استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان: تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
(قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي)

بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
(الجزء الرابع)

استقطاب حكومة رواندا للعون الخارجي لدعم مشاريع التعليم
• التمويل:
المال بلا شك، هو اساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو يمثل الوسيلة الأساسية التي يتم من خلالها تحقيق الازدهار الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة للأفراد والمجتمعات بشكل عام.

والمال هو العنصر الأساسي الذي يسهم في تحفيز الاستثمار، وتمويل الأنشطة الاقتصادية، وتحقيق التوازن في الأسواق، وتوفير الخدمات الضرورية للمجتمع، مما يعزز من فرص النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. فهو قبل كل شيء، يُعَد عاملاً أساسياً لتمويل الاستثمارات، وهي العمليات التي تسهم في بناء وتطوير البنية التحتية، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتحسين التكنولوجيا، وتوفير فرص العمل. ويعتبر ايضاً أداة لتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال دعم البرامج والمشاريع الاجتماعية التي تهدف إلى تحسين جودة حياة الفئات الضعيفة والمحرومة في المجتمع. فمن خلال تخصيص الموارد المالية للتعليم، والصحة، والسكن، والقضايا الاجتماعية الأخرى يمكن تحقيق تقدم كبير في مستوى المعيشة والتمتع بفرص متساوية للجميع.
ونخلص الى ان المال ليس مجرد وسيلة للتبادل التجاري، بل هو عنصر أساسي يؤثر بشكل كبير في تطور وازدهار الاقتصادات والمجتمعات. ومن هنا، يتبين أهمية إدارة الموارد المالية بشكل فعال وفعالية لضمان استخدامها بطريقة تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل شامل ومستدام. هذا المدخل الذي يتحدث عن بعض البديهيات في اهمية المال هو المدخل لنا في تامل المجهودات التي بذلتها الحكومة الراوندية لتوفير المال لدفع مشاريعها التنموية وخاصة في مجال المتعليم.
ففي المقال الثالث، تحدثت عن تطور التعليم في رواندا، حيث أشرت إلى أن الجرح العميق الذي خلفته الحرب الأهلية كان درساً استفاد منه الشعب الرواندي، وعمل بجد لتجاوز هذه المأساة. وأكدت على أن الحكومة والدولة قامتا بالاستثمار في التعليم، مؤكدةً بذلك أن الإنسان هو أعظم رأسمال في أي نشاط بشري على هذه الأرض.
استهدف العمل الرئيسي للحكومة والدولة في رواندا التطوير في التعليم، وذلك من خلال تخصيص ما يعادل 4% من الدخل القومي للتعليم، وما يعادل 20% من الميزانية السنوية للدولة للتعليم العام، مع تخصيص 47% من هذه الميزانية للتعليم الابتدائي. وأشرت في المقال اياه إلى نجاح الحكومة الرواندية في جذب الدعم المالي من مؤسسات الأمم المتحدة والدول المانحة والمنظمات الخيرية، حيث بلغت نسبة هذا الدعم 46% من ميزانية التعليم، وهذا يتماشى مع رؤية الدولة لعام 2050. وتمكنت الحكومة من جذب هذا الدعم من خلال فرض قوانين النزاهة في التصرف في المال بشفافية وتكليف المختصين بالعمل كل في مجاله. ومن خلال هذه الشفافية ووضوح الرؤية، تحفزت المنظمات المانحة على تقديم الدعم المالي بسخاء. وتتم مراجعة جميع التخصيصات المالية بدقة مع التركيز على تحقيق الأهداف المطلوبة. وقد هدفتُ من خلال استعراض تجربة رواندا إلى تثقيف أصحاب الوجعة في السودان (السياسي والمخطط والمواطن والطالب) حول الجهود والخطوات التي اتخذتها هذه الدولة الأفريقية الصغيرة لتخطي المحنة وصنع نموذج يحتذى به لباقي دول القارة، وربما للعديد من دول العالم الثالث.
• كيف يمكن ان يستفيد السودان من التجربة الراوندية بعد توقف الحرب؟
تمثلت نجاحات ثورة ديسمبر2018 في الاتي:
- خروج السودانيين في المسيرات المليونية - وهو أمر غير مسبوق في التاريخ الأنساني القديم والحديث- اسقط حكومة الكيزان الى الابد.
- تكوين الحكومة - مع ما صاحب ذلك من نقص في استيعاب العسكر ، كان يعني بداية العصر المدني للدولة السودانية.
