قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن أجلَّ ما ميَّز الله تعالى به الإنسانَ على سائر المخلوقات هو نعمة العقل والتفكير، وإن قدرة الإنسان على التفكير هي التي جعلته أهلًا للتكليف بالعبادات وتحمُّل المسئولية والاختيار والإرادة، وهذا هو ما جعله أهلًا للخلافة في الأرض.

وأضاف خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الرابع والمحلي التاسع لشباب الباحثين برعاية وزير التعليم العالي ومحافظ سوهاج، وبدعوة من الأستاذ الدكتور حسان النعماني -رئيس جامعة سوهاج-، إن القرآن دعا الناسَ دعوةً صريحة إلى التفكير وإعمال العقل، والله سبحانه وتعالى حثَّ الإنسانَ على النظر في الكون والتأمل في الظواهر الكونية المختلفة فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

وأوضح المفتي أنه لولا العلم والعقل لظلَّت هذه الدلائل والآيات الكونية خفية غير واضحة وصامتة غير ناطقة بالدلالة على وحدانية الله تعالى، مشيرًا إلى أن نعمة العقل جعلت الإنسان يكشف عن العلوم الكامنة في آفاق السموات وتخوم الأرض وأعالي الجبال ومدارات الأفلاك، وما في باطن الأرض من ثروات وخيرات، وما في فلك السماء من أسرار ومعجزات وآيات.

وأضاف: لم تقتصر دعوة القرآن على التفكير والبحث العلمي في الظواهر الطبيعية فقط، وإنما حثَّ القرآنُ الإنسانَ أيضًا على التفكير في نفسه وفي أسرار تكوينه البيولوجي والنفسي، وهو بذلك يدعوه إلى ارتياد ميادين العلوم البيولوجية والفسيولوجية والطبية والنفسية، قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.

وتابع: من هنا ندرك أهمية البحث العلمي وأثره العظيم في تطوير المجتمعات والنهوض بها، فمن خلال البحث العلمي وباتباع المناهج المتطورة تم تفسير الكثير من الظواهر الكونية الغامضة، وتم اكتشاف العديد من علاجات الأمراض المستعصية، وتم أيضًا العمل على محاصرة الفيروسات الفتاكة والأوبئة المُعدية المدمرة، وبواسطة البحث العلمي الدؤوب تم استنقاذ أرواح ملايين البشر من براثن الموت والهلاك، مؤكدًا أن البحث العلمي كذلك له فضل كبير في معالجة مشكلات المجتمع الاقتصادية والصحية والاجتماعية، وله فضل كبير في تسهيل حركة الحياة والارتقاء بحياة الناس وتحقيق مستقبل أفضل.

في إطار ذي شأن لفت المفتي النظر إلى إيمان الدولة بقيمة العلم والعلماء حيث بذلت جهودًا كبيرة في تطوير مناهج التعليم الدراسي وَفق رؤية تقوم على فكرة التسلسل والتراكم العلمي، وبما يتناسب مع المعايير الدولية، وذلك بالتعاون مع الخبراء والشركاء الدوليين، كما سَعَتِ القيادة السياسية إلى تشجيع الابتكار والاختراع، وإطلاق المبادرات القومية نحو بناء مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر، كما سعت إلى إنشاء منظومة تعليمية متطورة حديثة تُعلي قيمة البحث العلمي وتهتم بالتكنولوجيا الحديثة في كافة المجالات التي يكون لها مردود إيجابي على الاقتصاد.

وأكَّد أننا نلمس هذا الاهتمام البالغ بالعلم من خلال تكريم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي للعلماء والباحثين ومنحهم الأوسمة تقديرًا لجهودهم البحثية التي تُثري البحث العلمي بمجالاته المتنوعة في الطب والهندسة والعلوم والزراعة والهندسة الوراثية وغيرها، من أجل تحقيق التنمية الشاملة لبلدنا الحبيبة.

كما أشار المفتي إلى أنَّ إدراك دَور العلم بمعناه الشامل في النهوض الحضاري لا بدَّ وأن يكون جزءًا من ثقافتنا ووعينا الجمعي في أمتنا العربية والإسلامية، وأن ما يشهده العالم الآن من ثورة علمية كبرى في شتى المجالات -خاصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي- ليُملي علينا أن نكون مشاركين فاعلين لا مجرد متابعين مستقبلين، مؤكدًا أنه على ثقة تامة بأنَّ الجامعات والمعاهد العلمية المصرية لديها من الكفاءات والقدرات والعقول ما لا يقل بأي حال من الأحوال عن  مثيلاتها من الدول، ولديها من الخبرات العلمية والكفاءات البحثية ما يجعلها في مصافِّ الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي.

وقال المفتي: إنَّنا لنفخر بأن من هذه الجامعات «جامعة سوهاج» الموقَّرة؛ فلديها الكثير من الباحثين المتميزين الذين حققوا العديد من الإنجازات المتعلقة بالبحث العلمي، والتي أهَّلتهم لأن تُنْشَر أبحاثهم في المجلات الدولية، مؤكدًا أنَّ تقدُّم مصر وتطورها في ظل قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي يحتاج منا إلى تشجيع البحث العلمي، ودعم الباحثين في مختلف المجالات بكافة الإمكانيات اللازمة لتحقيق نهضة علمية تضع مصر في مصافِّ الدول المتقدمة.

