معركة الإسماعيلية.. ملحمة صارت عيدًا
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
حماية السيادة الوطنية وتحقيق الأمن الداخلى.. تلك هى عقيدة الشرطة المصرية طوال تاريخها، وإيمانا بهذه العقيدة ووفاء للوطن، قدمت الشرطة المصرية تضحيات خالدة، وكانت تضحيات الشرطة عام 1952، سببا فى اختيار الخامس والعشرين من يناير عيدا للشرطة، ففى هذا اليوم قدمت الشرطة خمسين من رجالها فى سبيل الوطن..
ولأن رجال الشرطة المصرية أبطال جيلاً بعد جيل لم تتوقف تضحياتهم، وخلال السنوات الثمانى الأخيرة قدموا قرابة 22 ألف شهيد ومصاب حتى تستعيد الدولة المصرية هيبتها وأمنها واستقرارها.
المعركة التى صارت عيدا للشرطة بدأت صباح يوم الجمعة 25 يناير عام 1952، حيث قام القائد البريطانى بمنطقة القناة «البريجادير إكسهام» باستدعاء ضابط الاتصال المصرى المقدم شريف العبد وسلمه إنذارًا بضرورة أن تسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة؛ ورفضت قوات الشرطة الإنذار البريطانى وأبلغت به فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى ذلك الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وانطلقت شرارة هذه المعركة بعد اتصال هاتفى بين وزير الداخلية حينها فؤاد سراج الدين وقائد قوات الشرطة فى الإسماعيلية اللواء أحمد رائف، كان نصها :
اللواء أحمد رائف: «آلو.. حولنى على فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية..
حاضر يا فندم معالى الوزير هيرد على حضرتك حالا..
مرت ثوان، وبدأت المكالمة بين فؤاد باشا سراج واللواء أحمد..
اللواء أحمد رائف: معالى الوزير صباح الخير يا أفندم..
فؤاد باشا سراج الدين:صباح النور؟
اللواء أحمد رائف: يا أفندم قوات الاحتلال البريطانى وجهت لنا إنذارا برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية، وإحنا يافندم رافضين وقررنا المقاومة ومنتظرين تعليمات سعادتك..
فؤاد باشا سراج الدين: حتقدروا يا أحمد؟
اللواء أحمد رائف: يا أفندم مش حنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا..
فؤاد باشا سراج الدين:ربنا معاكم.. استمروا فى المقاومة».
وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحا وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقه أو رحمة، وبعد أن انهارت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة، لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: لن تتسلمونا إلا جثثاً هامدة، واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.
ورغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى أنفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: «لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف»، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريماً لهم وتقديراً لشجاعتهم.. وصار هذا اليوم عيدًا للشرطة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: معركة الإسماعيلية ر الخامس والعشرين ى سبيل الوطن فؤاد باشا سراج الدین الشرطة المصریة رجال الشرطة
إقرأ أيضاً:
صارت بلادك ميداناً لكل قوي
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
قف حيثما شئت فوق ارض الرافدين، وانظر إلى الانتهاكات الجوية والبحرية والبرية المتكررة. ثم أنظر إلى التنازلات السخية التي منحتها الحكومات المتعاقبة لكل من هب ودب. فسوف ترى العجب العجاب. .
لا نريد العودة إلى الخروقات التي صخمت صفحات التاريخ، ولكننا حتى يوم امس كنا نسمع دوي المسيّرات الحربية التي تنطلق كيفما تشاء من قاعدة عين الأسد لتجوب أجوائنا بحثا عن مواطنين تقتنصهم هنا او هناك، وهذه المسيّرات تنطلق أيضاً من الشطر المخصص لها داخل مطار بغداد الدولي، فقد أضحت حرة تماما في تنفيذ جولاتها الاستطلاعيّة والاستقصائية والتجسسية. وربما لا يعلم العراقيون ان وكالة (FAA) الأمريكية هي التي فرضت الحظر على أجواءنا للمدة 2003 – 2017. . ثم جاءت منظمة (EASA) عام 2015 لتمنع طائراتنا المدنية من التحليق في الأجواء الأوروبية. .
ولا تندهش عندما نحدثك عن المنافذ البرية المسيطر عليها ماليا وإداريا، والمنافذ الأخرى غير المسيطر عليها لا ماليا ولا اداريا ولا سياديا، وهي منتشرة على امتداد القاطع الشمالي الشرقي (22 منفذاً بحسب تصريح النائب فالح الخزعلي)، لكنك إن توجهت نحو منفذ طريبيل ونظرت إلى الخط الحدودي الفاصل بيننا وبين الشقيقة المدللة ستجد المنتجات الصناعية والزراعية القادمة من الأردن معفاة تماما من الرسوم والضرائب بأمر من حكومة الكاظمي، ولا يحق لك التحقق فيما إذا كانت تلك المنتجات أردنية المنشأ أم من منشأ غير اردني ؟. يكفي انها مغلفة بملصقات وأشرطة مكتوب عليها: (صنع في الأردن). .
اما حدودنا البحرية والنهرية فشهدت هي الأخرى سلسلة متوالية من التراجعات والانكماشات منذ عام 1975 وحتى يومنا هذا، وربما جاء بروتوكول التنسيق الأمني عام 2008 المبرم بين القيادات البحرية (العراقية والكويتية) ليمنح مساحات مضافة للدوريات الكويتية في خور عبد الله وحتى رأس البيشة. .
في البصرة كان الشاعر (غيلان رقيد) يقف مند أعوام مناشدا هرون الرشيد بهذه الأبيات:
اين الخليقة إذ قال الخراج لنا في أيما بلد تهمين يا سحبا. . في الهند في السند في أرجاء مملكة يعيا سليمان فيها إن مشاها كبا. .
وليس هنالك افصح من الشاعر القروي (رشيد سليم الخوري) صاحب القصيدة المشهورة: (عيد البرية عيد المولد النبوي في المشرقين له والمغربين دوي). والتي يقول فيها: يا فاتح الأرض ميدانا لدولته – صارت بلادك ميدانا لكل قوي. .