اللغة العربية في بوركينا فاسو.. إرث التاريخ وتحديات الحاضر
تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT
رغم أن جذور اللغة العربية في بوركينافاسو تعود إلى عدة قرون، فإن اللغة الفرنسية هيمنت طيلة عقود، بتأثير من الاستعمار، على التعليم والإدارة في البلد الأفريقي الذي يمثل المسلمون حاليا أغلبية سكانه، وفرض هذا الواقع هيمنة ثقافية على حساب الناطقين والمتعلمين باللغة العربية في بوركينا فاسو.
ومع عودة خطاب التحرر من آثار الاستعمار الفرنسي -الذي دام لأكثر من 6 عقود- إلى تصدّر الواجهة في معظم دول الساحل بمنطقة غرب أفريقيا، بما فيها بوركينا فاسو، وتوجه السلطات لإلغاء اعتماد الفرنسية لغة رسمية والإبقاء عليها فقط لغةَ عمل، وترسيم اللغات المحلية، تبرز من جديد مسألة اللغة العربية في بوركينا فاسو.
ارتبط انتشار اللغة العربية في منطقة غرب أفريقيا بدخول الإسلام وانتشاره، وأسهم هذا الانتشار في ترسيخ الثقافة العربية عن طريق التعليم الديني الذي اكتسب صيغة الإرث المعرفي المتناقل عبر الأجيال.
ويرى الباحث في مجال التاريخ ابّهاه عبد الله بوداديه أن بوركينا فاسو كانت تاريخيا "ضمن نطاق السودان الغربي وبالتالي فهي منطقة تتأثر بما يتأثر به الإقليم"، مضيفا أن "الإسلام دخل إلى منطقة غرب أفريقيا عموما خلال القرن الثاني الهجري".
ويؤكد الباحث أن "بعض الدراسات تذكر تأخر دخول الإسلام إلى بوركينا فاسو خصوصا إلى حدود القرن الخامس الهجري عن طريق التجارة عبر الصحراء، حيث إن التاجر كان يجمع بين سلعته والدعوة لدينه، وبالتالي فإن احتكاك التجار بالطبقة النافذة جعل الإسلام نخبويا، كما ذكر السعدي والبكري وابن خلدون".
وبخصوص العوامل التي أسهمت في انتشار اللغة والثقافة العربية في المنطقة، يرى بوداديه أن منطقة الغرب الأفريقي "لم تشهد التدوين إلا متأخرا، فثقافة المنطقة قائمة بالأساس على الثقافة الشفوية والتلقينية"، لافتا إلى أن هذا المعطى يجعل من الصعب تحديد تاريخ "انتشار الثقافة العربية فيها وهي ثقافة كانت مصاحبة فعلا لدخول الإسلام وإن كانت القوافل الشريان أو الجسر الذي عبرت من خلاله هذه الثقافة لتنتشر في عموم المنطقة".
ويضيف أن "من العوامل التي ساهمت في نشر الثقافة العربية والإسلامية انتشار الطرق الصوفية، التي توغل مشايخها في المنطقة، بالإضافة إلى نزوح بعض التجار الذين استقروا نتيجة طبيعة عملهم التجاري وكذا وفود القبائل العربية كبني هلال وبني سليم وبني معقل إلى موريتانيا التي تعد بوابة غرب أفريقيا".
وفي إطار سياستها الاستعمارية في بلدان أفريقية أخرى، تبنت فرنسا في حقبة استعمارها بوركينا فاسو سياسة تعتمد على ترسيخ اللغة والثقافة الفرنسية، لا سيما في مؤسسات التعليم والإدارة، في مقابل تهميش اللغات المحلية، ومحاولة إحكام السيطرة على تعليم اللغة العربية ومراقبته.
واعتمد تعليم اللغة العربية في بوركينا فاسو قبل الاستعمار الفرنسي على المدارس الدينية التقليدية، وبحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي بدأ إنشاء المدارس الحديثة لتعليم العلوم الشرعية واللغوية.
وقد بدأت المطالبات بإضفاء الطابع الرسمي على تعليم اللغة العربية في بوركينا فاسو مبكرا، حيث تمت المطالبة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين بإدراج العربية مادةً دراسية في مناهج التعليم الثانوي، إلى جانب المطالبة بالاعتراف بالمدارس العربية وتطويرها.
وتشير إحصائيات إلى أن عدد المدارس العربية في بوركينا فاسو بلغ في السنوات الأخيرة أكثر من 2500 مدرسة، تمثل نسبة 70% من مجمل المدارس الخاصة في البلاد، ونسبة 25% من مجمل المدارس الابتدائية.
تحديات مستمرةويعتبر الباحث في مجال التاريخ بوداديه أن من أبرز التحديات التي واجهت انتشار اللغة العربية في بوركينا فاسو ومنطقة غرب أفريقيا تاريخيا أن هذه المنطقة "كانت قصية عن العالم الإسلامي وأسهمت الظروف الطبيعية والمناخية في تأخر انتشار الإسلام والثقافة العربية فيها".
ويظهر أن هذا التحدي ما يزال قائما بصيغة أو أخرى؛ فضعف التواصل الثقافي بين منطقة العالم العربي ومنطقة غرب أفريقيا، يسهم في تراجع تأثير اللغة العربية على الثقافة والمجتمع في دول هذه المنطقة.
وينضاف إلى هذا التحدي تحد آخر يتمثل في غياب الاعتراف الرسمي ببعض المدارس العربية، حيث تشير إحصائيات إلى أن نحو 55% من المدارس العربية في بوركينا فاسو لا تحظى باعتراف الوازرة المشرفة على التعليم.
مرحلة جديدةويفتح مسعى إحلال اللغات المحلية في بوركينا فاسو محل اللغة الفرنسية باعتبارها لغة رسمية، والإبقاء على الأخيرة لغةَ عمل فقط، البابَ أمام تراجع نفوذ وهيمنة الفرنسية على التعليم والإدارة، مما يعني فرصة كبرى أمام اللغة العربية لحضور أكثر فاعلية داخل المجتمع البوركينابي، خاصة أنها لغة تتكئ على تراكم تاريخي راسخ عبر القرون.
ويأتي مسعى بوركينا فاسو فيما يتعلق بإلغاء رسمية اللغة الفرنسية بعد قرار مماثل اعتمدته جارتها مالي في دستورها الجديد، مما يؤشر على مرحلة جديدة من تراجع نفوذ الثقافة واللغة الفرنسية في بعض المستعمرات الفرنسية السابقة بمنطقة الساحل الأفريقي.
وتبقى فرصة تعزيز حضور اللغة العربية في بوركينا فاسو محكومة بشرط وجود توجه رسمي لإعادة الاعتبار للغة التي تمثل الحاضنة المعرفية للإسلام الذي يدين به أغلب سكان البلاد، ووجود جهد ثقافي يدفع باتجاه تنبي هذا المسعى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات منطقة غرب أفریقیا الثقافة العربیة المدارس العربیة اللغة الفرنسیة
إقرأ أيضاً:
7 أسئلة عن انتخابات كندا 2025 وتحديات ترامب
سيتوجه الكنديون إلى الانتخابات الفدرالية الشهر المقبل، في ظل حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
وقد أعلن رئيس الوزراء مارك كارني يوم الأحد عن إجراء الانتخابات، حيث يسعى إلى البناء على زخم حزبه الليبرالي منذ بداية العام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: الأميركيون غارقون في شبكة نظرية المؤامرةlist 2 of 2لوفيغارو: لماذا تبعد فرنسا هذا العدد الكبير من الأطفال عن عائلاتهم؟end of listويقول الخبراء إن العلاقات بين كندا والولايات المتحدة، والسعي إلى قيادة قوية لمواجهة التعريفات الجمركية والتهديدات بالضم التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد البلاد، ستشكل محور السباق الانتخابي الذي يستمر 5 أسابيع.
متى ستجرى الانتخابات؟ستُعقد الانتخابات البرلمانية يوم الاثنين، 28 أبريل/نيسان القادم.
ووفقا لقوانين الانتخابات الكندية، يجب أن تستمر الحملة الفدرالية لمدة لا تقل عن 37 يوما ولا تزيد عن 51 يوما.
ومع إعلان كارني عن الانتخابات يوم الأحد وتحديد موعدها الشهر المقبل، ستكون حملة هذا العام هي الأقصر المسموح بها قانونا.
كيف تعمل الانتخابات؟تمتلك كندا 343 دائرة انتخابية فدرالية تُعرف باسم الدوائر الانتخابية أو المقاطعات الانتخابية.
ويمكن للناخبين المؤهلين الإدلاء بأصواتهم لصالح المرشح المفضل لديهم في الدائرة التي يقيمون فيها.
وتعتمد كندا نظام "الفائز يحصل على كل شيء"، مما يعني أن المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته يفوز بالمقعد.
إعلانوسيتولى المرشح الفائز مقعده في مجلس العموم، وهو المجلس الأدنى في البرلمان الكندي.
من سيكون رئيس الوزراء القادم؟وفقا للنظام البرلماني الكندي، يُطلب من الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد في مجلس العموم تشكيل الحكومة.
إذا حصل حزب على أكبر عدد من المقاعد ولكن ليس بما يكفي لتحقيق الأغلبية المطلقة، فإنه يسعى إلى الاتفاق مع حزب آخر -أو أحزاب أخرى- لضمان تمرير التشريعات.
ويصبح زعيم الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد رئيسا للوزراء، حيث لا يصوت الكنديون بشكل مباشر لاختيار رئيس الوزراء.
ما الأحزاب المتنافسة؟يوجد في كندا 4 أحزاب سياسية فدرالية رئيسية.
ويتولى الحزب الليبرالي الحكم منذ 2015، وكان لديه 152 مقعدا في البرلمان عند حله. وكان الحزب بقيادة جاستن ترودو سابقا، لكنه استقال رسميا من منصب الوزير الأول في 14 مارس/آذار، مما أتاح لكارني تولي المنصب.
والحزب المحافظ كان المعارضة الرسمية لكندا، حيث حصل على 120 مقعدًا في البرلمان السابق.
ويقود الحزب المحافظ بيير بويليفر، وهو نائب من منطقة أوتاوا معروف بخطابه الشعبوي.
الأحزاب الأخرى في السباق– الحزب الديمقراطي الجديد (NDP): ذو توجه يساري، بقيادة جاغميت سينغ، كان لديه 24 مقعدا برلمانيا. دعم سابقا حكومة أقلية بقيادة ترودو، لكنه أنهى ذلك الاتفاق في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
– حزب الكتلة الكيبيكية (Bloc Québécois): يقدم مرشحين فقط في مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية، كان لديه 33 مقعدا في مجلس العموم، ويقوده إيف-فرانسوا بلانشيه.
– حزب الخضر الكندي (Green Party of Canada): كان لديه مقعدان فقط في البرلمان قبل حله، ولا يُتوقع أن يحقق مكاسب كبيرة في الانتخابات القادمة.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟حتى يناير/كانون الثاني الماضي، كان يُعتقد أن المحافظين لديهم طريق واضح نحو تحقيق أغلبية برلمانية.
لكن تهديدات ترامب ضد كندا، إلى جانب استقالة ترودو وصعود كارني كزعيم جديد للحزب الليبرالي، غيّرت المشهد السياسي. وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن الليبراليين إما يتقدمون على المحافظين أو يتساوون معهم في سباق متقارب للغاية.
إعلانوفقا لشبكة سي بي سي بول تراكر، التي تجمع بيانات الاستطلاعات الوطنية، حصل الليبراليون على 37.5% من الدعم، مقارنة بـ37.1% للمحافظين، وذلك يوم الأحد.
جاء الحزب الديمقراطي الجديد في المركز الثالث بنسبة 11.6%، يليه الكتلة الكيبيكية بنسبة 6.4%، ثم حزب الخضر بنسبة 3.8%.
وذكرت سي بي سي أن الليبراليين والمحافظين "متعادلان فعليا في استطلاعات الرأي الوطنية، مع تراجع الديمقراطيين الجدد إلى المركز الثالث بفارق كبير".
وأضافت الشبكة أن الليبراليين "من المرجح أن يفوزوا بأكبر عدد من المقاعد، وربما بأغلبية حكومية، إذا أجريت الانتخابات اليوم".
ما القضايا التي ستسيطر على السباق الانتخابي؟كانت أحزاب المعارضة -وعلى رأسها بيير بويليفر والحزب المحافظ- تأمل أن تتركز انتخابات 2025 على قضايا القدرة على تحمل التكاليف، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإسكان.
لكن تعريفات ترامب الجمركية وتهديداته بتحويل كندا إلى "الولاية الأميركية رقم 51" قلبت النقاش السياسي رأسا على عقب.
يقول الخبراء الآن إن السؤال الأساسي في الانتخابات سيكون: أي حزب هو الأكثر قدرة على التعامل مع ترامب وإدارة العلاقات بين كندا والولايات المتحدة؟
وقد أقر زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في كندا بمخاوف المواطنين بشأن سياسات ترامب، وتعهدوا بالدفاع عن سيادة البلاد.
* بقلم جيليان كيستلر-دامور