لاشك أنه إذا كان هناك أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام ، فينبغي الانتباه إليها والعلم بها لتجنبها وعدم الوقوع فيها، حيث إن صوم رمضان فريضة لا يجوز التهاون بها أو فيها، لما لها من فضل عظيم وثواب جزيل، لا يمكن لعاقل أن يفرط فيه ولو بقدر قليل، لذا ينبغي معرفة أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام للفوز به كاملاً فهو غنيمة وكنز من الكنوز الربانية.

جامع زوجته في نهار رمضان ولا يستطيع صيام 60 يوما.. علي جمعة يوضح الكفارة هل التفكير في الجماع بنهار رمضان يبطل الصيام؟.. انتبه لـ20 حقيقة أفعال في رمضان 

قال مركز الأزهر العالمي  للفتوى الإلكترونية، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم نهى الصائمين عن أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام ، ففيما ورد في صحيح البخاري (1894) وصحيح مسلم (1151)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فإذا كان يوم صوم أحدكم فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ».

وأوضح «مركز الأزهر» عن أفعال في رمضان تنقص ثواب الصيام في شرحه للحديث الشريف ، أن المعنى الإجمالي للحديث: في هذا الحديث النبوي العظيم: بشارة، وتحذير، وتربية وتعليم، فالبشارة: أن الصيام وقاية وسترة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات!، أو وقاية من الوقوع في المعاصي التي هي سبب الدخول في النار؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة، فيمتنع به الصائم عن مواقعة المعاصي، فصار كأنه جنة وستر دونها، حيث يكفّر الله تعالى به الذنوب، ويضع به الأوزار، ويستجلب به العفو والمغفرة.

وتابع: والتحذير: هو نهي الصائم ألا يتكلم الكلام الفاحش، ولا يفعل شيئًا من الجهالة المعيبة في حقه، والمنزلة من قدره، كالسخرية بالآخرين، أو الضحك بلا سبب، أو رفع الصوت على الآخرين، فهذا أعمال لا تليق بالصائم وجلالة الشهر الكريم، فقال الإمام القرطبي: (والجهل في الصوم: هو العمل فيه على خلاف ما يقتضيه العلم).

وأضاف: وأما التربية والتعليم: فإن الصائم إذا شتمه أحدٌ أو سبّه، أو جهل عليه، فلا ينبغي أن يندفع للانتقام لنفسه، أو الاستقواء بجاهه أو حسبه، بل يتذكر أن صيامه وقاية له من الوقوع في الخطأ، يمنعه من الردّ، ويعصمه من الزلل!، وقال الإمام الخطابي: (قوله: (فليقل إني صائم) يحتمل وجهين: أحدهما: أن يقول ذلك فيما بينه وبين نفسه، لئلا تحمله النفس على مجازاة الشاتم، فيفسد بذلك صومه، والآخر: أن يقول ذلك بلسانه، ليمتنع الشاتم من شتمه إذا علم أنه معتصم بالصوم، فلا يؤذيه ولا يجهل عليه).

وأشار إلى أن ما يستفاد من الحديث خمسة أمور، أولها الصيام نعمة عظيمة تقي المسلم من أوحال الشهوات، وثانيها الصيام يربي المسلم على القول الطيب والعمل الحسن، وثالثها يتجنب المسلم في صيامه كل أنواع الرفث والفسوق، ورابعًا الترفع عن النقائص أدب إسلامي، وخامسًا الجهل ليس من خصال المسلم.

ونبه إلى أن من صامه إيمانًا بالله ورسوله، واحتسابًا لأجره وثوابه عند الله - عز وجل - لا رياءً ولا سمعةً، محافظًا عليه مما يُنْقص ثوابه، من الغيبة والنَّميمة، وأكلِ أموال الناس بالباطل، غفر الله له ذنوبه، وأعدَّ له الثواب الجزيل، في جنات النعيم، ودخَلَها من بابٍ يقال له باب الرَّيَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون المحتسبون.

