اتفاق باريس بعد الرد الحمساوي والإسرائيلي.. إلى أين؟
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
لقد تعاملت المقاومة الفلسطينية بذكاء من خلال رد حركة حماس على إطار التفاهم في باريس، حيث وصف الرد في الإيجابي والشامل، وقدمت حلولا للخروج من عنق الزجاجة. وهذا نتاج قدرتها على المواجهة في أرض المعركة وإيقاع الخسائر البشرية والمادية في جيش الاحتلال؛ وهذا دليل على أن حماس ما زالت قادرة على القيادة والقتال وتنظيم صفوفها من جديد، أما إسرائيل فبعد أربعة أشهر غير قادرة على تحرير ولو رهينة واحدة، وهذه نقطة مهمة في دفع الصفقة إلى الأمام على الرغم من الممانعة الإسرائيلية.
في البداية، إسرائيل ما زالت تضغط على حركة حماس من خلال قتل الأطفال والنساء وقصف المؤسسات الصحية ومراكز الإيواء ومدارس الوكالة لتقديم تنازلات في موضوع تسليم الرهائن، ولكن بعد أكثر من أربعة أشهر لم ولن ترفع المقاومة والشعب الغزاوي الراية البيضاء، رغم المأساة والكارثة الإنسانية بسبب ما قام به الاحتلال ضاربا بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية، فكان الرد الحمساوي على اتفاق باريس من أجل وقف المجازر والتدمير الممنهج المستمر، وكان لا بد من الموافقة على الإطار العام وقبول تقسيم الاتفاق لثلاث مراحل؛ على أن تفضي هذه المراحل إلى وقف إطلاق نار شامل وكامل من خلال التعاطي مع المبادرات الدولية، والبحث عن ضمانات دولية وعربية، وتوسيع دائرة الضمانات حتى تلزم إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه خوفا من خرقه، لأن إسرائيل معتادة على عدم الالتزام في الاتفاقيات، ولعل اتفاق أوسلو ما زال ماثلا، فإسرائيل لم تطبق بنوده على الرغم من تطبيق جميع البنود من قبل السلطة الفلسطينية.
المقاومة لم تستسلم ولم تهزم في المعركة، وما زالت قادرة على الصمود، لكي تقوم إسرائيل بفرض شروط عليها للاستسلام، وعلى الرغم من قوة المقاومة إلا أنها طرحت ردودا معقولة وغير معقدة
وبناء عليه، المقاومة لم تستسلم ولم تهزم في المعركة، وما زالت قادرة على الصمود، لكي تقوم إسرائيل بفرض شروط عليها للاستسلام، وعلى الرغم من قوة المقاومة إلا أنها طرحت ردودا معقولة وغير معقدة.
فإسرائيل لم يعجبها موقف الوسيطين العربيين؛ مصر وقطر اللتين اعتبرتا الرد الحمساوي على اتفاق باريس جيدا وإيجابيا، ويمكن أن يتم البناء عليه للتوصل لاتفاق شامل لحل أزمة القطاع ومنها الرهائن. ولعل استباق نتنياهو الاتفاق في الهجوم على قطر للضغط على حركة حماس للتنازل وتقليل سقف مطالبها؛ لهو دليل على أن الحكومة الإسرائيلية تريد من مصر وقطر الضغط على حماس للقبول بالحد الأدنى من الشروط لعقد صفقة التبادل دون وقف شامل وكامل للحرب على القطاع، فكان الموقف المصري والقطري بدلا من الضغط على حماس بأن توجه للضغط على نتنياهو.
وعلى نفس المنوال، جاء الرد الأمريكي على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي عبّر عن وجود مواقف إيجابية في رد حماس قد تؤدي إلى اتفاق لتبادل الأسرى، مما انسجم إلى حد ما مع الموقف المصري والقطري والدولي.
