عربي21:
2025-04-29@03:11:01 GMT

رمضان وحمّى الاستهلاك في زمن الحضارة الماديّة

تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT

ليست صادمة تلكم الدّراسات والتّقارير المختلفة التي تفيد بأنّ استهلاك المسلمين في مختلف بلدانهم يزيد في شهر رمضان المبارك بنسبة 40 في  المئة عن استهلاكهم للطّعام والشّراب في غيره؛ هي غير مفاجئةٍ لأنّها معايَنَةٌ منّا جميعا ولأنّنا ألِفنا المشهد وتعاملنا معه على أنّه الحالة الطبيعيّة؛ غير أنّ الحقيقة تؤكّد أنّ هذه الزيادة ينبغي أن تكون صادمة لتفكيرنا وتدفعنا إلى إعادة حساباتنا في التّعامل مع الشّهر الكريم.



تأثير الحضارة الماديّة على شهر رمضان

حمّى الاستهلاك هي ثمرةٌ من ثمرات الحضارة المادية التي قادت المجتمعات عموما إلى الخضوع لمنطق الاستهلاك وخدمة الجسد، مع عدم الاعتراف بالرّوح أصلا والتمركز حول الجسد خدمة وغاية.

وقد أدّت هيمنة الحضارة الماديّة في الغرب إلى تحويل الأعياد الدّينيّة هناك كعيد الميلاد ورأس السنة إلى أعياد استهلاكيّة بحتة.

ونتيجة طغيان هذه الحضارة الماديّة وتأثيرها في بلاد المسلمين المغلوب على أمرها، أخذ شهر رمضان المبارك بالاصطباغ بصبغة الاستهلاك التي تكرّسها الحضارة الماديّة لخدمة الجسد الذي لا تعترف الماديّة إلّا به مكوّنا للإنسان.

ولذلك، فالصيام بوصفه عبادة تخدم الرّوح وتهذّبها عن طريق تقييد رغبات الجسد وشهواته يتصادم مع حقيقة الحضارة الماديّة.

وقد قال الشّيخ محمّد الغزالي رحمه الله تعالى في تجسيد هذا المعنى: "الصّيام عبادةٌ مستغرَبة أو منكورة في جوِّ الحضارة الماديّة التي تسود العالم. إنَّها حضارة تؤمن بالجسد، ولا تؤمن بالرّوح، وتؤمن بالحياة العاجلة، ولا تكترث باليوم الآخر! ومن ثمَّ فهي تكره عبادة تُقيِّد الّشهوات ولو إلى حين، وتؤدِّب هذا البدن المدلَّل، وتلزمه مثلا أعلى".

حمّى الاستهلاك تتنافى مع أَحد أهم المقاصد الرئيسة من الصيام، وهو بناء الرّوح وتغذيتها من خلال تعطيش وتجويع الجسد، فنرى النّاس في رمضان يستجمعون شهوات الطعام والشراب خلال النّهار ليطلقوا لها العنان عند أذان المغرب، وكأنّ رمضان غدا شهرا للتفنّن في إرضاء شهوات النفس من خلال تعدّد الأصناف والأطعمة وتكاثرها على المائدة، ليذهب الكثير منها هدرا بعد ذلك إلى سلّات القمامة
إنّ حمّى الاستهلاك تتنافى مع أَحد أهم المقاصد الرئيسة من الصيام، وهو بناء الرّوح وتغذيتها من خلال تعطيش وتجويع الجسد، فنرى النّاس في رمضان يستجمعون شهوات الطعام والشراب خلال النّهار ليطلقوا لها العنان عند أذان المغرب، وكأنّ رمضان غدا شهرا للتفنّن في إرضاء شهوات النفس من خلال تعدّد الأصناف والأطعمة وتكاثرها على المائدة، ليذهب الكثير منها هدرا بعد ذلك إلى سلّات القمامة؛ في مشهد يتناقض مع أبسط معاني العبادة عموما وعبادة الصيام على وجه الخصوص.

