واشنطن – عاد السودان لدائرة الاهتمام الأميركي إثر كشف عدة تقارير عن قُرب تنحي السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري عن منصبه خلال الأسابيع المقبلة، وتزامن ذلك مع أنباء عن تعيين البيت الأبيض توم بيريلو مبعوثا خاصا بالشأن السوداني.

ويمارس السفير غودفري، وهو أول سفير أميركي لدى السودان منذ أكثر من ربع قرن، مهام إدارة المصالح الأميركية في السودان من أديس أبابا عاصمة إثيوبيا منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل/نيسان 2023، مما أدى إلى إغلاق السفارة الأميركية وإجلاء دبلوماسييها من الخرطوم.

ومن غير الواضح لماذا قرر السفير غودفري -الذي كان في منصبه منذ أدائه اليمين الدستورية في أغسطس/آب 2022- المغادرة. وتشير بعض التقارير إلى تدهور علاقته مع أعضاء الكونغرس بسبب سوء تعامله مع إجلاء المواطنين الأميركيين من السودان بعد اندلاع العنف في أبريل/نيسان الماضي.

من ناحية أخرى، جاءت أنباء تسمية مبعوث جديد للسودان بعد أشهر من مطالب المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين من إدارة بايدن بالمساعدة في منع السودان من الانزلاق إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ويبدو أن إدارة بايدن أخذت على عاتقها ضرورة التحرك والمساهمة في وقف التدهور في الأوضاع الأمنية والإنسانية داخل السودان.

تطور مهم

أصبح دور المبعوثين الخاصين مثيرا للجدل بشكل متزايد داخل وزارة الخارجية الأميركية، حيث غالبا ما ينظر إليهم على أنهم يكررون العمل الذي يقوم به السفراء.

في حديث مع الجزيرة نت، أشار ديفيد شين، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، إلى أن "تعيين إدارة بايدن توم بيريلو، وهو ديمقراطي وعضو سابق في الكونغرس من ولاية فرجينيا، مبعوثا خاصا إلى السودان يُعد تطورا مهما".

وأضاف المتحدث ذاته أنه في الوقت الحالي يتم التعامل مع السودان خارج واشنطن من قبل المبعوث الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر، وهو سفير مخضرم سابق، إلا أن لدى هامر العديد من المسؤوليات والملفات والقضايا. من هنا يعكس تعيين بيريلو رغبة في التركيز على السودان داخل الإدارة الأميركية، ويسمح له بالتركيز على مشكلة واحدة.

ولم يربط السفير شين بين تنحي السفير الأميركي لدى الخرطوم وتزامن ذلك مع تعيين مبعوث خاص للسودان، كما قلل شين من حجم التوقعات الناتجة عن تعيين سفير جديد.

وفي الحديث نفسه، أشار السفير شين إلى أنه "منذ إغلاق السفارة الأميركية في الخرطوم عقب اندلاع الصراع، هناك قيود على ما يمكن أن ينجزه السفير الجديد من خلال منصبه".

غير كافٍ

من ناحية أخرى، أشار دانيال سوليفان، كبير مستشاري السياسات السابق في تحالف إنقاذ دارفور وهو مدير وحدة أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط في المنظمة الدولية للاجئين، إلى أن "تعيين مبعوث خاص جديد للسودان هو تطور مشجع لكنه غير كاف، وهو لا يرقى إلى مستوى المبعوث الرئاسي الذي دعا إليه المدافعون عن السودان كي تكون لديه القدرة على تجديد التركيز على النهج الأميركي الذي كان مفقودا".

وقال سوليفان في حديث للجزيرة نت "لكي يكون المبعوث الجديد فعالا حقا، سيحتاج إلى دعم البيت الأبيض لإشراك الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة بشكل هادف والتصدي لأولئك الداعمين لارتكاب الفظائع".

واتفق خبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية كاميرون هدسون مع الطرح السابق، وقال للجزيرة نت إنه "رغم أن هذا التعيين مناسب نظرا للظروف في السودان، فإنه يمثل خطوة واضحة إلى الوراء في الوقت الذي كنا نأمل فيه أن يحظى السودان وعلاقتنا الثنائية في هذه المرحلة بأولوية. نأمل أن يخلق التحرك الجديد زخما لواشنطن للقيام بدور أكثر علنية وعملية في الصراع كما في الماضي".

مبادرات شعبية لخدمة النازحين السودانيين في ولاية كسلا (الجزيرة) حدود التأثير الأميركي

واعتبر السفير شين أن "انشغال فرق السياسة الخارجية بإدارة الرئيس بايدن بالعديد من التحديات الرئيسية الأخرى في السياسة الخارجية، من المؤكد أن يكون نتج عنه نقص في قدرة الإدارة على التركيز على السودان، من هنا فإن تسمية بيريلو ستساعد في تصحيح هذا الوضع".

وأكد السفير شين على ضرورة أن يفهم الجميع أن "الولايات المتحدة لديها نفوذ محدود على التطورات داخل السودان. والأهم من ذلك أن كلا من قيادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية لم تبديا أي مؤشر على استعدادهما لبدء مفاوضات جادة أو تقديم تنازلات من شأنها أن تنهي الفظائع وتنهي هذه الحرب الرهيبة".

واستبعد نهاية سريعة للصراع في السودان نتيجة لهذا التعيين في واشنطن، متسائلا "هل يكترث بايدن بالسودان؟". وذكر شين أنه خلال الأشهر الأولى له في منصبه، خص الرئيس بايدن اهتماما بالسودان كدولة تملك إمكانيات الانتقال الديمقراطي في ظل أجندة أميركية لمواجهة الاستبداد حول العالم، ثم صمت خلال الأشهر الأخيرة.

من جهته، رأى هادسون أن واشنطن "منذ الانقلاب متأخرة خطوتين عن الجنرالات في الخرطوم، وتأمل دائما أن نتمكن من استعادة المرحلة الانتقالية وتجنب الحرب. لقد تأخرنا كثيرا في كل منعطف لندرك خطورة ما كان يحدث في السودان. ونتيجة لذلك، كانت جميع خطواتنا أنصاف الحلول. وظلت أصواتنا الرائدة، مثل الرئيس والوزير بلينكن، هادئة".

واعتبر أن "إنقاذ السودان الآن من انهيار الدولة الكامل سيتطلب أكثر بكثير مما كنا على استعداد لاستثماره في وقتنا وطاقتنا حتى هذه اللحظة. ونأمل أن يبدأ تعيين مبعوث خاص في تغيير ذلك".

من ناحية أخرى، ذكر سوليفان أن واشنطن اتخذت قرارا رسميا بأن الفظائع -بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي- قد ارتكبت بالفعل في السودان. وشكك سوليفان بالتزام بايدن بالشأن السوداني، وقال إن بايدن أثناء عمله سيناتورا ورئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كان صوتا رائدا لاتخاذ إجراءات لوقف الإبادة الجماعية في دارفور، أما اليوم فهو صامت تقريبا.

وقال سوليفان للجزيرة نت إن "سياسة إدارة بايدن في السودان محبطة وغير كافية على الإطلاق. وفي حين تعترف الإدارة بالطبيعة الخطيرة للجرائم التي ترتكب، فإنها لم تبد الاهتمام الرفيع المستوى والمشاركة الدبلوماسية والموارد الإنسانية التي تتناسب مع خطورة تلك الجرائم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إدارة بایدن الترکیز على فی السودان

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان

حذرت صحيفة واشنطن بوست -في افتتاحية لها- من تكرار تقاعس الولايات المتحدة عن التحرك في وجه الفظائع الجماعية، كما حدث قبل 50 عاما عندما تجاهلت الإبادة الجماعية التي ارتكبها "الخمير الحمر" في كمبوديا.

ودعت الصحيفة إلى التحرك الفوري والفاعل لوقف المأساة الإنسانية الجارية في السودان، التي وصفتها بأنها الأسوأ في العالم حاليا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مستوطن سابق يشرح أسباب رفضه الخدمة في الجيش الإسرائيليlist 2 of 2كاتب أميركي: روسيا تتفوق على الغرب بالمعركة الإعلامية في أفريقياend of list

وأوضحت أنه يوم 15 أبريل/نيسان، دخلت الحرب الأهلية السودانية عامها الثالث، حيث خلّفت حتى الآن نحو 150 ألف قتيل وأكثر من 12 مليون نازح.

ولفتت الانتباه إلى أن وزارة الخارجية الأميركية كانت قد أعلنت رسميا أن ما يحدث في إقليم دارفور يشكل إبادة جماعية، في ضوء عمليات القتل الممنهج والعنف الجنسي ضد جماعة قبيلة المساليت في غرب دارفور

فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يصطفون للحصول على حصص غذائية في مخيم مؤقت في حقل مفتوح بالقرب من بلدة طويلة في منطقة غرب دارفور 13 أبريل/نيسان 2025 (الفرنسية) الدعم السريع مرتكب الفظائع

وأضافت أن الوزارة قد حددت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بأنها مرتكبة لهذه الفظائع، مؤكدة ما سبق أن أعلنته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

إعلان

وترى الصحيفة أن إعلان وجود إبادة جماعية ليس كافيا، بل ينبغي اتخاذ خطوات عاجلة على الأرض. وتُشير إلى التشابه المقلق بين الوضع الحالي في السودان والصمت الدولي الذي رافق مجازر كمبوديا في السبعينيات.

وقالت إن الولايات المتحدة تجاهلت آنذاك تقارير تؤكد الإعدامات الجماعية في كمبوديا، رغم توفر الأدلة، وذلك بسبب انسحاب القوات الأميركية المحرج من فيتنام.

تهديد وحدة السودان

واليوم، تقول واشنطن بوست إن المأساة تتكرر في السودان نتيجة الصراع على السلطة. وبينما استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم مؤخرا، أقام حميدتي معقلا في الغرب وأعلن حكومة موازية، مما يهدد بتقسيم البلاد ويزيد من عمليات القتل العرقي.

وتوضح الافتتاحية أن تعقيد الصراع السوداني يعود إلى تشابك المصالح الإقليمية، ورغم هذا التعقيد، فإن الصحيفة تحذر من أن تجاهل المأساة سيكون خطأً أخلاقيا وإستراتيجيا.

ما يجب أن يفعله ترامب

وتقترح الصحيفة أن تتجنب واشنطن التدخل العسكري المباشر، لكنها تستطيع الضغط دبلوماسيا من خلال وقف مبيعات الأسلحة للداعمين الإقليميين لحميدتي، وفرض عقوبات، وتعيين مبعوث خاص لتحريك جهود السلام.

وتختم الصحيفة بأن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الساعي إلى ترسيخ صورته بوصفه صانع سلام أن يجعل السودان أولوية. فبمساعدة جهود إنهاء الحرب، يمكنه المساهمة في وقف الإبادة الجماعية وتخفيف معاناة ملايين السودانيين.

مقالات مشابهة

  • السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان
  • عاجل | وزارة الخزانة الأميركية: واشنطن وكييف وقعتا اتفاقية لإنشاء صندوق استثماري لإعادة الإعمار
  • ترامب: بايدن المتسبب بانكماش الاقتصاد الأميركي
  • السودان.. تكليف السفير عمر محمد أحمد صديق وزيرًا للخارجية
  • الجيش السوداني لرويترز: السودان كشف تورُّط الإمارات الإجرامي وضلوعها في قتل السودانيين بدعمها ورعاية المليشيا.. والآن تحاول ذر الرماد في العيون وتختلق التهم الباطلة
  • السيادة السوداني يكلف السفير دفع الله الحاج علي بتسيير مهام رئيس الوزراء
  • وزير خارجية سوريا يجتمع بمسؤولين بالخارجية الأميركية
  • واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان
  • بكين تحمّل واشنطن مسؤولية قرارها تجميد تسلّم طائرات “بوينغ” الأميركية
  • تجديد تعيين الدكتور محمود الجعيدي عميدًا لكلية الآداب بجامعة المنصورة