أما بخصوص الموقف الإسرائيلي الذي يمكن وصفه بالرافض غير المعلن للاتفاق، للعديد من الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية التي سنتحدث عنها بالتفصيل، فهو لم يعلن القبول ولم يعلن الرفض، ولكنه وصف بالرد السلبي وعلى لسان وزير الحرب يوآف غالانت، فهذا نابع من طبيعة إسرائيل التي تفرض إرادتها على العالم، فكيف لحماس أن تواجه إسرائيل ولم تخضع لمطالبها وشروطها!
بالنسبة للموقف الإسرائيلي، هناك العديد من العوامل منها ما يشكل عوامل ضغط نحو القبول بإتمام الصفقة ومنها عوامل تعيق إنجاز صفقة التبادل ووقف للحرب على القطاع.
عوامل الضغط لإتمام الصفقة:
1- ضغط الجبهة الداخلية والمتمثل في أهالي الرهائن والتأييد الشعبي لهم، من خلال الاحتجاج والمظاهرات وتشكيل جماعات ضغط على نتنياهو للقبول في صفقة التبادل، وهذا عامل مهم في حال تصاعد الحشد الجماهيري في الميادين وشكل ورقة ضغط حقيقية على حكومة نتنياهو.
الموقف الإسرائيلي الذي يمكن وصفه بالرافض غير المعلن للاتفاق، للعديد من الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية التي سنتحدث عنها بالتفصيل، فهو لم يعلن القبول ولم يعلن الرفض، ولكنه وصف بالرد السلبي وعلى لسان وزير الحرب يوآف غالانت، فهذا نابع من طبيعة إسرائيل التي تفرض إرادتها على العالم، فكيف لحماس أن تواجه إسرائيل ولم تخضع لمطالبها وشروطها
2- الخسائر البشرية والمادية في أرض المعركة، فكلما زاد عدد القتلى دون قدرة إسرائيل على تحرير الرهائن بالقوة فإن ذلك يشكل عامل ضغط كبير على الحكومة التي لم تستطع تحقيق الإنجازات والأهداف في الحرب بل تزداد خسائرها بدلا من تحرير الرهائن، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الهائلة والمستمرة والمتصاعدة بسبب استمرار الحرب وتعطل الاقتصاد الإسرائيلي شبه المنهار.
3- هجرة المستوطنين من غلاف غزة والشمال في ظل تصاعد المواجهة مع حزب الله في لبنان، مما شكل عامل ضغط كبير من قبل السكان الذين يرفضون العودة إلى مستوطناتهم في ظل الحرب، وهذا يشكل ضغطا سياسيا واقتصاديا كبيرا على حكومة نتنياهو، لا يمكن الاستمرار به أكثر من ذلك زمنيا.
4- ضغط المعارضة الإسرائيلية المتمثلة في يائير لبيد وضباط الجيش والأمن وحتى بيني غانتس وغادي إيزنكوت من مجلس الحرب، الذين يؤيدون وقف إطلاق النار والتوصل لصفقة تبادل تعيد الرهائن أحياء ولا يمانعون من دفع الثمن الكبير لهذه الصفقة.
5- موقف الولايات المتحدة التي تريد تبريد الجبهات ووقف إطلاق النار في القطاع، الذي يؤدي إلى تطبيق رؤيتها السياسية في المنطقة والاستمرار في التطبيع العربي الإسرائيلي وبالتحديد مع الرياض.
6- ضغط غانتس وحزبه على نتنياهو من خلال التلويح بالانسحاب من مجلس الحرب، على اعتبار أن الرؤية الأمريكية تتوافق مع رؤيتهم والمتمثلة في تحقيق الأمن لإسرائيل في المنطقة، وأن هذه الفرصة تحقق لإسرائيل إعادة الاعتبار من خلال التطبيع والحل السياسي الذي يسحب البساط من تحت أقدام محور المقاومة الذي يركز على القضية الفلسطينية وإيجاد حل عادل لها.
7- الموافقة على تشكيل شبكة أمان من قبل يائير لبيد، رئيس المعارضة لنتنياهو، في حال انسحاب اليمين المتطرف من الحكومة، وهذا و سحب البساط من تحت نتنياهو؛ الذي يدعي أنه في حال وقع على الصفقة سينسحب اليمين، وهذا يعطي نتنياهو قدرة كبيرة للمناورة في مفاوضة اليمين المتطرف في حكومته ويضغط عليهم من أجل الاستمرار في الحكومة.
