«القهوة العربية».. أدبيات الموروث
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
لكبيرة التونسي (أبوظبي)
أحمد سعيد مصلح الأحبابي، حَكَم تراثي أول وخبير عادات وآداب مجالس، نشأ في بيئة مشبعة بالعادات والتقاليد، رافق والده منذ الصغر إلى المجالس، أنصت إلى قصص الأجداد الذين كافحوا وبنوا بسواعدهم، ضمن طقوس تحترم الكبير وتقدره، ما جعله يغوص في بحر الموروث المحلي مبكراً. اختار التخصص في تحضير القهوة العربية، وقدم ورشاً تعليمية خاصة بعاداتها وتقاليدها وطقوسها التي تعيش في الذاكرة الجمعية الإماراتية، وما حولها من أدبيات وأشعار وأوصاف جميلة.
«الفئة الشقراء»
ذكر الأحبابي، أنه شارك في العديد من المسابقات، وفاز في بطولة القهوة العربية عام 2019 «الفئة الشقراء»، وهو مدرب معتمد، وأصبح حكماً في بطولة القهوة العربية منذ عام 2021 التي تنظمها دائرة الثقافة والسياحة، ضمن فعاليات «مهرجان الحصن».
وقال: نشأت في بيئة مشبعة بالعادات والتقاليد، وكنت أخدم الأكبر سناً في المجالس، تشرّبت السنع، وشاركت في بطولة القهوة العربية عام 2019 متسلحاً بالثقة بالنفس. وبالرغم من الضغوط الكبيرة التي أحاطت بالمسابقة في عرض حي أمام الجمهور، كسرت حاجز الخوف وتفوقت على نفسي، وفزت في البطولة.
بيت الموروث
الأحبابي، ابن مدينة العين، هو كذلك مدرب تراثي في العادات والتقاليد والسنع وآداب المجالس في «بيت القهوة» بـ«بيت الحرفيين» في قصر الحصن، وأسهم في إعداد كتاب «القهوة العربية»، وهو أول كتاب منهجي تعليمي متخصص في القهوة.
وهو يقدم ورشاً لتحضير وتقديم القهوة العربية التقليدية والتعريف بطقوسها وأنواعها وآدابها وأدواتها المستخدمة، ويحرص على تعزيز هذا الموروث ونقله للأجيال في المدارس والجامعات والمهرجانات، بهدف صون الموروث وحفظه.
مكانة اجتماعية
عن الدلالات المرتبطة بالقهوة، أشار الأحبابي إلى أن التقاليد والأعراف منحت القهوة مكانة اجتماعية مميزة، فهي رمز للتسامح والتصالح بين المتخاصمين في المجالس. فإذا لجأ أحد الأشخاص إلى بيت أو مجلس، وتناول القهوة، يكون في حماية أهل المكان، أما إذا رد فنجان القهوة فهذا يعتبر إهانة لصاحب المجلس.
آداب التقديم
من آداب صانع القهوة الجلوس أمام الكوار، أو الموقد، وثني ساقه اليمنى إلى أعلى، وساقه اليسرى مثنية تحت مقعده، ثم يتم التحقق من نظافة المعاميل والقناد، ومن آداب المقهوي أو المغنم أو راعي الدلة. وكلها مسميات تُطلق على الشخص الذي يمسك الدلة ويقوم بصب القهوة للضيوف، وغالباً ما يكون الأب في حال غياب الأبناء، أو أحد الأبناء، أو الأقارب، ويجب أن يكون على دراية بآداب صب القهوة والعادات والتقاليد المصاحبة لها. ويجب عليه ألا يتجاوز المساحة المخصصة للضيف، بحيث يقف على بعد 3 خطوات، على الأقل من الضيف، وألا يتحدث مع الضيوف، ويقدم القهوة في أقل من نصف الفنجان. فإذا قدم أكثر أو أقل تُعتبر إهانة للضيف، وعلى المقهوي ألا يحدق في الضيف أثناء تقديم القهوة، وإذا اكتفى الضيف، يُسمح للمقهوي بالانتقال إلى الضيف التالي.