فضل صيام شهر رمضان

 قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه فيما أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وأوضح «مركز الأزهر» في شرحه للحديث الشريف عن فضل صيام شهر رمضان ، أن الصيام ومغفرة الذنوب ورد في المعنى الإجمالي للحديث، حيث شرع الله سبحانه على المسلمين المكلفين فرضية صيام شهر رمضان فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

و أضاف: "ورغبة في الحث على الصيام قد أودع الله سبحانه في شهر رمضان عديدًا من المنافع الدينية والدنيوية، ونلاحظ هنا في تعبير الحديث الشريف عن صيام رمضان وقيده بالإيمان، ليشكل صورة أدبية بليغة في كلمة واحدة، للدلالة على أن الصيام لا يقبل من الكافر مطلقًا، ولا يثاب عليه الفاسق، وإن سقط عنه الفرض، ذلك أن الأساس في قبول الأعمال هو الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الطاعة المطلقة لهما".

و استشهد بقوله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»، وهذا سر تخصيص الخطاب بأهل الإيمان في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ومعنى قوله إيمانًا: أي: مؤمنا بالله ومصدقا بأنه تقرب إليه (واحتسابا)، أي: محتسبا بما فعله عند الله أجرا لم يقصد به غيره.

وتابع: "قال القاري: أَيْ طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ إِخْلَاصًا أَيْ بَاعِثُهُ عَلَى الصَّوْمِ مَا ذُكِرَ، لَا الْخَوْفُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى احْتِسَابًا اعْتِدَادُهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَأْمُورِيَّةِ مِنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَعَنِ النَّهْيِ عَنْهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِ، طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِهِ، غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهُ، وَلَا مُسْتَثْقِلَةٍ لِصِيَامِهِ، وَلَا مُسْتَطِيلَةٍ لِأَيَّامِهِ. وأسلوب الشرط هنا قد جاء ليثير انتباه القارئ، ويحرك عواطفه ومشاعره، فتستقر معاني الحديث وقيمه الخلقية، في أعماق النفس إيمانًا وتصديقًا وإخلاصًا، ابتغاء مرضاة الله عز وجل".

وأشار إلى أنه مما يستفاد من الحديث: أولا فرضية صيام شهر رمضان على العاقل البالغ المكلف، وثانيًا فضل الإيمان واشتراطه لقبول الأعمال الصالحة، وثالثًا احتساب الأجر عند الله تعالى من علامات القبول، ورابعًا بلاغة الأسلوب النبوي في الحديث الشريف، وخامسًا ظيم فضل الله تعالى الواسع وإنعامه السابغ. 

فضل صيام رمضان

خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها: أولًا: أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي».

ثانيًا: إن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ».

ثالثًا: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك».

رابعًا: إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

خامسًا: إن من صام يومًا واحدًا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عامًا، كما ثبت في البخاري (2840)؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوْمًا في سبِيلِ اللَّهِ إلاَّ بَاعَدَ اللَّه بِذلكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سبْعِين خريفًا».

سادسًا: إن الصوم جُنة «أي وقاية» من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنة»، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال».

سابعًا: إن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم ( 144 ) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

ثامنًا: إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما روى الإمام أحمد (6589) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ».

فضل شهر رمضان

أولًا: خص الصائمين بباب في الجنة يُسمى باب الريان، وحتى يحصل الأجر العظيم ينبغي للصائم اجتناب أعمال السوء كلها، والبعد عن الرفث والفسوق، مصداقًا لِما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ).

ثانيًا: فيه ليلة القدر: فقد فضّل الله -تعالى- شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة عظيمة، تُغفر فيها الذنوب والآثام، وتتضاعف فيها الأجور، مصداقًا لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، بالإضافة إلى ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبِهِ).

ثالثًا: شهر العتق من النار، و العتق من النار أسمى أمنيات المسلم، لا سيما أن العتق يعني اجتناب عذاب النار، ودخول الجنة، ومن فضل الله -تعالى- ورحمته بعباده أنه يصطفي منهم في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، مصداقًا لِما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ).