أما عوامل الضغط لعدم إتمام الصفقة فهي:
1- مصلحة نتنياهو في استمرار الحرب وعدم تقديم تنازلات كبيرة لحركة حماس، خوفا على مستقبله السياسي المربوط بالحرب، على أمل تحقيق إنجاز ما في المعركة يستطيع أن يقدمه للمجتمع الإسرائيلي على أنه بطل قومي.
2- الضغوط من اليمين المتطرف ومن حلفاء نتنياهو الذين يشكلون الحكومة معه -بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير- الذين يرفضون التقدم وحتى يطالبون بإعادة استيطان القطاع، وفي حال موافقة نتنياهو على الصفقة بدون موافقة اليمين سيتم حل الحكومة وعندها يصبح مستقبل نتنياهو السياسي منتهي، لذلك سيستمر نتنياهو في الحرب والضغط على حماس من خلال القتل وتوسيع دائرة الاغتيالات المركزة ليضغط على الموقف العربي والدولي وعلى حماس لتوصل لاتفاق يمكن له القبول به ويُخرجه على أنه بطل الحرب والسياسية، وما لم يطبقه في الحرب يمكن له أن يطبقه في السياسة.
الموقف الإسرائيلي الذي يمكن وصفه بالرافض غير المعلن للاتفاق، للعديد من الاعتبارات الداخلية الإسرائيلية التي سنتحدث عنها بالتفصيل، فهو لم يعلن القبول ولم يعلن الرفض، ولكنه وصف بالرد السلبي وعلى لسان وزير الحرب يوآف غالانت، فهذا نابع من طبيعة إسرائيل التي تفرض إرادتها على العالم، فكيف لحماس أن تواجه إسرائيل ولم تخضع لمطالبها وشروطها
3- هجوم أعضاء الكنيست من حزب الليكود واليمين المتطرف على إتمام الصفقة ومعارضتهم للقبول بوقف الحرب، ورفضهم للموقف الأمريكي والتدخل في الموقف الإسرائيلي والضغط على إسرائيل، ومطالبة الولايات المتحدة بعدم ممارسة الضغط على إسرائيل.
أما بخصوص الرد الإسرائيلي على رد حركة حماس، فتم الإعلان عنه في 9 شباط/ فبراير 2024، وقال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد: "في نهاية اجتماع مجلس الوزراء الحربي، أرسلت إسرائيل رسائل إلى مصر وقطر والولايات المتحدة ترفض بموجبها معظم ردود حماس على الخطوط العريضة لإطلاق سراح المحتجزين"، ومفاد الرسالة الإسرائيلية للوسطاء أن اعملوا على تقليص الفجوة فهي واسعة جدا، وكأن إسرائيل تريد أن تمارس الضغط العسكري على حركة حماس، وضغطا على الوسطاء المصريين والقطريين.
ولقد لخص موقع واللا العبري الردود الإسرائيلية في النقاط التالية:
1- رفض معظم ملاحظات حماس، لكنها جاهزة لمفاوضات على أساس اتفاق باريس.
2- رفض سحب القوات من وسط القطاع وعودة النازحين إلى الشمال في المرحلة الأولى.
3- إسرائيل مستعدة لسحب قواتها من مراكز المدن في المرحلة الأولى.
4- رفض بحث موضوع رفع الحصار عن غزة خلال مفاوضات تبادل الأسرى.
5- رفض النسبة التي حددتها حماس للأسرى الفلسطينيين مقابل الأسرى الإسرائيليين.
6- رفض مطالب حركة حماس بخصوص المسجد الأقصى ووضع الأسرى الفلسطينيين في السجون.
وقالت إسرائيل في نهاية ردها بأن طاقم مفاوضاتها على اتصال مع الوساطتين القطرية والمصرية في محاولة لجسر الهوة بما يتيح خوض مفاوضات جدية، وهذا يعني أن الرد الإسرائيلي يعيد المفاوضات إلى نقطة البداية.
سوف تقبل إسرائيل عقد صفقة لتبادل الرهائن، ووضع حد للحرب في القطاع وعلى إجراء ترتيبات للقطاع، فمهما ماطل نتنياهو في ظل صمود المقاومة لا يوجد أمامه خيار غير الموافقة، وهذا يعلمه نتنياهو ولكنه يريد تقليل سقف مطالب المقاومة الفلسطينية من خلال زيادة حدة القتل والمجازر التي بدأت منذ أيام وقبل الإعلان عن الموقف
وبناء على ذلك يكمن الحل في يد الولايات المتحدة التي يمكن لها ممارسة الضغط الحقيقي على نتنياهو وإنزاله عن الشجرة في التوصل لوقف الحرب، وإتمام صفقة التبادل وحل مشاكل القطاع السياسية والأمنية والانسحاب الشامل من القطاع، والتوجه لحل شامل للقضية الفلسطينية من أجل إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وذلك يعتمد على قدرة المقاومة على الصمود وتحقيق العديد من الخسائر البشرية في الجيش في أرض المعركة، وعدم قدرة الجيش في الوصول إلى الرهائن وإخراجهم أحياء من أسر حماس، فهذا سوف يشكل في النهاية عاملا حاسما في التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب وعقد صفقة تبادل، بالإضافة إلى قدرة الشعب في القطاع على تحمل الكارثة والمأساة التي حلت في القطاع.
في النهاية سوف تقبل إسرائيل عقد صفقة لتبادل الرهائن، ووضع حد للحرب في القطاع وعلى إجراء ترتيبات للقطاع، فمهما ماطل نتنياهو في ظل صمود المقاومة لا يوجد أمامه خيار غير الموافقة، وهذا يعلمه نتنياهو ولكنه يريد تقليل سقف مطالب المقاومة الفلسطينية من خلال زيادة حدة القتل والمجازر التي بدأت منذ أيام وقبل الإعلان عن الموقف، واستمرت وسوف تستمر لتصل إلى منطقة رفح المكتظة بالنازحين، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، هناك مستقبل نتنياهو السياسي، فهو لا يريد المخاطرة والمجازفة في تحالفه واستقرار الحكومة لبقائه على سدة الحكم فترة أطول.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الفلسطينية إسرائيل غزة إسرائيل اسرى فلسطين غزة المقاومة مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الموقف الإسرائیلی الیمین المتطرف على لسان وزیر صفقة التبادل على الرغم من اتفاق باریس على نتنیاهو نتنیاهو فی حرکة حماس قادرة على الضغط على فی القطاع على حماس ما زالت ضغط على لم یعلن من خلال فی حال على أن
إقرأ أيضاً:
تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
بحسب معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن ثلاثة أحداث وقعت في وقت واحد: انتهاء وقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى القتال، والموافقة على الميزانية الإشكالية للعام 2025، وعدم الاستقرار السياسي، تشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد من احتمالات حدوث أزمة مالية.
وبشأن الحدث الأول فقد أدى نشاط الجيش في قطاع غزة ولبنان إلى تجدد التهديد الصاروخي على "إسرائيل" وهجمات الحوثيين من اليمن. وإلى جانب عنصر عدم اليقين الذي يصاحب هذه المرحلة من الحرب وأهدافها، فإنه يجعل من الصعب أيضاً على الاقتصاد أن يعمل، بعد أن بدأ يعود إلى طبيعته في الأسابيع التي سبقت ذلك.
على سبيل المثال، يؤثر العودة إلى القتال سلباً على النمو في "إسرائيل" بعد تجنيد جنود الاحتياط؛ سيتعين على الشركات مرة أخرى العثور على بديل للموظفين الذين سيتم تجنيدهم مرة أخرى، بالإضافة إلى ذلك، تزداد التكلفة المرتبطة بتجنيد جنود الاحتياط.
وأظهرت دراسة أجرتها وزارة المالية الإسرائيلية في عام 2024 أن التكلفة الاقتصادية لجندي الاحتياط تبلغ نحو 48 ألف شيكل شهريا (الشيكل يساوي 0.26 دولار).
لقد تطلب تمويل الحرب حتى الآن جمع ديون بمبالغ ضخمة، والتي تجاوزت حتى جمع الديون خلال أزمة كورونا في عام 2020. وبالتالي، فقد بلغ مجموع الديون 278 مليار شيكل في عام 2024 مقارنة بـ 265 مليار شيكل في عام 2020. وأدت هذه الزيادات، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي شبه الصفري، إلى زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 60% في عام 2022 إلى 69% في عام 2024.
الحدث الثاني الذي يقوض استقرار الاقتصاد الإسرائيلي هو إقرار الكنيست لأكبر ميزانية للدولة على الإطلاق، والتي بلغت قيمتها نحو 620 مليار شيكل.
في ظاهر الأمر، ينبغي أن يكون إقرار ميزانية الدولة علامة إيجابية على الاستقرار السياسي والاقتصادي. ولكن الميزانية التي تمت الموافقة عليها تشكل إنجازا سياسيا لحكومة بنيامين نتنياهو، ولكنها تشكل فشلا اقتصاديا للبلاد، بحسب التقرير.
لقد أكد بنك "إسرائيل" ووزارة المالية مراراً وتكراراً أن أولويات الحكومة الحالية لا تتوافق مع التحديات الاقتصادية التي تواجه دولة "إسرائيل". ولذلك، فليس من المستغرب أن تكون هناك فجوة كبيرة بين توصيات الهيئات المهنية بشأن ميزانية عام 2025 والميزانية التي تمت الموافقة عليها فعليا. وتتضمن الميزانية الكثير من القرارات المتعلقة بالقوى العاملة، بما في ذلك رفع اشتراكات التأمين الوطني، وتجميد شرائح ضريبة الدخل، وتقليص أيام النقاهة، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وهو ما قد يضر بمستوى الطلب في الاقتصاد. كما يتضمن تخفيضات واسعة النطاق في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الميزانية إلى محركات النمو الرئيسية، ولا تتضمن تخفيضات كبيرة في أموال الائتلاف غير الضرورية، كما أن الأموال التي وعدت بها "قانون النهضة" لإعادة إعمار غلاف غزة والشمال لم يتم تضمينها أيضاً. وبدلاً من تلك البنود التي قد تشجع النمو والاندماج في سوق العمل، تتضمن الميزانية مخصصات كجزء من اتفاقيات الائتلاف، والتي تحفز عدم التجنيد في الجيش الإسرائيلي وعدم المشاركة في سوق العمل. علاوة على ذلك، فإن توزيع الأموال على المؤسسات المعفاة من الضرائب في التعليم الحريدي والتي لا تدرس المواد الأساسية يؤدي إلى إدامة المشكلة وتفاقمها، لأن التعليم الذي تقدمه لا يزيد من قدرة طلابها على الكسب في المستقبل.
الحدث الثالث هو عدم الاستقرار السياسي الذي يرافق عودة الثورة القضائية ومحاولات إقالة المستشار القانوني للحكومة ورئيس الشاباك.
منذ بداية الحرب، قامت ثلاث وكالات تصنيف ائتماني بخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل". وفي كل التقارير التي أصدروها منذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أشاروا إلى الخوف من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي.
وفي العام الماضي، هاجم وزير المالية سموتريتش قرارات شركات التصنيف الائتماني في عدة مناسبات، مدعيا أن الشركات تتعامل مع قضايا غير اقتصادية، وأنه يتوقع نموا مرتفعا للاقتصاد الإسرائيلي بعد نهاية الحرب.
ولكن هناك مشكلة أساسية في هذه الحجة؛ إذ تشير دراسات واسعة النطاق في علم الاقتصاد إلى أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية تؤثر على نمو وازدهار البلدان. على سبيل المثال، أظهر الفائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 (درون أسيموجلو، وسيمون جونسون وجيمس روبيسون) أن البلدان التي تتمتع بمؤسسات ديمقراطية وسيادة قانون مستقرة تميل إلى الازدهار اقتصاديا، في حين تكافح البلدان ذات المؤسسات الضعيفة لتحقيق نمو كبير في الأمد البعيد.
وهذا يعني أنه حتى من منظور اقتصادي بحت، فإن إضعاف السلطة القضائية يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد. ولذلك، يتعين على وكالات التصنيف الائتماني أن تعالج القضايا السياسية في كل دولة تدرسها لتقييم المخاطر المستقبلية التي تهدد الاقتصاد. والخلاصة هي أن عدم الاستقرار السياسي يساهم في ارتفاع تكاليف تمويل الديون، كما يتضح من ارتفاع علاوة المخاطر في "إسرائيل" في عام 2023، حتى قبل بدء الحرب.
ولكي نفهم بشكل أفضل تأثير العمليات الثلاث التي تحدث معا على القوة المالية لـ"إسرائيل"، كما يراها المستثمرون الدوليون، فمن المفيد أن ننظر إلى التقلبات في عقود مقايضة الائتمان الافتراضي (CDS)، وهو عقد مالي يستخدم كأداة للحماية من إفلاس الجهة المصدرة للدين. وبعبارة بسيطة، فهو تأمين ضد خطر عدم سداد الديون. كلما ارتفع مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان في بلد ما، زاد قلق المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد. ويتغير هذا المؤشر يوميا، مما يتيح لنا الحصول على رؤية فورية حول مخاطر الائتمان في البلدان.
ويظهر مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان الإسرائيلي (بالدولار) لمدة 10 سنوات منذ 1 كانون الثاني/ يناير 2023، أن مخاطر الائتمان الإسرائيلي بدأ في الارتفاع بشكل معتدل في بداية عام 2023 وقفز بشكل كبير مع اندلاع الحرب. وواصل مؤشر أسعار المستهلك (CDS) اتجاهه الصعودي ولكن بدرجة معتدلة في العام الأول من الحرب.
وفي ضوء الإنجازات التي تحققت ضد إيران بعد الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، انخفض مؤشر القوة النسبية (CDS) بشكل حاد. واستمر تراجعه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. ومع استئناف القتال في قطاع غزة في أوائل آذار/ مارس 2025، ارتفع مستوى الدفاع الصاروخي الإسرائيلي مجددا. والمعنى العملي لهذه العلاوة هو أن الأسواق تضع في الحسبان مخاطر أكبر للإفلاس في "إسرائيل".
يميل هذا المؤشر إلى أن يسبق قرارات شركات التصنيف الائتماني. على سبيل المثال، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" في شباط/ فبراير وأيلول/ سبتمبر 2024، بعد فترة طويلة من ارتفاع أسعار مقايضة مخاطر الائتمان. وبشكل عام، انخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بحسب وكالة موديز من مستوى ما قبل الحرب A1 إلى المستوى الحالي Baa1 مع نظرة مستقبلية سلبية. ويعتبر هذا المستوى قريباً جداً من مستوى Ba1، وهو المستوى الذي تعتبر فيه السندات سندات غير مرغوب فيها.
إن الانخفاض إلى هذا المستوى قد يدفع "إسرائيل" إلى أزمة مالية حيث ستجد صعوبة في جمع الديون في الأسواق المالية لتمويل نفقاتها (بما في ذلك نفقات الحرب).
وهناك احتمال لقيام شركات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف "إسرائيل" مرة أخرى.
وينصح التقرير القادة الإسرائيليين بأن يأخذوا في الاعتبار أن الأمن القومي الإسرائيلي مرتبط بالطريقة التي تنظر بها الأسواق المالية إليه.
ويضيف: بالنسبة للأسواق المالية، فإن "إسرائيل" تعيش حالة من الاضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي، وكل هذا لا يحدث في فراغ؛ هذه العمليات الثلاث تجري على خلفية الحروب التجارية وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي في ضوء السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.