هل تؤثر توترات البحر الأحمر في اقتصاد المغرب؟
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
مخاوف بالمغرب من ارتفاع التضخم حال استمرار أزمة البحر الأحمر (الجزيرة)
يدور جدل في المغرب حول وجود تداعيات لأزمة البحر الأحمر على اقتصاد البلاد من عدمه، في وقت تعاني المملكة من تحديات اقتصادية مرتبطة بالجفاف وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
ومنذ منتصف نوفمبر/تشرين ثاني 2023، تواجه منطقة جنوب البحر الأحمر، وبالتحديد مضيق باب المندب، هجمات تشنها جماعة الحوثي على سفن مرتبطة بإسرائيل، توسعت لاحقا لتشمل السفن الأميركية والبريطانية، وذلك نصرة لفلسطين.
ويتخوف أرباب الشركات والمهنيون في المغرب من تداعيات محتملة لتوترات البحر الأحمر على أسعار الطاقة في البلاد، وانعكاسها على الأسعار بشكل عام، خاصة أن البلاد تستورد أكثر من 90% من حاجياتها من الطاقة.
عودة التضخم
ويتخوف المغرب على غرار العديد من الدول من عودة التضخم للارتفاع مجددا في حال طال أمد الأزمة، خاصة أن العديد من السفن بدأت تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوب دولة جنوب أفريقيا، ممرا بديلا عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
يأتي هذا التخوف بعدما أثارت برلمانية مغربية قضية توقيف شركة مختصة في توريد المحروقات وتوزيعها وبيعها، يربطها عقد مع المغرب لمدة 12 عاما، جميع شحناتها عبر البحر الأحمر إلى أجل غير مسمى.
أزمة مفاجئة
يقول الخبير الاقتصادي المغربي عمر الكتاني إن توترات البحر الأحمر ستؤثر في اقتصاد بلاده على المدى القصير، مما يتطلب من المملكة البحث عن بدائل لتفادي استمرار هذا التأثير.
وفي تصريح للأناضول أشار الكتاني -وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية)- إلى أن التأثير سيكون على مستوى ارتفاع أسعار شحنات السفن.
وأوضح أن البلاد مطالبة بالبحث عن بدائل من أجل تأمين حاجياتها من السلع بأسعار مناسبة، انطلاقا من ممرات أخرى، خاصة أن البلاد تستورد كثيرا من المنتجات من الصين التي تمر عبر هذا الممر.
وتعدّ الصين مصدرا رئيسا للسلع المباعة في الأسواق المغربية، إلى جانب مشتقات الطاقة القادمة من دول في الشرق الأوسط، وجميعها تمر عبر البحر الأحمر.
وبخصوص واردات المغرب من الطاقة، أوضح الخبير أن بلاده مطالبة بالاستمرار في تقوية الطاقات المتجددة، بالنظر إلى صعوبة التحكم فيما يجري على المستوى الدولي في هذا القطاع.
ويرى الكتاني أنه لا يمكن للبلاد التحكم فيما يجري بالبحر الأحمر، مما يجعلها مطالبة بوضع برنامج يتضمن توقع للأخطار المحتملة خلال 10 أو 15 عاما قادما، وتبني على أساسها البدائل والإستراتيجيات.
ودعا بلاده إلى تنويع شركائها التجاريين، وقال إنه "من الضرورة بمكان تشييد مواني بسواحل المغرب على المحيط الأطلسي، خاصة جنوب البلاد، مع تقوية شراكات البلاد مع الدول الأفريقية، لتكون محطة استقبال أو مرور السفن.
بدورها، حذّرت البرلمانية المغربية، فاطمة الزهراء باتا، حكومة بلادها من تأثر قطاع الطاقة في البلاد بسبب التوتر بالبحر الأحمر.
جاء ذلك، حسب سؤال وجهته البرلمانية عن الكتلة النيابية لحزب بمجلس النواب، إلى وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي.
وجذبت البرلمانية الانتباه إلى توقيف شركة مختصة في توريد المحروقات وتوزيعها وبيعها (لم تحددها)، جميع شحناتها عبر البحر الأحمر إلى أجل غير مسمى.
وعدّت أن هذه الشركة يربطها عقد مع المغرب لمدة 12 عاما؛ بينما يعني القرار أن الشركة ستتخذ طريق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى وجهاتها النهائية، ما يترتب عليها زيادة تكلفة التوريد.
وطالبت الحكومة بالكشف عن مدى تأثير التوتر بالبحر الأحمر، في سوق المحروقات المحلية، وعلى سلاسل التوريد والتوزيع وأسعار البيع بالمغرب.
ولم يصدر أي تعقيب عن الحكومة المغربية حول تداعيات التوترات على الاقتصاد، حتى صباح اليوم الثلاثاء.
الأزمة محدودة
من جهته، يرى مديح وادي، وهو اقتصادي مغربي، أن توترات البحر الأحمر ليس لها تداعيات على البلاد حاليا على مستوى ارتفاع الأسعار.
وفي تصريح للأناضول، قال وادي -وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك (غير حكومية)- إن المؤشرات الحالية تظهر عدم تأثر ارتفاع الأسعار بتزايد تكاليف النقل البحري، بسبب توترات البحر الأحمر.
وأوضح أن هذه التطورات لا تؤثر حاليا في المستهلك في بلاده، خاصة على مستوى المواد الأساسية. وتراجعت أسعار الوقود خلال يناير/كانون الثاني الماضي، وتواصل التراجع في فبراير/شباط الجاري.
ونبّه إلى أن ارتفاع أسعار بعض المنتجات الاستهلاكية في بلاده، لا يرجع إلى توترات البحر الأحمر، بل إلى أسباب أخرى؛ مثل: المضاربين والوسطاء.
وتابع "قد يكون هناك تأثير صعودي على الأسعار، إذا استمر التوتر لشهور أخرى في منطقة البحر الأحمر، خاصة بالنسبة للواردات القادمة من مضيق باب المندب".
والأسبوع الماضي، قال البنك الدولي إن فرضية استمرار التوترات في البحر الأحمر خلال مارس/آذار، وأبريل/نيسان المقبلين، قد تسبب أزمة في سلاسل الإمداد، مثلما وقع خلال فترة جائحة كورونا.
وأضاف البنك "أسعار الشحن من آسيا إلى أوروبا ارتفعت بمقدار 3 أضعاف إلى قرابة 3000 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما، عن أدنى معدل سُجّل في 2023".
ودخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد ملحوة منذ استهداف الحوثيين في 9 يناير/كانون الثاني الماضي سفينة أميركية بشكل مباشر، بعد أن كانوا يستهدفون في إطار التضامن مع قطاع غزة سفن شحن تملكها، أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل.
وفي يناير/كانون الأول الماضي، أعلن البيت الأبيض، في بيان مشترك لـ10 دول، أنه ردا على هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، نفّذت القوات المسلحة الأميركية والبريطانية هجمات مشتركة ضد أهداف في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وتضامنا مع قطاع غزة الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أميركي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها، أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل، توسعت لاحقا لاستهداف سفن أمريكية وبريطانية.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن المغرب البحر الأحمر اقتصاد الملاحة الدولية توترات البحر الأحمر بالبحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
“الانتقام لأمريكا وإسرائيل” عنوانًا للتحشيد الإقليمي ضد اليمن: مرارة الهزيمة تفضحُ أهدافَ واشنطن
يمانيون ـ تقرير
مع ثبوتِ هزيمتِها التأريخية في مواجهة اليمن وفشلها الفاضح في ردع جبهة الإسناد اليمنية لغزة، تتخبط الولايات المتحدة الأمريكية بين رغبتها الشديدة بالانتقام من الشعب اليمني للتغطية على تلك الهزيمة وذلك الفشل، بين انعدام الخيارات الفاعلة لتنفيذ هذه الرغبة، فبعد أن أثبتت القوات المسلحة مصداقيتها أمام قطاع الشحن، من خلال وقف العمليات البحرية على السفن غير المملوكة للعدو الصهيوني، وتجاوب العديد من مشغلي السفن مع ذلك، أبدت واشنطن اندفاعًا نحو محاولة تدويل مأزقها من خلال إظهار البحر الأحمر كمنطقة خطر مُستمرّ على الجميع، والدعوة إلى تشكيل تحالفات جديدة تتضمن دولًا إقليمية، في مسعى جديد للتحشيد ضد اليمن خلف قرار التصنيف الجديد، وهذه المرة لأغراضٍ انتقامية وسياسية معلَنة وواضحة لا تستطيع دعايات “حماية الملاحة” المزيفة إخفاءَها.