- انجازات لجنة ازالة التمكين أرعبت المنظومة الاخوانية الفاسدة وضربتها في مقتل في المال والممتلكات والسلطة.
- اتفاق جوبا مع عيوبه استطاع ان يسكت صوت البندقية الى الابد.
- مؤتمر باريس :
وكان هذا قاصمة الظهر اذ بيّن اليد الطولى واللاحقة لرئيس الوزراء ومجموعة الطاقم الفني من الوزراء حيث نجح المؤتمر برفع اسم السودان من القائمة السوداء وارجع السودان الى حظيرة الانسانية التي حرمنا منها وخففت الديون عن كاهل السودان وتأهل للمساعدات والقروض الدولية التي تؤهله لدخول عصر التنمية واستقطاب العون الخارجي.
نجح مؤتمر باريس كما قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد العظيم المهل، إن "المؤتمر كان إيجابياً عكس المؤتمرات السابقة، حيث حقق جزءاً كبيراً من أهدافه"، مشيراً إلى أن "تحقيق هذه الأهداف ينفصل تماماً عن مسألة تأثير ذلك على المواطن مباشرة في المدى القريب، لكن من الطبيعي أن يظهر هذا الأثر في حال استلام السودان لأي مبلغ تم التعهد به سواء في شكل منح أو قروض، وأضاف المهل "في شأن الديون، فإنه تم التعهد بإعفاء السودان من 90 في المئة من مجملها، ويتوقع أن يتم ذلك في يونيو (حزيران) المقبل. وفي المقابل، يعتقد المحلل المالي السوداني طه حسين، أن مؤتمر باريس نجح من حيث المبدأ، مقارنة مع المؤتمرات الثمانية السابقة، فقد تم الإعداد له بطريقة مختلفة، مشيراً إلى أنه للمرة الأولى يحدث التزام السداد والتنفيذ، فهناك تعهدات منذ عام 2005، وآخرها ما تم الإعلان عنه في مؤتمر أصدقاء السودان الذي عقد نهاية عام 2020 في برلين، ولم يتم سداد غير 20.5 في المئة من إجمالي التعهدات فقط. وفي نفس السياق توقع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في تصريحات صحافية، عقب عودته إلى الخرطوم من العاصمة الفرنسية باريس، أن يتم إعفاء بلاده من حوالى 80 في المئة من ديونه الخارجية، أي ما يعادل 46.44 مليار دولار، بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك"، وذلك في نهاية يونيو المقبل، لافتاً إلى أن بقية الديون البالغة 14 مليار دولار هي بمثابة ديون خاصة على الحكومة السودانية. وبيّن حمدوك أن مؤتمر باريس أعاد السودان إلى منظومة التنمية الدولية، وقدمه بوجه استثماري وسياسي جديد، موضحاً أنه شكل علامة فارقة في مسار الانتقال المعقد نحو ديمقراطية راسخة في البلاد، كما اعتبر نتائجه أقل هدية يقدمها للسودانيين. ودعا مواطنيه إلى مواجهة تحديات الانتقال ومعالجتها محلياً من دون التفكير في تصديرها إلى العالم، الذي أكد بأنه معجب بالتجربة السودانية. كما لعبت الولايات المتحدة دوراً مهماً في حث كثير من الدول ومؤسسات التمويل الكبرى على تقديم العون والمساعدة للسودان، من أجل تجاوز أزمته الاقتصادية.
لقد اوردت هذه المقدمة لكي استنبط منها ان هذا الطاقم الذي نجح بهذا المستوى في مخاطبة العالم بهذا القدر من الاداء؛ هذا الطاقم لا شك انه سيكون اكثر قدرة على لعب دورا اكبر لو كتب لنا ان تتوقف هذه الحرب و يعود اللاعب الرئيسي الدكتور حمدوك ليقوم بنفس الدور مرة أخرى. فالرجل يحوز على قدر من المعرفة والمهارات والقبول ستمكنه أن يحدث التغيير المنشود في بلادنا ان شاء الله. فهو بخلفيته الاقتصادية يكون هو الرجل المعني بالتغيير، لان التنمية في السودان تنطلق من هذا القطاع للقطاعات الاخرى ومنها التعليم.
في الفقرات التالية، سنقوم بتفصيل الوسائل التي استخدمتها رواندا لجذب الدعم المالي العالمي وسنستعرض أسماء شركائها في التنمية وههم أيضاً شركماء في هذا النجاح اذ ساهموا في مساعدتها على الخروج إلى بر الأمان. سنقوم بعرض أسماء المؤسسات والمنظمات الرئيسية السبع التي ساهمت بشكل فعّال في دعم الاقتصاد الرواندي عمومًا ومشاريع التعليم خاصةً، وبتركيز خاص على التعليم الابتدائي الذي حظي بأكبر قدر من التمويل لأهميته في تأهيل المواطنين الروانديين لمستقبلهم العظيم في المنظور القريب والبعيد كمنتجين ومستهلكين في اقتصاد عالمي سريع الايقاع ويتطلب معارف ومهارات عالية للتنافس في السوق العالمي الجديد.