رابعًا:  شهر نزول  القرآن الكريم، من أعظم فضائل شهر رمضان المبارك أن الله -تعالى- اصطفاه من بين شهور العام وأنزل فيه  القرآن الكريم، مصداقًا لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ  الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، بل إن جميع الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان، مصداقًا لِما رواه واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أُنزلتْ صحفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ، وأُنزلتِ التوراةُ لستٍّ مضتْ من رمضانَ، وأُنزل الإنجيلُ بثلاثِ عشرةَ مضتْ من رمضانَ).

خامسًا: من فضائل شهر رمضان أن فيه صلاة التراويح، لا سيما أن الإجماع انعقد على سنيّة قيام ليالي رمضان، وقد أكّد الإمام النووي -رحمه الله- أن المقصود من القيام يتحقق في صلاة التراويح، وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قيام رمضان مع التصديق بأنه حق، واعتقاد فضيلته، والإخلاص بالعمل لوجه الله تعالى، واجتناب الرياء والسمعة، سبب لمغفرة الذنوب، حيث قال: (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ).

سادسًا: اختص الله -تعالى- شهر رمضان بأن تُفتح أبواب فيه الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتصفّد الشياطين عند دخوله، كما ورد في الحديث الذي رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).

سابعًا: شهر الجود في كل شيء، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان أجود ما يكون في شهر رمضان.

ثامنًا: رمضان من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُكرم الله فيه عباده بالعديد من الكرامات، ويعطيهم المزيد من فضائل رحمته وعطياه؛ فصيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، حيث صامه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-، وأمر الناس بصيامه، وأخبرهم أن من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما حث فيه على المبادرة إلى التوبة من الذنوب والخطايا، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجميع الأخلاق التي تُرضي الله، وتُقرب العبد من ربه.

تاسعًا: العمرة في رمضان ثوابها مضاعف، وقد أخبر رسول الله أنّ العمرة في رمضان تعدل الحج في الأجر والثواب.

عاشرًا: الصدقة في رمضان أجرها عظيم، فقد كان رسول الله أجود الناس في رمضان.

أحد عشر: من فضائل الصيام أن الله -تعالى- قد أضافه إليه، فكل أعمال العباد لهم، إلا الصيام فهو لله وهو يجزي به، وقد قال العلماء في سبب اختصاص الصوم بهذه المزية أنّه من الأعمال التي لا يقع فيها الرياء، وقيل لأن الله هو فقط العالم بمقدار ثوابه ومضاعفة حسناته، وهو من أفضل الأعمال التي لا مساوي لها عند الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي أمامة الباهلي: (عليك بالصَّوم فإنَّه لا مثل له)، وهو وقاية من شهوات الدنيا، فيمنع صاحبه من الوقوع في الشهوات والمعاصي، وهو وقاية من عذاب الآخرة كذلك.

اثنا عشر: يحصل الصائم على أجر الصبر على طاعة الله، والصبر في البعد عن المعصية، والصبر على ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس، وفيه يكفر الله الخطايا والذنوب، ويشفع لصاحبه يوم القيامة، ويدخله الجنة من باب الريان، ويعيش الصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، وإنّ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقد بشّر رسول الله بأنّ دعوة الصائم من الدعوات المستجابة، فقال: (ثلاثُ دعواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلُوم، ودعوةُ المسافر). 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: أفعال في رمضان في رمضان فضل صيام شهر رمضان فضل صيام رمضان صلى الله علیه وسلم صیام شهر رمضان قال رسول الله رضی الله عنه مرکز الأزهر الله تعالى الوقوع فی مصداق ا ل من النار عند الله ى الله ع ما رواه أنه قال إیمان ا ع ل ى ال الله أ ل الله عز وجل ر الله

إقرأ أيضاً:

هل نيل مصر له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟.. "الإفتاء" توضح

أوضحت دار الإفتاء المصرية ردا على تساؤل ورد إليها حول هل ورد أن "نيل مصر" له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟

قائلة عبر فتوى تحمل رقم “7683”:- نيل مصر أفضل الأنهار في هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق؛ وقد وردت الآثار والأخبار التي تُقرِّر وتُبيِّن ذلك.

مفهوم التفضيل في الشرع

جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيف يشاء؛ فمن البشر: فضَّل الأنبياء والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكة المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان على ما ورد فيه التفاضل بينهما، ومِن الشهور: فضَّل شهر رمضان على ما عداه من الأشهر، ومِن حيث الليل فضَّل ليلة القدر على سائر الليالي، ومِن حيث النهار فضَّل وقفة عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّل جبل الطور بتجليه، وجبل أُحُد؛ لما جاء فيه مِن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» متفقٌ عليه، ومِن الأنهار: فضَّل نهر النيل.

وهو نهرٌ تاريخي يتدفق في شمال شرق إفريقيا، استمدَّت منه أممٌ كثيرة حضاراتها ورقيَّها، ومنها الحضارة المصريَّة؛ حيث يُعدُّ المصدر الأكبر فيما لها مِن الثروات والرخاء؛ كما جاء في كتاب "نهر النيل" لمحمد عوض (ص: 3، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر).

 

أفضلية نهر النيل

وممَّا يُعلم به أفضلية نهر النيل على غيره من الأنهر أمور عديدة، منها:

- أنه النهر الذي تفرد بشرف الذِّكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها ما هو بالنص عليه والتصريح، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح.

فأما ورود ذكره في القرآن الكريم تصريحًا: فقد ذُكر نهر النيل باسم "اليم" -وهو لفظ عبراني يقصد به نهر النيل- ست مرات في القرآن الكريم، لبيان فضله مِن أنه آية من آيات الله تعالى ينجي بها عباده الذين اصطفى؛ وذلك فيما ذُكر في قصة سيدنا موسى عليه السلام، حيث كان نهر النيل هو الوسيلة التي اتخذتها أمُّ موسى بوحي من الله تعالى لنجاة ابنها، حيث حمله النهر إلى قصر فرعون سالمًا محفوظًا؛ حيث قال الله تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ۝ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38-39]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].

قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (9/ 75، ط. الدار التونسية): [أطلق (اليم) على نهر النيل في قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾] اهـ.

وأما وروده في القرآن الكريم إشارة وتلميحًا: فقد وردت الإشارة إلى أنَّ نهر النيل في مصر مما يُستدل به على قدرة الله تعالى المطلقة وإعجاز خلقه في كونه، حيث يحدث به ظاهرة فيزيائية عجيبة وهي التقاء مائه العَذْب بماء البحر المالح، دون أن يمتزجا، فيظل ماؤه عذبًا رغم سريانه بالماء المالح، ولا تفسير لذلك إلا إطلاق قدرة الله تعالى وخالقيته، وتقع هذه الظاهرة في مدينة "رأس البر" بمحافظة دمياط حيث يشق أحد أفرع نهر النيل البحر المتوسط في منطقة تسمى "اللسان" وفي مشهد مبدع مميز مصدق لقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 53]، وقول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: 61]، وقول الله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝  بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: 19-20].

قال  الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (4/ 128، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل، وبالبحر الملح البحر الكبير، وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية] اهـ.

وقال العلامة النيسابوري في "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (5/ 250، ط. دار الكتب العلمية): [لعل المراد من البحر العذب الأودية العظام؛ كالنيل والفرات وجيحون، ومن البحر الأجاج البحار المشهورة، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض، ووجه الاستدلال على هذا الوجه أن يقال: العذوبة والملوحة إن كانتا بسبب طبيعة الأرض أو الماء فلا بد من الاستواء، وإلَّا فلا بد مِن قادر مختار يخص كلَّ واحدٍ مِن الماءين بصفة مخصوصة] اهـ.

وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (29/ 351، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أي: أرسل بعضهما في بعض وهما عند الإرسال بحيث يلتقيان أو من شأنهما الاختلاط والالتقاء ولكن الله تعالى منعهما عما في طبعهما] اهـ.