كما تطرق المفتي في كلمته إلى التقدم الهائل الذي يشهده العالم اليوم، موضحًا أنه يعود في المقام الأول إلى الاهتمام البالغ بالبحث العلمي، ووضع الخطط الاستراتيجية التي توجه دفَّة هذا البحث إلى الوجهة التي تحقق التنمية وتلبي حاجات المجتمع، وإنَّ مصر تسعى -بكل ما لديها من إمكانيات- للنهوض بالبحث العلمي، وزيادة دعم المشروعات البحثية المهمة، متطلعًا إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في دعم أنشطة البحث العلمي؛ لكي يعود ذلك بالخير والرخاء على مصر وعلى أبناء شعبها الكرام.

807607bd-bdaa-4f27-b09c-e04a9b97b4b1 c7fcb5ba-e4e8-4558-85b8-565256434210 edfedf2c-7363-4aa1-9ba7-52e0419ce281

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإفتاء العقل التفكير البحث العلمی على التفکیر

إقرأ أيضاً:

التواضع زينة الأخلاق.. تأملات في قول الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}

التواضع سمة عظيمة تزين الإنسان وترفع قدره بين الناس، وهو خلق دعا إليه الإسلام وأكد عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة، ومن أبلغ هذه الدعوات ما ورد في قوله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18].

التواضع في القرآن الكريم

في هذه الآية الكريمة، يوجه الله تعالى الإنسان إلى التحلي بفضيلة التواضع، محذرًا من مظاهر الكبر والغرور التي تتنافى مع جوهر الإيمان. فقد نهى الله عز وجل عن صعر الوجه، وهو الميل به عن الناس تكبرًا واحتقارًا لهم، كما نهى عن المشي في الأرض بمرح وأشر، لأن ذلك يعكس غطرسة لا تليق بالإنسان المؤمن.

وقد جاء في تفسير الإمام النسفي: أن المقصود بـ {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ} هو الإقبال على الناس بوجه بشوش وعدم إظهار التعالي عليهم. أما {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}، فهو تحذير من المشي بغرور وتفاخر، لأن الله لا يحب المتكبر الذي يعدد مناقبه ويتفاخر على الآخرين.

التواضع في السنة النبوية

التواضع خلق عظيم تجسد في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان خير قدوة في معاملته للناس. فقد كان يجالس الفقراء ويزور المرضى ويجيب دعوة الضعفاء. وقال صلى الله عليه وسلم: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" [رواه مسلم].

أثر التواضع في بناء المجتمع

التواضع لا يقتصر على كونه خلقًا فرديًا، بل هو ركيزة أساسية في بناء مجتمع متحاب ومتسامح. فالإنسان المتواضع يُحبّه الناس ويقتربون منه، بينما ينفرون من المتكبر الذي لا يرى سوى نفسه.

كيف نطبق التواضع في حياتنا اليومية؟

استقبال الآخرين بوجه بشوش: كن ودودًا وبشوشًا في تعاملك مع الجميع، بغض النظر عن مكانتهم أو حالتهم الاجتماعية.

الاعتراف بفضل الآخرين: لا تجعل النجاح يدفعك لتقليل قيمة من حولك، بل اشكر من ساعدك وأثنِ على جهودهم.

التواضع في الحديث: تجنب التفاخر بإنجازاتك أمام الآخرين، وشاركهم قصصك بروح متواضعة.

الإنصات للآخرين: اجعل وقتًا للاستماع لآراء من حولك، واحترم أفكارهم دون تقليل من شأنها.

 

التواضع خلق عظيم يجلب المحبة والقبول، وهو مفتاح السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. فلنجعل من هذه الآية الكريمة نبراسًا نهتدي به في تعاملاتنا اليومية، ولنتذكر أن الكبر لا يزيد الإنسان إلا بعدًا عن الآخرين وعن رحمة الله.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يوجه رسالة لـ الرئيس السيسي: سِر على بركة الله
  • مفتي الجمهورية: الوسائل الحديثة من أهم نعم الله على الناس
  • مفتي الجمهورية: حب الوطن جزء من الدين والانتماء إليه واجب
  • مفتي الجمهورية: نحن أمام قضية وعي.. وهناك من يستغل الحماسة الدينية للشباب
  • مفتي الجمهورية: هناك دول وجماعات تستثمر مليارات الدولارات في نشر الشائعات
  • مفتي الجمهورية: الفتوى في الإسلام ليست من حق أي شخص ولها أدوات معينة.. فيديو
  • كواليس حوار شامل لـ مفتي الجمهورية مع أحمد موسى غدًا
  • التواضع زينة الأخلاق.. تأملات في قول الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}
  • مفتي الجمهورية يدين حادث الدهس في مدينة ماجديبورج الألمانية
  • بناء الإنسان.. مفتي الجمهورية يدير ندوة تثقيفية في أكاديمية الشرطة