كيف لي أن أشير كتابةً إلى الصورة التي تقتبس الجسدَ العَطِشَ لرائحة الجلوكوز في الدم، دون أن تضيع الكلمات في طبقات متتالية من الرؤية قبل أن تصل إلى الجوهر، إلى المقصود يزن الكفارنة، الطفل الذي يبدو من النظرة الأولى في الصورة غائبا عن صورته؟! أي لغة جديدة تستطيع أن تؤنسنَ هذه الصورةَ الطفولية الموحشة التي يضحك فيها الموت والجوع والخراب؟! أيُّ بلاغة ستحرر الطفلَ المقيَّد في صورته؟! لا بلاغة بعد اليوم ولا لغةً ستفلح في هذه المهمة، ما لم يبدأ تحرير يزن من صورته انطلاقا من تحرير شعبه كاملا من لعنة الإطار.
كثافة الصورة أقوى من قوة الوصف، والجسد الهزيل يتحصن في صورة تحبط مناورات اللغة على خط التماس بين الخيال والواقع. ولذلك أمعنُ في الصورةِ أكثرَ لأتزوَّد منها بالألمَ الضروري، أمعن فيزداد الإهابُ جفافًا وتتضح العروق في غصن الزيتون اليائس، يصبح الاسم هو الجسد، والجسد هو الصورة.
صورة يزن الكفارنة إذن هي يزن الكفارنة، بلا مسافة أو فرق يتسلله ضوء المخيلة بين الصورة والحقيقة، بل إن الصورة نفسها تغلق الباب على أية محاولة للتخيل.
هذه الصورة تُعمي من شدة الوضوح، وتحرق الذاكرة من قوة الإشعاع، وهي الآن تكشف الفضيحة بقدر ما تتكشف عن ضمور العضلات في طفل عليل الوطن والجسد.
خرجت صورة يزن الكفارنة قبل أيام من مستشفى أبي يوسف النجار في رفح، وما لبث وقعها الصادم يتلاشى في التصفح الرقمي السريع، حتى ورد الخبر الرحيم الذي يقول: الجسد المخذول لم يعد جسدا، لقد بات جثة مجففة، ما زالت وسائل الإعلام تسرد سيرة الطفل على عجل، وتضع اسمه عنوانا لموت الأطفال جوعا في غزة، وهذا هو قدر يزن، أن تمنحه خصوصية جسده وطريقته في الموت عنوانا جديدا من عناوين هذه الحرب، ليفتتح موته فصلا جديدا من فصول الكارثة: فصل الموت جوعا، المصادر لا تقول عن يزن الكثير، لا تقول عنه سوى إنه طفل فلسطيني مصاب بالشلل الدماغي، وإنه ظل يقاوم الموت البطيء بأمعائه الخاوية إلى أن مات في العاشرة من حياته، مات جوعًا لأن دول العالم جففتْ جسده وحولته إلى هيكل عظمي، بعد أن تحالفت لخمسة أشهر كي تمنع عن عروقه سوائل السُّكر.
ولكن بالقليل من الاجتهاد يستطيع المرء أن يؤثث النواقص في صورة يزن، وأن يعيد سرد قصته القصيرة بالاعتماد على بعض البديهيات التي لا يكون تجاهلها نقصانا في القصة فحسب؛ بل خيانة للضحية: كان يزن رغم مرضه طفلا كسائر الأطفال، أو كان يمكنه أن يكون كذلك لولا أن القدر أصابه مرتين: أصابه في الأولى عندما ولد فلسطينيا في قطاع غزة، وأصابه في الثانية عندما وُلِد بالمرض الوراثي، مرض في المكان ومرض في الخِلقة، وكلاهما من فدائح الوراثة!
ولكن بالرغم من هذا الخلل في التكوين؛ لم يكن الطفل طفلا حزينا دائما كما لم يكن سعيدا طيلة الوقت، أو لعلِّي أجازف بأن أتخيله كذلك، ينبض مع ما تيسر من الحياة بطريقة عادية، ولا يطالب بالمزيد إلا حين يحلم، فقد كان بالرغم من شلله الدماغي قادرا على الحلم في أي مكان، حتى لو كان ذلك المكان هو قطاع غزة.
من المؤكد أيضًا أن يزن كان ينتمي لعائلة ككل الناس، وبما أنه ينتمي لعائلة فمن الطبيعي أن العائلة كانت تسكن في بيت أو شقة في بناية ما نتساءل إن كانت لا تزال قائمةً صالحةً للسكنى، أم أنها قد دمرت في يوم من أيام هذه الكارثة المستمرة. أستطيع أن أتخيل أيضا أن يزن وعائلته لم يكونوا ليتخيلوا -حتى في أسوأ الظروف قبل الحرب- أن الطفل سيموت جائعا، فمن سيموت جائعا في القرن الحادي والعشرين؟! ينقصني الآن أن أعرف ما إذا كان يزن الكفارنة يعرف ما الوطن ومن هم أعداؤه؟ هل عرف في السنوات العشر الواهنة من حياته كيف يكره أعداءه كرها يتناسب مع ضآلة جسده قبل أن يموت جائعا؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یزن الکفارنة
إقرأ أيضاً:
تحذير رسمي من استخدام هذه الأدوات وألعاب الأطفال
مسقط- الرؤية
أصدرت هيئة حماية المستهلك تحذيرًا رسميًا بشأن عدد من أدوات وألعاب الأطفال نظرًا لعدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس المعتمدة، مما يشكل خطرًا على صحة وسلامة المستخدمين، وذلك في إطار جهودها الرامية لحماية المستهلكين من المنتجات التي قد تؤثر على سلامتهم.
وتمثلت التحذيرات في استخدام أكواب أطفال علامة التجارية تحمل العلامة التجارية "فيلروي آند بوخ"، وذلك بسبب احتمالية انكسار الكوب الزجاجي عند الضغط عليه من الداخل مما قد يؤدي إلى خطر اصابة الطفل بجروح. والتحذير من استخدام دراجة هوائية تحمل العلامة التجارية Speedmax CF (R073 and R4 1)) ؛ حيث تم اكتشاف حالات يمكن أن يتشقق فيها أنبوب توجيه الشوكة أو ينكسر؛ مما يؤدي إلى انفصال مجموعة مقصورة القيادة (الجذع والمقود)، وغالبًا ما يكون ذلك بعد الاصطدام القاسي مثل الاصطدام بحفرة عميقة أو أي حدث إجهاد مماثل آخر. وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى السقوط أو في الحالات الشديدة أيضًا إلى الإصابة اعتمادًا على الموقف والظروف البيئية التي يركب فيها الشخص.
ومن التحذيرات ايضًا استخدام أرجوحة أطفال تحمل العلامة التجارية Fisher-Price؛ حيث انه عند استخدام الأرجوحة للنوم أو عند إضافة مستلزمات النوم لها قد يزيد من خطر تسبب مسند الرأس ووسادة دعم الجسم الموجودة في الأرجوحة من خطر الاختناق.
كما حذرت الهيئة المستهلكين من استخدام (حلقة عنق قابلة للنفخ المساعدة الأطفال على الطفو) ويأتي سبب التحذير أنه قد يشكل استخدام هذا المنتج خطر الغرق للأطفال بسبب احتمالية انزلاق رأس الطفل من خلال فتحة العنق أو في حال نقص كمية الهواء اثناء الاستخدام. بالإضافة إلى استخدام حمام سباحة للأطفال للطرازات MTEAL FRAME-PRISM - FRAME-ULTRA من نوع INTEX ، ويأتي هذا التحذير بسبب احتمالية استخدام الطفل حزام الضغط الخارجي كدعامة للوصول إلى المسبح بشكل غير متوقع مما قد يؤدي إلى خطر الغرق والتأثير على سلامة الطفل.
وتؤكد هيئة حماية المستهلك حرصها على أداء دورها الرقابي من خلال متابعة الفرق المختصة لضمان خلو أسواق سلطنة عمان من جميع المنتجات التي تضر بالمستهلك، بما يضمن بيئة استهلاكية آمنة للجميع. كما تدعو المستهلكين الى توخي الحذر عند شراء الألعاب والأدوات سالفة الذكر، وتجنب الشراء من منافذ البيع الإلكترونية قبل التأكد من مطابقة المنتج للمواصفات المعتمدة، حفاظًا على صحة وسلامة المستهلكين.