شركاتُ الشحن تثقُ بمصداقية صنعاء:
منذ أن كشفت وكالات الأنباء الدولية ومنصات الشحن البحري عن تلقي العديد من شركات الشحن رسائلَ من مركز تنسيق العمليات الإنسانية بصنعاء بشأن رفع العقوبات عن السفن غير المملوكة لكيان العدوّ (مع ربط رفع العقوبات عن سفن العدوّ باكتمال تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة) أبدى قطاع الشحن تجاوبًا مع تلك الرسائل ونقلت العديد من التقارير عن مسؤولين في الأمن البحري قولهم إن العديد من أصحاب السفن يعملون على ترتيب العودة إلى البحر الأحمر، وأن التباطؤ يعود إلى سببين: الأول هو الحرص على التأكّـد من صمود وقف إطلاق النار في غزة، والثاني هو الوقت اللازم للتخطيط للعودة لتجنب اضطراب سلاسل التوريد والازدحامات.
وقد أكّـدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية هذا الأسبوع أن العديد من مشغلي السفن [غير المملوكة للعدو بطبيعة الحال] يعتزمون العودةَ إلى البحر الأحمر بمُجَـرّد اكتمال المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي يفترَض أن تضمن انتهاءَ الحرب واكتمال تبادل الأسرى، وهو ما يعني إلى أن القسمَ الأول من مخاوف شركات الشحن يعودُ إلى عدم الثقة بالتزام العدوّ بالاتّفاق.
وأشَارَت الصحيفة إلى أن القسم الثاني من مخاوف مشغلي السفن يتعلق بتعقيد الترتيبات اللازمة لعودة الإبحار عبر البحر الأحمر من ناحية الازدحام والاضطراب المفاجئ لأسعار الشحن، وهو ما يعني أن المسألةَ مسألة وقت إذَا صمد اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفقًا لمديرِينَ تنفيذيين نقلت عنهم الصحيفة الأمريكية.
أمريكا تسعى لتشكيل تحالف “انتقامي” جديد ضد اليمن:
لكن الولايات المتحدة تحاول رسمَ واقع مختلف من خلال مواصلة حملة التضليل التي فشلت على مدى عام كامل في إقناع العالم بأن البحر الأحمر أصبح منطقة خطرة على التجارة الدولية وأن جميع السفن مستهدفة بلا استثناء، في محاولة لضرب مصداقية صنعاء التي أكّـدت الوقائع من التقارير أن شركات الشحن تثق فيها بشكل رئيسي، وقد ذكرت العديد من التقارير الغربية والبريطانية مؤخّرًا أن أصحاب السفن لا يعولون على التحَرّكات الأمريكية بل “ينتظرون إشارة” من صنعاء؛ مِن أجلِ العودة إلى البحر الأحمر، وقد جاءت تلك الإشارة بوضوح.
هذه المساعي الأمريكية التضليلية تأتي في محاولة لإبقاء المجال مفتوحًا أمام التحشيد الإقليمي والدولي ضد صنعاء، خُصُوصًا بعد قرار التصنيف الأخير لحركة “أنصار الله” والذي تعول واشنطن على استخدامه كغطاء ووسيلة لترغيب أَو ترهيب بعضِ الأنظمة المعادية لليمن؛ مِن أجلِ التصعيد ضد الشعب اليمني.
لكن دعاية “حماية حرية الملاحة” التي فشلت الولايات المتحدة في ترويجها خلال أكثر من عام، أثناء الهجمات اليمنية، تبدو اليوم أقلَّ قابليةً للترويج مما كانت، بل تطغى عليها الرغبةُ الانتقامية المعلَنة بوضوح من جانب الولايات المتحدة، والتي عبَّر عنها نص قرار التصنيف الذي أشَارَت مبرّراته بشكل صريح إلى أنه يأتي كمحاولة للانتقام من هزيمة البحرية الأمريكية وتحييد التهديد الذي أصبح يشكِّلُه اليمنُ على كيان العدوّ ومصالح الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة، وهو ما برهن -من غير قصد- على مصداقية الموقف المعلن لصنعاء بشأن اقتصار تهديد عمليات الإسناد البحرية وغيرها على كيان العدوّ والأطراف المعتدية على اليمن.
