دمى للإيهام بمقتل رضيعين في غزة... لماذا تمثل هذه المزاعم تزييفا؟
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
إعداد: فريق تحرير مراقبون إعلان اقرأ المزيد
عملية التحقق في سطور
في 3 آذار/ مارس الجاري، تم تداول مقطع فيديو يظهر امرأة فلسطينية تحمل بين يديها رضيعين قتلا في ضربة إسرائيلية على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أكد عدد كبير من الحسابات الموالية لإسرائيل عبر منصة إكس (تويتر سابقا) وفيسبوك أن الرضيعين القتيلين هما مجرد دمى وأن التسجيل ليس إلا مجرد مسرحية.
عملية التحقق بالتفصيل
في 3 آذار/ مارس الجاري، نددت عدة حسابات على منصة إكس (تويتر سابقا) وفيسبوك بما قيل إنه مسرحية مقتل رضيعين في قطاع غزة.
"باليوود بيكتشيرز تقدم لكم فيلما قصيرا جديدا": يقول صاحب هذا الحساب على فيسبوك الذي ينشر باستمرار وسائل مساندة لإسرائيل باالإنكليزية. ويظهر مقطع الفيديو امرأة فلسطينية تذرف دموعها وهي تحمل رضيعين متوفيين بين ذراعيها.
كلمة "باليوود" هي مصطلح ابتكره في سنة 2005 المؤرخ الأمريكي ريتشارد لاندس الذي يدرس في إسرائيل والتي تعني حسب تأكيده مسرحيات يقدمها الفلسطينيون ويوجهونها لوسائل الإعلام بهدف تشويه السياسة الإسرائيلية.
وتم نشر النسخة الأصلية من مقطع الفيديو من قبل الصحافي الفلسطيني حازم سليمان عبر حسابه في إنستاغرام في 3 آذار/ مارس الجاري، و كتب حازم سليمان في النص المرفق: "اليوم، ارتقى الأب وسام وهذين الرضيعين شهداء".
توأمان لم يتجاوز عمرهما خمسة أشهر اسمهما نعيم ووسام أبو عنزة
في الحقيقة، تظهر هذه المقاطع المصورة رضيعين قتيلين وليس مجرد دمى.
وكان صحافيون يعملون كمراسلين لوكالتي الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس والبريطانية رويترز حاضرين في عين المكان ووفرا صورا ومعلومات أكثر بشأن هوية وسياق مقتل هذين الرضيعين التوأمين.
WARNING: GRAPHIC CONTENT
Born a few weeks into the Gaza war, infant twins Wesam and Naeem Abu Anza were buried on Sunday, the youngest of 14 members of the same family who Gaza health authorities say were killed in an Israeli airstrike in Rafah https://t.co/0awDZD01uP pic.twitter.com/nQCr211KG0
ويوضح تقريرا الوكالتين الدوليتين بأن الرضيعين الفلسطينيين واسمهما نعيم ووسام أبو عنزة قتلا في ضربة جوية إسرائيلية على قطاع غزة في 2 آذار/ مارس. وقتل الرضيعان اللذان لم يتجاوز عمرهما الخمسة أشهر مع والدهما و11 آخرين من أفراد العائلة فيما نجت أمهما رانيا أبو عنزة.
بدوره، يظهر تقرير رويترز أيضا جنازة هذين الرضيعين. بحسب الوكالتين، فقد أنجبا رانيا ووسام عنزة، 29 سنة، توأميهما في أكتوبر 2023، بعد عشر سنوات من المحاولات وثلاث دورات تخصيب خارج الرحم.
وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أكد سامي مجدي الذي يعمل لصالح وكالة أسوشيتد برس بأنه شاهد جثتي الرضيعين بأم عينيه.
كما عرض طبيبان شرعيان اتصل بهما فريق التحرير صورا مختلفة وتسجيلات مصورة تؤكد بأن جثتي الرضيعين حقيقية بالفعل.
من جهتها، تؤكد كارولين رامبود الطبيبة الشرعية والخبيرة لدى محكمة فرساي أن التجلطات الدموية والكدمات على جبهة الرضيعين تتطابق مع شكل إصابات حقيقة. كما أن شكل بشرة الرضيعين الناعمة والمليئة بالأهداب تتطابق بالفعل مع شكل طفل وليس مع ما هو موجود في الدمى البلاستيكية.
"باليوود": اتهامات كاذبة للفلسطينيين بنشر مزاعم كاذبة
منذ بداية الحرب في قطاع غزة، تم تداول عدة أخبار كاذبة من نفس الجنس على وسائل التواصل الاجتماعي.
في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي على سبيل المثال، تم تصوير امرأة تحمل رضيعا ميتا بين يديها إثر شن إسرائيل غارات جوية. وأكد عدة أشخاص إضافة إلى صحيفة إسرائيلية بأن الرضيع ليس إلا مجرد دمية. إلا أن جثة هذا الرضيع حقيقية، وتم تسجيل وفاته في المستشفى وأكد أطباء شرعيون لفريق تحرير مراقبون فرانس24 بأن الأمر يتعلق بالفعل بجثة بشرية.
في بداية شهر تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، أعد فريق تحرير مراقبون فرانس24 بدوره تحقيقا حول طريقة يتم من خلالها نشر مزاعم كاذبة بشأن مسرحيات يتم تداولها في الجانب الفلسطيني، على حسابات هندية مساندة لحزب قومي هندوسي، وتهدف هذه المزاعم إلى تشويه الأقلية المسلمة في الهند.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: بيئة خبر كاذب إسرائيل خبر كاذب قطاع غزة بيئة أسوشیتد برس فی 3 آذار أبو عنزة
إقرأ أيضاً:
التطبيع مع العجز: حين تصبح المجازر أرقاما وتموت الإنسانية على الشاشة
في خضم المجازر اليومية التي يتعرض لها أهل غزة، يمرّ مشهد الدم والدمار كأنه خبر طقس عابر، لا يثير الغضب ولا يستفز الضمير. لقد دخلنا، شئنا أم أبينا، مرحلة خطيرة من التطبيع مع العجز، حيث لم تعد مشاهد الأطفال تحت الركام تهز القلوب، ولا صرخات الأمهات الثكالى تكفي لقطع بث البرامج الترفيهية أو تغيير سياسات الدول.
أصبحت الشهادة رقما، والجريمة نسبة مئوية، وصوت الانفجار مجرد مؤثر صوتي في نشرة الأخبار. على الشاشات، تظهر أرقام الشهداء بجانب أسعار العملات والبورصة، وكأن الفقدان الجماعي لحياة البشر أصبح جزءا من دورة اقتصادية باردة.
المرحلة الثانية من العدوان على غزة تجاوزت كل الخطوط، الإبادة لم تعد مجرد مجازٍ لغوي، بل حقيقة تُبثّ مباشرة على الهواء. المدارس لم تعد ملاجئ، والمستشفيات أصبحت أهدافا عسكرية. الأطفال، وهم الضحايا الأبرياء، يُدفنون جماعيا، ولا يجد الإعلام الغربي من كلمات يصف بها المشهد سوى "نزاع"، وكأن الحرب تدور بين جيشين متكافئين، لا بين محتلٍّ وشعبٍ أعزل.
ما يريده العالم المتواطئ، الغربي منه والعربي، هو أن نعتاد، أن نكفّ عن الصراخ، أن نتأقلم، أن نصل إلى اللحظة التي لا نحرك فيها ساكنا أمام جريمة جماعية متلفزة. وهذا هو أخطر أشكال التطبيع: القبول الصامت بالوحشية، والتحول إلى شهود زور، أو إلى ضحايا خدرٍ إنساني
التطبيع الأخطر: قبول الجريمة كواقع
ما يريده العالم المتواطئ، الغربي منه والعربي، هو أن نعتاد، أن نكفّ عن الصراخ، أن نتأقلم، أن نصل إلى اللحظة التي لا نحرك فيها ساكنا أمام جريمة جماعية متلفزة. وهذا هو أخطر أشكال التطبيع: القبول الصامت بالوحشية، والتحول إلى شهود زور، أو إلى ضحايا خدرٍ إنساني.
خطر هذا القبول أكبر من مجرد صمت، فهو تمهيد لطغيان جديد، فحين تُقتل غزة في العلن، ولا يتحرك العالم، يصبح قتل الحقيقة، والحرية، والكرامة مجرد مسألة وقت.
ما هو دور الشعوب؟
قد تكون الأنظمة شريكة، صامتة أو متواطئة، لكن الشعوب تملك ما لا تملكه السياسات: الضمير والقدرة على الضغط. الصمت الشعبي يمنح الضوء الأخضر لاستمرار المجازر، أما الوعي، والاحتجاج، والمقاطعة، وتوثيق الجرائم، فهي أشكال مقاومة لا تقل أهمية عن أي سلاح.
على الشعوب العربية أن ترفض الاستسلام لهذا الواقع المصنوع إعلاميا، وأن تواصل الضغط، وتنظّم المسيرات، وتدعم كل صوت حرّ يكسر الحصار الإعلامي المضروب حول غزة. وعلى الشعوب الحرة في العالم أن تسأل حكوماتها: إلى متى تتواطأون مع الإبادة؟ أين إنسانيتكم التي ترفعون شعارها حين يكون الجاني غيركم؟
لا يجب أن نعتاد
لا يجب أن نعتاد، فكل مرة نُسكت فيها الألم، نمهد لمجزرة جديدة، وكل مرة نعتبر فيها قتل ألف شخص "أقل من الأسبوع الماضي"، فإننا نشارك، بشكلٍ غير مباشر، في الجريمة.
غزة لا تطلب الشفقة، بل تطلب العدالة، والتضامن، والإرادة التي لا تنكسر.
وغزة، رغم الدمار، لا تزال تقاوم، أما نحن، فعلينا أن نقاوم التطبيع مع العجز، كي لا نُدفن معنويا قبل أن يُدفن الضحايا جسديا.