وممّا يزيد من حمّى الاستهلاك في رمضان المحاكاة والمنافسة اللّتان تؤثران على نفسية المستهلك حتى دون إرادته، فيندفع لاقتناء ما يقتنيه الآخرون تقليدا وتنافسا في الخضوع للمادة، بدل أن يذهب للتنافس والمحاكاة في بناء نفسه وقلبه والإكثار من عباداته التي تغذّي روحه وتهذبها.

وكذلك فإنّ الآلة الإعلاميّة قد لعبت دورا سلبيّا في إنتاج الحمّى الاستهلاكية المبنية على التقليد، وعلى تشجيع المتابع لها على اقتناء مختلف المنتوجات دون الاهتمام بجانب الجودة ودون مراعاة لإمكانياته المادية، كما عملت على تكريس فكرة أنّ رمضان هو شهر الطعام والشراب من خلال الانتشار غير المسبوق لبرامج الطبخ الرمضانيّة.

كيف جابَه الإسلام حمّى الاستهلاك في رمضان؟

إنّ من أهمّ مقاصد الصيام التي كرّسها الوحي هي كسر شهوات الجسد وعلى رأسها شهوتا الطعام والشراب، وجعل رمضان ميدانا للتعوّد على عدم الخضوع لهذه الشهوات. وقد بيّن الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدّين" أنّ الإنسان إذا بقي أكلُه في رمضان كما هو خارجه لم ينتفع بصومه، فماذا عساه يقول إذن عن الزيادة المفرطة وغير العقلانيّة التي تحدث في كميات الطعام في رمضان هذا الزمان؟

فها هو يقول: "روحُ الصّوم وسرّه تضعيف القُوى التي هي وسائل الشّيطان في العود إلى الشّرور ولن يحصل ذلك إلا بالتّقليل؛ وهو أن يأكل أكلَته التي كان يأكلها كلّ ليلةٍ لو لم يصم، فأمّا إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه".

إنّ خضوع الصّائمين لمنطق الحضارة الماديّة في تقديس الجسد وخضوعهم لحمّى الاستهلاك من خلال مضاعفة وتكثير كميّات الطعام والشراب في شهر رمضان؛ ما هو إلّا إفسادٌ لحقيقة الصّوم وتشويه لمعالم هذا الشهر الكريم.

مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المسلمين عموما من دعاة وكتّاب وإعلاميين في تحرير شهر رمضان من الخضوع لمنطق الحضارة الماديّة، وتحريره من حمى الاستهلاك التي أفسدته وشوّهت مقاصده، والعمل على نشر ثقافة جديدة تربي الإنسان على تحقيق مقاصد الصوم من خلال تقليل كميات الطعام لا تكثيرها، وتواجه ثقافة الاستهلاك المجنونة
وهذا الخضوع لحمّى الاستهلاك هو أحد مظاهر الإسراف المحرّم الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه الكريم، وقد جاءت الآيات تأمر بالأكل والشرب وتنهى عن الإسراف في الآية نفسها، في إشارةٍ إلى أنّ أكثر الإسراف يكون في المأكل والمشرب، وهو في هذا قبيحٌ ويكون أشد قبحا أن يكون الإسراف في الشهر الذي يفترض فيه تقليل كميات الطعام والشراب لا زيادتها؛ فقد قال تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".

وممّا يلفت النظر أنّ الله تعالى سبق النهي عن الإسراف بالأمر بالإنفاق في بعض الآيات كما في قوله تعالى: "كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، وفي ذلك إشارةٌ مهمّة إلى أنّ ما يبدّده المرء من الطّعام والشّراب من خلال الإسراف إنّما يكون على حساب الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي النفقات؛ فحمّى الاستهلاك إذن هي ضربٌ من ضروب الظّلم الاجتماعي الذي يطال شرائح من المجتمع هم أولى بهذا الطّعام والشّراب المهدور؛ وما أبشع أن يكون تضييع حقوق هؤلاء المحتاجين في شهر رمضان الذي يفترض أن يكون مساحة تدريبيّة يعيش فيها المسلم مشاعر هؤلاء الفقراء وآلام احتياجهم.