مراحل التحضير
وأشار الأحبابي إلى أن تحضير القهوة يمر بعدة مراحل، هي: تحميص حبوب القهوة مع وضعها في المنسف للتأكد من خلوها من الحبوب غير المرغوب فيها، ثم تُوضع التاوة على النار وتضاف حبوب القهوة لتحميصها، ويستخدم المحماس لتقليبها وتحميصها بصورة جيدة حتى تصل إلى اللون المطلوب، أشقر فاتح أو متوسط أو داكن، ثم توضع حبوب القهوة المحمصة الطازجة في المبردة، وتحرك بهدوء للتخلص من قشورها، وتترك لتبرد قبل البدء بدقها.
وذكر الأحبابي، أن الرشاد أو المنحاز عبارة عن هاون يُستخدم لطحن حبوب البن المحمصة، ويُصنع من النحاس، ويُعتبر الصوت الصادر عنه، إشارة إلى كرم الضيافة والترحيب بالضيوف ودعوتهم لتناولها.
تراث إنساني
أُدرجت القهوة العربية عام 2015، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو، ولا تقتصر أهمية القهوة على الضيافة فحسب، بل هي رمز للوحدة والروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي أسهمت في تشكيل مجتمع الإمارات.
رمز للجود والكرم
تُعتبر القهوة جزءاً أساسياً من الضيافة العربية، ويعكس تاريخ المنطقة ارتباطها الوثيق بهذا المشروب، حيث إن تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي والإماراتي، فضلاً عن كونها رمزاً للجود والكرم، لذا ظلت القهوة العربية من أساسيات الثقافة العربية على مدار قرون، من ناحية طقوس تحضيرها وتقديمها.
قيم ودلالات
كانت مجالس القهوة في الماضي خير مكان لقضاء أوقات الفراغ، وتبادل الأخبار والأفكار الأدبية والثقافية، ومناقشة الأحداث اليومية، وإيجاد فضاءات أخرى لكسر حدة روتين الحياة، بالإضافة إلى ما تحمله القهوة من قيم ودلالات ومعان اجتماعية متعددة، تنظم إيقاع المجتمع.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: القهوة العربية القهوة الموروث التراث الإمارات القهوة العربیة
إقرأ أيضاً:
الدراما العربية تحت المجهر.. حين يُشوه الواقع
في السنوات الأخيرة، تصاعدت موجة نقد واسعة تجاه المحتوى الدرامي المعروض في العالم العربي، وكان لقنوات كبرى مثل MBC النصيب الأوفر من هذا النقد باعتبارها الأكثر انتشارا وتأثيرا.
لكن الحقيقة أن الانتقادات لم تقتصر على MBC وحدها، بل طالت أيضا الدراما المصرية والخليجية، التي باتت في مجملها تدور في فلك واحد إثارة بلا مضمون، صراع بلا قيمة وانفصال تام عن نبض المجتمع الحقيقي.
دراما لا تعكس الواقع.. .بل تشوهه
ما يعرض على الشاشات لم يعد يمثل مجتمعاتنا، بل يشوهها.
في الدراما المصرية الأسر مفككة، الخيانة قاعدة القيم غائبة، والشارع بلا ضوابط
في الدراما الخليجية شخصيات إما غارقة في الثراء والتناقض، أو تعيش نمطا حياتيا مستوردا لا يمت بصلة لواقع الشعوب الخليجية المحافظة.
وفي إنتاجات MBC عموما يتكرر نفس القالب.. .دراما تحاكي الشكل الغربي. لكن دون روحه، ولا تقدم أي طرح يعكس الهوية أو يعبر عن القضايا.
النتيجة مجتمعات تشاهد نفسها على الشاشة ولا تعرفها.
تغييب الطبقة المتوسطة.. .وتكريس صورة منحرفة للمجتمع
رغم أن الطبقة المتوسطة تمثل عماد المجتمع العربي، إلا أنها غائبة تماما عن المشهد الدرامي:
لا ترى معلما يكافح.
لا طبيبا يواجه التحديات.
لا أسرة بسيطة تتمسك بالقيم رغم الضغوط.
بل تقحم في عوالم الشذوذ والانفلات والانهيار، في رسالة ضمنية خطيرة تقول: " هكذا أصبحنا"، في حين أن الواقع، وإن لم يكن مثاليا، ليس بهذا القبح والخراب.
القضايا القومية.. .الغائب الأعظمفي الوقت الذي تتعرض فيه غزة لمجازر يومية، لم نر عملا دراميا واحدًا يُجسد ما يحدث. لا مسلسل لا مشهد، ولا حتى حوار جانبي. القضية الفلسطينية، التي كانت يوما ما حاضرة في وجدان الأمة، أصبحت مغيبة عمدًا، كأنما هناك تعليمات واضحة بعدم التطرق لها.
ليس هذا فحسب، بل غابت أيضا أي قضايا قومية أو عربية من على الشاشة، ليحل محلها
التفاهة.
الإسفاف.
الانفصال عن الواقع العربي العام.
غياب الدراما الدينية.. .وتفريغ الساحة من القيمرمضان كان في السابق موسمًا للدراما الدينية التي تعلم وتربي وتقدم قدوة. أما اليوم، فقد اختفت تماما، وكأن هناك قرارًا غير معلن بإبعادها، وترك الساحة لمضامين خالية من الروح أو المعنى.
غياب هذه الدراما لا يفرغ الشاشة فقط بل يفرغ وجدان الأجيال.
الإخوان.. .الرسالة غير المباشرة والأخطروسط هذا الانهيار الأخلاقي المصطنع الذي تقدمه المسلسلات، يظهر الخطر الأكبر ترسيخ قناعة في اللاوعي الشعبي بأن الانحراف هو نتيجة غياب الجماعات الإسلامية المتشددة عن الساحة.
وهذا يعيدنا إلى التاريخ.. ..
درس من عام 1928.. .متى ظهر الإخوان ولماذا؟بعد سقوط الخلافة الإسلامية بأربع سنوات فقط، ظهرت جماعة الإخوان في الإسماعيلية، تحت ستار محاربة الفساد الأخلاقي"، و"التصدي للشيوعية".
لكن الحقيقة كانت مختلفة
ظهرت الجماعة تحت رعاية الاحتلال الإنجليزي.
كانت أداة سياسية لمنع عودة الخلافة التي كانت تهدد الغرب.
واستخدمت لضرب الأحزاب الوطنية التي كانت تزعج الاستعمار.
ما حدث وقتها هو استخدام خطاب أخلاقي " لاستدعاء تنظيم وظيفي"، يخدم أجندات معادية.
واليوم، حين تظهر الدراما أن المجتمع فاسد أخلاقيا بلا أي مواجهة أو نماذج إصلاحية، فإنها ربما دون وعي - تمهد نفسيا لعودة هذا الخطاب، أو أحد فروعه.
أين دراما الإنجاز؟ أين دراما الدولة؟
في وقت تشهد فيه مصر إنجازات ضخمة من مشروعات قومية إلى تطوير بنية تحتية ونجاحات دبلوماسية
لا تجد هذه الإنجازات طريقها إلى الدراما، ولا حتى على شكل قصص إنسانية واقعية.
زمن عبد الناصر كان الإعلام يجند الفن لخدمة الدولة.
اليوم، تبدو الدولة بلا أدوات ثقافية توازي نجاحاتها، في ظل غياب التوجيه الإعلامي، أو ربما
حين تغيب القيم، وتهمش القضايا، وتشوه صورة المجتمع، وتغيب القدوة، فإننا لا نصنع فنا.. .. بل نصنع بيئة خصبة للتطرف
انا اتذكر مشاهدة فيلم للفنانة المصرية شادية بتمثل دور صحفية ويدور الفيلم حول انجاز بناء المساكن الشعبيه في عهد ناصر هل شاهدنا أي فيلم او مسلسل عن المشاعر الإنسانية لهذا المجتمع الجديد الذي انتشلته الدوله من العشوائيات لتكوين مجتمع جديد متحضر وكيفيه استمرار النهوض به في النهاية.
