سودانايل:
2025-07-12@07:38:24 GMT

الحرب نتاج 68 عاما من التخلف والتدهور (1/2)

تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT

بقلم: تاج السر عثمان
1
برزت تفسيرات مختلفة في الآونة الأخيرة لأسباب وجذور الحرب الجارية حاليا التي جاءت تتويجا للتخلف والتدهور الاقتصادي والفساد ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية والتنمية غير الكتوازنة والتفريط في السيادة الوطنية ونهب ثروات البلاد، مثل: فشل دولة 1956 دون تحديد ماهو الطريق الذي سارت عليه الذي قاد للحرب والفشل؟، أو الحديث عن نظرية المركز الهامش، رغم أهمية دور التنمية غير المتوازنة في التخلف الا أنها مضللة لا تساعد في تحديد الأسباب الحقيقية، والقوى الطبقية الداخلية والخارجية الكامنة وراء التخلف، أو نظرية منهج التحليل الثقافي الذي يركز علي البعد الثقافي ويتجاهل المصالح الطبقية الكامنة وراء الدعاوى الثقافية والدينية والأثنية ، وقد تناولت بالنقد والتحليل في دراستين سابقتين عن نظرية المركز الهامش، ومنهج التحليل الثقافي، وأوضحنا كيف يسهما في تغبيش الوعي الطبقي والسياسي للكادحين، وعدم تبصيرهم بأسباب وجذور التدهور والتخلف الأساسية، دون التقليل من أهمية التفاوت بين المدينة والريف والبعد الثقافي، أوالتأثير المتبادل بين البنية الثقافية العلوية والببنية التحتية للمجتمع كمحرك للتطور.


