في ظل تقدم العلوم والتكنولوجيا في العصر الحديث، يظهر أن العديد من الاكتشافات والتقنيات التي قد نعتقد أنها حديثة، في الواقع، تمتلك جذورًا تاريخية تمتد إلى التراث العلمي الغني للمسلمين. إن تفاجئنا بكيفية مساهمة علماء المسلمين في تطوير وتأسيس مجموعة من العلوم يُعد أمرًا مثيرًا وملهمًا.

على مر القرون، أسهمت الحضارة الإسلامية بشكل فعّال في تقديم العديد من العلوم التي تعد جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

يتضمن هذا التراث العلمي مجموعة متنوعة من الاكتشافات والابتكارات التي غالبًا ما تُنسب إلى العصور الوسطى الإسلامية.

من بين هذه العلوم، نجد الطب، حيث قام العلماء المسلمون بإحداث تقدم هائل في فهمهم للجسد البشري وعلاج الأمراض. كتب الطب الإسلامية، مثل "القانون في الطب" لابن سينا، و"الكنوز في الطب" للرازي، تعد شاهدًا على هذا الإرث الطبي الذي لا يُقدّر بقيمته.

في مجال الرياضيات والفلك، قام العلماء المسلمون بإسهامات هامة، حيث أدخلوا مفاهيم رياضية جديدة وقاموا بإعادة اكتشاف أعمال العلماء اليونانيين القدامى. الخوارزمي، الذي سميت عليه الخوارزمية، وابن الهيثم الذي ساهم في فهمنا لظاهرة الانكسار الضوءي، يمثلان نموذجين لتلك الإسهامات.

وفي ميدان العلوم الطبيعية، قدم العلماء المسلمون مفاهيم متقدمة في الكيمياء والفيزياء. ابن الهيثم، الذي يُلقب بـ "أبي البصريات"، كان له دور كبير في تطوير فهمنا للبصريات وعلم البصريات.

هذا وإلى اليوم، نجد أنفسنا نستلهم ونستفيد من هذا التراث العلمي المميز الذي قدمته حضارة المسلمين. إن فهمنا للعلوم الحديثة يستدعي إلقاء نظرة على الجذور الإسلامية لهذه العلوم، مما يبرز أهمية الحضارات القديمة في تشكيل مسار تقدم العلوم وتأثيرها الإيجابي على عالمنا المعاصر.

علم المراعي

في العصور القديمة، كان الإنسان يقوم بالهجرة من مكان إلى آخر بحثًا عن الأماكن الملائمة للرعي والزراعة والتجارة، بهدف توفير وسائل العيش وتوفير ظروف الأمان والاستقرار. يعتقد الكثيرون اليوم بشكل خاطئ أن علم المراعي هو من العلوم الحديثة، حيث يُرجح أن يعود تأسيسه إلى بدايات القرن العشرين. ومن بين المؤرخين الذين يعزون بدايات هذا العلم إلى القرن العشرين الأمريكي آرثر سامبسون، الذي أسس أول محطة لأبحاث المراعي في ولاية أريزونا عام 1903.

ومع ذلك، يُظهر البحث الدقيق في تراث المسلمين أن علم المراعي لم يكن حديث النشأة، حيث سبقه العالم الإسلامي أبا حنيفة الدينوري، الذي توفي عام 282 هـ. قدم الدينوري تعريفًا محددًا للمرعى ووضح أهمية مواسم الرعي وخصائص الدورات الرعوية. وقد روى عن ابن الأعرابي بعض المصطلحات البيئية الرعوية والتي كان يعتمد عليها الرعاة، مثل "الحمض" و"الخلة" و"السهب" و"الحزن" و"الصمان" و"العضاة".

أوضح الدينوري أيضًا فهم العرب لعلاقة جودة المرعى بقربه من مصادر الماء، وتطرق إلى موضوع إدارة المراعي وكيفية انتقال الرعاة بحثًا عن الكلأ في الفصول المختلفة. وكان لدى الإسلام اهتمام بحماية البيئة، حيث صدرت تشريعات لحمايتها، منع فيها الصيد عبر الحمى وحدد مناطق محمية للرعي.

إذًا، يظهر أن علم المراعي كان موجودًا في التراث الإسلامي منذ فترة طويلة وله أصوله وتطبيقاته في مجالات متعددة.