الشركاء الدوليين الرئيسين السبعة في تنمية قطاع التعليم الأساسي في رواندا
1. FCDO Foreign, Commonwealth & Development Office (United Kingdom)
التعليم للجميع: قيمة المشروع (97.6 مليون جنيه إسترليني، 2015–23). وهو برنامج فني لتحسين الجودة ورفع مستوى المسئولية على مستوى المدرسة في رواندا (2015–2023) بدعم وتنفيذ من ESSP)) Education Sector Strategic Plan بالتعاون مع وزارة التربية MINEDUC، REB Rwanda Basic Education Board والوكالات المركزية لتعليم الاساس والمدارس. كانت أهداف المشروع العامة هو تصميم وتنفيذ برنامج لتعزيز المهارات الفنية والقدرات في ثلاث مجالات أساسية:
(i) تحسين تدريس اللغة الإنجليزية والرياضيات في الصفوف من الصف الأول إلى الصف الثالث؛
(ii) تحسين قيادة المدرسة مع التركيز على التعليم؛
(iii) تعزيز الأنظمة التعليمية التي تعالج الفجوات الرئيسية على مستوى القطاع والوطني.
شمل البرنامج مكوناً للمساعدة الفنية (ارساء أسس التعلم:Basic Leraning Foundation (BLF)) بالإضافة إلى مساعدة مالية خارج الميزانية كمنح مالية للمدارس، والكتب الدراسية، والتدريب المستمر للمعلمين لدعم المنهج الجديد. تعمل (الBLF) على تحسين نتائج التعلم في اللغة الإنجليزية والحساب من الصف الأول إلى الخامس في جميع المدارس الابتدائية الحكومية والتي تحظى بدعم الحكومة، مما يضمن أن الأطفال الروانديين لديهم المهارات الأساسية للتقدم بنجاح من خلال هذا النظام. وكان من المقرر أن ينتهي المشروع الأصلي في عام 2021. لكن تم التمديد له في التكلفة والوقت لمواصلة وتعزيز مهارات اللغة الإنجليزية لكل من المعلمين والدارسين .
2. World Bank –Quality Basic Education for Human Capital Development Project (US$200 million, 2019–24)
البنك الدولي – مشروع تحسين التعليم الأساسي لتنمية رأس المال البشري (200 مليون دولار أمريكي، 2019–24. قيمة المشروع كانت 200 مليون دولار أمريكي تهدف إلى تحسين كفاءة المعلمين وتشجيع الطلاب بعدم التسرب كفاقد تربوي في مرحلة التعليم الأساسي. يركز الهدف الأول على تعزيز فعالية المعلم لتحسين تدريس الطلاب. و الهدف الثاني، تحسين بيئة المدرسة لجعل المدرسة مكانا جاذبا للطلاب، كذلك حلت بعض القضايا الحرجة المتعلقة بالازدحام والمسافات الطويلة إلى المدارس من خلال بناء فصول دراسية إضافية ومدارس جديدة على مستوى المرحلة الابتدائية. والهدف الثالث، كان لتطوير القدرات المؤسسية لتعزيز وتطوير القدرات المؤسسية لتعزيز التعيلم والتدريس وتحديث مهارات ومعرفة الموظفين الرئيسيين في الوحدات التي تدير وتنفذ المشروع.
3. Lego Foundation and UNICEF-Learning through Play (US$4 million, 2020-23)
اليونيسيف ومؤسسة LEGO– التعلم من خلال اللعب (4 مليون دولار أمريكي، 2020–23). يسعى هذا المشروع الى تنفيذ منهج الكفاءات المعتمد في المدارس الابتدائية في رواندا. ويقوم بتدريب المعلمين على تقنيات التدريس المركزة على الطفل والقائمة على اللعب التي تشمل على الأنشطة الحرة والموجهة معاً
4. Belgium and the ELMA Foundation – Induction System for Newly Qualified Teachers (EUR 2.15 million, 2017–24)
بلجيكا ومؤسسة ELMA – نظام تدريب للمعلمين الجدد المؤهلين (2.15 مليون يورو، 2017–(2024. الغرض من هذا البرنامج هوتطوير إرشاد ومراقبة المعلمين الجدد المؤهلين بوساطة الموجهين التربويين. ويتم ذلك بالتزامن مع المدربين من المعاهد التقنية. والهدف من التوجيه والمراقبة هو التعزيز والربط بين التدريب قبل الخدمة وأثناء الخدمة. ولن تقف فائدة هذه العملية على المعلمين الجدد فقط في اعدادهم لمهنتهم؛ بل تتعداها الى المعاهد التقنية التي تشارك فيما يحدث في المدارس والمامها بالتحديات التي تواجه المعلمين الجدد في السنة الأولى من الخدمة. ويمكن للمعاهد التقنية المرجعية بدورها تحسين تدريب المعلمين الاساسي. يعمل البرنامج في أربع مقاطعات في مقاطعة الشرق ومقاطعتين في مقاطعة الغرب.