2
مضت 68 عاما علي استقلال السودان، وبالتأمل في سنوات ما بعد الإستقلال، يقفز الي الذهن السؤال: لماذا وصلت البلاد الي هذا الحد من التخلف والتردي الذي انتهي بالحرب الكارثية؟، وما هو الأفق لتطور البلاد في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟، وهل التخلف قدر لا فكاك منه؟.
الكثيرون من الكتاب والاقتصاديين والباحثين الاجتماعيين قدموا تفسيرات مختلفة لظاهرة التخلف في بلدان العالم الثالث أو الدول المتخلفة، وصفوا الأعراض والمؤشرات على سبيل المثال لا الحصر:-
- تزايد معدلات الولادة و الوفيات.
- إنخفاض مستوي الدخل ونقص الادخار ورؤوس الأموال، وتفشي الأمراض والأمية ، وسوء التغذية ، وضعف الإنتاجية والتخلف التقني ، .الخ.
- الثنائية والتخلخل القطاعي في المجتمع “ قطاع حديث في بحر متلاطم من القطاع التقليدي”، - التأخر الزمني “ نظرية روستو حول مراحل التطور: مجتمع تقليدي ، مرحلة انتقالية، مرحلة الانطلاق، اندفاع نحو الاستثمار ، استهلاك”.
- الحلقة المفرغة “ البلد فقير لأنه فقير”.
-القصور الذاتي مثل: تخلف القيم والعادات ، وعدم المبادرة، وتفشى الروح الفردية، وبنية العقل الرعوي التي تحول دون اكتساب الحداثة.الخ.
- غياب المشروع الوطني أو الدولة الوطنية.
وهي تفسيرات في تقديري أشارت لمظاهر التخلف وهي كثيرة ويمكن أن نقدم لها مؤشرات إحصائية كثيرة، كما تفعل المؤسسات الاقتصادية للرأسمالية العالمية مثل: "صندوق النقد الدولي، البنك الدولي.الخ” ولكنها، لا تقدم تفسيرا لظاهرة التخلف، بل تغبش الرؤية، وتخفى الأهداف الأساسية للدول الرأسمالية التي تتلخص في :-
- نهب ثروات البلدان المتخلفة من خلال التبادل غير المتكافئ، وتعميق الفقر والتفاوت الطبقي في تلك البلدان.
- تقويض وتفكيك النظم الوطنية التي تتبني تنمية مستقلة عن الدوران في فلك النظام الرأسمالي العالمي كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق.
- تهريب الفائض الاقتصادي اللازم للتنمية للخارج.
-الخصخصة وبيع مؤسسات القطاع العام وتخفيض وتعويم العملة الوطنية، وسحب الدعم عن السلع الأساسية والتعليم والصحة.الخ. كمااوضحنا في دراسة سابقة عن تجربة صندوق النقد الدولي في السودان.
- الوقوف دون تحقيق التنمية المستقلة التي يتم فيها الاعتماد على النفس، والتوجه الداخلي.
وغير ذلك من الوصفات التي سار عليها باندفاع شديد نظام مايو في الخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي منذ العام 1978،والإنقاذ منذ العام 1989، وحكومتي حمدوك بعد ثورة ديسمبر2018، التي أدت للمزيد من التدهور المعيشي والاقتصادي، وكانت النتيجة الخراب والدمار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي نعيشه الآن.
بالتالي يصبح المطلوب النفاذ للجذور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتخلف، فما هي تلك الجذور والسمات؟.
3
أولا: السمات النوعية للتخلف.
يمكن تحديد سمات التخلف الاقتصادي في السودان في الآتي:
أ – التوجه الخارجي وعلائق التبادل غير المتكافئة مع الدول الرأسمالية المتطورة التي تتمثل في :
- التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية المتطورة، كما في الديون التي تجاوزت 60 مليار دولار.
- استنزاف رأس المال الأجنبي للدخل بشكل منظم وتصدير الفائض الاقتصادي الي الخارج وخسائر الدخل الناشئة عن العلائق الخارجية مع العالم الرأسمالي.
ب- الجانب الداخلي، أي المتعلق بالسمات البنيوية (جمود الطاقات، عدم الاستقرار السياسي، والحروب الأهلية وآخرها الحرب اللعينة الجارية حاليا، وتضخم ميزانية الأمن والدفاع وجهاز الدولة الذي يستحوذ علي أكثر من 80 % من الميزانية)، ويتلخص في الآتي:
- اقتصاد مفكك يفتقر الي الوحدة العضوية والتكامل ويتسم بطابع مفتوح وتركيب مشوه لفروعه.
- مجتمع غير متجانس ذو بنية مزدوجة ( قطاع حديث وآخر تقليدي)، وأصبح أكثر تدهورا بعد .تدمير الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي والخدمي، والحر الجارية حاليا ، وسيادة النشاط الطفيلي، تجارة العملة، غسيل الأموال ، تجارة البشر والسلاح ، تجارة المخدرات.الخ.
وبكلمات اخري ترتبت نتائج سلبية علي تبني الفكر التنموي التقليدي الرأسمالي الغربي والذي نتج عنه الآتي:
- ديون خارجية، تبعية تكنولوجية، عجز غذائي أو مجاعات، وحروب أهلية ،عدم الاستقرار الداخلي، نماذج فاشلة للتصنيع، اضافة للدمار الكبير الذي حدث للصناعة الوطنية عد الحرب الحالية، عدم تحقيق الأهداف المباشرة المنشودة، آثار سلبية لتضخيم دور الاستثمار في التنمية، عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد علي الغير.
ثانيا: الجذور التاريخية للتخلف في السودان
هذا التخلف ليس قدرا لافكاك منه، أو لعنة حلت بالسودان، ولكنه نتاج تطور تاريخي.
ومعلوم للقارئ، أن السودان في العصور القديمة والوسيطة شهد مولد حضارات (كرمة، نبتة ومروي، وممالك النوبة “ نوباتيا ، المقرة ، علوة “، ممالك الفونج والفور وتقلي.الخ)، كانت مزدهرة عرفت الزراعة والرعي والصناعة الحرفية والتقنية، وكانت تلك الحضارات لاتقل عن الحضارات التي كانت معاصرة لها في بلدان الشرق والعالم العربي والأوربي.
وكانت البنية الاقتصادية- الاجتماعية لتلك الحضارات مترابطة فيما بينها، فكانت الزراعة توفر احتياجات الناس الأساسية من الغذاء، وكانت الصناعات الحرفية توفر أدوات الإنتاج والاحتياجات الأخري، وكانت التجارة ترتبط بالمنتجات الزراعية والحيوانية والصناعة الحرفية. وكانت المواد الخام اللازمة للصناعات الحرفية كلها محلية مثل: الخشب، الحديد، النحاس، الذهب، الصوف، القطن، .الخ.
أي اذا جاز استخدام المصطلح المعاصر، أن الاقتصاد كان يقوم علي الإكتفاء الذاتي، أي متوجه داخليا.
أما التجارة الخارجية، فقد كانت الواردات بشكل أساسي كمالية تهم الطبقات المالكة والغنية والأثرياء مثل: الأنسجة الفاخرة، الروائح والعطور، أدوات الزينة وغير ذلك من الكماليات التي كان يتم استيرادها في حضارات السودان القديم والوسيط، أي أن تلك المجتمعات كانت مترابطة ومتوجهة داخليا، بمعني أن الزراعة والرعي والصناعة الحرفية والتجارة، كانت توفر للناس إحتياجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وملبس .الخ، صحيح أن تلك الحضارات كانت تشهد مجاعات وأوبئة نتيجة لتقلبات المناخ والأحوال الطبيعية وتخلف الطب، وغير ذلك مما شهدته حضارات العالم القديم التي كانت معاصرة لها.
للمزيد من التفاصيل راجع على سبيل المثال: تاج السر عثمان ، تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي، دار عزة 2003، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير ، 2004م”

الحرب نتاج 68 عاما من التخلف والتدهور ( 2 / 2).
بقلم : تاج السر عثمان
1
هكذا كان الوضع حتي عام 1821م، عندما بدأ الاحتلال التركي المصري للسودان، وباحتلال الأتراك للسودان نشأت بنية اقتصادية- اجتماعية تابعة، بمعني أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في تلك الفترة، كان موظفا لخدمة أهداف دولة محمد علي باشا في مصر، التي وظف فيها رجال الدين لخدمة تلك الأهداف والمصالح، وتم نهب وتدمير القوي المنتجة ( المادية والبشرية)، وتم افقار السودان ونهب موارده الاقتصادية، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث.
في تلك الفترة ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عبر تصدير سلع نقدية مثل: الصمغ، العاج،و القطن.الخ، كما شهد السودان خلال تلك الفترة غرس بذور نمط الإنتاج الرأسمالي علي الأقل في سمتين:
* اتساع عمليات التبادل النقدي، والعمل المأجور أي تحول قوة العمل إلي بضاعة.
* الارتباط بالتجارة العالمية.
كانت التحولات في ميادين الاقتصاد والزراعة والصحة والمواصلات والتعليم محدودة، وظل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في تلك الفترة حبيس القطاع التقليدي، وظلت قوي الإنتاج وعلائق الإنتاج والبنية الثقافية بدائية ومتخلفة.
(للمزيد من التفاصيل راجع : تاج السر عثمان الحاج : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير 2006 ).
ويمكن القول، أن السودان في تلك الفترة شهد تدمير أو خسارة لبنية اقتصادية- اجتماعية، دون كسب لبنية أخرى أرقي.
أي أن السودانيين في تلك الفترة خسروا عالمهم القديم، ليحل محله عالم ملئ بالبؤس والشقاء، وارهاق كاهل الناس بالضرائب، واستنزاف ونهب موارد البلاد، حتي انفجرت الثورة المهدية التي أطاحت بذلك الوضع، بعد انفصل السودان لمدة ثلاثة عشر عاما عن المسار العام والدوران في فلك المنظومة الرأسمالية العالمية.
كانت فترة المهدية مليئة بالحروب وتقلص الإنتاج الزراعي والمجاعات ، والصراعات الاجتماعية والقبلية والدينية والأوبئة .الخ، حتي تم الاحتلال الانجليزي المصري للسودان عام 1898م.
2
ثالثا: إعادة الارتباط بالنظام العالمي:
ارتبط السودان مرة أخري بالنظام الرأسمالي العالمي بعد الاحتلال الانجليزي – المصري للسودان ، وعاد الاقتصاد السوداني مرة أخرى للتوجه الخارجي، وسار في طريق التنمية الرأسمالي الذي كرس التخلف وخلق فئات رأسمالية وشبه اقطاعية تابعة، وكان من نتائجه أن أصبح الاقتصاد خاضعا لاحتياجات بريطانيا ومد مصانعها في لانكشير بالقطن ( كان القطن المحصول النقدي الرئيسي، ويشكل 60% من عائد الصادرات)، وتم تغليب وظيفة زراعة المحصول النقدي علي وظيفة توفير الغذاء للناس في الزراعة. هذا إضافة لسيطرة الشركات والبنوك البريطانية علي معظم التجارة الخارجية، وارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي، وفي علاقات تبادل غير متكافئة، صادرات:مواد أولية (قطن، صمغ، ماشية، جلود،.الخ)، وواردات سلع رأسمالية مصنعة، وتم تدمير الصناعة الوطنية التي كانت ناشئة يومئد: نسيج ، أحذية.الخ.
وكان نمط التنمية الاستعماري الذي فرضه المستعمر يحمل كل سمات ومؤشرات التخلف التي يمكن تلخيصها في الآتي:
• 90% من السكان يعيشون في القطاع التقليدي.
• قطاع تقليدي يساهم ب 56,6% من اجمالي الناتج القومي.
• القطاع الزراعي يساهم ب61% من تكوين الناتج المحلي.
• ضعف ميزانية الصحة والتعليم، تتراوح بين (4- 6%).
• كان متوسط دخل الفرد 27 جنية مصري.
• اقتصاد غير مترابط ومفكك داخليا ومتوجه خارجيا.
• تنمية غير متوازنة بين أقاليم السودان المختلفة.
• تكريس الانقسام الطائفي والقبلي في البلاد “قانون الإدارة الأهلية” ، ووضع مناطق الجنوب ودارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق ضمن قانون المناطق المقفولة، مما كرّس التطور غير المتوازن والتخلف فيها، وأدي لتفجرها بعد الاستقلال في: المطالبة بالتنمية وحقوقها في التعليم والصحة والخدمات، والتحرر من ثالوث الجهل والفقر والمرض. الخ ، أي أن الاستعمار عمل بسياسة “ فرق تسد”.
