الفرن والتليفون.. قصة قصيرة لــ رضا الأشرم
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
كلما دخلت من باب البيت، أسمع صوتها تتكلم فى الهاتف.
أخبار متعلقة
جدران الجراح.. قصة قصيرة لــ عماد مجاهد
الرجل والنُّورج «قصة قصيرة» لــ محمد فيض خالد
بريق الماضى.. قصة قصيرة لــ صفاء عبدالصبور
ما إن تقوم من نومها، حتى تمسك بجهازها.. تفصله عن الشاحن وتدخل به الحمام.. وتخرج واضعة إياه فوق أذنها..
تستطيع أن تسمعنى ثم تواصل الحديث مع صديقتها عن حملها وعلاجها الذى يجب أن يتوقف خوفا على الجنين وعن أكلات معينة يجب أن تتناولها لسلامة الجنين، وعن ضرورة ممارسة الرياضة لسلامتها.. وعن.. وعن..
لكن فى هذا اليوم، عرفت أنها ستشعل الفرن.. نظرت فى الساعة.. الوقت يقترب.. والأطفال وآباؤهم لا أحب أن ينتظرونى.. ركبت دراجتى وأنا أمضغ بقايا رغيف محشو بالسلاطة والجبن الأبيض.. كان بطبق على السفرة فى الصالة طوال تمرينى للأطفال.
بالى مشغول بالفرن.. وتليفونى بعيد عنى طيلة ثلاث ساعات.. مدة التمرين كان الأطفال يعترضون على قراراتى كَحَكَم بلطف.. ولا أبالى.. آباؤهم يحدثوننى وأنا أرد عليهم، وبالطبع مشغول عنهم بصينية الدجاج التى رأيتها تجهزها قبل خروجى لتضعها بالفرن.
(جيب العواقب سليمة يا رب)
آخر مرة حذرتها.. بعد أن غادرت المطبخ وجلست فى الصالة.. لكنها مشغولة هذه الأيام بالإعداد للانتخابات المحلية.. فزوجتى عضو نشط بالحزب الحاكم، ودائما ما تؤكد أنها بتليفون صغير تستطيع أن تزعج جميع العاملين بمجلس المدينة.. وبتليفون آخر تعزل رئيسة مجلس المدينة أو تبقيها. وأرد عليها:
- سأصدق كل ذلك وأكثر حين تضيفون لميزانية النادى السنوية مبلغا يمكّننا من تنجيل الملعب وإضاءته.
ما لفت نظرى لذلك انقطاع لاعب كرة موهوب عن التمرين.. هاتفت أباه. عرفت أنه طبيب.. لم أعرف تخصصه.. رد بأدب بالغ:
- للأسف لا أستطيع ان أجعل الصبى يستمر معكم فى التدريب.. فالغبار المتصاعد من أرضية الملعب كفيل بإصابته وزملائه بأمراض صدرية عديدة. فسكتُّ واعتبرت الأمر تكلفا منه.. فهذا الملعب كثيرا ما مارست الأجيال المتتالية اللعب عليه، ولكن بعد أن تكرر غياب الصبية لفت الأمر نظرى، ما أدى إلى زيادة حالات الكحة بين الأطفال فى الملعب.
- انتبهى.. الفرن شغال
هذا هو دورى.. أذكرها دائما كلما رأيتها تشعله، لكنها أومات لى أنها منتبهة وواعية ومن المستحيل أن يحترق الطعام فى الفرن، ولكن ككل مرة حين نجلس على السفرة وحين أستعد للاعتراض على الحريق الظاهر فى أسفل الماعون تأتينى إشاراتها بأنه يجب على السكوت أمام الأولاد وهم يأكلون.
.. هممت أن أطلب تليفون أحدهم وأكلمها، لكن وجدت الأمر غير لائق.. ما إن انتهى التمرين حتى توجهت لخزينة ملابسى التى بها هاتفى وأمسكته بسرعة، ووجدتها قد اتصلت بى ست مرات فارتجف قلبى.. من المؤكد أن الأمر جلل.
طلبت رقمها لكنها لا ترد. أخذت دراجتى إلى البيت مسرعا.. وجدت جيرانى متجمعين أمام المدخل، فانقبض قلبى.. لاحظوا ذهولى.. أشار لى أحدهم أن أنظر لنافذة المطبخ التى يظهر عليها هباب أسود وبقايا دخان لا يزال يتصاعد.. ورائحة الحريق تملأ المكان
- اطمئن يا كابتن..المدام بخير.
وآخر يقول:
- طلبنا الإسعاف ونقلناها.. نظنها بخير.
وثالث يقول:
- هل تعلم أن طفاية الحريق التى تضعونها بمدخل البيت هى من أنقذت البيت من حريق مدمر.
لكن جارتى، التى تطل علينا من نافذة بالطابق الأرضى تقول متبرمة:
- الأفضل أن تطلب لزوجتك سيارة مطافى كلما أشعلت الفرن.
لا أدرى كيف نقلونى للمستشفى لأراها.. أخبرنا الطبيب أنها تستطيع ان تخرج الليلة.. بعد أن تأتى الأشعة كاشفة عن حالة الصدر.
.....
فى الصباح، أيقظتها لتناول الدواء.. ولكنها لم تدهشنى حين طلبت أن أناولها هاتفها لتفتحه لترى مَن اتصل ومَن ترك رسائل. وما إن بدأت استئناف نشاطها.. حتى وقفت بباب غرفتها وأنا ألعن كل شركات المحمول المصنعة الأجهزة أو المنتجة للشبكات على حد سواء.
ثقافة سور الأزبكية قصة قصيرةالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة قصة قصيرة قصة قصیرة
إقرأ أيضاً:
الفرقة الثابتة
بينما متحركات الصياد في طريقها لفك حصار الفاشر الذي طال انتظاره، وهي تتلقى أكثر من مئتي هجوم بربري من آل دقسو، والعالم لم يحرك ساكنًا، وأحزاب خيانة تدافع عن تلك الجرائم، وإدارات أهلية تستنفر في شباب قبائلها لقتل أطفال ونساء وعجزة الفاشر. كل ذلك تعيه الفرقة السادسة مشاة جيدًا، الأمر الذي دفعها لقبول التحدي والصمود، مستمدة روح الجسارة من صبر مواطن الفاشر طيلة سنين الحصار بلا كللٍ أو مللٍ. ونعلم دوام الحال من المحال، بالأمس نقلت لنا المواقع الإخبارية هلاك قائد الهجوم على الفاشر موسى حميدان برشم، وتم استلام قائد ثاني بشير نور الدائم، وهلاك (١٦) من بيت الكلاوي، بل زادت بعض المواقع بأن متحرك عبد الرحيم طاحونة تعرض لهجوم من طائرة مسيرة، هلك من هلك منه، وطاحونة هرب مصابًا للجنينة. إذن نحن أمام واقع جديد في الفاشر، وتلك بشريات طيبة تبعث الأمل والطمأنينة في نفوس الغلابة بدارفور كلها قبل الفاشر، وهي تشير بوضوح لبداية النهاية لعربان الشتات بالسودان. وخلاصة الأمر نؤكد بأن الذي قامت به الفرقة السادسة مشاة يعتبر نقطة تحول في مجريات الميدان، ومن هنا نضم صوتنا للناشط محمد عبد الرحمن هاشم الذي نادى بتغيير اسم الفرقة السادسة مشاة للفرقة (الثابتة) مشاة لما قامت به من عملٍ أجبر التاريخ أن ينحني إجلالًا لها، كاتبًا ذلك بمداد الذهب في سفره العظيم.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الجمعة ٢٠٢٥/٤/٢٥
إنضم لقناة النيلين على واتساب