5. United States Agency for International Development USAID
n.d.a).– سوما أميني (72.5 مليون دولار أمريكي، 2016–21). دعم هذا المشروع الجهود الحكومية لتحسين جودة تعليم القراءة في الفصول الدراسية، وتعزيز قدرة النظام في جميع أنحاء القطاع التعليمي، والحفاظ على تحسين القراءة وزيادة عدد الطلاب في الصفوف 1-3 قادرين على قراءة وفهم النصوص على مستوى الصف؛ ومن بين الأنشطة تحسين التطوير المهني وتقديم الدعم المستمر للمعلمين، وضمان توفر المعلمين والطلاب المواد الكافية لتعليم القراءة والممارسة، ومساعدة المعلمين على التركيز على نتائج تعلم الطلاب.
6. United States Agency for International Development USAID– Literacy, Language and Learning (L3) Initiative (US$26.6 million, 2011–17(
USAID– مبادرة القراءة واللغة والتعلم (26.6 مليون دولار أمريكي، 2011–2017). دعم هذا المشروع جهود MINEDUC لتحسين مهارات القراءة والحساب للطلاب في المدارس الابتدائية. هدف البرنامج الى التدريب قبل واثناء الخدمة لإدخال استراتيجيات التدريس وشمل متطوعين من المجتمع. وكان المقصود منه إحداث مكاسب في القراءة المبكرة والحساب واللغة الإنجليزية كلغة ثانية (EDC، 2011). وشملت الاهداف:
• الوصول إلى أكثر من 25,290 معلمًا من خلال برامج التدريب قبل الخدمة وأثناءها والتدريب المكثف
• الوصول إلى أكثر من 1.8 مليون طالب في جميع المدارس الابتدائية الرواندية البالغ عددها 2,400
• تدريب أكثر من 1,140 لجان أهلية تعليمية في دعم التعلم في القراءة.
• توزيع أكثر من 9 ملايين مواد تعليمية على المدارس.
7. United States Agency for International Development. USAID Soma Umenye (US$72.5 million, 2016-21)
هذا المشروع كان بغرض دعم جهود الحكومة لتحسين جودة تعليم القراءة في الصفوف الدراسية، وتعزيز قدرات الحكومة في قطاع التعليم، والحفاظ على تحسين القراءة وزيادة عدد طلاب الصفوف من الصف الأول إلى الثالث القادرين على قراءة النصوص على مستوى الصف؛ وشملت الأنشطة تحسين التنمية المهنية وتوفير الدعم المستمر للمعلمين، وضمان توفر المواد الكافية لتعليم القراءة والممارسة، ومساعدة المعلمين في التركيز على نتائج تعلم الطلاب.
وباختصار قدم النموذج الراوندي في ادارة الدولة دروساً يمكن الافادة منها في كثير من المجالات. وبالنسبة لي فان هذا النموذج السياسي الرواندي قد ادخل على نفسي شيء من الطمأنينة –كما فعلت جنوب افريقيا مع القضية الفسلطينية في الجمعية العامة للامم المتحدة- اذ بالامكان ان يقوم الافارقة بمبادرات على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخ تكون اضافة حقيقة في العالم المتحضر اليوم. وهذا النموذج في التعليم في رواندا جدير بالاحتفاء والافادة منه ولا غرابة اذ هاجرت بعض الفعاليات العلمية السودانية لمواصلة تعليمها في رواندا نتيجة لعدم الاستقرار في السودان كما هو الحال في هجرة طلاب الطب ب(جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا) الى كيجالي لمواصلة دراستهم في جوي آمن ومحفز. ولا غرابة اذ صارت رواندا كذلك واحدة من أنجح الدول التي استجابت للعمل بنجاح في محاربة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) في إفريقيا، والآن تعمل بجد لوقف انتقال فيروس الإيدز من الأم إلى الطفل. ويتم ذلك من خلال مزيج مبتكر من العلم والتكنولوجيا.
(انتهى)
وفي الحلقة الخامسة سنتحدث ان شاء الله عن:
(i) فلسفة التعليم في السودان
(ii) اقتصاديات التعليم في السودان
(iii) التخطيط التربوي في السودان
For more denials you can consult:
• Spotlight on Basic Education Completion and Foundational Learning in Rwanda 2022.
• More details on HIV/AIDS see:https://www.pbs.org/newshour/show/rwanda-torn-genocide-became-global-anti-aids-leader

