لجريدة عمان:
2025-03-15@09:48:46 GMT

إيلان بابيه على «هامش جاد»

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

ولد إيلان بابيه في حيفا المحتلة عام 1954 لأبوين يهوديين فارَّين من ألمانيا النازية. وظل حتى مطلع شبابه «إسرائيليًا تقليديًا» كما يقول، فأتم وهو في الثامنة عشرة من عمره خدمته الإجبارية في جيش الاحتلال على الجبهة السورية في الجولان، خلال حرب أكتوبر عام 1973. لكن ولعه بقراءة التاريخ هو ما قاده لتغيير قناعاته السياسية والفكرية تدريجيًّا، قبل أن يعلن انشقاقه عن المعسكر المنتصر منحازًا للمعسكر المهزوم والرواية الغائبة.

بدأ الأمر حين التحق بقسم تاريخ الشرق الأوسط في الجامعة العبرية. هناك حيث سينقِّب في الوثائق المتاحة بحثًا عن أثرٍ يدل على الفلسطيني الغائب، أو «العربي» الذي تركته النكبة شبحًا بلا رواية، بل بلا لغة يروي بها الرواية. ومن هناك سيقرر متابعة مشواره كمؤرخ، ولكن في جوٍّ أكاديمي آخر أكثر حرية وأقل تحيُّزًا، فقصد بريطانيا لإكمال دراسته العليا في أكسفورد التي فتحت له مناجم الأرشيف البريطاني وهياكله العظمية. وبعد سنوات على تلك الرحلة الاستكشافية، المضنية نفسيًّا وفكريًّا، قدَّم المؤرخ الإسرائيلي خلاصاته التاريخية عن عام 1948 في كتابٍ شاهدٍ استُقبل، عربيًا على الأقل، بشيء من التوجس في البداية، ولكن ما هي إلا فترة قصيرة حتى أصبح «التطهير العرقي في فلسطين» الصادر عام 2006 وثيقة اعتراف «شهد فيها شاهد من أهلها» إلى حد اتهامه من قبل «أهلها» بالخيانة، فكان ذلك الكتاب بطاقة عبور إلى شريحة واسعة من القرَّاء العرب الذين استقبلوا إيلان بابيه بحفاوة، خاصة بعد أن أصدر كتابه الآخر الذي يتناول «عشر خرفات عن إسرائيل» والذي أخذ بدوره شهرة واسعة.

غير أن كُتب إيلان بابيه ومواقفه المناهضة للصهيونية، ولفكرةِ إسرائيل من الأساس، لم تلغِ تحفُّظ فئة من القرَّاء ضده، أولئك الذين اعتبروا جوازه الإسرائيلي (الذي ما زال يحتفظ به) يمثل عائقًا «أخلاقيًا» في إمكانية التعاطي معه، حاله كحال أي مثقف إسرائيلي (تائب) يقيم في إسرائيل أو يحمل جوازها، تمامًا كما هو الحال مع المؤرخ الإسرائيلي توم سغيف الذي جلس قبل ثلاث سنوات إلى جوار آفي شلايم على منصة مهرجان جايبور الأدبي بالهند ليحاضر عن سيرة بن غوريون، مُعرِّجًا على «الفصول المعتمة» التي رافقت عملية اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم كشرط ضروري لقيام «دولة إسرائيل»، دون أن يتوقع سغيف إحراجًا عابرًا من معلِّقة هندية ستسأله على هامش الجلسة: «لولا بن غوريون، هل تعتقد أنك كنت ستجلس هنا كإسرائيلي»؟!

نعود إلى إيلان بابيه. فمنذ أن أعلن الناشط والصحفي اللبناني جاد غصن، الأسبوع الماضي، عن استضافة المؤرخ الإسرائيلي في مستهل حلقات برنامجه الجديد «هامش جاد» على قناة العربي، أُثير نفس الجدل الملتبس حول «التطبيع الثقافي» وانزلق الجدل في سياقه اللبناني إلى جدال عقيم. وربما، أو أتمنى كما تمنى جاد في تعليقه أن يكون ذلك الجدل مثيرًا بما يكفي لمشاهدة الحلقة، لعل البعض يتخفف من غلواء الأحكام المسبقة التي لا تصدر غالبًا إلا عن جهالة بالآخرين.

مع ذلك، يعجبني في إيلان بابيه أنه لا يتطلع لصداقة العرب بأي ثمن، كأن يسعى لملاءمة توقعاتهم عن أنفسهم أو عن أعدائهم؛ فهو كما يثير حنق الأوساط السياسية في إسرائيل بكشوفاته وتصريحاته المستمرة، حين يصرِّح مثلاً في ظل الاستنفار الإسرائيلي خلال العدوان الجاري على غزة بأن «الصهيونية أخطر بكثير على الشرق الأوسط من الإسلام السياسي»، نجده لا يتردد أو يخشى من إزعاج بعض الأردنيين حين يشير إلى ما كان من تحالف قوي بين الدولة الصهيونية وإمارة شرق الأردن في عهد الأمير عبدالله الأول. ولكنه في هذا الحوار، بصورة خاصة، يثير حساسية الناصريين حين يتحدث عن مفاوضات كانت قد دارت سرًّا في الخمسينيات بين الإسرائيليين وجمال عبد الناصر، دون أن يعرف عنها أكثر الناصريين تشددًا. يتقاطع هذا التصريح إلى حد ما مع تحقيق نُشر على عدد قديم من مجلة «المجلة» يعود إلى عام 1983، والذي يشير فيه المبعوث الأمريكي وليم بولك، المكلَّف بالاتصالات السرية بين عبدالناصر وكيسنجر في عهد إدارة نيكسون، إلى وثيقة سرية محفوظة في ملفات وزارة الخارجية الأمريكية، وهي عبارة عن مسودة اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل حظيت بموافقة الزعيم المصري الراحل، إلا أن كيسنجر لم يقابلها بالاهتمام في النهاية.

تكمن أهمية حوار جاد غصن مع إيلان بابيه في توقيته الساخن أولًا، بينما تواصل الدولة الصهيونية إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، هذا إلى جانب تأثيره الإعلامي كحوار مُصوَّر من بين الحوارات المصورة القليلة التي يستهدف فيها إيلان بابيه المشاهد العربي مباشرة، إضافة لتضمنه بعض التفاصيل المهمة التي لربما لم يسبق أن وقع عليها من قرأ كتاباته؛ كقوله بأن ألبرت حوراني، المؤرخ الإنجليزي ذا الأصل اللبناني والذي مثَّل الفلسطينيين أمام لجنة التحقيق الأنجلو-أمريكية عام 1946، كان المشرف بالصدفة على دراسته للدكتوراة في أكسفورد، وهذه معلومة مهمة قد نستشف منها تأثير الأستاذ العربي على طالبه الإسرائيلي، وليس العكس هذه المرة، الأمر الذي لا شك أنه حفَّز بطريقة أو بأخرى انقلابه الفكري على الصهيونية.

بسخرية مقتصدة ومهذبة يقول إيلان بابيه لجاد غصن بأن معظم الأكاديميين لا يتحلَّون غالبًا بالشجاعة؛ لأن الشجاعة أمام الحقيقة ستكلفهم خسارة المهنة، كما يعلل، وهذا الرأي كفيل بتفسير صمت الكثير من المثقفين الأكاديميين في إسرائيل عن الحقائق، بل وتماهيهم مع التضليل الرسمي، في حين اختار بابيه أن يدفع الثمن بالنبذ والتخوين إرضاءً للحقيقة التاريخية. وهنا يجدر التذكير بمحاضرة إدوارد سعيد عن علاقة المثقف بالسلطة، والتي ينصح فيها المثقفَ بلعب دور «الهاوي» والتخلي عن دور «المحترف» الملتزم بالاعتبارات الوظيفية التي تمليها تعاليم السلطة وحساسيتها.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إیلان بابیه

إقرأ أيضاً:

افتتاح معرض أم الإمارات بنيويورك على هامش اجتماع لجنة وضع المرأة

نظمت دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بوزارة الداخلية، معرضاً يحمل اسم "أم الإمارات -The Mother of the Nation"، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بالتزامن مع اجتماع لجنة وضع المرأة (CSW) المنعقد حاليا ويستمر حتى 21 مارس الجاري.
يأتي المعرض تكريماً لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات) رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية ويقدم جانباً من مبادرات ومشاريع النهوض بالمرأة الإماراتية وتمكينها وفق رؤية ودعم ومتابعة سموها بما تمثله من رمز للنساء حول العالم، من خلال مبادرات يتجاوز تأثيرها كل مجال ويمس روح الإنسانية.
ويهدف الحدث إلى تسليط الضوء على رؤية "أم الإمارات" في مختلف المجالات التنموية، بما في ذلك الاقتصاد، والأعمال، والتعليم، والسياسة، وتمكين المرأة والأسرة، والثقافة، والرياضة، بالإضافة إلى إبراز الإنجازات المميزة للمرأة الإماراتية، وقصص النجاح التي ألهمت الأجيال محلياً وعالمياً.
يعد المعرض "الأول من نوعه"، فرصة فريدة لاستعراض الدور الريادي للمرأة الإماراتية في المجتمع الدولي، وتكريماً لجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" في دعم وتمكين المرأة والأسرة على المستويات كافة.
ويشهد المعرض مشاركة نخبة من الشخصيات البارزة وصناع القرار والمختصين من مختلف دول العالم، مما يعزز الحوار العالمي حول تمكين المرأة والأسرة ودورها المحوري في التنمية المستدامة ويتيح للضيوف ورؤساء الوفود المشاركة في اجتماعات لجنة وضع المرأة للاطلاع على مشاريع سموها ومبادراتها الريادية في كافة المجالات.
وشهد الافتتاح كلمة لجلالة الملكة سليفيا، ملكة السويد، ألقتها نيابة عنها معالي باولينا براندبيرغ، وزيرة المساواة بين الجنسين في السويد وأكدت فيها أن معرض "أم الإمارات" يسلط الضوء على الإنجازات التي حققتها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك على صعيد تعزيز تمكين المرأة وحقوقها في دولة الإمارات العربية المتحدة والشرق الأوسط والعالم.
وأضافت أن تقدم حقوق المرأة والطفل مترابط بشكل عميق، حيث تم تأسيس منظمات متخصصة لتعزيز هذه الحقوق ومنها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في دولة الإمارات ومؤسسة الطفولة العالمية وعلى مر السنين، كان لي شرف مقابلة سموها وأذهلني شغفها والتزامها الثابت في هذا الشأن.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة استضافت قمة بعنوان "نحن نحمي" لإيجاد عالم رقمي أكثر أمانًا، وتفخر مؤسسة الطفولة العالمية بأن تكون جزءًا من هذه المبادرة، التي تدمج دور الذكاء الاصطناعي لضمان سلامة الأطفال، ولعبت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة في استضافة هذا التجمع المهم دورًا رئيسًا في نجاحه.
وأعربت عن إعجابها العميق بجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، متطلعة إلى مواصلة التعاون المشتركة لدعم المرأة والطفل في دولة الإمارات والعالم.
وألقت جلالة عزيزة أمينة ميمونة، سلطانة ولاية باهانج الماليزية، كلمة مسجلة في حفل الافتتاح، أعربت فيها عن تقديرها للدور المهم لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" في دعم المرأة والفتيات حول العالم، عبر مبادراتها لتمكين المرأة والنهوض بإمكانياتها، وتوفير كل السبل للعيش الكريم والاستقلالية، لتسهم في بناء أجيال الغد والمستقبل المشرق، والمشاركة الفاعلة في التنمية المستدامة.
وقال محمد عيسى أبوشهاب المندوب الدائم للدولة لدى الأمم المتحدة في كلمته بالافتتاح إن دولة الإمارات العربية المتحدة أدركت منذ تأسيسها الدور الذي لاغنى عنه للنساء والفتيات في دفع عجلة التقدم وتشكيل عالم أكثر سلامًا وازدهارًا واستدامة، وعلى هذا النحو، قدمت دولة الإمارات مجموعة من السياسات والتشريعات والبرامج التي تعزز مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية والهادفة، وإدماجها في جميع المجالات وتمكينها من القيادة والابتكار والازدهار.