وقد وردت الإشارة إليه أنه من النعم التي تفضل الله تعالى بها على عباده من أهل مصرإلى الحد الذي يُعَدُّ معه خروجهم منها ومفارقتهم لنيلها من العقوبة التي يعاقبهم بها الله تعالى، وفي ذلك حثٌّ على دوام شكر الله تعالى وحمده على ما امتنَّ به على مصر من نعمة نهر النيل.

قال الشيخ أبو زهرة في "زهرة التفاسير" (10/ 5360، ط. دار الفكر العربي): [الجنات -هي مصدر ذاتها، فكأنها لعموم زرعها وثمارها، وأنها في وسط الصحاري من حولها شرقًا وغربًا، كأنها جنات في أعلاها وأدناها، وعيون، جمع عين، وهي الماء الثَّرُّ النابع من جوف الأرض، وفي ذلك إشارة إلى نيلها السعيد الذي يجري من أعلاها لأدناها، وقد كانت الآبار بين مصر وليبيا، تجري فيها عيون الماء، فتخصبها، وكانت الأرض بينها وبين تونس، وكانت تسمى إفريقيا، وكانت أرضها مملوءة في باطنها بالمعادن والفلزات، وكنوز من سبقوهم من الفراعنة] اهـ.

- وأنه النهر الذي تفرَّد بكثرة النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين في ذكر أفضليته، ومن ذلك:

ما روي عن يزيد بن أبي حبيب، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار: "هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال: إي، والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله أن الله يوحي إليه في كلِّ عام مرتين يوحي إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدا". ذكره العلامة ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص: 177، ط. مكتبة الثقافة الدينية)، والعلامة الأصبهاني في "الطيوريات" (3/ 1098-1099، ط. مكتبة أضواء السلف)، والعلامة جمال الدين بن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/ 33، ط. دار الكتب المصرية)، والإمام السيوطي في "حسن المحاضرة" (2/ 341-342، ط. الحلبي)، وذكره بلفظ: "يا نيل عُدْ حميدًا".

وما روي عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من أنه قال: "لمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خَلَتْكِ يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك". فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة؛ ذكره العلامة المؤرخ ابن زولاق في "فضائل مصر وأخبارها" (ص: 9-10، ط. مكتبة الخانجي)، والعلامة الشهاب النويري في "نهاية الأرب" (1/ 347، ط. دار الكتب المصرية)، والعلامة المؤرخ المقريزي في "المواعظ والاعتبار" (1/ 50، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة" (ص: 78، ط. دار الكتب -مصر)، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 20)، والمؤرخ ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/ 30).

وما روي عنه أيضًا رضي الله عنه أنه قال: "نيل مصر سيد الأنهار، وسخر الله له كل نهر من المشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عزَّ وجلَّ أوحى الله إلى كلِّ ماءٍ أن يرجع إلى عنصره"؛ ذكره المؤرخ ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/ 34).

وهذه الأقوال وغيرُها -مما لا يسع المقام ذكره- تفيد بما لا مجال معه للشك أن الله تعالى قد اختص هذا البلد الأمين (مصر) بما لم يختص به غيرها مِن البلاد، كما أنه سبحانه وتعالى قد اختص نيلها (نهر النيل) بخصائص ومزايا ليست لغيره من الأنهار.

وممَّا يُعلَم به أفضلية نهر النيل بالإضافة إلى ما قد سبق ذكره: اختصاصه مع بعض الأنهار بكثير من الفضائل والمزايا كنهر الفرات، وكنهري سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ؛ فقد جاء في "الصحيحين" عند ذكر قصة الإسراء والمعراج أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدث "أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، «مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ»؟ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ"، وجاء أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ: كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» رواه مسلم، والمراد من قوله "يخرج من أصلها" أي: "من أصل سدرة المنتهى" كما قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (2/ 224).