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المدارس الابتدائیة ملیون دولار أمریکی مؤتمر باریس هذا المشروع الترکیز على فی السودان التعلیم فی على مستوى فی رواندا أکثر من من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

عنف السلطة ولعنة الذهب

محمد بدوي

يخطو فارعا بثبات كشجرة ميلاد اقتنصت جذورها مسار نبع، صبي لم يتجاوز السادسة عشر من العمر، استوقفتني تحيته التي سبقتها ابتسامة كشفت بياض سنون الشعوب الاصيلة، قائلا ” سلام يا خال، كيفك”، انه ” دينق” أو ” جدو” كما تسعده المناداة، رددت التحية ببسط الكف هاشة مرحبه به، ابتسم مرة أخري وهو يخفض راسه ليجسر فارق الطول وهو يعقب على تحيتي، الحمد لله ، ” جدو” حملته أحوال انفصال الجنوب بعيدا عن ضاحية مولده الكلاكلة الخرطومية إلي جوبا وطن الأجداد، ودعته جوبا شرقا أفريقيا حيث منابع النيل لاكمال دراسته الاساسية، فاربكته الجغرافيا ومادة الجغرافيا بتضاريسه الجديدة، ليزداد إرتباكا حينما سقط النيليين في صراع بالدولة الجديدة، فعاد الوجدان بحثا عن حنين تركه دون وداع بالكلاكلة فظل حين تباغته الغربة يردد ” انا ود الكلاكلة”، ولا شنو يا ” خال” ! ثم يردفها بمقاطع من النشيد الوطني لجنوب السودان بالإنجليزية

” أيتها الأرض الأم
نرفع العلم عاليا بإفتخار
وقد توحدنا في سلام وتناغم”

يكملها ثم يختم حديثه كقائد اوركسترا “ افريقيا ويي“ ويمضي سعيدا.

(٢)
عرفت السودان والسودانيات/ين مع إرتباطها بالعمل مع السودانيين لأكثر من عقدين، وعرفت الخرطوم ونهره بحكم عمل زوجها في أحد المؤسسات الدولية بالسودان، قابلت كثيرن/ات في أوقات مختلفة،آخرها كان قبل إندلاع الحرب، تكشف إعجابها ببسالة الشابات/ ب السودانيين ادبان ثورة ديسمبر٢٠١٨،شهقت حينما قابلت احدي المصورين الشباب الذين كانوا يخوضون غمار المواكب بكاميراتهم، يغامرون بحياتهم في توثيق تاريخ التغيير، ويسطرون في صفحات التوثيق لحالة للأحداث صورا حيه، قالت ذات مره أعمل كصحفية لسنوات طويلة، لكن أجد ما تقومون به أكثر جسارة وتاثيرا، لا أملك الإ أن أبذل كل انحناء لكم.
حين اشعلت الحرب نيرانها، اتصلت تسال عن الحال، تدعوا باللطف، وتحملني رسالة تضامن للاصدقاء الذين قابلتهم، هكذا عبرت ساندرا الصحفية الكينية عن إحساسها تجاه من عرفتهم وعن نهر النيل الذي عرفته من حكاوي زوجها عنه، لكن مياهه اختلطت بالدم والدموع قبل أن يتحقق حلم زيارتها، فاطل الراحلين تاج السر الحسن وعبدالكريم الكابلي في مقطع من قصيدة آسيا وأفريقيا
” مثل شاهدت جومو
وقد شاهدت جومو
مثل ما امتد كضوء الفجر يوما”

(٣)

