جلست إلى محجوب محمد صالح في وقت ما في بداية القرن لأدون منه سيرته وما اتصل منها بصديقه القديم أستاذنا عبد الخالق محجوب منذ عهدهما بمدرسة أم درمان الوسطى. وتوقفت عند روايته عن خلفيات لانقلاب 25 مايو غير مذكورة. وفيها ترى تكتيكين سياسيين اصطرعا في دوائر اليسار حول ما ينبغي عمله ل”الثورة المضادة” التي لم تختطف ثورة أكتوبر 1964 فحسب بل البرلمانية التي اعقبتها بحل الحزب الشيوعي، ومساعيها لفرض الدستور الإسلامي من فوهة البرلمان.

فالتكتيك الأول تبناه الحزب الشيوعي (وزعيمه عبد الخالق محجوب بوجه أخص) وهو محاصرة “الرجعيين” في الحكم بالجماهير لشل يدهم دون الدولة الدينية ونحو نهضة وطنية ديمقراطية. أما التكتيك الثاني فكان هو مباغتة الرجعيين بانقلاب تقدمي استولت فكرته على أفئدة البرجوازية الصغيرة في الحزب الشيوعي نفسه وفي المجتمع.

كان محجوب عضواً في جماعة دعا لها الحزب الشيوعي تكونت من بعض أعضاء فيه ويساريين مستقلين وقوميين عرب وقوى ديمقراطية اشتراكية. وكان المراد منها أن تتواثق على خطة لوقف الردة الرجعية. ومن قرأ “الديمقراطية في الميزان” لمحمد أحمد محجوب سيرى تلك الجماعة مذكورة فيه. وأبرز ما في رواية محجوب محمد صالح أمران. أولهما أن مولانا بابكر عوض الله، الذي مثل القوميين العرب، طرح على المجتمعين القيام بانقلاب لتحقيق غايتهم فرفضوه بالتصويت. أما الأمر الثاني فهي أن مولانا الانقلابي لم يرض بنتيجة التصويت واتصل بالعسكريين (أو جاء هو أصلاً بفكرة الانقلاب منهم) وقاطع اجتماعات الحلف اليساري بعد أن “دس عدة شغل” الجماعة اليسارية. فقد هرع بميثاق الجماعة السياسي للانقلابيين فصار نصه هو بيان انقلابهم الأول مع تعديلات ماكرة طرأت عليه. وكان هذا البيان بعهدة مولانا بابكر كواحد من ثلاثة كلفتهم الجماعة بصياغة برنامجها الذي لم يكتمل تحريراً. ولن أزيد هنا حتى لا أفسد متعة قراءة رواية شهادة محجوب محمد صالح بطرائفها. فإلى نص محجوب:

روى لي محجوب عن تخلق انقلاب 25 مايو في اجتماعات لمناهضين وطنيين ويساريين وقوميين للدستور إسلامي بدأت في 1967. وبعض هؤلاء المجتمعين ممن ظهرت اسماؤهم في سياق الحزب الاشتراكي الواسع الذي جرى ترتيبه لينضم له الشيوعيون بعد حل حزبهم في 1965. ولكنه سرعان ما نفضوا يدهم عن ذلك الحزب التقية وبقوا على حزبهم. نأي محجوب بنفسه عن الحزب الاشتراكي ولكنه واصل مع صديقه عبد الخالق تقليب فكرة وجوب وجود تنظيم أوسع بحيثيات وشروط أفضل مما توفر للحزب الاشتراكي. وكان عبد الخالق يعتقد أن مركز دائرة ذلك التنظيم هو الوقوف ضد الدستور الإسلامي، لا كموقف من الإسلام أو الشريعة، بل ضد استغلال الدين في السياسة وبوجه المحور الذي تكون بين الزعيم اسماعيل الأزهري، رئيس مجلس السيادة، والأمام الهادي المهدي، زعيم جماعة الأنصار، لفرض هذا الدستور.

واتصل عبد الخالق بمحجوب في 1968 ليعرض عليه فكرة تكوين لجنة أو مجموعة عمل تطرح منبراً دائماً لمواجهة التحالف الآخر: منبر لا سياسي بمعنى أنه لا شيوعي ولا يساري بل كجبهة علمانيين أو قريبين منها ترفض استغلال الدين وتقوم بعمل صبور ودؤوب (وهذه عبارة عبد الخالق الدائمة) لبناء حركة مستنيرة. وفي الترشيح لمجموعة العمل جرى ذكر أسماء الاتحاديين القدامى وشخصيات مستقلة. وجاء عبد الخالق بكشف لتلك الأسماء فيه إبراهيم يوسف سليمان، مكاوي مصطفى، خلف الله بابكر، عابدين اسماعيل، بابكر عوض الله، ووصف الأخير بعلاقات بالناصرية. ووافق محجوب على الانضمام للمجموعة.