علم الشفرة

علم الشفرة، أو علم التشفير (Cryptology)، يُفهم كالعلم الذي يعنى بتحويل النص الواضح إلى نص آخر غير مفهوم باستخدام طرق معينة، حيث يمكن للشخص الذي يعرف هذه الطرق أن يفهم النص، ويُمكن التفريق بين الشيفرة والعملية العكسية، والتي تتمثل في تحويل النص المشفر إلى نص واضح، ويُعرف هذا العمل بـ "تحليل الشفرة" (Cryptanalysis). يحظى هذا العلم بأهمية كبيرة في العصر الحالي للحكومات، المؤسسات، والأفراد، خاصة في مجالات الأمان العسكري، والصناعة، والتجارة، والسياسة، والاقتصاد، والاتصالات.

تاريخيًا، يُشار إلى دور العرب البارز في تأسيس وتطوير علم الشفرة، حيث قاموا بصياغة العديد من المخطوطات والكتب حول هذا الموضوع. أحد هؤلاء العلماء هو الكندي الذي ألف رسالة في علم التعمية واستخراج المعمى في النصف الأول من القرن الثالث الهجري. ويشير الباحث دافيد كان إلى أن العرب كانوا يمارسون علم تحليل الشفرات قبل الغرب بفترة طويلة، معترفًا بالدور الكبير الذي لعبوه في تطوير هذا العلم.

تقوم طرائق تعمية النصوص على الاستبدال أو التبديل واستخدام أشكال مبتكرة للحروف. كما قام العلماء المسلمون بتحديد مراتب الحروف في اللغة واستخدامها لحل الشفرات. استمرار التراث الإسلامي في هذا المجال يعزز أهمية هذا العلم في العصر الحديث، حيث يتطلب الحفاظ على البيانات والمعلومات في ظل التطور التكنولوجي واستخدام الحواسيب الضخمة.

يركز هذا النص أيضًا على دور العلماء المسلمين البارزين مثل ابن الدريهم والكندي، الذين سبقوا الغرب في تقديم الأسس والمبادئ الرئيسية لعلم الشفرة. يشير النص أيضًا إلى الأساليب المتقدمة التي تم استخدامها في حل الشفرات، مثل تحليل الترتيب الحرفي والاستفادة من الحواسيب الإلكترونية في هذا السياق.

بشكل عام، يظهر النص أهمية علم الشفرة في الماضي والحاضر، وكيف أسهم العلماء المسلمون في تأسيس وتقدم هذا العلم الحيوي.

علم الوراثة

علم الوراثة يظهر كجزء حيوي من تاريخ الحضارة الإسلامية، حيث تتعامل مختلف العلوم الأساسية مثل الفسيولوجيا، وعلم الخلايا، وبيولوجيا التناسل، والهندسة الوراثية، وعلم التحسين الوراثي مع تفاصيل وتطورات الوراثة. يُرجع بعض المؤرخين نشأة علم الوراثة إلى الراهب النمساوي مندل، الذي وضع الأسس والقوانين الأولية له، وتقدم فيه علماء آخرون مثل دي فريز وباتيسون ومورجان.

تشير الأدلة التاريخية إلى دور بارز لعلماء المسلمين في تأسيس علم الوراثة، حيث استخدموا مصطلح "القيافة" وتحدثوا عن تحسين النسل وأشاروا إلى الانتقاء الوراثي الذي مارسوه على الخيول العربية. كما أظهروا فهمًا لظاهرة "التهجين" في الإنسان والحيوانات والطيور، وأدركوا حكمة التشريع الإسلامي في تحريم زواج الأقارب.

القيافة تُعد أساسًا لعلم الوراثة، حيث استخدمت في تفسير التشابه بين الخلف والسلف. وقد تناولت الكتب التراثية الإسلامية مفاهيم القيافة لتفسير التشابه بين الأجيال.

أيضًا، تناولت الأعمال العلمية لعلماء المسلمين قضايا خلق الأجنة، وأشار ابن قيم الجوزية إلى أن التشكيل الصحيح للكائن الحي يعتمد على اتحاد نطفة الذكر ببويضة الأنثى. تركز الكتب الإسلامية على هذا التأصيل الديني والتفسير القرآني للتشكيل الصحيح للكائنات الحية.

من ثم، أشار ابن قيم الجوزية إلى وحدات صغيرة في نطفة الرجل وبذرة الأنثى يُطلق عليها "عناصر"، مما يشكل أساسًا لنظرية المورثات (الجينات) في العلم الحديث. يتفق كلامه مع تطور العلماء الحديثين في تحديد الدور الأساسي للجينات والكروموسومات في نقل الصفات الوراثية.