فهذه الأنهار مشتركةٌ في أن الله تعالى جعلها مستمِدَّةً بركتها من الجنة؛ ممَّا يلزم منه حلول الخيرات والبركات والإيمان على بلادها، بل وعلى كل مَن يشرب أو يتغذَّى منها؛ قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (17/ 177، ط. دار إحياء التراث العربي): [فالنيل بمصر والفرات بالعراق وسيحان وجيحان -ويقال: سيحون وجيحون ببلاد خراسان..

وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض أحدهما: أن الإيمان عم بلادها، أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة، والثاني وهو الأصح: أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة] اهـ.

- وقد نص الأئمة والعلماء على أن هناك خصائص يمتاز بها نهر النيل عن غيره من الأنهار، وإن اشترك معه غيره في بعضها إلا أن خصائصه في المجمل أكثر وأعم منها جميعًا، ومن آحادها من باب أولى.

فمن الأنهار ما يشترك مع النيل في أنها أكبر الأنهار الموجودة في الدنيا كدجلة والفرات وغيرهما؛ جاء في "رحلة ابن بطوطة" (1/ 208، ط. أكاديمية المملكة المغربية) أنه قال: [والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار وهي: النيل، والفرات، ودجلة وسيحون وجيحون] اهـ.

ومنها ما يجري كما يجري نهر النيل كنهري: مكران بالسند ونهر الأريط؛ قال العلامة تقي الدين المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/ 120، ط. دار الكتب العلمية): [ونيل مصر: مخالف في جريه لغالب الأنهار، فإنه يجري من الجنوب إلى الشمال وغيره، ليس كذلك إلا نهران فإنهما يجريان كما يجري النيل، وهما نهر مكران بالسند ونهر الأريط، وهو الذي يعرف اليوم بنهر العاصي في حماه إحدى مدائن الشام] اهـ.

ومنها ما يشترك معه في كونه يَسْقِي بلا تعب ولا مئونة؛ كما قال الإمام ابن الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" (1/ 159، ط. دار الكتب).

وقد عَدَّدَ العلماءُ والمؤرخون مزايا نهر النيل التي فُضِّل بها عن غيره، فذكروا مجموعاتٍ من الصفات التي تفرَّد بها عن غيره كخفته ولطافته، وأنه أبعد الأنهار مسافةً مِن مجراه إلى أقصاه، وأنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خَزٌّ ولا طُحْلُبٌ، وغير ذلك مما قرره العلماء وذكروه؛ مما دفع بعضهم -كما أشرنا سابقًا- إلى أن ينص على أن نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار.

قال الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/ 28، ط. دار إحياء التراث العربي): [أما النيل؛ وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته ولطافته وبُعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه.. قال ابن سينا: له خصوصيات دون مياه سائر الأرض؛ فمنها: أنه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه، ومنها: أنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خَزٌّ ولا طُحْلُبٌ ولا أوحال، ومنها: أنه لا يَخْضَرُّ فيه حَجَرٌ ولا حصاة؛ وما ذاك إلا لصحة مِزَاجِه وحلاوته ولطافته، ومنها: أن زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار، ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها] اهـ.

وقال الإمام بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (17/ 28، ط. دار إحياء التراث العربي): [نيل مصر وهو أول العيون يجري على بلاد الحبشة في قفار ومفاوز، وقال ابن الأثير: ليس في الدنيا نهر أطول منه؛ لأنه مسيرة شهرين في الإسلام وشهرين في النوبة وأربعة أشهر في الخراب] اهـ.

وقال العلامة تقي الدين المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/ 95، ط. دار الكتب العلمية): [روى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخَّر الله له كلِّ نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمَرَ كلَّ نهر أن يمده فتمده الأنهار بمائها، وفـجَّر الله له الأرض عيونًا؛ فأجرته إلى ما أراد الله، فإذا انتهت جريته أوحى إلى كلِّ ماءٍ أن يرجع إلى عنصره.. وقال المسعودي: نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار؛ لأنه يخرج من الجنة على ما ورد به خبر الشريعة، وقد قال: إن النيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار، وإذا غاض زادت، فزيادته من غيضها وغيضه من زيادتها، وليس في أنهار الدنيا نهر يسمى بحرًا غير نيل مصر لكبره واستبحاره] اهـ.