إنّ مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المسلمين عموما من دعاة وكتّاب وإعلاميين في تحرير شهر رمضان من الخضوع لمنطق الحضارة الماديّة، وتحريره من حمى الاستهلاك التي أفسدته وشوّهت مقاصده، والعمل على نشر ثقافة جديدة تربي الإنسان على تحقيق مقاصد الصوم من خلال تقليل كميات الطعام لا تكثيرها، وتواجه ثقافة الاستهلاك المجنونة لتعود لشهر رمضان روحه الحقيقيّة.

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رمضان الطعام الإسراف الصوم الطعام رمضان الصوم الإسراف مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الطعام والشراب کمیات الطعام شهر رمضان فی رمضان من خلال ة التی

إقرأ أيضاً:

شيرين عبد الوهاب تشعل جوجل: عودة قوية وأراء جريئة في دراما رمضان 2025

 


واصلت النجمة شيرين عبد الوهاب تأكيد مكانتها كواحدة من ألمع الأصوات في العالم العربي، بعدما تصدرت محركات البحث وتربعت على قمة التريند خلال الساعات الماضية. رغم مرورها بأزمات شخصية أثرت مؤقتًا على مسيرتها، إلا أن شيرين عادت هذا العام بقوة لافتة، مكرسة موهبتها الاستثنائية لجمهورها الممتد من الخليج إلى المحيط.

شيرين أبهرت محبيها خلال موسم رمضان 2025، حيث برز حضورها الغنائي في مسلسل "إخواتي"، الذي استعان فيه المخرج محمد شاكر خضير بعدد من أغنياتها، ما أضفى لمسة مميزة على العمل ونال إشادات واسعة. كما شاركت في حملة إعلانية ناجحة وأحيت عدة حفلات جماهيرية هذا العام، مما عزز من مكانتها وأثبت قدرتها على استعادة تألقها الفني.

وجاء تصدرها للتريند عقب نشرها تعليقًا عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّرت فيه عن إعجابها بعدد من مسلسلات رمضان. كتبت شيرين:
"حبايبي الغاليين، بجد انبسطت جدًا من اللي شوفته في رمضان 2025 من إبداعات فنية مميزة ومؤثرة، حابّة أوجه شكر خاص لصنّاع مسلسل إخواتي، وبالأخص السيناريست مهاب طارق والمخرج الكبير محمد شاكر خضير اللي دايمًا بيحط بصمته بحب وإبداع."

وأضافت:"كمان شكر كبير لمسلسل منتهي الصلاحية على الجمال والإبداع والرسالة العميقة اللي لمسَتني جدًا. ومقدرش أنسى مسلسل 80 باكو اللى فعلا فرّح قلبى ببساطته وضحكته اللي من القلب."

تفاعل الجمهور بشكل واسع مع منشورات شيرين، حيث حرص آلاف المتابعين على معرفة آرائها ومشاركتها التقدير، في تأكيد جديد على حبهم الدائم لها وانتظارهم المستمر لكل إطلالة جديدة تقدمها.

 

 

مقالات مشابهة

  • هل تغلف طعامك بورق الألومنيوم؟: إليك الأسباب التي قد تدمرك
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب
  • «الصين اليوم» يضيء على التراث الثقافي غير المادي في «أبوظبي للكتاب»
  • مشاهد لا تليق بالشهر الفضيل.. ليلى طاهر تبدي رأيها في دراما رمضان ٢٠٢٥
  • عاجل.. الأهلي يتمم اتفاقه مع محمد علي بن رمضان
  • محمد خميس: بستغل شهرتي لنشر تاريخ مصر.. وقارئ للحضارة الفرعونية من طفولتي
  • شيرين عبد الوهاب تشعل جوجل: عودة قوية وأراء جريئة في دراما رمضان 2025
  • ما قصة الحقائب المشبوهة التي نُقلت خلال اجتماع إمام أوغلو في أحد الفنادق؟
  • «اللي خلف مامتش».. نجل محمد رمضان يتصدر التريند بسبب «خناقة» في أكتوبر
  • سامح قاسم يكتب | غادة نبيل.. ظلال شاعرة لا تُسمّي نفسها