لسنا ضد الفن، بل ضد الفن الذي يستغل لتدمير الوعي.
لسنا ضد الترفيه، بل ضد أن يصبح الترفيه ستارا لتغييب العقل.
ولسنا ضد الاختلاف، بل ضد أن يتحول إلى بوابة لتمرير الفتنة تحت ستار "الواقعية".
في خضم هذا الجدل المؤسف أن بعض الإعلاميين الذين يفترض أنهم أصحاب خبرة وصوت مسؤول، سقطوا في فخ الانفعالات الغير محسوبة سواء بالقاء الاتهامات الباطلة والدفاع الأعمى.
وقد تابعنا كيف خرج أحد الإعلاميين المحسوبين على MBC مصر، بنبرة لا يمكن وصفها إلا بأنها صبت البنزين على النار، حين قال إن القناة يمكنها أن تفعل وتسوي"
هذا ليس دفاعا عن مؤسسة، بل هو إشعال للفتنة بدلا من إطفائها.
وهو أسلوب لا يليق باعلامي عربي يفترض أنه يدير حوارًا عقلانيا في لحظة توتر
فقد وضع القناة في موضع الاتهام رغم ان المسلسلات مصرية والممثلين مصريين وجميع عناصر العمل مصرية هم الاجدر ان يعاتبوا أو حتى توجه اليهم الاتهامات باعتبارهم فنانين دراما عليهم مسؤوليات و رسالة تجاه المجتمع والوطن؟
تذكر هؤلاء بأن الإعلام ليس ساحة تصفية حسابات، ولا مساحة للتهديد والوعيد، بل هو أداة بناء، ولغة تهدئة، وجسر تواصل بين الشعوب والدول.
فن الدراما.. .رسالة ضائعة تحتاج إلى استعادة
الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيه عابرة هي أداة لصناعة الوعي، وبناء الانتماء، ونقل القيم. منذ نشأتها، كانت رسالة فن الدراما أن تعبر عن الإنسان، تحاكي صراعه، وترشد المجتمع نحو الأفضل.
لكن حين تتحول إلى أداة للكسب السريع و تشويه الواقع، وتكريس الانحراف، وتغييب القيم فإنها لم تعد دراما ولا يصح ان يوصف ما يقدم انه ابداع.. .بل أصبحت أداة هدم ناعمة.
ما نشهده اليوم من إنتاجات، بدل أن يعالج مشكلات المجتمع يرسخها. وبدل أن يقدم قدوة يصدر الانحراف كنموذج. وبدل أن يوحد الشعوب حول قضاياها، يغيبها في صراعات وهمية. والأخطر من ذلك أن الموضوع لم يتوقف عند تشويه الواقع فقط، بل تعداه إلى محاولات خبيثة لافتعال وقيعة بين بلدين أشقاء
فما وجه من انتقادات لاذعة واتهامات مغرضة لـ MBC مصر، لم يكن فقط انتقادًا لمحتوى، بل محاولة لزرع الفتنة والتشكيك في نوايا السعودية تجاه مصر والإيحاء بأن هناك رغبة في "إفساد المجتمع المصري"، وهو على خلاف الحقيقة تماما.
العدو يتربص بنا ولا يترك شاردة أو واردة إلا ما يحاول استغلالها لإثارة الفتنة بين الدول العربية وإذا لم ننتبه لذلك، فإننا نكون قد تركنا له الساحة ليعيد إنتاج نفس سيناريوهات التفكك، ولكن هذه المرة بأدوات ثقافية ناعمة.
اقرأ أيضاًالرئيس والدراما
«عمرو الليثي»: رؤية الرئيس السيسي استراتيجية واضحة للنهوض بالدراما