يظهر أن علم الوراثة لم يكن مجرد ابتكار حديث، بل كان له جذور عميقة في التراث الإسلامي، وقد أسهم علماء المسلمين بمفاهيمهم وأفكارهم في بناء هذا العلم الحديث.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: علوم علم الوراثة هذا العلم أن علم

إقرأ أيضاً:

آليات وطائرات حديثة تحمل شعار «صنع في الإمارات»

أبوظبي: عدنان نجم
حرصت الشركات الوطنية الإماراتية خلال مشاركتها في فعاليات معرض آيدكس 2025، على عرض أهم ابتكاراتها في المجال الدفاعي والعسكري، وحظيت المشاركة الوطنية باهتمام كبير من قبل الزوار والمسؤولين، خاصة مع عرض آليات وطائرات حديثة، تحمل شعار «صنع في الإمارات».
وعرضت شركة إيدج الآلية GPR –NATHR-G، المخصصة لأغراض التدريب وكشف وتصنيف الأسلحة المضادة للأفراد والألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة والعبوات الناسفة، وجرى دمج مهام هذه الآلية لتقديم أداء متميز.
أما المدرعة «وحش» إماراتية الصنع، فهي تتميز بقدرة حركة عالية وحماية متطورة، مما يوفر حماية معززة للطاقم ضد التهديدات المختلفة في ساحة المعركة، وتم تصميمها بهندسة مرنة تتيح قابلية التعديل، مما يسمح بدمج أبراج وأنظمة مهام متنوعة لتلبية احتياجات العمليات القتالية المختلفة. جرى الكشف عن آلية THEMIS المسيرة والمخصصة للأعمال القتالية، حيث يتراوح وزنها بين 1640-2100 كيلو جرام، وتسير بسرعة 20 كم في الساعة، وتعمل لمدة 15 ساعة، وتقدم هذه الآلية الدعم المتقدم في المواقع الحرجة على خط النار، ويمكنها التعامل مع الظروف والبيئات عالية التهديد لتحديد الأهداف والاشتباك معها قبل التدخل البشري المباشر.فيما كشفت شركة أداسي عن طائرة ريتش إم المسيرة التي تتمتع بمرونة في التحمل.وتوفر الطائرة المرونة والقدرات الفتاكة والعديد من الاستخدامات الفعالة، بفضل قدرتها على الطيران لمدة تصل إلى 29 ساعة للمهام التي تقتصر على قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فقط، إضافة لقدرتها على تحمل المهام المسلحة لمدة تصل إلى 8 ساعات، مع إمكانية تزويدها بعدد 8 صواريخ موجهة.جرى عرض طائرة «جير» المسيرة التي تطير على مستوى متوسط الارتفاع وطويل الأمد، وتتناسب مع المهام الاستخبارية التكتيكية والمراقبة والاستطلاع، فضلاً عن الهجمات الأرضية، كما تتمتع الطائرة بقدرتها على الطيران لمدة 15 ساعة، بحمولة قصوى 100 كيلوجرام، وقدرة اتصال تبلغ 200 كم، وتتمتع بمواصفات مرنة وفعالة من حيث التكلفة.كما كشفت شركة إيدج عن طائرة SAR-P المسيرة التي يمكنها العمل على مدار الساعة والقدرة على رسم الخرائط بمرونة والتصوير، وجرى تصميمها بأجنحة ثابتة لالتقاط الصور الدقيقة، ويمكن أن تعمل على مدار الساعة وطوال اليوم، وتتمتع بقدرة أداء مهامها في الغيوم والضباب.كما جرى الكشف عن مركبة الحدة MATV 004 التي تجمع بين خفة الحركة والحماية العالية، مع قوة وكثافة نيران، مما يمكنها من لعب دور حيوي ومهم في حسم المعارك المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: مصر كان لها دور كبير في تعريف العالم حقيقة ما يحدث في غزة
  • محلة الحارة في الاعظمية.. تراث بغدادي يواجه شبح الاندثار بقرارات رسمية (صور)
  • أستاذ علوم سياسية: مصر لم تغب عن المشهد الفلسطيني لحظة واحدة
  • تقرير يحذّر من ارتفاع في جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا
  • أستاذ علوم سياسية: زيارة الرئيس السيسي لمدريد فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري
  • القاهرة الإخبارية: إسرائيل انسحبت ولكنها ما زالت تسيطر ناريًا على جنوب لبنان
  • كتاب “تطور العلوم الحديثة” يروي مسارات التطور العلمي عند البشرية عبر 3 آلاف عام
  • تراث بعقوبة في خطر.. محلة المنجرة تكافح للبقاء وسط تهالك المباني (صور)
  • شيخ الأزهر يحذر من محاولات بث الفرقة بين المسلمين: شغلت أذهان العلماء طويلا
  • آليات وطائرات حديثة تحمل شعار «صنع في الإمارات»