وقد نصَّ العلماء على أن النيل من عجائب هذه الدنيا، وأنه مشتملٌ أيضًا على بعض العجائب؛ قال الإمام شهاب الدين النويري في "نهاية الأرب في فنون الأدب" (8/ 246، ط. دار الكتب والوثائق القومية المصرية): [ونيل مصر هو من أعاجيب الدنيا، وقد روي عن ذي القرنين أنه كتب كتابا عمّا شاهده من عجائب الوجود فذكر فيه كلَّ عجيبة، ثم قال في آخره: وذلك ليس بعجب، ولكنّ العجب نيل مصر] اهـ.

وقال الإمام ابن الفقيه الهمداني في "البلدان" (ص: 120، ط. عالم الكتب): [وأهل مصر يعدون النيل مِن أحد عجائبهم وذلك أنه مخالف لجميع الأودية التي عليها ضبع العالم، وكلّ سرب ومغيض فإنّما استقباله من ناحية الشمال وليس النيل كذلك لأن مجراه من ناحية الجنوب.. وقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «تغور المياه كلِّها وترجع إلى أماكنها، إلَّا نهر الأردن ونيل مصر والحجرات وعرفات ومنى»، وقال ابن الكلبيّ: إذا طلع العَيُّوق غارت المياه كلها ونقصت إلَّا نيل مصر] اهـ.

وجاء في "رحلة ابن بطوطة" (1/ 208) أنه قال: [ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار. ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها، ونهر السند مثله في ذلك] اهـ.

وكانت تلك المزايا والخصائص التي تفرد بها نهر النيل بفضل الله تعالى على مصرَ وأهلِها سببًا في أن يكون ماء نيل مصر أفضل المياه على الإطلاق كما نص على ذلك جمعٌ من علماء الأمة؛ قال الإمام الطحطاوي الحنفي في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" (ص 21، ط. دار الكتب العلمية): ["ونيل مصر": هو أفضل المياه بعد الكوثر، ويليه بقية الأنهر] اهـ.

وقال الإمام الدمياطي الشافعي في "إعانة الطالبين" (2/ 385، ط. دار الفكر): [والحاصل: أفضل المياه على الإطلاق: ما نبع مِن بين أصابعه الشريفة، ثم ماء زمزم، ثم ماء الكوثر، ثم نيل مصر، ثم باقي الأنهر؛ كسيحون، وجيحون، والدجلة، والفرات، وقد نظم ذلك التاج السبكي فقال:

وأفضل المياهِ ماءٌ قد نَبَعْ *** من بين أصابِعِ النبيِّ المُتَّبَعْ

يَليهِ ماءُ زمزمَ فَالكوثر *** فنيلُ مصرَ، ثم باقي الأنْهُرْ] اهـ.

الخلاصة

وخلاصة ذلك كله: أنَّ نيل مصر أفضل الأنهار في هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق؛ وقد وردت الآثار والأخبار التي تقرر وتبيّن ذلك؛ كما سبق بيانه.

مقالات مشابهة

  • هل يصل ثواب قراءة القرآن للميت؟.. الحقيقة الكاملة بين الفقهاء (فيديو)
  • 5 طرق لعلاج الفتور في العبادة
  • واتساب يتيح ميزة جديدة للوصول إلى الرسائل غير المكتملة بسهولة
  • استشاري: الصيام المتقطع يقي من الأمراض المزمنة ويساعد على تخفيف مخزون الدهون في الجسم
  • حسام موافي يحذر من الصيام لمصابي «الكرياتينين»
  • 5 علامات لا يعرف كثيرون أنها تدل على وجود خلل في الكلى
  • هل يجوز الجمع بين الصلوات لعذر؟.. الإفتاء تُجيب
  • ندوات دعوية ضمن برنامج العلم والذكر بأوقاف الفيوم
  • هل نيل مصر له أفضلية ليست لغيره من الأنهار؟.. "الإفتاء" توضح
  • تأملات قرآنية