وقال محجوب إن تلك المجموعة قربتنا من الانقلاب أكثر من العمل الجماهيري المنتظر. وقال كنا نجتمع في بيت مكاوي مصطفي أو خلف الله بابكر. وطُرحت علينا فكرة الانقلاب متى كانت لنا قوة في الجيش. ووقفنا بشدة ضد فكرة الانقلاب طلباً لعمل سياسي سلمي لا مهرب منه لتطور البلد. وكان منا المتأثر بالفكر الناصري الذي قال بأن ليس كل انقلاب سيء. وكان هذا رأي خلف الله بابكر الذي كان حريصاً ألا يتكلم كثيراً. ولكن الرأي الذي غلب هو رفض الانقلاب. وقال محجوب إنهم لم يتواضعوا على اسم للمجموعة، ولكنهم ساروا على أنها المنبر الثالث. واتفقوا على كتابة بيان صاغه اثنان منهم ذكر منهم عبد الخالق وضاع عليه اسم الآخر. وكُلفوه وعز الدين على عامر بإعداد قائمة بأسماء تُستقطب للمنبر بغض النظر عن أحزابها. فوقعوا على أسماء من أحزاب مختلفة مثل الأمير نقد الله وموسى المبارك وبلغت الأسماء مائة كان الترتيب جارياً لدعوتهم لاجتماع تأسيسي. ولم يكن للمجموعة مؤاخذة على إسلام حزبي الأمة والاتحادي ولكن التركيز على ما كانت تسعى له جبهة الميثاق الإسلامي للحركيين الترابيين. وبعد إعداد نقاط البيان وقف على صياغته ومراجعته كل من بابكر عوض الله وعابدين اسماعيل وخلف الله بابكر من نسخ وزعت عليهم.

وفجأة جمّد بابكر عوض الله نشاطه في المنبر من أوائل فبراير أو مارس 1969. فصار يعتذر عن اجتماعات المنبر، ويتغيب بينما بيان المنبر وقائمة الأعضاء المرشحين بطرفه. وقال إنهم علموا لاحقاً أن بابكر كان قد خلق صلة مع بعض الضباط. وكان لخلف الله نفس الموقف. ودليلهم على اعتزال بابكر لهم لصالح جماعته العسكرية أن البيان الأول لانقلاب 1969 كان هو نفس بيان المنبر مع بعض التعديلات. وكان عابدين اسماعيل المحامي، عضو المنبر، وقتها في ملكال يترافع في قضية. وحين سمع بيان 25 مايو ظن، لتطابق بيان المنبر وبيان الانقلاب، ظن السوء بالمنبر بالغدر والعمل من وراء ظهره. ودخل على محجوب في مكتب عز الدين على عامر قائلاً: دا شنو البتعملو فيهو دا؟ قلنا له نحن محتارين فيه مثلك. وقابلنا بابكر بعد ذلك وقال لنا إنه سيعقد لنا اجتماعاً مع الانقلابيين مع شبه اعتراف منه بأنه كان شغالاً مع الانقلابيين من وراء ظهرنا. وأضاف محجوب أن عبد الخالق كان عارفاً بالانقلاب ولم يصارحه وقتها. ولكن لثلاثة أو أربعة أيام قبل الانقلاب تذاكرا عمل المجموعة فقال محجوب له إن المذكرة مجمدة عند بابكر. فضحك عبد الخالق وقال “بابكر لقالو درباً غادي” لكنه لم يفصل إلا بآخرة.

هذه دراما “مفرق الدروب” بين تكتيك استنهاض الجماهير في عملية ثورية طويلة المدى وبين تكتيك الانقلاب الذي يحرق المراحل ويجرع السعادة للشعب غصباً عنه. وإنك لترى من رواية محجوب كيف خرج الانقلاب من بيئة يسارية تغلب فيها “المغامرون اليائسون” من بأس الشعب، في قول الشيوعيين، على من رغبوا في التغيير تحت عين الشعب الساهرة وبواسطته. لقد كان من بين المستعجلين شيوعيون بالبطاقة والسابقة وقفت بهم قاطرة الثورة عند محطة الانقلاب ووصفوا أمثالنا من شيعة أستاذنا عبد الخالق، من أرادوا لشعبنا الثورة الفضلى بديلاً عن الانقلاب “البي سيدو”، ب”المنبطحين على النصوص”. وأكثر من اذاعها الرفيق الصديق الصحافي عبد الله عبيد.