هذا أَيْـضًا ما أكّـده “معهد واشنطن لسياسَة الشرق الأدنى” المرتبط بالاستخبارات الأمريكية في تقرير جديد زعم فيه أن البحر الأحمر لا يزال منطقة خطرة، ولكنه في محاولته لتفسير ذلك الخطر قال إنه “حتى لو أَدَّى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في الهجمات في البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من طبيعة الحوثيين أَو عدائهم تجاه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و”إسرائيل”، وعلى الرغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية العديدة ضد اليمن، فَــإنَّهم لا يزالون يمتلكون ترسانة متطورة تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار هجومية بعيدة المدى” وهو ما يعني أن الخطر الذي تحاول الولايات المتحدة الترويج لوجوده في البحر الأحمر مقتصر على الثلاثي الذي يمتلك توجّـهات عدائية أصلًا ضد اليمن، وليس خطرًا “دوليًّا”.
وفيما اقترح المعهد على الولايات المتحدة “وشركائها” تنسيقًا للحفاظ على وجود عسكري في البحر الأحمر وإنشاء “تحالفات جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والمملكة العربية السعوديّة والسودان” فَــإنَّ عنوان “الحفاظ على أمن الممر البحري” الذي حاول وضعه لهذه الخطوات، لا يستقيم أبدًا مع المخاوف الخَاصَّة التي ذكرها؛ باعتبَارها “تهديدات” فمصر والسعوديّة والسودان وإرتيريا لا مصلحة لها في الانخراط ضمن تحالف هدفه الأَسَاسي -كما ذكر المعهد- هو تحييد التهديد الذي تشكله القوات المسلحة اليمنية على كيان العدوّ والهيمنة الأمريكية والبريطانية على البحر الأحمر وباب المندب، وليس من المنطقي أن تعتبر هذه الدول أن تصاعد القدرات العسكرية اليمنية وبقاءها تهديدٌ يقتضي أن تتحَرّك للتخلص منه.
ووفقًا لذلك، يتبين بشكل واضح أن محاولة التحشيد الإقليمي التي تمارسها الولايات المتحدة في المنطقة ضد صنعاء تأتي؛ بهَدفِ الانتقام من الهزيمة التأريخية التي منيت بها البحرية الأمريكية والبريطانية في تحييد الخطر اليمني الاستراتيجي على كيان العدوّ الصهيوني، وأن عناوين “حماية الملاحة” أَو “خطر اليمن على شركاء أمريكا” ليست سوى محاولات بائسة ومكشوفة لاستمالة بعض الأطراف التي تمتلك أصلًا توجّـها عدائيًّا مسبقًا ضد اليمن، أَو ابتزاز الأطراف الأُخرى التي لا تملك مثل هذا التوجّـه.
والحقيقة أن بروز التوجّـه الانتقامي والمخاوف الخَاصَّة لدى الولايات المتحدة بهذا الشكل، يمثل دليلًا مسبقًا على حتمية فشل مساعي التحشيد العدواني ضد اليمن، سواء على مستوى حجم التحشيد أَو على مستوى نتائجه، وهذا ما يؤكّـده أَيْـضًا واقعُ الفشل السابق والذريع لواشنطن في تحشيد حلفائها ضمن عملية ما سمى بـ “حارس الازدهار” قبل عام، حَيثُ انتهى الأمر بذلك التحالف مقتصرًا على الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى إن الاتّحاد الأُورُوبي لجأ إلى تشكيل عملية مستقلة حرص على توصيفها بـ”الدفاعية” لتجنب التورط في المعركة الأمريكية والبريطانية العدوانية، ولن يكون الواقع مختلفًا اليوم مع حديث الولايات المتحدة بصراحة عن رغبتها في الانتقام لهزيمتها المخزية أمام اليمن، وهي رغبةٌ تُسقِطُ دعاية “حماية الملاحة” التي ثبت فشلها مسبقًا.
المصدر: المسيرة