الدستورية: عدم تحرير عقد الإيجار لا يمنع المؤجر من إثبات العلاقة الإيجارية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم السبت برئاسة المستشار بولس فهمى حكمين تاريخين أولها بعدم قبول الدعوى المحالة للفصل في دستورية الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 21 لسنة 1958 في شأن تنظيم الصناعة وتشجيعها.
واستعرضت المحكمة في حكمها التطور التشريعي للنص المحال، الذي عهد بمادته الأولى إلى رئيس مجلس الوزراء الاختصاص بإنشاء الغرف الصناعية، ونصت فقرتها الأخيرة على أنه اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون تعد القرارات التي صدرت بإنشاء الغرف الصناعية أو تحديد الصناعات المنضمة إليها صحيحة، كل بحسب أداة إصدارها.
كما قضت المحكمة الدستورية العليا بجلستها المنعقدة اليوم السبت، في حكمها الثاني برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر- رئيس المحكمة، بعدم قبول الدعوى المقامة طعنًا على دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (16) من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، الملغي، فيما أوجبته أولاهما على المؤجر من إبرام عقد الإيجار كتابة، في حين أجازت الأخرى للمستأجر إثبات العلاقة الإيجارية بكافة طرق الإثبات.
واكدت المحكمة في أسباب حكمها إن المشرع حرص في ذلك القانون على تنظيم العلاقة الإيجارية تنظيمًا تشريعيًا بنصوص آمرة، فأوجب بالنص المطعون عليه إبرام عقود الإيجار كتابة، وألزم المؤجر عند تأجير أي مبنى أو وحدة منه، أن يثبت في عقود الإيجار البيانات المتعلقة بترخيص المباني والأجرة الإجمالية المقدرة للمبنى والوحدة المؤجرة، بيد أن اشتراط الكتابة على النحو السالف بيانه، لا ينال من رضائية عقد الإيجار، ولا يجعل منه عقدًا شكليا، تعد الكتابة ركنًا فيه، وإنما وسيلة إثبات تمكن طرفي العلاقة الإيجارية من النفاذ إلى القضاء طلبًا للترضية القضائية حال وجود عقد مكتوب، فإذا أخل المؤجر بالتزامه بإبرام عقد الإيجار كتابة أو أنكر العلاقة الإيجارية، كان للمستأجر إثبات واقعة التأجير وجميع شروط العقد بكافة طرق الإثبات، التي لم يحل النص ذاته بين المؤجر وإثباتها باللجوء إلى ما يتاح له منها، منضبطة بقواعد وشروط إعمالها، على نحو ما تتضمنه نصوص قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، بما مؤداه أن النص المطعون عليه لم يرتب في مواجهة المؤجر، في حالة عدم إبرام عقد الإيجار كتابة أو فقده منه، جزاءً بعدم سماع دعواه بإثبات العلاقة الإيجارية وجميع شروطها، بما لا محل معه لإعمال جزاء خلا منه النص، ولا تسمح به طبيعته، فإذا جرى تطبيق النص على غير هذا النحو، فإن ذلك لا يوقعه في حمأة المخالفة الدستورية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدستورية العلاقة الايجارية المحكمة الدستورية العليا الغرف الصناعية المستشار بولس فهمي مجلس الوزراء العلاقة الإیجاریة الإیجار کتابة عقد الإیجار تنظیم ا
إقرأ أيضاً:
حينما تصبح الهوية قيدًا .. تأملات في نسب شجرة الغول لعبد الله بولا
إبراهيم برسي
٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤
إن الكتابة عن بولا أو عن كتابات بولا نفسها تحتاج إلى جُرأة وشجاعة، وقد ترددت كثيرًا في دخول مثل هذه المقامرة. و تذكرت مقولة الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي عن حتمية انتهاء القديم وصعوبة ولادة الجديد: “تتجلى الأزمة تحديدًا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد.”
هذه المقولة تتناغم مع تأملات نص بولا، حيث نتعامل مع صراع جاد حول الهوية، التاريخ، والوجود.
“نسب شجرة الغول” هو نص لا يُقرأ، بل يُستشعر. كمن ينظر إلى مرآة غامضة تعكس ظلال الروح السودانية، حيث تتداخل الذكريات بالجروح، وتتمزق الهوية بين زوايا الماضي والحاضر.
عبد الله بولا لا يكتب هنا عن أزمة سياسية أو اجتماعية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليغوص في صميم الصراع الإنساني: صراع الإنسان مع ذاته، مع الآخر، ومع المعنى الذي يصنعه أو يُفرض عليه.
الغول، الذي يتكرر ذكره في النص، ليس وحشاً أسطورياً من خيال جمعي، بل هو استعارة حية، مرنة، تأخذ شكلاً جديداً في كل مرة تُستدعى فيها.
الغول هو الهيمنة التي تختبئ وراء الأقنعة، حين تُحوّل التنوع إلى شتات، وحين تجعل من الجسد الواحد عدواً لنفسه. لكنه أيضاً الموروث الذي لم يختره أحد، الإرث الذي يُفرض علينا دون أن نستطيع التمرد عليه تماماً، تماماً كالأحلام التي تستدرج اللاوعي لتُفصح عما لا يُقال.
النص يتحدث عن السودان، لكن السودان هنا ليس مجرد بلد، بل هو صورة مصغرة للإنسانية في صراعها الأبدي مع الاختلاف. التنوع الثقافي الذي كان يمكن أن يكون ثروةً، تحوّل بفعل سياسات الهوية المهيمنة إلى عبء يثقل كاهل البلاد. ليس هذا صراعاً بين الهامش والمركز فقط؛ إنه صراع بين الأصوات التي تريد أن تتنفس، وبين سلطة تصر على أن تُعيد تشكيل كل ما حولها وفق صورتها الخاصة.
لغة عبد الله بولا تلتف حول القارئ كنسيم خفيف يخفي وراءه عاصفة. اللغة هنا ليست حيادية؛ إنها السلاح، الساحة، والجائزة.
اللغة العربية، بتغلغلها في المؤسسات التعليمية والإدارية، أصبحت كما يبدو في النص “اللغة السيدة”، بينما صارت اللغات الأخرى أصواتاً باهتة، مقيدة بالسياقات الخاصة، محرومة من الحضور الرسمي. لكن، كما أن الحلم يُظهر المكبوت، فإن النص يكشف عن مقاومة خفية، عن تلك الهويات التي لم تمت، بل تنتظر لحظة استعادة صوتها.
التاريخ في “نسب شجرة الغول” ليس سلسلة أحداث متتالية؛ إنه كيان حي يتنفس في كل زاوية من النص. يكتب عبد الله بولا عن الماضي لا ليفسره، بل ليحاكمه، ليعيد سؤاله عما فُعل باسمه.
الهوية السودانية، كما تبدو في النص، ليست حقيقة ثابتة، بل مشروعاً قيد التفاوض، مشروعاً حاولت الهيمنة أن تحسمه لصالح سردية واحدة، لكنها لم تفلح سوى في ترك جراح أعمق.
وهناك المثقفون. أولئك الذين كان يُفترض أن يكونوا حراس الوعي، لكنهم، كما يصوّرهم النص، وقعوا في فخ إعادة إنتاج الهيمنة.
في لحظات عديدة، يبدو النص كأنه حوار داخلي، حيث يتساءل الكاتب: كيف يمكن لمن يفكر أن يكون أداة في يد من يقمع التفكير؟
المثقف هنا ليس مجرد فرد، بل رمز لصراع أوسع: بين الفكر المستقل والسلطة التي تحاول أن تروضه.
ثم يأتي التحليل النفسي للهوية. في النص، الهوية ليست شيئاً نملكه، بل شيئاً يُفرض علينا. الهوية العربسلامية، كما يصورها النص، ليست مجرد اختيار، بل سلطة تحاول أن تُقصي كل ما لا يتماشى معها. إنها أشبه بظل طويل يخفي تحته التنوع، لكنه لا يستطيع محوه تماماً.
هذا الصراع بين المركز والهامش، بين اللغة السيدة واللغات المكبوتة، بين الماضي الذي يُعاد إنتاجه والحاضر الذي يبحث عن مخرج، هو ما يمنح النص قوته الفلسفية العميقة.
لكن النص ليس اتهاماً فارغاً؛ إنه أيضاً دعوة للتأمل. عبد الله بولا لا يقدم حلولاً جاهزة، لكنه يفتح نافذة على احتمالات جديدة. يدعو إلى القبول، ليس بمعنى الخضوع، بل بمعنى المصالحة مع الذات المتعددة، مع السودان كما هو، لا كما تريده السلطة أن يكون. النص يدعو القارئ إلى التوقف عن البحث عن إجابات سهلة، وإلى مواجهة التعقيد بجرأة.
“نسب شجرة الغول” هو نص يرقص على حافة الكلمة، يحفر في عمق المعنى، ويترك القارئ مسكوناً بأسئلة لا تنتهي. إنه كمن يسير على حبل مشدود بين الحلم واليقظة، بين الواقع والممكن، بين الذاكرة والنسيان. وفي النهاية، ربما لا يكون الغول إلا نحن، حين ننسى، حين نتجاهل، وحين نستسلم للهيمنة بدلاً من أن نقاومها.
zoolsaay@yahoo.com