عبد الله علي إبراهيم
———————

محجوب في حديث عن حياته.

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: محجوب محمد صالح الحزب الشیوعی عبد الخالق

إقرأ أيضاً:

في ذكراها الثالثة كيف كان صدى استقالة حمدوك؟

بقلم: تاج السر عثمان

١
مضت ثلاث سنوات على استقالة حمدوك في ٢ يناير ٢٠٢٢، بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 الذي جاء امتدادا لانقلاب اللجنة الأمنية في ١١ أبريل 2019 ومجزرة فض الاعتصام، ووجد مقاومة ورفضا جماهيريا واسعا عبرت عنه المسيرات و المظاهرات والمليونيات التي استمرت حتى بعد اتفاق حمدوك - البرهان الذي كرس الانقلاب، ولم يلتزم العسكر به مما قاد لاستقالة حمدوك ، وفشل الانقلاب حتى في تكوين حكومة، بعدها حدث التدخل الدولي وتم فرض الاتفاق الإطاري الذي أعاد الشراكة مع العسكر والدعم السريع وابقي على اتفاق جوبا، وكرس الإفلات من العقاب، والصراع على السلطة بين الدعم السريع و الطفيلية الإسلاموية العسكرية والمدنية، والذي قاد البلاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التي باتت تهدد وحدة البلاد بالتقسيم والدعوات للحكومة الموازية لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان غير الشرعية ، وما جلبته من مآسي وكوارث. أطلق انقلاب ٢٥ أكتوبر رصاصة الرحمة على "الوثيقة الدستورية" التى شبعت خرقا وتزويرا، فضلا عن أنه كان امتدادا للحلقة الجهنمية من الانقلابات العسكرية التي دخلت فيها البلاد، وقوضت مسار الحكم المدني الديمقراطي، التي تتطلب عدم تكرار التسوية وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع وكل المليشيات الإسلاموية وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية، والخروج من الحلقة الجهنمية، نحو استدامة وترسيخ الديمقراطية والسلام والتنمية المتوازنة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والسيادة الوطنية ووحدة البلاد.
وبهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال بعنوان "الثورة مستمرة بعد استقالة حمدوك" الذي نشر بتاريخ ٥ يناير ٢٠٢٢.
٢
جاءت استقالة حمدوك حلقة جديدة في سلسلة تفاقم أزمة الانقلاب وتصدعه بعد استقالة عضو المجلس السيادي د. عبد الباقي عبد القادر ، ووكيل وزارة الصحة د. هيثم محمد إبراهيم ، اضافة لتفاقم الأزمة الاقتصادية كما في الزيادات الكبيرة في أسعار الكهرباء وارتفاع الأسعار، وتدهور الإنتاج الزراعي كما في خروج (165)الف فدان بمشروع الجزيرة من دائرة الإنتاج ، وزيادة الضرائب بنسبة 600% ، ومشاكل تواجه العروة الشتوية بسبب العطش وعدم تطهير القنوات، واستمرار نزيف نهب ثرواتها البلاد، وقدراتها البشرية كما في تهريب الذهب للامارات والمحاصيل النقدية الي مصر ( ماشية، صمغ، سمسم . الخ) ، وتصدير المرتزقة للسعودية لحرب اليمن، في حين البلاد اصبحت علي حافة المجاعة.
اضافة لارتفاع الصرف علي الأجهزة القمعية لمواجهة تصاعد الحركة الجماهيرية كما في الاضرابات مثل: اضراب العاملين في بنك الخرطوم.الخ ، وتزايد دور لجان المقاومة في الشارع كما في المليونيات الرافضة للانقلاب التي تصاعدت، بل اصبح بعضها خارج الجدول كما في مليونية 4 يناير 2022 التي دعت لها لجان المقاومة في امبدة ، وسار معها تجمع المهنيين و أكثر من(26) لجان مقاومة أخري ، التى انطلقت في العاصمة واتجهت للقصر الجمهوري، وبعض المدن مثل: بورتسودان . الخ، رغم إغلاق الكبارى ، وتحول العاصمة لثكنة عسكرية ، وإغلاق جميع الشوارع الرئيسية المؤدية للقصر بالاشلاك الشائكة، وانتشار كثيف