لا أظن أن المحنة التى يتعرض لها السودان هذه الأيام قد سبقتها محنة مماثلة أو حتى شبيهة فى تاريخه منذ الاستقلال.
وقد مرت المحنة بمراحل عدة منذ أن اشتعلت الحرب فى الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣، بين قوات الدعم السريع التى يقودها محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، وبين قوات الجيش التى يقودها الفريق عبد الفتاح البرهان.
مرت المحنة بمراحل متعددة، وكانت كل مرحلة منها أفدح من الأخرى، وتابعنا فى إحدى مراحلها كيف أن قوات الدعم السريع قد أفرجت عن أسرى عندها للجيش!، وهل هناك ما هو أفدح من أن يأسر مواطن سودانى يعمل لدى قوات الدعم السريع مواطنًا سودانيًا مثله يخدم فى الجيش؟. كنا نتصور وقت الإفراج عن أسرى الجيش أن هذا هو ذروة المأساة، فإذا بنا أمام ذروة أخرى لم تكن على بالنا.
هذه الذروة تستطيع أن تراها مُتجلية فى تصريح أطلقه مالك عقار، نائب الفريق البرهان، فى السادس والعشرين من يناير! قال مالك عقار إنه طلب من قواته، أى قوات الجيش، تحرير مدينة ود مدنى عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة فى وسط البلاد، وهى مدينة مهمة من حيث موقعها، ويعتبرها السودانيون: صُرة السودان!
تحرير ود مدنى ممن؟ إن التصريح يوحى للوهلة الأولى وكأن عدوًا قد غزا المدينة فاستولى عليها، وأصبح على جيش البلاد أن يحررها من الاحتلال!.. أو كأن قوات معادية قد أغارت على ود مدنى فعسكرت فيها واحتلتها!
لم يحدث هذا ولا ذاك طبعًا، وكل ما فى الأمر أن دقلو دخلها بقواته واستولى عليها، ثم طرد منها قوات الجيش، فلم يجد أهلها مفرًا من الخروج والنزوح إلى مدينة سودانية أخرى لا تكون قد وقعت فى قبضة "الاحتلال" بعد!
ليس هذا وفقط، ولكن سودانيين مدنيين كانوا قد نزحوا إليها من مناطق الحرب، فلما دخلتها قوات الدعم السريع كان عليهم أن ينزحوا للمرة الثانية، وأن يفروا إلى أى مكان آخر، وأن يكونوا والحال هكذا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
بقى أن نقول إن تحرير ود مدنى لن يكون من قوات غازية، ولكنه تحرير لها من قوات سودانية، وإن السودان قد جاء عليه وقت وقعت فيه مدن بكاملها فى قبضة سودانيين لا محتلين أجانب، وإن الجيش قد وجد نفسه مضطرًا إلى أن يخوض حرب تحرير من نوع لم يعرفه السودان من قبل، ولا كان يتخيل أنه سيعرفه!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سليمان جودة خط أحمر المحنة السودان محمد حمدان قوات الجيش قوات الدعم السریع ود مدنى
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يتقدم لاستعادة مناطق حيوية من الدعم السريع
حقق قوات الجيش السوداني تقدما ملحوظا واستعادت مواقع مهمة من قوات الدعم السريع، بعد استعادة قوات الجيش مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيزة في السودان، وتقدمت نحو المناطق الشرقية من محلية بحري، بعد بسطه السيطرة على أجزاء واسعة منها.
وتحركت قوات الجيش نحو "محلية بحري"، إثر دخوله حي كافوري، أحد آخر معاقل قوّات الدعم السريع في شرق الخرطوم بحري
تزامن هذا التحرك مع وصول رئيس هيئة الأركان بالجيش محمد عثمان الحسين من مقر قيادة الجيش بالخرطوم إلى مدينة أم درمان ولقائه بمساعد القائد العام للجيش عضو مجلس السيادة ياسر العطا بعد أيام من فك الحصار عن القيادة العامة للجيش.
في المقابل، أقر قائد قوّات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، بوقوع خسائر في الخرطوم، وتراجع قواته في بعض المواقع، إلا أنه توعد بـ"طرد" الجيش من العاصمة.
ومقرّا للمرّة الأولى بطريقة غير مباشرة بالانتكاسات، دعا قواته إلى "عدم التفكير في أن عناصر الجيش دخلوا القيادة أو معسكر سلاح الإشارة أو الجيلي ومدني" في جنوب الخرطوم.
وفي بداية الحرب التي تفجرت في أبريل 2023، سيطرت قوّات الدعم السريع على جزء كبير من الخرطوم متقدّمة نحو الجنوب واستولت على ولاية الجزيرة.
فيما أدّى النزاع إلى كارثة إنسانية هائلة مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، فيما الملايين على حافة المجاعة.