تأسرني المقاهي التي تعلي من مزاج صنع قوتها،فاتخذني إلي جانبها مداوما ومحتفيا بما يبذل في اتقان مزاج صنعها، في احدي نهارات نهاية الأسبوع، سأقتنني خطو كسولة تبحث عن نكهة بن تريح المزاج وتربت على عصافير العصب التي تحفزها القهوة على الاسترخاء، حافظت على برتكول الجلوس حيث للعادة والبن طقس من صنو الصداقة، بعد استمعاعي بالفنجان الأول، إنتبهت إلي الشخص الجالس على مقربة مني، إلتفت اليه محييا ومردفا أنا آسف جلست دون إلقاء التحية، بنصف ضحكة قال ” عادي يا خال”، شكرني حين دعوته إلي فنجان قهوة، بحكم اقامتي الطويلة بالمدينة صار من اليسير معرفة القادمين الجدد، فدون مقدمات التفت اليه بعد ارتشافي الفنجان الثاني، خليت السودان كيف! ضحك ضحكة عامرة بالغبطة، ثم اردف انا إريتري يا خال، حتي تلك اللحظة لم تعالجني لحظة شك في ملامحه ولهتجته السودانية، ضحكنا معا، أحسست بالحرج، قبل أن اعتذر اليه عدم حصافتي، فقد حملت مناداتي بالخال سودنة يخفق لها الخاطر في المنافي، إزاح ستر الحرج مواصلا يا خال نحن كنا واحد، السودان كيف هسي؟ الناس ديل ما دايرين تفقوا؟ هززت راسي بالنفي في أسي، واصل، السودان سمح لكن خربوه، كأن ذلك ” تسفاي” شاب دفعته ظروف القرن الافريقي ليخرج متسللا، ليستقر في الشرق الافريقي، رغم ذلك حمله الحنيين إلي السودان ليغادر منها إلي كندا، إختار ١٥ أبريل ٢٠٢٣ للعودة للخرطوم لكن وهو داخل صالة المغادرة فإجاته الحرب كما باغتت السودانيين بالغاء الرحلة، عاد ادراجه إلي المدينة لم يندب الحظ ويلعن، بل إكتفي انها مشيئة ” القدير فينا”، التقيته مره تانية للتهنئة بعيد الاستقلال ال٣٣ لاريتريا، فبادر بتشغيل مقطع فيديو لاحتفال الجالية الاريترية بدولة قطر بالذكري ال٣٣ للاستقلال، كانت الفنانة الاريترية ” هيلن مليس” اغنية آخر المطاف لحنها واداها الفنان حيدر بورتسودان :
” جبروك ولا براك نسيت
عشرتنا أيام الصفا
إلفتنا كان زاد العمر
في ظل رياضنا الوارفة”

(٤)

والله الخرطوم كويس، ياخ مالك ياخ، مكنة لاي زول ! ، قالتها افصاح الصبية التي انتمت تقاطيع وجهها للملاحة، يسند جمالها سنون بداية العمر، بما قد لا يتجاوز الرابعة والعشرون ربيعا ” ازهرا”، وقفت في اعتدال تمد يدها بينما تكفل صديقي ماكفل بتعريفنا، جاء اللقاء عقب مكالمته، شوف يا اخوي، دى اختنا، وعندها مشكلة دايره ترسل قروش لاختها في مدني، قلت ليها انا الزول ده صحبي لو عنده حساب في بنكك ما بيقصر، لو ما عنده بيورينا نلاقيه كيف.
نجحت افصاح في مغادرة اليوم الشرقية عقب بدء حرب أبريل السودانية، فهي احدي مقاتلات جبهة التقراي اللائي لجان إلي السودان منذ العام٢٠٢١، وجهتهم الي كيف يمكنهم إرسال النقود، التفتت وسألتني انت جيت قريب من السودان؟ الحرب ده ما بقيت قريب؟ باغتتني باسئلتها! فاردفت السودان كويس والله، ليه لكن؟ اي لماذا اندلعت الحرب! اوووه ما أوضح الإجابة واقسي الحال، إنه عنف السلطة ولعنة الذهب وقسوة المغول.

(٥)

يا ” الخال” كيفك!، كيف السودان الشقيق؟ عبدالرحمن شاب صومالي، يحب عطبرة وطنا، فقد درس بجامعة نهر نيلها، احب السودان عشقا موازيا للصومال، يختفي بذكرياته وعاطفته التي توهجت في حب سوداني، تسكنه بذكريات كلما استرسل فيها انخفض صوته، وتهللت اساريره معبرة عن مدي خفقان القلب، فالعشق سوداني كان يمني الحال بزيارة ” تسعد القلب المعني” ، يا ” الخال” هكذا يلقيها تحيه عطرة يضحك ثم يسترسل ” صومالي شنو ” صارت تطلق تمييزا للصوماليون الذين عاشوا في السودان..

(٦)
على رصيف الشارع الاسفلتي الذي شيد حديثا لاستقبال قادة مؤتمر القمة الاسلامي، وضعت طاولتها التي تراصت عليها الخضروات المختلفة المعروضة للبيع، كانت على مقربة من طاولة أخري اكبر حجما، أيضا لبيع الخضروات، تحركت حفصتوا” حفصة” ما يقارب العشرين خطوة من حيث كانت تقف مع صاحبة الطاولة الثانية، وقفت امامي بعد التحية بالإنجليزية، نعم، مرحبا بك، كيف يمكن أن اخدمك؟
افصحت عن رغبتي في شراء الطماطم والخيار والليمون، لزوم صحن السلطة، طالبتني بالانتظار ريثما تحضر لي اليمون من جارتها، في تلك اللحظة سرحت مع حركة السيارات العبارة للاسفلتي الجديد الذي ربط بين الشارع الممتد من المطار إلي مدينة بانجول بضاحية سنقامبيا السياحية على المحيط الاطلنطي، أحضرت الليمون وهي تتهيأ بوضع الخضروات على الكيس البلاتسيكي، سالتني من الي البلاد انتمي؟ اجبت مقدما اسمي ، ثم الي اي افريقيا انتمي، ما ان اجيت الا وسارعت بالسؤال عن الحرب وعن امل توقفها؟ اجبتها لا يفكر الأطراف في ذلك البته! تضامنت بدعاء صادق بأن تقف لطلعة الرصاص.
شجعني ذلك على سؤالها عن حال بلدها ، أجابت سياسيا لا مشاكل لكن اقتصاديا الحال متراجع جدا، ختمت حديتها لقد اسقطنا جامع ” قصدت اسقاط الرئيس السابق يحي جامع توريه من السلطة في ٢٠١٥” وفي انتظار صناديق الاقتراع لنسقط الحال، ختمت حديتها ليس لنا غير الانتخابات وسيلة، لا مجال للعنف البته.
سارعت خطوي عائدا الي السكن، اغلقت باب الغرفة، ادرت محرك البحث على ” اليوتيوب” بحثت عن الفنانة القامبية” سونيا جبرتا”، إستلقيت غارقا مع اغنيتها ” ماديبا” التي تعني ” اله المطر”، هكذا قدمتها سونيا قبل بدء العزف والغناء الذي سبقته بترديد اسم دخلتها قامبيا، قامبيا، كان تفاعل معها الحضور بالاستجابة.

(٧)
الصراع ليس جديدا، انما الجديد هو انفجاره هكذا في الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣، هكذا كان على ” رياك” احد الاصدقاء الجنوب سودانيين، ” رياك” من جيل الاطفال الجنود في الحركة الشعبية لتحرير السودان سابقا، يحكي عن تجربته بأن هجوم المليشيات والقوات الحكومية انذاك أجبره على الهرب من الدراسة بالصف الخامس الابتدائي والانضمام للقتال، كخيار لا بديل له سوي الموت.
إسترسل الحرب لا يعرفه الا من عرفها، انه خيار سئ لا جداك في ذاك، فقد فقد ابنه في حرب السودان الراهنة اثر قذيفة إصابته بضاحية الكلاكلة وهو في طريقة لاستلام مبلغ مالي لتكلفة المواصلات التي ستقله من الخرطوم إلي خارجها، بينما نجا شقيقاه اللذان كانا بعدني عقب انتقال الحرب اليها، ظل النقاش بيننا مستمرا منذ بدء الحرب حول اسبابها، كأن منطقه بأن الجنوب ذهب نتيجة للحرب السياسية، لماذا تستمر الحرب في السودان، ظلت اردد بأن الأسباب لا تزال قائمة فقد فشلنا في إدارة الدولة السودانية لبعد الاستقلال، التنوع السوداني تلزمه فدرالية تضع الجميع على قدم المساواة في ممارسة الحقوق بشكل يتسق ومسار التنوع والخلفيات التاريخية التي تشكلت بها حدود الدولة، فالثقل المربوط بفترات الاستعمار بما فيها سياسات المناطق المقفولة ظل اثرها مهملا، ظل هذا الجدل يكسب النقاش حيوية كلما التقينا، إلي اخر مره عرج على اسباب خطاب الكراهية السائد في حرب السودان؟ قلت برغم تعدد الأسباب،لكن انظر إلي السودانيات/ان في ارجاء السودان الاربعة، ستجد مشتركاتهم الحدودية تبصم على ان وجودهم كقوميات سابق لترسيم الحدود،تغيبنا لذلك جاء من اغفالنا للاهتمام بمد الافريقيانية في فترة التحرر الافريقية، وتوهاننا بحثا عن الغابة والصحراء فتاهت بوصلة هويتنا من حينها !

(٨)
جلابية بيضاء بتفصيلة سودانية المزاج، طاقية راس اشتركت في اللون مع الجلابية، جلس منهما على مقعد الطائرة، فرحلة السفر بدأت من ” عد حسين” بالخرطوم، إلي مطار بورتسودان، ثم مطار القاهرة الدولي قبل أن يجلس في انتظار الإقلاع من مطار استنبول إلي وجهته بنواكشط المورتانية، شاب يخطو نحو النصف الأول من العقد الثالث، عاد إلي الخرطوم بعد اندلاع الحرب قادما من نواكشط التي قضي بها ثمان سنوات منقبا عن الذهب، لكنه يعود إليها وبرفقه آخرين من أفراد عائلته، حاولت كثيرا عبر الهاتف على حثهم على الخروج من السودان بعد اندلاع الحرب، لكت اصدمت محاولاتي تحت صخرة اصرارهم بالبقاء، فلم يكن ثمة حل سوي ان احضر بنفسي، وأشرف على سفر عدد منهم في مجموعات صغيرة لاتتعدي الشخصين، فها انا ومن معي اخر من استهدفهتم بالخروج.
لم نواكشط على وجه التحديد، إنها بلاد استقبلتنا بالترحاب، تمنحنا تأشيرة الدخول في مسارها بلا معاناه، وتمنحنا أرضها ذهبها بسخاء، ذلك قبل الحرب اما الان فهي خيار بعد كل هذا العسر الذي فرضه واقع القتال.
لفت انتباهي أن أحد الإثنين اللذان برفقته صبي في سن تقارب الخامسة عشر، مرتديا جلابية بيضاء وسديري رمادي اللون، اخد من الانهاك مبلغا، هبطت الطائرة نزلت ملوحا بالوداع وتركتهم في انتظار الإقلاع إلي نواكشط التي صارت وطنا بديلا” لعد حسين” والخرطوم، وانا اردد في سري، حتما نواكشط أحد منافي الحرب الدافئات فلا زلن النسوة يقدلن في شوارعها بثيابهن الجميلة تحفن الأناقة ويحرسهن الامان.

(٩)

كل تلك المشاهد باغتتني جملة، دفعها فيديو أرسله لي صديق على وسائل التواصل الاجتماعي، لم اكمل مشاهدته فقد دابت على عدم مشاهده المقاطع التي تحمل مشاهد مروعة، لسبب بسيط هو أن ما يحدث تكرار لمشاهد شابقة، فلا داعي للسماح للاكتئاب المجاني بأن يطرق بابي على مزاج من قصدوا المحتوي والترويج له، فقد ثبت بأنه وصل بنا الحال إلي ذبح بعضنا لبعض كسودانيبن بشهوة لا يحسدنا عليها سكان الغابة، اقترن ذلك بخطاب كراهية هستيري، يا ليت الأمر وقف عند ذاك الحد، عاد الصديق متصلا، استفسرني عن مشاهدتي للفيديو؟ اجبته باني اكتفيت بقراءة التعليق، عاتبني وارتفعت نبره صوته، بالغت ياخ كأن تشوفه، اجبته يعني ” اخلي” كل المحتوي الذس يناصر وقف الحرب وكناهضة سوء الكراهية واسخر وقتي لمشاهدة ما أرسلت، واصلت وقد بلغ بي الضيق مبلغا، قائلا انت ما بتعرف ترسل محتوي فيه غناء، اي حاجة عندها علاقة بالمواطنة، خليك من ده ارسل نعم لوقف الحرب فهي طوق نجاتنا يا صاح، فقد غيب صوت الرصاص ضميرنا الجمالي الذي كان شعاره
” الناس في بلدي ..يصنعون الحب”، لكن حوله المغول، العسس ومليشياتهم إلي ” الحرب في بلدي من أجل السلطة والذهب”، حتي باغت عنف الدولة مهارة السودانيين/ات في صنع الحب، فحين صرنا ” بلا محبه ولا نملك الحبه” لعلع الرصاص.

الوسوممحمد بدوي

مقالات مشابهة

  • من المصارعة إلى التعليم.. هذه مرشحة ترامب للوزارة التي يريد إلغاءها
  • حريق ووفاة ومرض.. أحداث حزينة في الوسط الفني خلال 24 ساعة
  • لطيفة بنت محمد تؤكد تسخير التكنولوجيا في تحسين وتطوير مسارات التعليم
  • بعد مرور 1000 يوم.. ما حجم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا بسبب الحرب؟
  • لاعب السودان: أشكر السعودية التي وقفت معنا منذ بداية الأزمة .. فيديو
  • إقصائيات كأس أفريقيا..السودان تحجز بطاقة النهائيات وليبيا تفشل في الحضور
  • ليبيا بالقوة الضاربة أمام رواندا في الموقعة الحاسمة
  • ما هي الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها في روسيا بعد قرار بايدن؟
  • ما الحالات التي تتضمنها الرخصة المهنية للمعلمين؟.. "التعليم" توضح
  • عنف السلطة ولعنة الذهب