3
بعد الاستقلال سارت الأنظمة التي حكمت “ مدنية وعسكرية” في طريق التنمية الرأسمالي الذي رسمه الاستعمار من خلال الطبقات والفئات الرأسمالية التي خلقها والطفيلية المايوية بعد انقلاب مايو 1969 ، والطفيلية الإسلاموية بعد انقلاب يونيو 1989.
ازداد الوضع سوءا بعد إنقلاب الإسلامويين في يونيو 1989م الذي فرط في السيادة الوطنية وفصل جنوب السودان ، وتم إعادة إنتاج التخلف واشتدت التبعية للعالم الخارجي أو التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني: ديون خارجية تجاوزت 60 مليار دولار، عجز غذائي ( مجاعات)، حروب أهلية، تصنيع فاشل، اشتداد حدة الفقر حتي اصبح اكثر من 95% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، إضافة لانهيار القطاعين الزراعي والصناعي وانهيار وخصخصة خدمات التعليم والصحة، وخصخصة وبيع ممتلكات الدولة “ السكة الحديد ، مشروع الجزيرة، الخطوط الجوية ، النقل النهري، هيئة المواني البحرية.الخ”، والفساد وانهيار القيم والأخلاق، وتدهور الصادر مما أدي لتدهور قيمة الجنية السوداني، وتهريب عائدات البترول والذهب خارج البلاد التي تقدر بأكثر من 150 مليار دولار، وكان من الممكن أن تسهم تلك العائدات في دعم الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والخدمات.الخ. حتى أصبحت البلاد مهددة بالمزيد من التمزق، ومسرحا للصراعات والقواعد العسكرية والاستخباراتية، والصراع علي نهب موارد البلاد وبيع أراضيها.
إضافة لمصادرة الحريات وتصعيد نيران الحرب في المناطق الثلاث، وتزوير الانتخابات النقابية والعامة، والدعوات الكاذبة للحوار ونقض العهود والمواثيق في الانفاقات التي أبرمها النظام مع الحركات والأحزاب مما أدي لاتساع نيران الحرب وتعميق الأزمة الوطنية في البلاد، واشتداد حدة الصراعات داخل النظام نفسه.
4
كما تراكمت المقاومة الجماهيرية والعسكرية ضد النظام حتى تم انفجار ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت رأس النظام، لكن انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد قطع الطريق أمام الثورة، وتحالفت "قوى الهبوط الناعم" التي دعت للمشاركة في انتخابات 2020 مع العسكر وتآمرت علي الثورة بعد مجزرة فض الاعتصام ، بدعم خارجي خليجي وأمريكي واوربي وافريقي، وانقلبت علي ميثاق قوي الحرية والتغيير ، ووقعت علي "الوثيقة الدستورية" التي كرّست حكم العسكر، وتقنين قوات الدعم السريع دستوريا ، وبعدها تمّ الانقلاب علي الوثيقة الدستورية نفسها، بالسير في خط "الهبوط الناعم " الذي أعاد إنتاج سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية، والاتفاقات الجزئية للسلام بالتوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، ولم يوقف الحرب، اضافة لتحالف حركات جوبا مع الدعم السريع والفلول الذين دبروا اعتصام" الموز" وبعده انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي اطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية، بعد أن وجد الانقلا مقاومة كبيرة، وفشل حتى في تكوين حكومة، جاء الاتفاق الإطاري بتدخل خارجي ، وحدث الخلاف حول مدة دمج الدعم السريع في الجيش، مما أدي للحرب اللعينة التي دمرت البنية التحتية والصناعة والزراعة والاقتصاد، اضافة للمآسى الانسانية، ونزوح حوالي 8 مليون شخص داخل وخارج البلاد، ومقتل أكثر من 13 ألف ، وجرح 26 الف شخص.
