرد ذلك إلى المريض نفسه إذا وجد من نفسه النشاط والقوة لشهود الجماعات، ويمكن أن يضع الكمام كما تقدم وأن يتلثم ليمنع انتقال العدوى، هذه الأمراض الموسمية المعتادة المألوفة التي يمكن أن يصاب بها الإنسان من أي مكان، يمكن أن يكون من الشارع، أو في مكان عمله أو في مكان دراسته يمكن أن يكون ذلك في المسجد فهل يقال بامتناعه عن كل هذه الأماكن حتى يضيق عليه الحال في أمر المسجد فلا ينبغي ذلك.
لكن إذا كان هناك ما يدعو إلى الريبة من انتشار عدوى مرض ما هذا المرض يمكن أن يكون وباء كما حصل في جائحة كورونا أو أن يكون من الأمراض الخطيرة فنعم عندئذ يلزم بيته ولا يذهب إلى المسجد، إلى أن يمن الله تعالى عليه بالشفاء، كذا الحال بالنسبة للمصلين أن لا يضيقوا على من أصيب بشيء من هذه الأمراض الموسمية في أن لا يحضر المسجد وأن يعاتبوه لأنه يأتي إلى الجماعات فهذا أيضا مما لا ينبغي. ومن طبع الإنسان أنه إذا أثقله المرض فإنه يترخص ولا يذهب إلى المسجد مراعاة لنفسه ولغيره وإذا شعر بنشاط فلا مانع من الذهاب إلى المسجد.
لكن أن نصنف الأمراض ونقول إنفلونزا وغيرها هذا ليس من عمل الفتوى هذا مرده إلى أهل الاختصاص إذا كانت هناك أمراض تستدعي وفي انتشارها ما يقلق فحينئذ سيكون من عموم البلوى التي تعالج لا على مستوى الأفراد وإنما على مستوى المجتمع، والله تعالى أعلم.
في قوله تعالى «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قال الفخر الرازي بعد ذكر أقوال المفسرين «واعلم أن الأولى أن يحمل على الكل لأن جميع هذه الأمور مشتركة في قدر واحد وهو أن الإنسان يأتي بالفعل الذي لا ينبغي ويفرح به ثم يتوقع من الناس أن يوصفوا بسداد السيرة واستقامة الطريقة والزهد والإقبال على الطاعة»، هل يجوز طلب الحمد بما فعل؟
أظن أن ما ذكره الإمام الرازي يتعلق بسبب نزول هذه الآية الكريمة فإن فيها أقوالا عند أهل العلم فقيل بأنها نزلت في اليهود، واختلف في السبب هل لأنهم يكتمون ما أنزل الله ثم يظهرون عند الناس بأنهم القائمون بدين الله تبارك، ويقولون إنه يجوز طلب الحمد، وأنهم الأحبار والعلماء فيحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، أو أنها نزلت في عموم أهل الكتاب الذين أيضا يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى ويظهرون أنهم القائمون بدين الله وهم على خلاف ذلك، وهم مع هذا فإنهم يتطلبون الثناء والمدح من الآخرين، أو نزلت في المنافقين، ويقولون إنهم الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم جاءوا معتذرين فقبل عذرهم، فظنوا أن ذلك بمجز لهم ففرحوا بما لم يفعلوا.
هناك أقوال أخرى تدور حول مناسبة النزول أما معنى الآية الكريمة في هذا الجزء الذي يسأل عنه وهو قوله: « وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا» فأولا في الآية الكريمة هناك ثلاث خصال الخصلة الأولى أن هؤلاء الذين أصابهم الذم والوعيد في هذه الآية الكريمة كانوا معارضين للحق إما بكتمانه وإظهار ما سواه، أو بالتخلف عن مناصرة الحق، أو بالكيد للحق، وإذا كانوا معارضين للحق أو بالتخلف عن مناصرة أهله فهذا الفعل الذي فعلوه، ثم إنهم أظهروا خلاف ذلك وهذه مذمة ثانية ثم إنهم طلبوا أن يحمدوا على ما لم يفعلوا أن يحمدوا بحسن السيرة واستقامة المسلك هذه ثلاث خصال، وفي الخصلة الأولى والثانية ليس هناك إشكال فيما يتعلق بها بمعارضة الحق أو كتمانه عند الحاجة إليه فإن هذا الوعيد يشمل كل أحد سواء كان من أهل الكتاب أو من أهل هذه الأمة وكذا الحال بالنسبة للخصلة الثانية وهي أنهم كما تقدم يعتذرون أو يظهرون خلاف ما يبطنون فهذه أيضا من صور النفاق التي عليها وعيد شديد وتقبيح في هذا الدين.
بقيت الخصلة الثالثة «ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا» هي التي يشير إليها فهل هذا يؤخذ منه جواز الثناء والحمد على ما فعله الإنسان نعم لأن العتب هنا جاء على من يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبوا أنهم بمفازة من العذاب.
والوجه الأفضل اختصارا لتوجيه هذا القول هو ما ذكره صاحب المنار العلامة سيد رشيد رضا في تفسيره حيث قال إن حب الثناء هو قدر فطري في بني البشر وهذا الدين جاء مراعيا لهذه الفطرة وعلى هذا فإن الفعل الذي يحمد عليه صاحبه إذا لم يفض إلى عجب أو غرور ولم يترتب عليه خيلاء أو كبر ولم ينس حق المنعم والشكر له على ما تفضل به عليه وأداء حقه وأداء حق هذه النعمة فإن هذا القدر مأذون به في هذا الدين لأنه يكون سببا لمزيد من الثبات على الصلاح والخير والاستقامة ويكون داعيا إلى مزيد من الإحسان فهذا القدر مسموح به واستشهد بقول الله تبارك وتعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» فالاستبشار بهذا القدر والفرح بما فعله المسلم إذا خلا من العجب والغرور والخيلاء وتطلب السمعة والمراءة وإذا خلا مما يثبط الهمة عن الثبات والمواظبة على العمل الصالح ومناصرة الحق فإنه لا إشكال فيه وإنما الذم لمن يصيبهم العجب ويغترون بكلام الناس والثناء ثم يتطلبون ولو لم يفعلوا شيئا، فإنهم يتطلبون الثناء ويسعون إلى السمعة يطلبون المدح والحمد من الناس على ما لم يفعلوا ويتلذذون بذلك ويدفعهم هذا إلى الخيلاء والكبر على الناس وينسون حقوق المنعم ولا يستعملون النعمة في وجهها الشرعي وإنما يستعملونها في ملذاتهم وفي شهواتهم، فهذا هو المحذور في هذا الدين، فبهذا المعنى يتبين ما تدل عليه الآية الكريمة.
لكن هذا المعنى لا يعني أن هذه الخلال سهلت المنال لأن هذه النفس البشرية قد تجمح بهذا الشخص وتختلط عليه الأمور فيسيء من حيث يظن أنه يحسن أو يمكن أن يخالطه شيء من العجب فيتطلب ذلك في حين أن المطلوب أن يخلو قلبه من هذه الآفات وأن يكون حريصا على تتبع دواخل نفسه، بحيث لا يشوب نفسه شيء من هذه العلل والأمراض القلبية التي يمكن أن تصيبها، نعم فيحذر من ذلك أيما حذر فإذا هذا هو القدر المسموح به شرعا وذلك هو القدر المذموم والمتوعد عليه والله تعالى أعلم.
فنجد خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حينما قال «واجعل لي لسان صدق في الآخرين» نعم فهذا المعنى هو الذي يمكن أن نوجه به دعاء إبراهيم الخليل وهو دعاء عام ليس خاصا به، فهناك بعض الأدعية في كتاب الله عز وجل خاصة بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين صدرت عنهم مثل دعاء سليمان عليه السلام «..وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي»، وهذا ما أكدته سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال عليه الصلاة والسلام فتذكرت دعوة أخي سليمان في مسألة الجنية أو الشيطان أو الذي ربطه وقيله، نعم فلنعود الآن إلى دعاء الخليل أنه «واجعل لي لسان صدق في الآخرين» إنه دعاء عام يصلح أن يدعو به المسلم لكن بمثل هذا الوصف المتقدم هنا في دعاء الخليل إبراهيم المسألة أيسر على النفس، لأنه يطلب الثناء الحسن بعد وفاته، وهنا هذه الآفات التي قلنا بلزوم اجتنابها من العجب والخيلاء والاغترار وبطر النعمة وكفرانها منتفية، فيتجه الذكر الحسن إلى الدعاء وهذا ما حصل للخليل إبراهيم عليه السلام، لأنه لا يذكر إلا ويصلى ويسلم عليه، وأن ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وآله و سلم اقترن أيضا حين الصلاة والسلام عليه بخليل الله إبراهيم عليه السلام، واقترن أيضا بذكره بالخير، فهنا المسألة أوضح لكن قدر ما يخالط النفس من الرغبة في بقاء الثناء والذكر الحسن الجميل عند الناس هو الذي يتصل بمعنى هذه الآية الكريمة المقيد كما قلنا بخلو الحال من هذه الآفات والأدواء النفسية التي تقدم ذكرها والله تعالى أعلم.
ما الذي جعل عباد الرحمن يشفقون من الآخرة ويخافون يوما كان شره مستطيرا مع أنهم مسارعون في الخيرات ومنتهون عن ما نهى ربهم، كيف يحقق الإنسان الخشية الحق من الله بهذا؟
المقصود أنهم في قول الله تبارك وتعالى في سورة الدهر الإنسان « وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا» فهؤلاء في حياتهم الدنيا
مشفقون من عذاب ربهم خائفون وجلون فكما وصفهم الله تبارك وتعالى : « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ» فقلوبهم وجلة خائفة مع رجائها لله تبارك وتعالى لكنهم مع ذلك يملأ قلوبهم التعظيم لله عز وجل والخشية منه والخوف من عقابه فهذا الخوف، وإنما يدفعهم إلى الحذر وإلى تجنب مساخط الله تبارك وتعالى وإلى لزوم التقوى وبهذا يبلغون ما يبلغون في الآخرة فإنهم لا يركنون إلى الرجاء وينسون الخوف وإنما يوازنون بين الرجاء والخوف، يرجون رحمة الله تبارك وتعالى وفضله ويخافون عذابه ويخشون سوء العاقبة وبهذا امتدحهم الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وهذه الصفات التي امتدحهم بها هي التي على سائر المؤمنين أن يتحلوا بها إذا أرادوا السعادة والنجاة، والله تعالى أعلم.
ما حكم مساعدة الأم لأداء فريضة الحج لأن اسمها قد خرج في هذه الدفعة وليس معها المال الكافي، هل يمكن لبناتها أن يعطينها من زكاتهن للمساعدة على أداء الفريضة؟
ليتهن يتنافسن على برها وصلتها لا من زكاة أموالهن وإنما من أصل المال ثم بعد ذلك إن بقي لهن شيء يزكينه فيقمن بأداء الزكاة فتعطى الأم في هذه الحالة من أصل المال برا بها وصلة وإحسانا وقياما بحقها، أما أن تعطى من الزكاة لأجل الذهاب إلى الحج فلا لأن الفقير غير الواجد الذي ليست عنده النفقة لا يجب عليه الحج، فإذا كان لهذا الغرض إذا كان مستحقا للزكاة وهنا الحديث عن المستحق للزكاة، لا عن من يؤدي إليه الزكاة لأن في أداء الزكاة للوالدين زكاة الأولاد لأحد الوالدين أو لكلا الوالدين فيها حرج شديد، وإنما الاستثناء كان في الغرم في أن يكون أحد الوالدين غارما، نعم فمسألة الغرم مسألة مختلفة أما مسألة أن يكون من الفقراء والمساكين وتجب الزكاة على الأولاد، فيجب عليهم أن يقوموا بحق آبائهم وأمهاتهم لا من زكوات أموالهم أن يقدموهم على أنفسهم وأن يقدموهم على غيرهم لا أن يتركوهم في عوز وأن يكونوا هم من أهل الإيسار الذين تجب عليهم الزكاة.
والظاهر أن الحديث هنا عن زكاة الأموال يعني لا نتحدث عن صورة مثل أن تجب عليه زكاة في الأنعام ومعلوم أن صاحب الأنعام لنقول إن عنده 40 شاه سائمة، فيها شاه فهم لا يسألون عن مثل هذه الصورة لا واضح أن السؤال لأن كلفة الحج غالية والزكاة الواجبة عليهم يبدو أنها في ذهب ونقود أو في تجارة أو غير ذلك، يعني ليست من زكاة الثمار، لأنه قد يكون مزكيا ومستحقا للزكاة، لكن فيما يتعلق بالأموال أو النقدين فهذه الصورة قد تكون بعيدة جدا، فهذه نصيحتي لهؤلاء البنات أن يكن بارات بأمهن وإذا كان عندهن شيء من المال فليبادرن إلى بر أمهن والإحسان إليها، لا أعرف كيف سعت إلى التسجيل في نظام الحج لأنها معذورة وهذا مما ينبغي أن ينتبه إليه الناس هناك شروط لوجوب الحج على المكلف أولها الاستطاعة المالية وثانيها الاستطاعة البدنية وثالثها أمان الطريق، فإذا كان هناك شيء من هذه الشروط فلا يجب الحج على المكلف فيما يتعلق بالاستطاعة البدنية أيضا، بحسب صحة هذا المكلف واستطاعته على أداء المناسك لأنه يمكن اليوم بحمد الله تعالى بكثير من الوسائل أن يؤدي المناسك باستعمال هذه الوسائل والأدوات المساعدة لكن الحاصل أن شرط الاستطاعة البدنية شرط في الحج لكن هذه الاستطاعة، هي بحسب الأحوال والظروف أما النفقة الكافية للحج والكافية للعيال عند السفر، إذا كان ممن هو ملزم بعول عيال له فهذا شرط لا بد منه والله تعالى أعلم.
في مدارس رياض الأطفال يتم دفع رسوم تسجيل تصل إلى 100 ريال ولا يعود هذا المبلغ بعد اتمام التسجيل بمعنى أنه ان كل هذا المبلغ من أجل كتابة اسم الطالب وبياناته فقط لا غير هل يعتبر هذا المال حلالا؟
هي خدمة تقدم من هذه المؤسسة وجعلت لها هذه القيمة فلا نستطيع أن نقول إن هذا المال ليس بحلال فمن شاء أن يسجل في هذه المؤسسة فهذه الأسعار عندهم، فنعم إذا كانت هناك جهات إشرافية يمكن أن تتتبع هل هذه الأسعار في حدود المعقول أو أنها جزء من المنافسة بين هذه المدارس الخاصة ورياض الأطفال لكن الحاصل أنه من حيث التقعيد الفقهي فهذا للربح، ليس هناك حد وإنما تراعى أحوال الناس، إلا إذا كان هناك غرر يعني لم يكنوا يعرفون ثم بعد ذلك غرر بهم، أما إذا كانت هذه الأسعار معلنة لمن شاء وهم اختاروا التسجيل فهذا يعني أنهم رضوا بذلك وهذا رضا معتبر في العقد على هذه الخدمة المقدمة من رياض الأطفال أو من المدرسة أو المؤسسة التعليمية والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الآیة الکریمة علیه السلام إلى المسجد هذا الدین إذا کانت لا ینبغی یکون من یمکن أن إذا کان أن یکون فی هذا على ما فی هذه شیء من من هذه
إقرأ أيضاً:
ما حكم إذا تذكر الإمام بعد الصلاة أنه لم يتوضأ والمأمومون يرفضون إعادتها؟ مفتي الجمهورية يجيب
ما حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيا؟ يقول سائل: «صلينا العصر خلف الإمام، وبعد انتهاء الصلاة أخبرَنا الإمام أنه كان مُحْدِثًا ولم يكن متذكرًا حدثه عند الشروع في الصلاة، وانقسم المأمومون إلى قسمين: قسمٌ أعاد الصلاة مع الإمام، وقسمٌ لم يُعد؛ ونرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المسألة».
فال الدكتور نظير محمد عياد، مفتس الجمهورية، إنه إذا أخبر الإمام بعد انتهاء الصلاة أنه صلَّى بالمأمومين وهو مُحْدِثٌ فتلزمه هو الإعادة دونهم، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة خلافًا للسادة الحنفية، ومن أعاد صلاته من المأمومين ففعله صحيحٌ أيضًا ولا حَرَج عليه، وهو موافقٌ مذهب الحنفية، وننبه إلى أنه لا مجال لجعل المسائل الخلافية سبيلًا للانقسام أو الشقاق؛ إذ الجميع مأجور في مسائل الاجتهاد، وعلى من ابتلي بمثل هذا أن يتخيَّر من مذاهب الفقهاء المعتبرين ما فيه تأليف الناس واجتماعهم.
الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة
أكد مفتي الجمهورية، أن الطهارة شرطُ صحةٍ للصلاة لا تصح بدونها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يقول: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» رواه مسلم في "صحيحه"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه.
حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيًا
وتابع: من المقرَّر في صلاة الجماعة أنَّ المأموم مأمورٌ بالاقتداء بإمامه، وأنَّه إذا أخطأ الإمام فخطؤه عليه لا على المأموم، إلا إذا تيقَّن المأموم وتابعه عليه فالخطأ عليهما معًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» رواه البخاري في "صحيحه".
ونقل العلَّامة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" في شرح هذا الحديث (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [(فإن أصابوا) أي: في الأركان والشروط والسنن (فلكم) أي: ثواب صلاتكم كما أنَّ لهم ثواب صلاتهم، (وإن أخطئوا) أي: ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم كأن صلَّوا محدثين (فلكم) أي: ثواب صلاتكم (وعليهم) أي: عقاب أخطائهم؛ لأن على تستعملُ في الشرِّ، واللَّام في الخير].
وأفاد بأنه إذا صلَّى الإمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلم المأمومون بحدثه إلا بعد الانتهاء من الصلاة؛ فصلاة المأمومين صحيحة، ولا إعادة عليهم، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده، وبهذا قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلُّوا على ذلك بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مَقَامَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَنْطُفُ الْمَاءَ، فَصَلَّى بِهِمْ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.
حكم نقض الوتر وكيفية الصلاة بعده.. الإفتاء توضح حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيًا .. الإفتاء توضح ما حكم تغطية الجبهة في الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيبوفي رواية أخرى، عن أبي بكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ» رواه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "سننيه الكبرى والصغرى".
قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" معقبًا على حديث أبي بكرة رضي الله عنه (1/ 78، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى يجوز البناء عليه جاز سائر أجزائها، والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد، وإنما كُلِّفَ المأموم الظاهِرَ من أمره وليس عليه الإحاطة؛ لأنه يتعذر دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الظاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد وإن أخطأ فيه، ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام ولا عتب عليه إن عزب عنه علمهما] اهـ.
واستدلَّوا أيضًا بما جاء عن سليمان بن يَسَارٍ رضي الله عنه: أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه "صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلاَمًا، فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لاَنَتِ الْعُرُوقُ، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ ما كان في ثَوْبِهِ من احْتِلاَمَ، وَعَادَ لِصَلاَتِهِ" رواه الإمام مالك في "الموطأ".
قال الإمام أبو بكر ابن العَرَبي في "المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك" شارحًا لهذا الأثر ومستدلًّا به (2/ 211، ط. دَار الغَرب الإسلامي): [فإنّه صلّى بجماعة من أصحابه صلاة الصُّبح، ثمّ غَدَا إلى أرضِهِ بِالجُرفِ، فَوَجَدَ في ثَوبِه احتلامًا، فَغَسَل واغتَسَلَ، فأعاد صلاته وَحْدَهُ ولم يأمرهم بالإعادة، وهذا في جماعةٍ، ولم يُنكره واحدٌ منهم. ورُوِيَ عنه أنّه أفتى بذلك].
وقد تواردت عبارات الفقهاء على ذلك:
قال الإمام الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 124، ط. دار الفكر): [إذا صلى محدثًا ناسيًا للحدث؛ فإنه لا إعادة على مأمومه؛ للقاعدة المقررة: "أن كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه"] اهـ.
وجاء في "الحاوي الكبير" للإمام الماوردي الشافعي (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية): [إمام صلى بقوم ثم علم بعد فراغه من الصلاة أنه جنب فعليه الإعادة وحده، فأما المأمومون فلا إعادة عليهم إذا لم يعلموا بحاله قبل صلاتهم].
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 73، ط. مكتبة القاهرة): [مسألةٌ: قال: (وإذا نسي فصلى بهم جنبًا، أعاد وحده)، وجملته أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا، أو جنبًا، غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون، حتى فرغوا من الصلاة، فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة].
وذهب الحنفية إلى أنَّ الإعادة في هذه الحالة واجبةٌ على الإمام والمأموم؛ بناءً على أنَّ فساد صلاة الإمام يلزم منه فساد صلاة المأموم.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 144، ط. المطبعة الأميرية): [قال رحمه الله: (وإن ظهر أن إمامه محدث أعاد)، وقال الشافعي: لا يُعيد، وعلى هذا الخلاف: الجنب، والذي في ثوبه أو بدنه نجاسة.. ولنا: قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه».
وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أنه صلى بهم، ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بهم»؛ ولأن صلاته مبنية على صلاة الإمام والبناء على الفاسد فاسد].
المختار للفتوى في هذه المسألة
أبان: المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من صحة صلاة المأمومين إذا صلوا خلف إمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكِّرٍ للحدث، ولم يعلموا بحدثه وقت شروعهم في الصلاة، ولا تلزمهم إعادة الصلاة، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده؛ لما ثبت من فعل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وما أفاده وفهمه العلماء، ولكون ذلك أوفق للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين كما هو مقصد الشريعة الغراء.
ويترتب على ذلك أن من ترك الإعادة فلا حَرَجَ عليه وصلاته صحيحة، ومن أعادها من المأمومين فلا حَرَجَ عليه أيضًا؛ لموافقة فعله مذهبًا فقهيًّا معتبرًا وهو مذهب الحنفية، والـمُقرَّر أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف".