لجريدة عمان:
2025-03-17@16:12:38 GMT

مكاشفة الذات

تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT

في عالمٍ تحكمه الصورة والضوء، يتوه الإنسان في معرفة الطريق الذي يسلكه، وتتبدى له بعض الأشواك زهرا، والأدغال المهلكة بستانا، والضباع كلابا؛ فعصر الصورة خلّاب يخلب العقول والأبصار، فتتسلل إلى الروح أدرانه، حتى تبتلعها فيغدو المرء في تيه لا ينقذه منه إلَّاهُ.

وما كان من الممكن إصلاحه بخطوات بسيطة بالأمس، يصبح شيئًا معقدًا متشابكًا اليوم، مما قد يستدعي العزلة الحقيقية ليستعيد المرء عافيته النفسية، وسلامته العقلية، وروحه المستلبة.

فكما أن لعصر الصورة مكتسبات عديدة، ليس أقلها أنها تبعث الهمة على فعل ما ينبغي فعله لينهض الإنسان بنفسه ومحيطه؛ فكذلك فيها ما يغري المرء بسلوك المنحدرات التي لم يعتد سلوكها، وخوض المستنقعات ليجتلب منها زهرة بريّة قد لا يجدها في خضم ذلك كله... فما العمل؟

«ماذا يجب أن تفعل حين لا تعلم ماذا تفعل؟ تحرَّ الصدق». هكذا يتحدث المعالج النفسي جوردان بيترسون في كتابه الشهير 12 قاعدة للحياة. استطرد استطرادا قصيرا هنا، فرغم معرفتنا وانكشاف صهيونية هذا المؤلف بعد أحداث السابع من أكتوبر، إلا أن في كتبه مما يُستفاد منه، كما أن في الكتاب نفسه من القرائن ما تدلل على علل المؤلف ذاته وموقفه السياسي الأيديولوجي، ولكن هذا لا يسوغ أن ننسف عمله أو علمه بالكامل، فهو إنسان يخطئ ويصيب، رغم خيبتنا الكبيرة بأن عقلا مثله لا يرى الوحش الصهيوني كما نراه. وقعت هذه العبارة في نفسي موقعًا أستحسنه وأتبناه، فهو موقفي من الثقافة والأشخاص على السواء، فلا يمكن بحال اعتبار الكذوب خيِّرًا، ولا الكذب خيْرا؛ بل هما على القدر ذاته من السوء.

إن الصدق مع الذات يتطلب شجاعة حقيقية، ولربما إحدى أكثر الشخصيات بروزًا اليوم ومثالا على الصدق مع الذات؛ هو جلال الدين الرومي العالم الفقيه الذي غدا متصوفا، بل غدا الأيقونة الملازمة للتصوف لا يذكر أحدهما دون الآخر. وقبله عالم العلماء حجة الإسلام (ألقابه التي استعملتها الدولة العباسية في عهد الوزير نظام الملك والخليفة العباسي أبي جعفر عبدالله) أبو حامد الغزالي، الذي كتب في أخريات حياته «المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال» وهو كتاب ماتع، صغير الحجم، عظيم الأثر، فيه من الصدق مع الذات والقارئ ما يستوجب التحية والإجلال لمؤلفه الكبير.

فالغزالي، كان في مكانة عالية سامقة يحلم بها كل من يريد حظا في الثراء والمكانة الاجتماعية، لكنه ضرب بهذين الأمرين عرض الحائط، واختار الصدق سبيلًا ومسلكًا؛ وصدق الغزالي صدقٌ مع الذات لذلك هو أصعب وأجدر بالاحتفاء، فحين انكشفت له ذاته، أبى أن يستمر في الطريق الذي يعدّه أصحاب المقياس النفعي تحقُّقًا اجتماعيًا واقتصاديًا.

ما مغزى هذا كله؟ «من الحكمة أن تبدأ بإجراء تغييرات بسيطة وتنظر إذا ما كانت تصنع فارقا. ولكن في بعض الأحيان، قد يكون تسلسل القيم بأكمله خاطئا، ويجب التخلي عن المنظومة بأكملها. يجب تغيير اللعبة بأسرها. وهذه ثورة، بكل ما تنطوي عليه الثورة من فوضى وفزع إنها ليست شيئا يمكنك الانخراط فيه باستخفاف، لكنها تكون ضرورية أحيانا. إن تدارك الخطأ يتطلب تضحية، وتدارك الخطأ الفادح يتطلب تضحية عظيمة. وتقبّل الحقيقة يعني أن تضحّي؛ وإذا كنت قد رفضت الحقيقة لفترة طويلة من الزمان، فأنت بذلك تثقل عاتقك بدين كبير من التضحيات المتراكمة على نحو خطير». جوردان بيترسون من الكتاب ذاته.

يتطلب النموُّ النقصَ أحيانا؛ فكي تدرك معنى الشبع، لا بد أن تجوع، ولن يدرك قيمة الماء المهدور إلا من أصابه الظمأ. ولأننا في رمضان، فحري بنا أن نكون صادقين في مواجهة أنفسنا والعالم على السواء، فنتحرى بتلك المكاشفة مع الذات مكانتنا الحقيقية في مقام التجرُّد من الزيف. ومن كتب الماتعة، الجزء السادس والثلاثون من «موسوعة القيم ومكارم الأخلاق العربية والإسلامية» الصادرة عن دار رواح للنشر والتوزيع، ومنها أقتبس بيت المعرّي الذي ورد في لزومياته:

أصدِّقُ وعدِي والوعيدَ كليهما

ولا خيرَ فيمن لا يُرى صادِقَ الوَعْدِ

لم يتبق على انقضاء الشهر الفضيل سوى أيام معدودة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، أيامٍ يستطيع المرء فيها التقاط أنفاسه ومراجعة نفسه وذاته، لأن ماراثون الحياة بعد رمضان؛ يتطلب جهدًا مضاعفًا ونيَّةً صادقة لا يفلّها الحديد. وإذا كان العمر يقاس بالأعوام، فإن الحياة الحقيقية تقاس بما فيها من صدق، فأن تختار ما تؤمن به، وكيف تعيش، وماذا تلبس وتأكل وتركب، لأجلك لا لأجل الآخرين؛ هي البداية الحقيقية لسلوك الحياة المتجردة من الأوهام، والعيش في اطمئنان وسلام.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مع الذات

إقرأ أيضاً:

عائشة كاي تفجر مفاجأة حول جنسيتها الحقيقية

فجرت الفنانة السعودية عائشة كاي التي لفتت الأنظار بموهبتها في مسلسل "شارع الأعشى" الذي يُعرض في رمضان 2025، مفاجأة حول جنسيتها الحقيقية.

ونفت عائشة كاي خلال مقابلة في برنامج "تفاعلكم" الأنباء المتداولة حول حصولها على الجنسية "الكندية"، مؤكدة أنها تنتمي لعائلة سعودية بالكامل، ولا تحمل أي جنسية أخرى.

لست كندية

عائشة كاي قالت: "لا أعلم سر التأكيدات حول حصولي على الجنسية الكندية، عشت في كندا فترة بالفعل، ولكنني سعودية أباً عن جد، ولا أنتمي لأي بلد آخر".
وصرحت الممثلة والكاتبة السعودية أنها كانت تقيم في كندا من أجل دراسة ابنها، الذي تخرج مؤخراً من الجامعة، مشيرة إلى أنها عادت للمملكة منذ ستة أشهر، لتقيم فيها بشكل كامل.

      View this post on Instagram      

A post shared by تفاعلكم (@tafa3olcom)

نجاح في "شارع الأعشى"

نجحت عائشة كاي في إثارة اهتمام الجماهير بعد ظهورها المميز في مسلسل "شارع الأعشى"، حيث جسدت دور "أم إبراهيم" في العمل بأسلوب بسيط وتلقائي، حصدت من خلاله الكثير من الإشادات.
وبالتزامن مع عرض المسلسل انطلقت على منصة "إكس"، موجة من التغريدات أثنت على أدائها، حيث وصفها المتابعون بأنها قدمت الدور بأسلوب سلس وعفوي، مع قدرة عالية على تقمص اللهجة البدوية النجدية.

      View this post on Instagram      

A post shared by Shahid (@shahid.vod)

إشادات المشاهير

وحظيت عائشة بإشادة واسعة من شخصيات بارزة في الوسط الفني والإعلامي، حيث أعادت الفنانة الإماراتية أحلام نشر تعليق الكاتبة السعودية وفاء الرشيد، التي أشادت بموهبتها قائلة: "أداء تلقائي، حضور واثق، يشبه النجوم الكبار.. تستحق الدعم كوجه سعودي فني محترم".

وردّت أحلام مؤيدة لهذا الرأي، مشيرة إلى أنها تترقب ظهورها في المسلسل، ما يُظهر مدى تأثير عائشة كاي في العمل الرمضاني الشهير.

صحيح كلامك د وفاء أنا كنت أتكلم عنها البارح ودخلت وعملت سيرچ وتمثيلها رائع وحقيقي بل انتظر دورها في المسلسل نعم تستحق الدعم والتشجيع ???????????? #عائشة_كاي https://t.co/w6tRA7TxBd

— A H L A M ~ ♥️ ~ أحلام (@AhlamAlShamsi) March 6, 2025

ولم تقتصر الإشادات على الجمهور، بل امتدت لتشمل نقاداً وكتّاباً بارزين، مثلاً الكاتب الكويتي فهد العليوة أشاد بتنوع أدائها، وكتب: "التلوين في نبرة الصوت، نظرة العين، حركة الجسد، الانتقال بين الهدوء والانفعال بسلاسة، دون مبالغة أو افتعال.. أبهرتني".

عائشة كاي .. من قدمت شخصية ( ام ابراهيم ) في مسلسل شارع الاعشى .. أبدعت ????????
التلوين في نبرة الصوت
نظرة العين
حركة الجسد
الانتقال بين الهدوء والانفعال بسلاسة
لا مبالغة ولا انفعال مصطنع ولا تلحين
ابهرتني .. #شارع_الأعشى pic.twitter.com/iUTDfP4IxR

— فهد العليوة (@FahadAlAliwa) March 6, 2025

لفتت انتباهي هذه الفنانة الشابة في مسلسل شارع الأعشى، وبعد البحث تبين لي أنها سعودية كندية تعيش في فانكوفر .. باختصار، مذهلة وينتظرها مستقبل كبير .. كيف لامرأة تعيش في أقصى الغرب، أن تقدم دور الأم السعودية القديمة بهذه العفوية والسلاسة ???????? pic.twitter.com/d8mcJpp15a

— عبدالله النعيمي (@AbdllahAlneaimi) March 5, 2025 من هي عائشة كاي؟

وُلدت عائشة كاي في السعودية، وانتقلت إلى كندا عام 2013، حيث درست التمثيل في فانكوفر وأصبحت عضواً في نقابة الممثلين الكندية.
وبدأت مسيرتها في السينما العالمية، حيث شاركت في أفلام كندية، من أبرزها "طريق الياسمين"، الذي رشحها لثلاث جوائز.
وتزايدت مشاركات عائشة كاي في السينما السعودية خلال السنوات الأخيرة، ومن أبرز أفلامها: "نورة" – أول فيلم سعودي يشارك في مهرجان كان السينمائي، و"صيفي" – فيلم تناول قضايا نفسية واجتماعية، وعُرض في صالات السينما عام 2024.

مقالات مشابهة

  • وزير الإعلام: مشروعنا الرياضي يتطلب التخلص من إعلام الأندية .. فيديو
  • عائشة كاي تفجر مفاجأة حول جنسيتها الحقيقية
  • التواضع والتكبر: بين قوة الصدق ووهم العظمة
  • بوركيني .. أحدث إصدارات هيئة الكتاب لـ مايا الحاج
  • فيلم اللّذة القاتلة.. إجازة عائلية تكشف عن أزمة الذات والتصدع الاجتماعي
  • موت الأسرار.. الكشف عن الذات في العصر الرقمي
  • عبدالله بن زايد: بناء مستقبل مشرق لأطفالنا يتطلب شراكة الأسرة والمجتمع
  • حمدان بن زايد: أطفالنا هم الثروة الحقيقية لمستقبل الإمارات
  • الإسكان: إطلاق التيار الكهربائي بعمارات سكن لكل المصريين ببني سويف الجديدة
  • الدراما اليمنية.. بين إثبات الذات وتجاوز التحديات