كما سارت حكومات الفنرة الانتقالية والأمر الواقع بعد الحرب في سياسات النظام البائد التي قادت للحرب والأزمة، وتدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بعد تنفيذ حكومة حمدوك توصيات صندوق النقد الدولي بعد رفضه توصيات المؤتمر الاقتصادي، وتم تخفيض كبير في الجنية السوداني أدي لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، اضافة لزيادة أسعار الكهرباء، ورفع الدولار الجمركي من 20 الي 650 في بداية الحرب حتى وصل حاليا الي 950 جنية لتمويل الحرب، والاستمرار في استجداء العون الخارجي والمزيد من الديون ، حتى اصبح المواطن يعيش في جحيم غلاء الأسعار، ونقص الجازولين الذي يهدد الترحيل والموسم الزراعي، والزيادات المستمرة في أسعار المحروقات والغاز والخبز والدواء الذي أصبح شحيحا، حتى أصبحت الحياة لا تُطاق، مما يؤدي لذهاب ريح الحكومة، كما حدث في انتفاضة مارس- أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2018.
اضافة لمصادرة الحقوق والحريات الأساسية ، فقد ابقت الحكومة علي القوانين المقيدة للحريات مثل : قانون النقابات 2010 " قانون المنشأة"، وعدم اجازة القانون الديمقراطي للنقابات الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، والقانون الجنائي 1991 الذي حوي كل القوانين المقيدة للحريات مثل: قوانين سبتمير، ليس ذلك فحسب بل وصل الاستهتار والتآمر علي الثورة باصدار مشروع قانون الأمن للنظام البائد الذي رفضته قوي الثورة، وعدم تسليم البشير ومن معه للجنائية، والقمع الوحشي للمواكب السلمية، وعدم انجاز التقصي في مجزرة فض الاعتصام.
اضافة لعدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن ، وحل كل المليشيات ( دعم سريع، مليشيات الفلول، وجيوش الحركات) وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وعدم اصلاح القضاء والنيابة العامة وقيام المحكمة الدستورية، والبطء في تفكيك النظام واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، وعدم تكوين التشريعي والمفوضيات.
هكما تم التفريط في السيادة الوطنية، وربط البلاد بالاحلاف العسكرية الخارجية، لنهب اراضي ومياه وثروات البلاد الزراعية والمعدنية، والسيطرة علي الموانئ، كما في محاولة إعطاء مشروع "الهواد" الزراعي وميناء ابوعمامة للإمارات، والاتفاقيات لقيام قواعد عسكرية بحرية لروسيا وأمريكا، وزج البلاد في الحرب الاقليمية بالتحالف مع ايران كما يجرى حاليا، مما يهدد أمن البلاد ويطيل أمد الحرب، اضافة للتفريط في أراضي البلاد المحتلة ( الفشقة، حلايب، شلاتين. الخ)، وزج السودان في الحروب الخارجية ( اليمن ،.الخ)، مما يهدد أمن البلاد، بدلا من التوازن في علاقاتنا الخارجية لمصلحة شعب السودان، والخضوع للابتزاز الأمريكي بالرفع من قائمة الدول الراعية للارهاب مقابل التطبيع مع اسرائيل الذي من مهام الحكومة المنتخبة القادمة، وإلغاء قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب، ودفع مبلغ 335 مليون دولار عن جرائم إرهابية ارتكبها النظام البائد شعب السودان غير مسؤول عنها، وهو يعاني المعيشة الضنكا جراء الارتفاع المستمر في الأسعار ، والنقص في الوقود والخبز والدواء والعجز عن طباعة الكتابم المدرسي. الخ، فضلا عن المراوغة وعدم الشفافية في التطبيع، باعتبار ذلك استمرار في اسلوب النظام البائد القائم علي الأكاذيب وخرق العهود والمواثيق، والخضوع للاملاءات الخارجية، مثل فصل البشير للجنوب مقابل وعد برفع السودان من قائمة الإرهاب، .الخ، تم فصل الجنوب وظل السودان في قائمة الإرهاب.
5
وأخيرا، تلك هي السياسات التي أدت للتخلف والتبعية والحرب، ما يتطلب تعزيز التحالف الجماهير الواسع لوقف الحرب واسترداد الثورة، بالخروج من دائرة الانقلابات العسكرية التي أخذت 58 عاما من عمر الاستقلال البالغ عمره 68 عاما ودمرت البلاد والعباد، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وتعزيز السيادة الوطنية، والمحاسبة وعدم الافلات من العقاب عن جرائم الحرب وضد الانسانية، ووقف نهب ثروات البلاد، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنمية المستقلة والمتوازنة بين أقاليم السودان، وقيام المؤتمرالدستورى الذي يقرر شكل الحكم في البلاد، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.

alsirbabo@yahoo.co.uk
/////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی السیادة الوطنیة تاج السر عثمان النظام البائد فی تلک الفترة السودان فی التی کان

إقرأ أيضاً:

حرب أفول الدولة

حرب أفول الدولة

خالد عمر يوسف

منذ اندلاع الشرارة الأولى لحرب الإجرام المكتمل هذه قبل عامين ونيف، كان واضحاً لكل ذي بصيرة أنها حربٌ لا مشروعية سياسية أو وطنية أو أخلاقية أو دينية لها، هي حربُ الاستحواذ على السلطة فوق جماجم الناس، وللتغطية على حقيقتها الإجرامية رافقها سباقٌ للسرديات سعياً لاكسابها مشروعية ما، ولكن كما جاء في قصة كتاب المطالعة الشهيرة المسماة “فرعون وقلة عقله”، -وهي قصة درسناها في زمان أفضل من هذا الزمان- تأبى هذه الحرب إلا أن تخرج عارية من كل خرقة قماش، كاشفة عورتها التي تسوء الناظرين، وهي عورة لم ينجح حارقو بخورها في اخفاءها رغم ما اخترعوه حولها من روايات.

آخر أكاذيب هذه الحرب أنها حرب بقاء الدولة، والحفاظ عليها من الانهيار. تحولت الدولة في عرف من يروجون لهذه الرواية لغاية في ذاتها دون تدبر في كونها أداة ابتكرها البشر لخدمة احتياجاتهم الأساسية. رغماً عن ذلك واذا افترضنا جدلاً أن الحفاظ على الدولة مقدم على حفظ أرواح وممتلكات وكرامة من يقطنها من بشر، هل حقيقة أن هذه الحرب تبقي الدولة وتحميها فعلياً؟

تذخر كتب العلوم السياسية والاجتماعية بأبحاث معمقة حول طبيعة الدولة وتعريفها، وهي مباحث تضيق هذا المساحة عن الإحاطة بها. لذا ولأغراض المقال فلنستند على أبسط تعريفاتها وعناصرها. يعرف ماكس فيبر الدولة بأنها “الكيان الذي يحتكر الاستخدام المشروع للعنف داخل إقليم معين”، كما إن المعاهدات الدولية التي انبنت عليها صيغ الدولة الحديثة، تنص على أنه من أهم العناصر الأساسية لقيام الدولة هي الشعب، والرقعة الجغرافية، والسلطة السياسية، وممارسة السيادة على أراضيها. في ذات السياق فإن العديد من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية، قد وضعت تعريفات ومعايير لقياس هشاشة الدول، حيث يعرف البنك الدولي الدول الهشة بأنها “تلك التي تعاني من ضعف في القدرة على أداء وظائف الحكم الأساسية، وتتآكل فيها شرعية الدولة أو تصبح محل شك”، ووفقاً لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة Fund for Peace فإن “الدولة تعتبر في حالة فشل إذا عجزت عن تقديم السلع والخدمات السياسية الأساسية لمواطنيها. بما فيها فقدان السيطرة على أراضيها، والعجز عن توفير الأمن، وتراجع شرعية الحكومة، وانهيار الخدمات العامة، وصعود النخب المتنازعة أو التدخل الخارجي”.

بالعودة للحالة السودانية واستناداً على ما ورد أعلاه من تعريفات لطبيعة الدولة، ومعايير فشلها، فإنه من الواضح أن الحرب هي الطريق السريع لأفول الدولة وتحللها وليس الحفاظ عليها. فقد صنف مؤشر الدول الهشة السودان بأنه ثاني أكثر دول العالم هشاشة في العام 2024م، مستنداً على عجز الدولة عن توفير الأمن والخدمات أو احتكار السلطة داخل إقليمها. هذا التصنيف ليس تصنيفاً رغبوياً، فما يحدث كل يوم في بلادنا يقف شاهداً على ذلك، وبمراجعة عناصر الدولة نجد بوضوح أنها بفعل الحرب قد فقدت قدرتها في السيطرة على “العنف المشروع” وصار السلاح بيد كل مواطن، وتنقل الوسائط الاعلامية كل يوم حوادث القتل الفردي والجماعي في بقاع كانت تنعم بالأمن قبل اندلاع الحرب، بل أن السلطات التي تتنازع على السودان تشجع ذلك عوضاً عن كبحه، فها هو والي الخرطوم المعين من قبل سلطة بورتسودان يدعو المواطنين للعودة لديارهم “واعداً اياهم بالتسليح لحماية أحيائهم ومناطقهم”، فتوفير الأمن الذي يجب أن يكون مهمة الدولة تحول لشأن فردي بسبب تحلل الدولة وليس بفعل قوتها وبقاءها، والحرب التي حين بدأت كانت هنالك معضلة حول كيفية الوصول لجيش واحد مع وضعية الدعم السريع الذي نشأ دخل مؤسسات الدولة كجيش موازي، قادت البلاد لتفاقم المعضلة وتناسل الجماعات المسلحة والمليشيات التي تولد مع كل صباح، حتى صار امراً عادياً أن يتدرب الآلاف من الأشخاص خارج السودان في دول أجنبية، دون أن يرمش جفن دعاة الحفاظ على الدولة. إلى جانب ذلك فقد تآكلت بقية مقومات الدولة في السودان، فالشعب قد دفع إلى اللجوء والنزوح في أكبر كارثة تشهدها الكرة الأرضية حالياً، والسلطة السياسية متنازع عليها بين سلطتي أمر واقع تقاسمتا الرقعة الجغرافية في البلاد، وشرع الطرفان في تشكيل حكومات فيهما وسط افتقار للشرعية الكاملة داخلياً وخارجياً، أما السيادة فقد صارت نهباً لتدخلات خارجية تتزايد كل يوم، لتهدد مستقبل استعادتها لاحقاً لا حاضرنا الأليم هذا فحسب. الحقيقة التي لايمكن الهرب منها هي أن الحرب قسمت السودان وتقود لتحلل الدولة فيه وليس العكس.

يطابق البعض أيضاً في مغالطة واضحة بين القوات المسلحة والدولة نفسها، بل يعطي البعض القوات المسلحة حق امتلاك التعريف الحصري للدولة ولمن هم فيها ومن هم خارجها، وهو خلل مريع يرتكبه البعض بقصد ويقع فيه البعض الآخر سهواً. الحقيقة هي أن القوات المسلحة جزء من مؤسسات الدولة وليست الدولة ذاتها، ومن يتتبع مسار الحرب يجد أن هذا الجزء تحديداً قد أضرت به الحرب ولم تقوي بنيانه، فقد شرعت قيادة الجيش في تسليح جماعات مسلحة عديدة لا تخضع لإمرتها وفق التراتبية العسكرية المعلومة، بل صار الأمر أقرب للحلف السياسي بين جماعات مسلحة لا يخضع فيها أحد لأحد، تقوم فيه العلاقة على المساومات والعطايا المتبادلة بينها، فحيناً يتآلف هذا الحلف وحيناً يختلف فتضج الوسائط بأنباء تبايناته، وكل جماعة مسلحة هي فاعل سياسي مستقل بذاته، إذا نال العطايا أظهر الولاء والطاعة، واذا منعوه حمل سلاحه وهدد به وأرغى وأزبد. عليه فإن الطريق للحفاظ على القوات المسلحة نفسها كأحد مؤسسات الدولة لا يمر عبر الحرب بل العكس تماماً، فإن السلام والحل المنصف العادل الذي يضع قضية الجيش الواحد المهني القومي كأولوية لا مساومة فيها هو الطريق للحفاظ على هذه المؤسسة المهمة من مؤسسات الدولة.

اننا نؤمن بأهمية وجود دولة مستقلة ذات سيادة في السودان، لا تنهار ولا تفشل وتقوم بكل واجباتها الأساسية تجاه مواطنيها وفق عقد اجتماعي عادل وشامل ومنصف. ونؤكد على أن وجود جيش واحد مهني وقومي ضمن مؤسسات الدولة وتحت سلطة قيادتها المدنية الشرعية هو أحد أركان بناء دولة متينة وحديثة. الطريق لبلوغ هذه الغايات هو السلام ووقف هذه الحرب الإجرامية اليوم قبل الغد، أما دعاة الحرب ونافخو كيرها، فهم هادمو معبد الدولة بمعاول صدئة قوامها الأكاذيب .. أكاذيب ستذهب جفاءً كما ذهبت تلك التي سبقتها، ويبقى في خاتمة المطاف ما ينفع الناس.

الوسومالسودان القوات المسلحة حرب السودان خالد عمر يوسف سلطة بورتسودان فرعون

مقالات مشابهة

  • أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
  • استمرار الحرب في السودان يُفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • 30 عاما على المجزرة.. ما الذي يربط سربرنيتسا بغزة؟
  • بالصور.. 30 عاما على مذبحة سربرنيتسا التي ما زالت تَقطُر دما وتنزف دمعا
  • ما الذي يحرك الطلب على المشاريع العقارية التي تحمل توقيع المشاهير؟
  • كيف يتم وقف التدهور الاقتصادي والمعيشي بعد الحرب؟
  • اليوم حرب وغدا خوف.. ما الذي يعنيه أن تقصف تل أبيب؟
  • توقعات الطقس في السودان خلال الـ24 ساعة القادمة
  • حرب أفول الدولة
  • 70٪ من أطفال أوكرانيا يفتقرون إلى الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية