تباريح الغربة.. إبراهيم الأدهم يحكي «قصة قصيرة» لـــ محمد مصطفى الخياط
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
ملعون أبوالغربة.. أخدتنا لحم ورمتنا عضم، لم نجنِ منها غير الشتات والفُرقة، نعيش على هامش دفتر الحياة، أجساد بلا أرواح، فقدت الأيام طعمها، رب أسرة على الورق، زوج على الورق، ثم جَد على الورق.. منذ ولدنا والدنيا تلهو بنا، ضاقت بنا السبل، لم أعرف فى حياتى سوى الزراعة، من صغرى وأنا منقوع فى مِلح الشَقاء.
أخبار متعلقة
الفرن والتليفون.. قصة قصيرة لــ رضا الأشرم
جدران الجراح.. قصة قصيرة لــ عماد مجاهد
الرجل والنُّورج «قصة قصيرة» لــ محمد فيض خالد
ساقاى جذور تسرح فى جوف الأرض، وذراعاى جريد نخيل تقطف ثمار فاكهة الموسم وتحملان الخير أنَّ كنت، أجير؛ ليس لى أرض. مُرة هى الأيام، عامل فى أيام الحصاد وتنقية الدودة من غيطان القطن وعاطل فى الما بين، اعتدت شروق شمس الصباح وأنا بلا مال ولا زاد؛ يوم معى ويومان خالى الوفاض، ومع هذا تزوجت مثل ملايين غيرى، لم تتكلف أسرتى سوى غرفة إضافية وضعت فيها لوازم العُرس؛ سرير جديد ودولاب متواضع مع تسريحة مستعملة بمرآة دائرية كبيرة وكليم قطن.
كُنا مستورين؛ نأكل مع الأسرة فى ذات الطبق ما تيسر من طعام، أقل القليل يكفى وننام ملء جفوننا، سعادتنا حين تتلامس رؤوسنا على ذات الوسادة، وهناؤنا حين يستيقظ أى منا ويرى الآخر غارقًا فى النوم مستكينًا إلى جواره فيندس فى دفئه غارقًا فى بحر الصفاء والسكينة.
كانت حُسنية قطعة جيلاتى، فانيليا معجونة بعصير فراولة بلدى طازج، قُطِفَت حباتها بعناية، راعت تماثلها حجمًا وشكلًا ولونًا وطعمًا؛ ناصعة البياض مُشرَبة بحمرة لا تفارقها صيفًا أو شتاءً، كنت أغار عليها من الجميع؛ حتى أهلى، وعندما طلبت منها ألا تخرج من غرفتنا إلا وطرحة سمراء تغطى جانب وجهها وجلبابها الطويل يستر كعبها، ضحكت وقالت: (إمتى يكون لينا بيت ألبس فيه براحتى؟)، وجاء البيت ولبست براحتها وسافرت أنا، غادرتنا الهناءة والطمأنينة وسكنت غُرَف البيت الوحشة والوحدة والبرودة، حتى فى عز الصيف.
غَرّبتنا الأيام وكُتب علىّْ فراق قطعة الملبن المعجونة بفتافيت سكر سنترافيش ألوان، شهية اللون والملمس، فرّقتنا فى عز شبابنا، وراحت تَمُن علينا بلقاءات متناثرة مضطربة كل عدة سنوات، حتى نسينا لماذا نلتقى؛ صرنا أغرابا، كأننا لا نعرف بعضنا البعض، نلتقى كغريبين على رصيف محطة قطار الحياة؛ نتبادل نظرات استكشاف وأخرى قتلتها ليالى الوحدة والسهاد، اعتاد كل منا أن يحلم أكثر مما يعيش؛ يجثم ليل الغربة ويخلد كل منا لنفسه، نذرف دموع الحرمان الساخنة على فراش الوحدة البارد، يتقوقع كل منا خائفًا كجنين عَشَمًا أن يولد فى الصباح أمل الحياة.
غابت اللمة حول صينية الإفطار؛ فى أيام العسرة لم تزد المائدة على قطعة جبن بلدى وعيش مِلَدِن خبزته حسنية مع جاراتها وتقاسمنه فيما بينهن، وفى أيام الرفاه نُغمّس اللقمة من طبق فول صابح، سهر صلاح بكرى على تدميسه فى المِستَوقَد، فلا تعرف وهو يغرف بالكبشة من الدماسة أهى حبات فول أم فستق تفتقت قشرته عن مكنون قلبه، تتصاعد إلى جواره رائحة شرائح باذنجان مقلى مرشوش بالثوم المفرى مع عصير الليمون ورشة خل وقليل من مكعبات طماطم صغيرة قطعتها حسنية بتأنٍ، أمد يدى متناولًا فحل البصل من كفها الإسفنجية، أُثبته بيسراى على الأرض وأهوى عليه بيمناى فيتفسخ وتسيل منه عصارة خفيفة، أستخرج القلب وأعطيه لحسنية فتتناوله كهدية ثمينة، نتبادل نظرات رضا وسعادة لو وزعناها على أهل الدنيا لفاضت وملأتها سرورًا، نأكل بشهية مَن يملك العالم، نُبلِّع طعامنا بماء القلة المنتصبة كملكة فى الصينية الألومنيوم، يتراقص حولها حبات الليمون البنزهير برائحتها الزكية مع عود نعناع بِكر.. أين هذه اللمة يا الله؟، بكم أشتريها الآن؟.. بعمرى والعمر قليل.
ثقافة قصة قصيرة محمد مصطفى الخياط إبراهيم الأدهمالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة قصة قصيرة قصة قصیرة
إقرأ أيضاً:
الحرفيون المصريون يثرون "أيام الشارقة التراثية"
تشارك في أيام الشارقة التراثية حرف كثيرة من مصر تحكي كل واحدة منها تاريخاً من الزمن وأجيالاً من الحرفيين وأنواعاً من المشغولات التي تسحر العيون بفنها ودقتها وطابعها المحلي المميز وبصمتها التي تطوف في رموزها وصورها ومعانيها وأشكالها التي تصور طبيعة الحياة بأهلها وناسها منذ عهد الفراعنة إلى اليوم.
ولفتت الباحثة في علم الأنثروبولوجيا بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة رئيسة وفد الحرفيين المصريين الدكتورة نهاد حلمي إلى مجموعة من الأنواع الحرفية.وأوضحت شيماء النجار من سواج أن حرفة "التلي الصعيدية" تعتمد على التطريز بخيوط الذهب والفضة التي تأتي خاماتها من ألمانيا أو الهند ويمكن تنفيذها على أقمشة الحرير والكتان والقطن مبينة أن استعمال هذا النوع من التطريز على اللباس في مصر قد توسع من مناسبة العرس إلى جميع مناسبات الأفراح الأخرى في المجتمع لجماله المعبر اللافت.
وبين مبروك محمد أبو شاهين من مدن كفر الشيخ، أن حرفة كليم فوّة - وفوّة تعتمد على استعمال صوف الضأن والنسج به على القطن مستعرضاً أنواعه (البارز والسادة) وتعدد مصنوعاته بين حقائب ومفارش وأثاث بيوت كاشفاً أن تميزه في هذه الصنعة يعود لكونها موروثة منذ 200 عام .
ويشارك الفنان التشكيلي محمد جابر المتخصص في حرفة تشكيل الخشب بعدد من الفوانيس التراثية التي برع في توظيفها من تصاميم الهلال والمحاريب والمساجد بشكل مثير للإعجاب.
وشرحت نسرين أحمد عطية عن حرفة الخيامية وهو القماش الكرنفالي الشهير الذي يستعمل في أكبر الأحجام مع خيام المناسبات أو أصغرها المستعملة في المفارش والجداريات بتنوع زخارفها التي حملت أشكال اللوتس والمحمل والهودج وعين حورس والنقش الفرعوني والقبطي والإسلامي.
أما الفنان توفيق سليم فاستعرض منحوتاته التي تصور الحرف التراثية المصرية ومجسمات أشهر الشخصيات الفنية والأدبية والاجتماعية، فيما برعت الدكتورة منار عبد الرزاق في مشغولات الخرز و أبدعت أنامل آية حسن وحمدية عطية جمالية الفركة النقادي المعروف في اليونسكو بحرفة (النسيج الصعيدي) وأشكاله الريشة والمثلث والكرسي والملكية وغيرها ليعطي الحرفيون المصريون لزائري أيام الشارقة التراثية تجربة ممتعة وذكرى لا تزول.