عين اللبناني دومًا على القطاع العقاري، يتطلّع كلّ شاب إلى امتلاك شقّة، لا تغنيه عنها خدمةُ الإيجار المتاحة، بصرف النظر عن مستوى بدلات الإيجار. عن حال القطاع العقاري وأسعار الشقق والأراضي تكثر الأسئلة، إذ يتحيّن بعض المدّخرين في خزنات منازلهم فرصًا وأسعارًا محروقة، تنتجها الأزمات كتلك التي نعيشها، أمّا الغالبيّة العظمى فتنتظر عودة القروض السكنيّة، من دونها لا يمكن لهذه الفئة أنّ تتملّك، من ضمنها من يتقاضون رواتبهم بالدولار، هؤلاء أيضًا عاجزون عن شراء الشقق، بصرف النظر عن قيمة مدخولهم الشهري، لأنّ الدفع كاش ودفعة واحدة.


السوق شبه مشلول ولكن
في السنة الخامسة على الأزمة الماليّة والإقتصاديّة في البلد، القطاع العقاري على حاله من الجمود، السوق متوقف، تحصل بيوعات عقاريّة، ولكنّها قليلة، ولا ترقى إلى مستوى النشاط العقاري، وفق توصيف الخبير العقاري المدير العام لشركة "رامكو للاستشارات العقارية" رجا مكارم في حديثه لـ "لبنان 24". نسأله عما يُتداول به لجهة معاودة الأسعار ارتفاعها رغم جمود السوق، فيجيب "بالفعل ارتفعت الأسعار، ولكن في بعض المناطق دون غيرها، في الواجهة البحرية حصلت عمليات بيع شقق بأسعار جيدة، وصلت إلى 70 و 75% من قيمتها التي كانت عليها عام 2019، ولكنّها بيوعات محدودة جدًّا، ولا تعني أنّ الأسعار عاودت الارتفاع إلى حدود 60%، إذ لا زلنا نعرض شققًا بـ 50% من قيمتها، ولا نجد من يشتري، وكذلك حال الأراضي لا تشهد عمليات بيع رغم أسعارها التي تراجعت إلى نصف قيمتها، علمًا أنّ الثقل في السوق العقاري يكمن في الأراضي أكثر من الشقق. والسبب أن من لديه المال ينتظر "لقطات" ولكن نشطت في الآونة الأخيرة سوق المحال التجارية، فشهدت ارتفاعًا في الطلب والأسعار، بعد أن وصلت إلى مستويات متدنيّة جدًا".
انهيار وشيك؟
رغم ما يعانيه القطاع من ركود كبير مرشح للاستمرار طالما الأزمة مستمرة، لم ينهار القطاع العقاري، ولم تشهد أسعار الشقق هبوطًا مدويًّا توقعه خبراء اقتصاديون، وذلك يعود لعدّة عوامل "في بداية الأزمة تحرّك القطاع العقاري، بعدما عمد عدد من المودعين إلى تهريب أموالهم العالقة في المصارف باللولار، فاشتروا عقارات في الأعوام الثلاثة للأزمة، بشيكات مصرفيّة، لتفادي حجز أموالهم في المصارف، وتكبّدهم هيركات وصل إلى 90%. وبذلك أظهرت الأزمة أنّ الاستثمار في القطاع العقاري مفيد وآمن، على خلاف الاستثمار في المصارف" يقول مكارم لافتًا إلى أسباب أخرى حالت دون انهيار القطاع، منها قلّة العرض وزيادة الطلب "في الواقع ليس هناك من ستوكات جديدة في العامين الماضيين، بحيث باع المطوّرون كلّ الشقق التي كانت مبنيّة، في الأعوام الأولى للأزمة. ومن يعرض اليوم، هم الذين اشتروا في العامين 2019 و 2020 بغية تهريب ودائعهم، ويعمدون إلى بيعها بأسعار مقبولة تعيد إليه 70% من أموالهم نقدًا، هؤلاء ليسوا بحاجة للبيع بل لاسترجاع قيمة أموالهم، من هنا ينتظرون سعرًا جيدًا".
اختلاف أسعار العقارات بين المناطق
"أسعار العقارات ليست نفسها في كلّ المناطق، في بيروت تتراوح الأسعار اليوم بين 50 و 75% من قيمتها التي كانت عليها عام 2019، وفق المكان والحجم ونسبة المعروض، وقد حصلت بعض العمليات في العاصمة استرجع أصحابها 75% من قيمة عقارهم. أما الأراضي فتتراوح بين 50و 60% مما كانت عليه. خارج بيروت هبطت إلى حدود 75% في بعض المناطق، ولكن كمعدّل وسطي تراجعت الأسعار إلى حدود 40 و 50% من قيمتها مقارنة بالعام 2019".
قروض مصرف الإسكان تحرّك السوق؟
يتحضّر مصرف الإسكان لاطلاق رزمة من القروض السكنيّة في الأشهر المقبلة، ولكنها تبقى قاصرة عن إحداث نشاط عقاري وفق مكارم "50 أو 100 مليون دولار لا تحرّك السوق العقاري المقدّر بالمليارات. ولن يستعيد القطاع ازدهاره سوى بالاستقرار السياسي، إذ لا يمكن لأيّ مستثمر أن يوظّف أمواله في لبنان سواء أكان لبنانيًّا أو من جنسيات أخرى في ظل الأوضاع السائدة. أمّا إذا خرجنا من الظروف الراهنة، وإذا ما انتهت الأزمة السياسيّة باتجاه بناء دولة، فمن الطبيعي عندها أن ينشط السوق العقاري، ولكن طالما لا بوادر حيال أيّ انفراج سيبقى السوق العقاري على حاله".
تأثير الحرب
ردًا على سؤالنا عن مدى وجود نشاط عقاري قبل الثامن من تشرين الماضي، أوقفته الحرب على الجبهة الجنوبيّة، يجيب مكارم بالنفي "وضع القطاع منذ عام ونصف العام لم يتغيّر، ولكن بطبيعة الحال، شكّلت الحرب الدائرة في الجنوب عاملًا سلبيًّا، جعل المستثمرين الذين كانوا يفكّرون بالاستثمار في القطاع العقاري يتراجعون، بانتظار أيام مضمونة أكثر، لاسيّما أنّ الوضع الأمني على الحدود غامض، وهناك تساؤلات حول مصير الحرب، وما إذا كانت ستتسع، لذلك لا يسمح المناخ السياسي والأمني باستثمارات عقاريّة".
توقّف القروض السكنيّة لم يُصب القطاع بالشلل فحسب، بل ضرب قدرة وأحلام الشباب بامتلاك الشقق، وانعكس سلبًا على العديد من القطاعات التي تحرّكها السوق العقاري من مواد البناء إلى المفروشات، ولعلّ البديل يمكن في إقرار قانون الإيجار التملّكي، ووضعه موضع التنفيذ.




المصدر: لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: القطاع العقاری السوق العقاری من قیمتها

إقرأ أيضاً:

نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان

إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.

التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا

لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.

واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.

أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟

إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:

تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.

تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.

سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.

المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين

من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.

هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.

إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.

التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟

إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.

إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • كاريكاتير د. علاء اللقطة
  • سلطات الاحتلال الصهيوني تستدعي أهالي 5 أسرى مقدسيين وتقتحم منازل آخرين
  • سباق الإعمار في ليبيا.. مبهج ولكن!
  • نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
  • كاتب صحفي: انتشار معارض أهلا رمضان دفع الأسواق الحرة لتقديم تخفيضات كبيرة
  • أسعار الشقق السكنية في مدينة الإسماعيلية الجديدة.. وكيفية الحجز
  • مجلس التجديد الاقتصادي يطلق مبادرة خفض الأسعار خلال شهر رمضان
  • الذهب رايح على فين؟ ارتفاع الأسعار بنسبة 25% خلال عام لم يحدث من قبل.. وحالة ركود في السوق بسبب الأسعار
  • سيارة هالاند الجديدة بعد تجديد عقده مع مان سيتي .. تزيد قيمتها عن 200 ألف جنيه إسترليني
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل