لجريدة عمان:
2025-04-10@09:54:19 GMT

الرواية الخليجية «7» .. صراط الرواية

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

تسير الروايةُ دوما على سراط خَطِر، حدّاه الواقعُ والتخييل من جهة، والمباح والمحظور من جهة ثانية، وقَدَر الروائيّ أن يعبر هذا الصراط، وأن يخرج منه سليما من أذى المحظور، موحيا بواقع وضاربا في التخييل بما يجعل الرواية مقروءة ومتقبَّلة القبول الحسن. الواقعُ حدٌّ قاتلٌ متى احترفه الروائيّ والتصق به والتزمه، والتخييل حدٌّ مُجنّح، لا يجب الإيغال فيه.

تظلّ ملامح الإحالة إلى الواقع الذهني أو العينيّ مطلبا قرائيّا، إذ يجب على القارئ أن يجد نفسه، وألاّ يكون خارجا عن دائرة المسرود، عقليّا، فكريّا، أو ماديّا، فتكون بذلك كتابة الرواية متعةً من جهة، وتدبيرا من جهة ثانية، التدبير في إقامة الذات الكاتبة لحيل ضامنة لتلقّي الرواية، اختيارا لأحداث الرواية وبناء لشخصيّاتٍ لا تُفارق الواقع تمام المفارقة، ولا تلتصق به تمام الالتصاق، وفي توخّي الجرأة في التخلّص من المحظورات السائدة ولكن في الوقت نفسه دون تجنيح في استعمال التخييل الحرّ، الطليق، وإنّما يبقى الرقيب مهيمنا بشكل سافر حتّى في مراعاة أصول الكتابة اللغويّة والتعبيريّة، وتسليم الرواية إلى المراجعة اللّغويّة والتركيبيّة. الرقيب حاضرٌ بشكل ضامن لتواصلٍ ما مع المجتمع القارئ. ما هي الموانع والمحاذير في كتابة الرواية، ما هو المحبّذ والمرغوب والمُجاز؟ الروائيّ الخليجيّ ينوء تحت ثقلٍ شديد في اتّباع مسلك الإبداع، محاذير جزيرة العرب فاعلة ونافذة، تأسر أحيانا الكاتب، فإضافة إلى مثلث التابوهات المألوف، فإنّ موانع أخرى تنضاف وتنشدّ، أوّلها المانع القبليّ الاجتماعي، وهو في ظنّي أقوى الموانع، وفي الآن ذاته هو بئرٌ من الحكايات، وصندوقٌ مقفل يحتاج إلى تسريد وتروية. الموانع في كتابة الرواية عدد، تُكَبِّلُ الكاتب وتُطلقُ خياله في الآن ذاته، فالكتابةُ في الأصل هي لعب على المحاذير، هي تجوال «حذو بركان دزوف» -على قولة نيتشة- هي سيرٌ على الصراط، فالمُبَاح لا يحتاج إشارة ولا تكنيةً ولا تخييلا. سلطةُ المجتمع تُمثّل سيفا مانعا قاطعا، يحدّ من الدخول إلى كهوفٍ من حكايات القبائل، سلطة الدين المذهبي حدّ يدعو الحدّ، سلطة السياسة، مانعٌ يجمع بين الديني والمجتمعي، ومن وراء كلّ ذلك، روائيّ له رؤيةٌ للعالم من حوله، له حكايةٌ يريد أن يحكيها، بمنظوره للواقع وللتاريخ، في الظاهر هو ينفر كلّ منع، وفي العمق فإنّ المنع هو مقتضى إبداعي تخييليّ. عبده خال الذي يرقب المجتمع بعينِ المنغرس فيه، يلحظ تقلّباته، وتفاعله مع اليوميّ والسياسي والاجتماعي، ليبني من هامشٍ حكاية، ومن موقفٍ يمني في حرب الخليج حكاية، ومن شخصيّة المغادر قريته الداخل عالم المدينة الحديث حكاية، ليرى بعين الحاكي، الروائيّ، ما يُمكن أن تؤسّسه التغيّرات الحدثيّة في الواقع من بنيان لحكايات لا تنتهي، هي حكايات، أصلها في واقعٍ وضاربةٌ أغصانها في سماء التخييل والتمثيل، رجاء عالم وعالمها المليء بشخصيّات قريبة منها، وبتوطّن في المكان بما يستدعيه هذا التوطّن السرديّ من بوح بحكايات يختزنها المكان ويحفظ بقاياها، لا يغيب التاريخ عن الرواية في الخليج، لعلّة بسيطة، لأنّ المكان حاملٌ في ثناياه التاريخ، حاملٌ عددا لا يُحْصى من الحكايات التي تحتاج تخييلا لتقصيصها وترويتها، لإخراجها من السكون إلى الحركة، من الكمون إلى الوجود، من الخفاء إلى التجلّي، وخذ مثالا على ذلك ما ورد في رواية «طوق الحمامة» لرجاء عالم، «كما يؤكّد الشيخ مُزاحم الذي جاء مُلاحقا حَملة ابن سعود 1926 بعد الاتّفاق على تسليم الملك علي بن الحسين مدينة جدّة بعد حصار طويل واستسلام مكّة بلا حرب».

لقد خرج الأديب العربي في جزيرة العرب من القول المكرور المُعاد، من «هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ/ أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّمِ/ يَا دَارَ عَبْلةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِي/ وَعِمِّي صَبَاحًا دَارَ عبْلةَ واسلَمِي» إلى مكانٍ ينطق بحكايات كتمها الشعر، أو هو أحال إليها دون نبش في خفاياها، تنطق جزيرة العرب، وهي في حاجة إلى مزيد إفصاحٍ وبوح. لقد أقصيت رُموزٌ في الرواية الخليجيّة، كان يُمكن أن يكون لها بعيد الأثر في ضبط مسار هذه الرواية، وأُبعدت عن المشهد الخليجيّ بعلّة تثوير الحكايات المكتومة، رُموز في الكتابة الروائيّة أُقصيت اجتماعيّا وحضاريّا، وهي تُستَرجَع اليوم، ويُجْتَهَد في إرجاعها إلى المشهد الخليجي، كما فعل -على سبيل المثال- سعد البازعي في مداخلة بعنوان «مدن التيه: عبد الرحمن منيف وسؤال الهويّة» في ندوة «الرواية الخليجيّة: السوسيولوجيا الموازية». لماذا إعادة طرح سؤال الهويّة بعمق في الرواية؟ في العادة يُطرح هذا السؤال عندما تكون الهويّة الفعليّة مهدّدة بزوال أو بتبديل أو بتحريف، لقد اقترنت الدراسات المتوجّهة إلى الرواية الخليجيّة بمبحث الهويّة، ولي أن أسأل عن علّة هذا الاقتران، مع وجود هويّة واحدة موحّدة لكُتّاب أقطار دول الخليج؟

محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة الخلیجی ی الروایة الهوی ة من جهة

إقرأ أيضاً:

الفيلم الإماراتي «فتى الجبل» يُعرض في صالات السينما الخليجية

بدعم من لجنة أبوظبي للأفلام، التابعة لهيئة الإعلام الإبداعي، يُعرَض فيلم «فتى الجبل»، في دور السينما في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي في 17 إبريل 2025، بالتزامن مع شهر التوعية بالتوحُّد، الذي يصادف شهر إبريل من كلِّ عام، والفيلم من إنتاج شركة «ديزرت روز فيلمز» وشركة «أفلام الفجيرة»، وتوزيع شركة «ذا بلوت بكتشرز».

ويقام عرض خاص للفيلم يوم 15 إبريل 2025 في سينما سيتي – القناة في أبوظبي، بحضور طاقم العمل والممثلين، إلى جانب الأطفال والموظفين من مركز محمد بن راشد للتعليم الخاص في أبوظبي، وهو المكان الذي اكتشف فيه فريق التمثيل موهبة بطل الفيلم «ناصر صلاح». ويروي الفيلم قصة الطفل الإماراتي «سهيل»، المتعايش مع التوحُّد ويعاني الإهمال من والده، لتدور الأحداث حول مغامراته في جبال الفجيرة، وإظهار صلابته وعزيمته الفائقة.

شارك في الفيلم 32 ممثلاً وطاقم عمل إماراتياً، ضمَّ المخرجة زينب شاهين من شركة أفلام الفجيرة، والمؤلفة ريحانة الهاشمي، والممثل الرئيسي ناصر صلاح الذي يؤدّي دور الطفل الإماراتي «سهيل» المتعايش مع التوحُّد. والفيلم مستوحى من كتاب «الفتى الذي عرف الجبال»، للمؤلفة الإماراتية ميشيل زيولكوفسكي، واستفاد من برنامج خصم الاسترداد النقدي الذي أطلقته لجنة أبوظبي للأفلام في 2013، وطوَّرته في 1 يناير 2025، ليقدِّم دعم استرداد مالي يبدأ من 35% إلى 50% إلى جميع المشاريع الإنتاجية المؤهَّلة، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز النمو وجذب الاستثمارات الاستراتيجية في صناعة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في أبوظبي.

وتعكس قصة فيلم «فتى الجبل» دور المجتمع في ترسيخ قيم الدمج والدعم والتمكين لجميع أفراده، وهو ما يتماشى مع أهداف عام المجتمع 2025 في دولة الإمارات، حيث يخوض «سهيل» بطل الفيلم، رحلة فريدة ومغامرات ملحمية برفقة صديقه الجديد «براكه»، الكلب السلوقي العربي، للعثور على عائلة والدته في أبوظبي، بحثاً عن القبول المجتمعي والدفء العائلي والخلاص النفسي.

وقال محمد ضبيع، المدير العام لهيئة الإعلام الإبداعي بالإنابة: «يأتي دعم المشاريع الإنتاجية التي تُصوَّر في دولة الإمارات بمشاركة طاقم عمل من المواهب المواطنة، وتتناول سرداً إماراتياً، في إطار سعينا المتواصل لتطوير منظومة إبداعية عالمية المستوى في أبوظبي. نحن فخورون بدعم فيلم (فتى الجبل) الحائز العديد من الجوائز العالمية، والذي يُبرِز غنى الثقافة والتراث الإماراتي، ويُسلِّط الضوء على المفاهيم المُختلفة عن التوحُّد».

صُوِّر فيلم «فتى الجبل» عام 2023 على مدى 35 يوماً، وشاركت أكثر من 32 شركة مقرها دولة الإمارات في صناعته، وصُوِّرَت جميع مشاهده في دولة الإمارات، في جزيرة السمالية وأشجار القرم في أبوظبي، وجبال دبا في الفجيرة، وفندق تلال في العين، ما أسهم في إبراز المواهب الوطنية وإظهار أصالة الموروث الثقافي لدولة الإمارات.

أخبار ذات صلة 260.400 كيلوجرام من الغذاء أنقذتها «نعمة» وأعادت توزيعها على المستحقين الإمارات.. إرادة تبتكر الحلول لنجدة المتضررين حول العالم

وقالت نانسي باتون، الرئيس التنفيذي ومؤسِّسة شركة «ديزرت روز فيلمز»: «كان من المهم جداً بالنسبة لنا الالتزام بفكرة السرد القصصي الأصلي للمؤلفة الإماراتية ميشيل زيولكوفسكي، حيث استعنّا بأكبر عدد ممكن من الممثلين وطاقم العمل الإماراتي، وشارك في هذا العمل السينمائي طاقم عمل مكوَّن من أكثر من 232 فرداً، 70% منهم من النساء. لقد أجرينا العديد من تجارب الأداء لاختيار الممثّل المناسب للقيام بشخصية (سهيل) بطل الفيلم، وكِدنا نفقد الأمل حتى خضع ناصر صلاح وشقيقته ريم لاختبار الأداء، وحينها أدركنا أننا أمام بطل فيلم(فتى الجبل). ومن ناحية الموسيقى التصويرية للفيلم، استخدمنا أوركسترا الفردوس النسائية، التي يعيش جميع أفرادها في دولة الإمارات، وأسَّستها معالي ريم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي».

وقالت زينب شاهين: «يُعَدُّ هذا أول فيلم روائي طويل لي كمخرجة، وأنا فخورة جداً بإخراج هذا المشروع الذي يُبرز الكثير من جوانب وطننا الغالي، بدءاً من مواقع التصوير والمواهب الإماراتية، وصولاً إلى السرد القصصي المؤثِّر وقيم التضمان المجتمعي. إنَّ سرد قصة هادفة بأسلوب بصري مؤثِّر هو ما حفَّزني وألهمني لإخراج هذا العمل الذي سيظلُّ عزيزاً على قلبي طوال مسيرتي المهنية».

وبعد استكمال تصوير الفيلم انطلقت «نانسي باتون» وزينب شاهين في جولة عالمية قدَّمتا خلالها الفيلم في 38 مهرجاناً سينمائياً، فحصد 22 جائزة، منها جائزة أفضل ممثِّل شاب عن فئة الفيلم الروائي الطويل، وأفضل تصوير سينمائي في مهرجان تشيلسي السينمائي في مدينة نيويورك، وأفضل مخرج في مهرجان «تش ستون» للأفلام المستقلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأفضل ممثِّل شاب في فيلم روائي طويل في مهرجان فايف كونتيننتس السينمائي الدولي في فنزويلا، إضافةً إلى جائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان سياتل للأطفال، وأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان سان لويس أوبيسبو السينمائي الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك جائزة أفضل قصة روائية لفيلم روائي طويل في مهرجان آيرون آي إف إف السينمائي الدولي في أستراليا.

وقال براتيكسا شاه، المؤسِّس المشارك «ذا بلوت بكتشرز»: «بصفتنا شركة توزيع يديرها مجموعة من شباب الجيل الجديد، تتمثَّل مهمتنا في نقل القصص والروايات المحلية في منطقة الخليج العربي إلى الساحات العالمية. وفيلم (فتى الجبل) يعكس المزيج الاستثنائي الذي تتمتَّع به منطقة الخليج العربي، بين أصالة الجوهر والقصص الغنية والتراث الثقافي، ويسلِّط الفيلم الضوء على التنوُّع والثراء الفريد للأشخاص المتعايشين مع التوحُّد. نفخر كوننا حلقة الربط لإيصال هذه القصة الملهمة للجمهور في العالم.

وينضمُّ الفيلم إلى قائمة الأفلام والإنتاجات السينمائية والتلفزيونية التي دعمتها لجنة أبوظبي للإفلام في السنوات الأخيرة، وشملت 180 إنتاجاً ضخماً، استفادت من التنوُّع الغني لمواقع التصوير، والعمل مع نخبة من المحترفين الموهوبين، إضافة إلى ميزة الاسترداد النقدي وتوافر المرافق العالمية الحائزة أرقى الجوائز.

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • التفكيكية والبعد الصوفي في النص الروائي لروايات الطيب صالح (2)
  • الأحد.. "الشرطة" تحتفل بـ"أسبوع المرور الخليجي"
  • شواطئ.. الخطاب الروائي في أدب جمال الغيطانى (1)
  • الأحد القادم.. الاحتفال بأسبوع المرور الخليجي
  • مدرسة النخبة.. إليكم ما نعرفه عن المسلسل الخليجي الجديد
  • الفيلم الإماراتي «فتى الجبل» يُعرض في صالات السينما الخليجية
  • سعد آباد.. حكاية القصور الملكية في قلب طهران
  • عشاء تاريخي.. حكاية مطعم نجيب محفوظ الذى جمع الرئيس السيسي وماكرون في خان الخليلي
  • شريفة التّوبية تختتم ملحمتها الروائيّة البيرق بـ هبوب الريح
  • عشاء السيسي وماكرون .. حكاية مطعم نجيب محفوظ في خان الخليلي