وأضاف أنه استرشادًا برؤية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات"، تواصل المرأة الإماراتية تحقيق النجاحات التي تسهم في دفع بلدنا نحو مزيد من التميز ولعب أدوار قيادية في الدبلوماسية، مما يعكس التزامنا الأوسع بأجندة المرأة والسلام والأمن، وأهداف التنمية المستدامة.
وقال إن هذا المعرض يعد شهادة على طموح المرأة وإمكاناتها الكبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وحول العالم، ودعوة إلى العمل للمضي قدماً، وأوضح أن الطريق إلى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والفتيات طويل، فليكن هذا الحدث لحظة لتأكيد مسؤوليتنا المشتركة لبناء عالم يتاح فيه لكل امرأة وفتاة الفرصة للازدهار، مؤكداً أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستواصل العمل جنبًا إلى جنب مع الأمم المتحدة والشركاء العالميين لتحقيق هذا الهدف.
وقالت الريم الفلاسي، الأمين العام لمجلس الأمومة والطفولة بالدولة إنه عندما يُكتب تاريخ الأمم، فإنه لا يُسجل بالكلمات فحسب، بل يُحفر في القلوب، وعقول الأجيال، ويتردد صداه في النفوس التي تستلهم منه.

وأضافت:"نحن اليوم نثمن ونقدر مبادرات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك التي تعد نموذجاً للقوة وراء التطوير والتحديث، وإنه لشرف عظيم أن أقف أمامكم اليوم في هذا التجمع المرموق للاحتفاء بسموها، التي كرست حياتها من أجل دعم الآخرين ولم تكن خطواتها مجرد خطوات عادية ، بل كانت أسسًا وضعت بالتزام لا يتزعزع، وشكلت مستقبلًا تقف فيه المرأة الإماراتية اليوم رائدة في السياسة والعلم والاقتصاد، ومساهمة فاعلة في تقدم دولتنا".

 

أخبار ذات صلة سيف بن زايد: من قلب الأمم المتحدة يتألق اسم «أم الإمارات» «مجالس المبروكة» في الشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة

وأشارت إلى تأسيس سموها ودعمها للاتحاد النسائي العام عام (1975) والذي لم يكن مجرد تأسيس مؤسسة، بل كان فجر عصر جديد، تمكنت فيه المرأة من أن تصبح صانعة قرار ومؤثرة في مجتمعاتها، ومهندسة لمستقبلها وقالت إنه بينما  بينما نرى اليوم المرأة الإماراتية بمناصب قيادية وتتفوق في الاقتصاد بل وتبلغ الفضاء ندرك أن هذا الحلم لم يكن مجرد طموح، بل كان وعداً تحقق، ومساراً ممهداً، ورحلة لن تتوقف أبداً.
وقالت في ختام كلمتها: " إنني أقف هنا بفضل سموها تماماً كما تقف آلاف النساء اليوم متمكنات بفضل رؤيتها، إنها نبض هذه الأمة وضميرها الحي، ورمز العطاء المتواصل والقيادة التي تبني دون النظر إلى الوراء، وفي هذا المعرض الذي يحمل اسمها، لا نحتفل بإنجازاتها فحسب، بل نجدد التزامنا بمواصلة الرحلة، وحمل الشعلة التي حملتها ولا تزال للمضي قدماً نحو المستقبل".

 

 

 
 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • آثار الدمار في المبنى السكني الذي استهدفته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مشروع دمر بدمشق
  • الجيش: تسلمنا العسكري الذي اختطفته إسرائيل
  • بشأن دعم السولار.. بشرى سارة من الحكومة للمواطنين
  • افتتاح معرض "أم الإمارات" بنيويورك على هامش اجتماع لجنة وضع المرأة
  • افتتاح معرض أم الإمارات بنيويورك على هامش اجتماع لجنة وضع المرأة
  • تراشق الإتهامات بين كبار منتجي البيض حول ارتفاع الأسعار