لقوات الاحتلال، ورغم القمع الوحشي ب"البمبان" والقنابل الصوتية ، واستخدام الرصاص الحي والمطاطي مما أدي لاصابات جاري حصرها، ووجود القناصة الذين تمّ رصدهم في اسطح المسجد العتيق وعمارة الالمتيوم واطلاق "البمبان" في البيوت والمسجد مما أدي لحريق بعض المباني كما في حي العباسية بام درمان، والهجوم ب"البمبان" علي طاقم قناة التلفزيون العربي ومحاصرة مكتبها والذي وجد استنكارا واسعا كما في بيان تجمع الصحفيين 4 يناير ، وحملة الاعتقالات للثوار والتعذيب الوحشي للمعتقلين ونهب ممتلكاتهم كما في الصور التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم ذلك تمكن الثوار من دخول شارع القصر في صمود وبسالة، تستوجب مواصلة المقاومة واستكمالها بالاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقرراطي.
بعد استقالة حمدوك جاءت شعارت الثورة واستمرارها كما في مليونية 4 يناير " استقال ما استقال .. هدفنا اسقاط الانقلاب"، " استقال ما استقال .. الجدول شغال " " الثورة ثورة شعب .. والعسكر للثكنات .. والشارع للمكنات.. والجنجويد ينحل" ، " أم در تنزف ..دارفور تنزف . لن يحكمنا فلول النظام البائد .. ولن يحكمنا الجنجويد" ، " الظالمون سيذهبون .. لا لن يعودوا من جديد " ، " الثورة مستمرة مع بداية العام الجديد"، تكتيكات النفس الطويل للعصيان المدني"، " ارجع ثكناتك يابرهان .. سلم شركاتك يابرهان " ، ثوار أحرار حنكمل المشوار"، جيب العسكر جيب ابوطيرة .. يابرهان جايينك سيرة"، "يا ثائر فجر بركانك.. ده العسكر قتل إخوانك". الخ من الشعارات التي تعبر عن شعارات الثورة من قصاص للشهداء، رفض اشراف السلطة الانقلابية علي الانتخابات التي ستكون نتيجتها مزورة ومعروفة سلفا ، بل اسقاط الانقلاب لضمان انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، وغيرها.
٣
مع استمرار الثورة والمليونيات لم تنشغل الجماهير كثيرا باستقالة حمدوك التي جاءت خالية من إدانة المجازر التي حدثت بعد انقلاب 25 أكتوبر والذي حاول تكريسه بتوقيعه علي اتفاق 21 نوفمبر ٢٠٢١ مع البرهان بحجة حقن الدماء ، لكن المجازر استمرت بعد اتفاق البرهان – حمدوك ليصل عدد الشهداء (15) شهيدا يتحمل مسؤوليتهم مع قادة الإنقلاب الدموي. هذا اضافة لعدم النقد الواضح والمباشر لاخطائه التي ساهمت في الانحراف عن أهداف الثورة وجعلت الحياة المعيشية لا تطاق مثل: الضرب بعرض الحائط لتوصيات المؤتمر الاقتصادي ،وخضوعه لتوصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن الوقود والدقيق والكهرباء وتخفيض العملة لأكثر من 600% ،وتفريطه في ملف السلام بتركه للمكون العسكري الذي وقع اتفاق جوبا الذي يهدد وحدة البلاد ، ورغم ذلك اعتبره حمدوك في خطابه من منجزاته!! ، علما بأنه زاد الحرب اشتعالا في دارفور ، وأدي لأزمة الشرق برفض المسارات وتحوله لمحاصصات ومسارات لا علاقة لها بجماهير المعسكرات والنازحين الذين يطالبون بالعودة لقراهم وحواكيرهم وارجاع المستوطنين الأجانب لبلادهم ، وإعادة إعمار مناطقهم هذا اضافة للتفريط في ملف العلاقات الخارجية حتى تمّ التطبيع مع اسرائيل ، وتلك مهمة المجلس التشريعي المنتخب القادم ، و في سبيل التطبيع دفع مبلغ 335 مليون دولار تعويضا لضحايا تفجير الباخرة في جريمة ارهابية ليس مسؤولا عنها شعب السودان، اضافة لاعتباره الدعم السريع المتورط في جرائم الإبادة الجماعية في دارفور ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة حسب تقارير الأمم المتحدة ضمن القوات المسلحة ، واستجابته لضغوط الفلول في إبعاد بروفيسور محمد الأمين التوم ود. عمر القراي ود. أكرم من وزارة الصحة ، وعدم المتابعة لملف مجزرة فض الاعتصام لأكثر من عامين ،الخ.
كما دعا في استقالته للتوافق علي ميثاق وطني ، ولرسم خريطة طريق لاكمال التحول المدني الديمقراطي علي هدي "الوثيقة الدستورية"، علما بأن "الوثيقة الدستورية" المعيبة كرّست هيمنة العسكر في الشراكة ، وقننت الجنجويد دستوريا ، وابقت علي كل الاتفاقات الخارجية التي فرطت في السيادة الوطنية، مثل استمرار الوجود في حلف اليمن وبقية الاحلاف العسكرية، وشبعت موتا وخرقا ، فأي "وثيقة دستورية" تكون أساسا للتوافق الوطني بعد الانقلاب الدموي الذي قام به العسكر وداس عليها.
كما لم يحدد دور المكون العسكري في الفشل ، وكيف يتم التحول المدني الديمقراطي في ظل الشراكة مع العسكر؟!!!. فقد سقطت الوثيقة الدستورية بعد الانقلاب واتفاق حمدوك البرهان بعد استقالة حمدوك، رغم ذلك استمر وزراء حركات سلام جوبا في مناصبهم!!، علما بأن الانقلابات العسكرية فرطت في اراضي البلاد وسيادتها ووحدتها كما في اغراق مدينة حلفا التاريخية أيام ديكتاتوية عبود ، وتفريط الديكتاتور نميري في السيادة الوطنية بفتح السودان لاسرائيل لتهريب الفلاشا ، وتعميق مشكلة الجنوب بخرق اتفاقية اديس ابابا مارس 1972 واصدار قوانين سبتمبر 1983 مما أدي لتعميق الحرب ، ليتم فصل الجنوب ايام الديكتاور البشير ، وفي عهده احتلت مصر حلايب وشلانين وأم رماد ، و حتلت اثيوبيا الفشقة.الخ بعد المؤامرة الفاشلة لاغتيال حسني مبارك من أمن حكومة البشير، وفرط في اراضي البلاد الزراعية بتأجيرها بعقود امتدت الي 99 عاما ، مما يتطلب مراجعتها.
٤
كما استمر التدخل الدولي في الشأن الداخلي بعد استقالة حمدوك ، كما جاء في حديث فولكر رئيس البعثة الأممية في السودان الذي أشار لضرورة الحوار الشامل ، وتقديم مرتكبي أعمال العنف للمحاكمة ، كما دعا مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية الي : التوافق والحرص علي استمرار الحكم المدني ، وتعيين رئيس والوزراء المقبل والحكومة بناءً علي الوثيقة الدستورية!! ، هذا اضافة لاستمرار التدخل الإاراتي السعودي المصري في الشؤون الداخلية بهدف استمرار نهب ثروات البلاد.
كل ذلك يتطلب اوسع اصطفاف من أجل مواصلة المقاومة الجماهيرية المتصاعدة من لجان المقاومة واستكمالها بأوسع حراك جماهيري للعاملين والموظفين والمهنيين والمزارعين والطلاب والشباب والنساء من تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والسيادة الوطنية بتحرير البلاد من قوات الاحتلال المرتهنة للخارج، ومواصلة التراكم النضالي الجماهيري حتى الانتفاضة الشعبية الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب الذي بدأ يترنح وقيام الحكم المدني الديمقراطي، ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية.

alsirbabo@yahoo.co.uk  

مقالات مشابهة

  • مخالف للقانون الدولي| مندوب مصر بمجلس الأمن: ندين احتلال إسرائيل للأراضي السورية
  • عن إسم الرئيس.. هذا ما قاله الحزب للودريان
  • من الفراغ إلى المنع.. ما الذي تغير على الحدود السورية اللبنانية؟
  • وزير الشباب يلتقي عبد الله بن صالح النعيم لبحث آفاق التعاون المشترك
  • محمد خلدون.. حفيد عبد القادر الجزائري الذي أعدمه نظام الأسد بصيدنايا
  • وفيات الثلاثاء .. 7 / 1 / 2025
  • ضربة لهيكل النساء المسلحات في حزب العمال الكردستاني
  • من الذي يحكمنا الآن !!
  • في ذكراها الثالثة كيف كان صدى استقالة حمدوك؟
  • وفيات الاثنين .. 6 / 1 / 2025