قبل شهور أعلن المركز الدولي للبحوث في المناطق الجافة والقاحلة "إيكاردا"، عن نتائج دراسته التي أجريت بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية المصري، بشأن إنتاج رغيف خبز مدعم بحبوب الشعير إلى جانب القمح، وكانت الفلسفة التي انتهجتها إيكاردا للترويج لهذا المنتج البحثي، هي أنه مع تغير المناخ لن تكون لدينا رفاهية التمسك بالطعام الذي تعودنا عليه، وسيتعين علينا الاتجاه إلى ما هو متاح.

وحتى الآن لا تملك مصر إنتاجا محليا ضخما من الشعير يمكن الاعتماد عليه لتعميم إنتاج هذا الرغيف المقبول غذائيا، والمعتمد على 20% من الشعير، مقابل 80% من القمح.

ولكن مدير عام إيكاردا المهندس علي أبو سبع، الذي طلب من مراسل "الجزيرة نت" المشاركة في تجربة لتذوق هذا الخبز الجديد، قال: "أردنا ان نلفت الانتباه لهذا الحل، لعله يكون دافعا لمزيد من إنتاج الشعير، لأنه المحصول القادر على التأقلم مع تغير المناخ، في مقابل محصول القمح الحساس للتغيرات المناخية".

ويوما بعد آخر، تتأكد تأثيرات تغير المناخ على محصول القمح، فقد أظهرت دراسات أن إنتاجية القمح انخفضت بنسبة 5.5% خلال الفترة من 1980 إلى 2010 بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وبناء على التطورات الأخيرة وعلى أرقام الدراسات السابقة، توقعت ورقة بحثية نشرت في دورية "رسائل البحوث البيئية" عام 2021، انخفاضا في إنتاجية القمح بنسبة 15% في البلدان الأفريقية، و16% في بلدان جنوب آسيا بحلول منتصف القرن الحالي.

ويقول أبو سبع: "بينما تعتمد دول عربية -ومن بينها مصر- في إنتاج رغيف الخبز على القمح المستورد، إضافة إلى كمية محدودة من الإنتاج المحلي، فلن يكون هناك طريق أخرى لتحقيق الأمن الغذائي بسبب تأثير تغير المناخ على الإنتاج المحلي وإنتاجية البلدان الموردة للقمح، سوى الاتجاه للمتاح وهو الشعير".

رسم يوضح خطورة الخبز الأبيض مقابل العناصر الغذائية الأخرى (دورية العناصر الغذائية) تحدي المناخ.. بين القمح و الشعير

الشعير بشكل عام أكثر تحملاً للبرد من القمح، ويمكن أن يزدهر في درجات حرارة أكثر برودة، كما يتكيف للنمو في ظروف مناخية متنوعة، على عكس القمح، فهو أكثر حساسية للتغيرات في درجات الحرارة، وخاصة خلال مراحل النمو الحرجة، ويمكن أن تؤثر درجات الحرارة الأكثر دفئا على المحصول وجودته، خاصة إذا تزامنت مع مراحل التطوير الرئيسية مثل الإزهار.

ويعتبر الشعير أكثر تحملاً للجفاف من القمح، ويمكنه تحمل ندرة المياه بشكل أفضل، ويتكيف مع النمو في المناطق ذات الأمطار المنخفضة، بينما يميل القمح إلى أن يكون أكثر حساسية للإجهاد المائي، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار المرتبطة بتغير المناخ مثل زيادة وتيرة الجفاف، ويمكن أن يؤثر ذلك سلبا في إنتاج القمح.

وعادة ما يكون للشعير موسم نمو أقصر، وتسمح له هذه المدة الأقصر بالهروب من بعض الآثار السلبية للتعرض لفترات طويلة لدرجات الحرارة القصوى أو الظروف المناخية المتغيرة، وهي ميزة يفتقدها القمح، حيث يؤدي موسم نموه الأطول إلى تعريضه لظروف مناخية أكثر تقلباً، مما يزيد من قابليته للظواهر الجوية المعاكسة ودرجات الحرارة القصوى.

والميزة الأخيرة في سياق تحمل تغير المناخ، أنه تمت زراعة الشعير في مناخات متنوعة منذ آلاف السنين، مما أدى إلى مجموعة واسعة من التنوع الوراثي والتكيف مع الظروف البيئية المختلفة، ويمكن أن يساهم هذا التنوع الجيني في تعزيز المرونة في مواجهة تغير المناخ.

وكانت دراسة لباحثين من جامعة "هيريوت وات" في إدنبره استمرت لخمس سنوات، حاولت الكشف عن أسرار هذه المرونة المناخية للشعير، فوجد الباحثون أن السر يكمن في الجين "إتش في إم واي بي ون"  المسؤول عن مقاومة الجفاف.

ولكل هذه الأسباب المناخية، يقول أبو سبع: "نحن نحاول من الآن لفت الانتباه لأهمية التوسع في زراعة هذا المحصول الذي كانت له قيمة كبيرة في تاريخ العالم العربي، ثم تراجع لصالح القمح، وآن الأوان لنعيد أمجاده، لأن تغيرات المناخ لن تترك لنا حرية الاختيار".

"إيكاردا" ترى أن إدخال الشعير ضمن وجبات النظام الغذائي المتوسطي يساعد على إعادة الاهتمام به (إيكاردا) تغيير اضطراري للثقافة الغذائية

ويعتبر الشعير من أقدم الحبوب المزروعة في الشرق الأوسط، وكان الخبز المصنوع منه غذاء أساسيا في النظام الغذائي للمجتمعات العربية القديمة التي عُرفت قيمته الغذائية الغنية بالألياف والفيتامينات والمعادن، مما ساهم في الصحة العامة للأفراد.

وبينما أصبح هذا الخبز هو المسيطر على المائدة الأوروبية حاليا لهذه الفوائد التي عرفها العربي القديم، تراجع الآن بشكل كبير في الدول العربية التي فضلت نسيج خبز القمح الأكثر ليونة ومرونة من الشعير بسبب احتوائه -مقارنة بالشعير- على نسبة عالية من بروتين "الغلوتين" الذي يساهم في مرونة وبنية الخبز.

وتحظر العديد من الدول الأوروبية -حاليا- الخبز الأبيض المصنع من دقيق القمح الفاخر الذي أُزيلت منه النخالة وطبقات البذرة، بعد أن تواتر دراسات أكدت أضراره الصحية، ومنها دراسة نشرتها دورية "العناصر الغذائية" التي ربطت بين استهلاك هذا الخبز وخطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم المعروف أيضا باسم "سرطان الأمعاء"، في حين أكدت نفس الدراسة أن الأغذية المحتوية على ستة فيتامينات ومعادن أخرى مثل الألياف والكالسيوم والمغنيسيوم والفوسفور والمنغنيز والكربوهيدرات، قللت من المخاطر، وهي عناصر توجد في الشعير.

ويقول أبو سبع: " مع هذه الدراسات، لا نحتاج سوى بذل بعض من الجهد لتغيير الثقافة الغذائية، لإعادة الاعتبار لمحصول الشعير الأكثر مرونة في مواجهة تغيرات المناخ".

ومن الجهود الأخرى التي تبذلها إيكاردا في هذا الاتجاه، تطوير الوجبات التقليدية في النظام الغذائي لشعوب البحر المتوسط بعد دعمها بالشعير، وذلك ضمن مشروع "ميدوهيلث".

وأطلق هذا المشروع  في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويستمر حتى 30 سبتمبر/أيلول 2024، وتقوم فلسفته على أن الإقبال على منتج الخبز المدعم بالشعير يمكن أن يتحقق عندما يجد المستهلك تنوعا في الأطعمة التي يدخل الشعير ضمن مكوناتها، مع التركيز على أطعمة النظام الغذائي لشعوب البحر المتوسط.

ويضيف أبو سبع أنه "في هذا الصدد نقوم بتطوير منتجات جديدة من المعكرونة والكسكسي والفريكة والبرغل بالخلط بين القمح والشعير. ومن أجل الحفاظ على التقاليد الخاصة بتصنيع تلك المنتجات، أُشركت التعاونيات النسائية من مختلف البلدان (لبنان والمغرب وتونس والجزائر) لإنتاج المنتجات الغذائية المحلية باستخدام المواد الخام المقترحة في المشروع".

"إيكاردا" خلّصت "البازلاء العشبية" من مشكلة تراكم الحمض الأميني السام للأعصاب مع زيادة استهلاكها (إيكاردا) علاج عيب "البازلاء العشبية"

وإذا كان لمحصول الشعير تاريخ في الثقافة الغذائية القديمة، فإن "البازلاء العشبية" أو الجلبان، لا تحظى بنفس العمق التاريخي في المنطقة العربية مقارنة بمناطق أخرى من العالم، وهي من المحاصيل الواعدة التي تسعى "إيكاردا" لترويجها في العالم العربي باعتبارها من المحاصيل الغنية غذائيا والذكية مناخيا.

ويُزرع هذا المحصول على نطاق واسع في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي مناطق مختلفة من البحر الأبيض المتوسط، وتقول دراسات إن أصل هذا النبات كان في مناطق البلقان في بلغاريا الحالية ويوغوسلافيا السابقة، وتذهب هذه الدراسات إلى أن التدجين الأول لهذا النبات حدث في الفترة منم 6000 إلى 7000 قبل الميلاد، لكنْ هناك أدلة أثرية أكثر بعدا في إيران (9500 قبل الميلاد) وفي الهند في (1500- 2000 قبل الميلاد).

ويقول مدير مكتب إيكاردا بمصر علاء حموية في حديث مع "الجزيرة نت": إن هذا النبات يمكنه تحمل الجفاف والملوحة، ويمكن زراعته في ظل الحد الأدنى من المدخلات الخارجية، وهو محصول متعدد الأغراض للحبوب والأعلاف والخضراوات والقش، ويعمل على تحسين خصوبة التربة من خلال تثبيت النيتروجين من الغلاف الجوي.

ويضيف: "لذلك فإن هذا المحصول الذكي مناخيا يوفر فرصة جيدة للزراعة المستدامة والأمن الغذائي، حيث يمكن زراعته عربيا في المناطق التي لا يمكن فيها زراعة محاصيل حقلية أخرى بسبب انخفاض جودة التربة وندرة المياه".

وربما تكون مشكلة هذا المحصول الوحيدة هي أنه مثل أي بقوليات يؤدي استهلاكها بشكل منتظم ودوري وبمعدل مكثف يوميا إلى تراكم حمض أميني سام للأعصاب (بي أو دي إيه بي).

ولكن من أجل ألا يتم اتخاذ هذا العيب الموجود في كل البقوليات وليس الجلبان فقط، كمبرر لتجاهل هذا  النبات الذكي مناخيا، يشير حموية إلى أن إيكاردا عملت على حل تلك المشكلة، ونجحت أبحاثها في تخليص النبات من الجين المسبب لها.

ويقول: "رغم ذلك، سنحتاج إلى بذل جهد أكبر لإدخال هذا المحصول للثقافة الغذائية، لأنه مع تغيرات المناخ التي ستزداد شدتها كما تتوقع الدراسات، سنصبح أمام تحد كبير، وهو التعامل غذائيا مع تلك الحلول المتاحة، والتخلي عما تعودنا عليه".

تحدٍ بات قريبا

هذا التحدي الذي أشار إليه حموية بات على مقربة منا، فتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع درجات الحرارة في مناطق الدول العربية بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي بسبب تغير المناخ، كما أصبحت حالات الجفاف أكثر تواترا وشدة، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، بما في ذلك ندرة المياه.

وبحلول عام 2050، تتوقع تلك التقارير أن تؤدي ندرة المياه المرتبطة بالمناخ إلى خسائر اقتصادية تعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وعلاوة على ذلك فإن 45% من إجمالي المساحة الزراعية في المنطقة معرضة للملوحة واستنزاف مغذيات التربة، ومن الممكن أن ينخفض توافر المياه والإنتاجية الزراعية بنسبة 30% أخرى بحلول 2050.

وتتوقع دراسة نشرتها دورية "ريغونال إنفيرومينتال تشانغ" في مارس/آذار من العام الماضي، تضافر هذه الأوضاع المناخية مع الزيادة السكانية لتؤدي إلى ارتفاع في الواردات الغذائية بالمنطقة العربية لتصل إلى 50% عام 2050، وسيكون المغرب العربي الأكثر تأثرا عندما يصبح معتمدا على الواردات لتلبية ما يقرب من 70% من احتياجاته الغذائية.

وتؤكد هذه الدراسة أن أحد أدوات تجنب هذا السيناريو هو تغيير العادات الغذائية، باتجاه الاعتماد على النظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو التوجه الذي تحاول "إيكاردا" الترويج له من خلال مشروع "ميدوهيلث" القائم على تطوير هذا النظام الغذائي بما يتماشي مع التحديات التي يفرضها تغير المناخ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النظام الغذائی درجات الحرارة هذا المحصول تغیر المناخ ویمکن أن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

محافظة الجوف.. نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح

يمانيون/ تقارير

تُعَد محافظة الجوف واحدة من أبرز المناطق الزراعية في البلاد، حيث تُعَدّ الزراعة إحدى ركائز اقتصادها ومصدر رزق العديد من سكانها. تتميز الجوف بمساحات زراعية شاسعة وموارد مائية وفيرة، بالإضافة إلى تنوع مناخها وتضاريسها، ما يُتيح لها زراعة مجموعة واسعة من المحاصيل.

في هذه الفترة، تتجه الجوف بخطى ثابتة نحو تحقيق نجاحات مبهرة في المجال الزراعي، تتركز خاصة حول زراعة الحبوب، وعلى رأسها القمح. تُعد هذه الاستراتيجية جزءًا أساسيًا من الجهود الوطنية المبذولة لتحقيق الأمن الغذائي، حيث تعكس المقولة الشهيرة: “من لا يأكل من قوته لا يملك قراره”.

إن الانعطافة نحو تطوير الزراعة في الجوف تعزز إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى وعد ببركات الأرض للمؤمنين المتقين، كما جاء في قوله: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”. ومع هذه الرؤية، تبدو الجوف ماضية بخطوات ثابتة على أعتاب مرحلة جديدة من النماء والازدهار الزراعي، ما يبعث الأمل في نفوس الأمة اليمنية، ويحقق تطلعاتها نحو غدٍ أفضل.

دعم المزارعين وتشجيعهم

تؤكد حكومة البناء والتغيير ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية والمؤسسات والهيئات أنها وبتعاونها المثمر مع شركاء التنمية في الحكومة والقطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والاتحاد التعاوني الزراعي ومؤسسة بنيان التنموية ستعمل على توفير الظروف والبيئة الإنتاجية والتسويقية لإنتاج محصول القمح واستيعابه. وقد شرعت المؤسسة العامة للحبوب في استيعاب المحاصيل هذا العام وتسويقه في أسواق مركزية أعدت خصيصا لإسناد المزارعين بعد تقديم خدمات الحراثة والبذور المحسنة والحصاد.

تسعى المؤسسة العامة للتنمية وإنتاج الحبوب بالتنسيق مع شركاء التنمية للشراء عبر الجمعيات التعاونية التي تتولى عملية استقبال المحصول من المزارعين وبأسعار تشجيعية مناسبة، لحمايتهم من احتكار التجار، ودفعهم نحو في التوسع في المساحات المزروعة وزيادة القدرة الإنتاجية وتحسينها. بعد ذلك، يتم نقل الكميات إلى الأسواق المركزية، وهناك يعاد تعبئتها في عبوات مختلفة الأوزان تتناسب والقدرات الشرائية للمواطنين، كما يتم توزيعها على نقاط بيع بالإضافة إلى التفاهم مع الجهات الحكومية والخاصة للبيع على منتسبيها بأسعار مناسبة، مع تحمل المؤسسة فارق السعر.

لم يكن البدء في خطوات الإنتاج على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي مسارا مستحيلا، إذ لم يكن ينقص الأمة سوى الإرادة والتوجه القيادي. وهذا ما توفر بحمدالله، بفضل أن منَّ الله على بلد الإيمان والحكمة، البلدة الطيبة بنعمة القيادة الربانية المتمثلة في قيادة المسيرة القرآنية التي اختط مسارها نحو النهوض الحضاري الشمولي الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، ويليه في حمل راية الجهاد الشاملة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله. هذه المسيرة العظيمة التي اقتبست من نهج الثقافة القرآنية والهوية الإيمانية مشروعها القرآني الذي يؤكد على حقيقة أن ليس هناك مستحيل أمام قوة إرادة اليمنيين.

فقط، كل ما يجب النظر إليه هو توافر المقومات وموارد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرض والموارد البشرية وبالإمكانات المتاحة، وضعت الاستراتيجيات والخطط اللازمة وجرى التنسيق الشامل بين كافة الجهات ذات العلاقة وتم تكثيف الجهود ورفع مستوى التعاون فحصد اليمن خطوات جبارة في مراحل الوصول إلى الاكتفاء من إنتاج القمح. وبذات المثابرة، لاشك سيحقق اليمنيون كل ما يحتاجه مجتمعهم من تأمين كامل لمتطلبات تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأولويات الوطنية الثلاث: الغذاء والدواء والملبس.

لا شيء مستحيل لدى اليمنيين، ولعل ما يتحقق من نجاحات في الميدان التنموي أكبر شاهد على صوابية تلك الخطوات، والتي بدأت من نقطة الصفر ووسط معاناة شديدة وتحديات صعبة نتيجة مخططات العدوان الأمريكي السعودي وأدواته وأساليبهم القذرة.

ضمانات الاستدامة والاستمرارية

تُعد التنمية الزراعية من العناصر الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد الوطني، وبشكل خاص في ما يتعلق بزراعة القمح. بدأت الجهود المشتركة بين الحكومة والمجتمع من نقطة الصفر، مرورا بالموسم 23 / 24 لزراعة القمح في بداية شهر أكتوبر 2023، وهو الموسم الشتوي بمحافظة الجوف والمنطقة الشرقية بشكل عام. بوضع آليات عمل جديدة تتناسب مع كل خطوة متقدمة يتم فيها مراعاة تنمية نقاط القوة المتحققة في الخطوات السابقة وتوسيع رقعة الفرص المبشرة بالنجاح، ومعالجة نقاط الضعف ومواجهة التهديدات المحتملة. هذه الخطوات الثابتة التي تنتهجها حكومة البناء والتغيير تهدف إلى توفير ضمانات الاستدامة والاستمرارية في التوسع المرحلي في الزيادة وتحسين جودة إنتاج محصول القمح وغيره من المحاصيل الزراعية من خضار وفواكه وحبوب وأعلاف وأعشاب طبية وعطرية.

وبفضل تلك الخطوات المتزنة، فقد حققت الإنتاجية الزراعية الحالية نتائج ممتازة ومبشرة مقارنة بالعام السابق، حيث حصدنا في هذا الموسم نحو 3000 طن من بذور القمح، بما يعادل حوالي 60 ألف كيس عبوة 50كجم. ومن الملاحظ أن هذه الكمية تُعد الحد الأدنى، حيث تشير التقديرات المستندة إلى بيانات الفرق الميدانية إلى إمكانية الحصول على قرابة 80 ألف كيس، أي حوالي 4000 طن من البذور.

قاعدة بيانات موثوقة

وفي ما يخص آلية زراعة القمح وشراء المنتجات من المزارعين، أوضح مصدر في “المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب” أنه يتم تطبيق نظام تسجيل للمزارعين مع بداية الموسم قبل عملية الزراعة، وتحديدا بالتزامن مع توزيع البذور. ومن ثم متابعة تعبئة هذه السجلات من قبل المزارعين، وبالتعاون مع المنسقين وفرسان التنمية بقيادة الجمعيات التعاونية وإشراف السلطة المحلية بجهود جهادية طوعية كبيرة ومتميزة في الميدان.

وأشار المصدر إلى أن النتيجة هي إنشاء قاعدة بيانات دقيقة وواقعية حول زراعة القمح والمزارعين، تتضمن معلومات حول المساحات المزروعة، كمية البذور المستخدمة، كمية المياه، والأسمدة الموزعة. تفيد هذه البيانات الدولة والباحثين في وضع دراسات وأبحاث تهدف إلى تطوير زراعة القمح وتنميتها في المستقبل، كما ستساعد في اتخاذ قرارات وسياسات مناسبة للتوسع في هذا المجال، استنادًا إلى قاعدة بيانات موثوقة ومدروسة.

تقدم ملموس في زراعة القمح

شهدت محافظة الجوف في الأعوام الثلاثة الأخيرة قفزة نوعية في توسع رقعة الأراضي الزراعية بمحصول القمح، فقد توحدت الجهود الرسمية والمجتمعية لزراعة أكبر مساحة من الأرض، بهدف إنتاج بذور القمح وتنوع مصادره وإدخال المستثمرين في هذا الجانب، للوصول إلى مرحلة الاكتفاء من البذور للمرحلة الأولى، ثم من الحبوب للمرحلة الثانية.

كثفت اللجنة الزراعية والسمكية العليا في حكومة الإنقاذ، تلتها وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية في حكومة البناء والتغيير بالتعاون مع عدد من المؤسسات والهيئات الزراعية والتنموية من أنشطتها لزيادة إنتاج القمح في تلك المناطق. تم توزيع 177000 كيس (حوالي 680 طنًا) من بذور القمح كقروض بيضاء مقدمة من “المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب”، وزعت على مزارعين من مختلف مديريات المحافظة عبر الجمعيات ومكاتب الزراعة بالمديريات، وتم الزراعة في حوالي 7000 هكتار. رافق ذلك متابعة المزارعين ومساندتهم من خلال الإرشاد الزراعي، ومكافحة الآفات والأمراض، وتوزيع المبيدات وعمليات الرش حتى موسم الحصاد. تم توزيع الحصادات الزراعية رغم قلة العدد المتاح.

 

نتاج مثمر وواعد

اليوم، تحصد المحافظة مواسم القمح موسما أوفر من الذي قبله في خطوات متسارعة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي. توسعت زراعة الحبوب بشكل ملحوظ مقارنة بعقود سابقة، حيث بلغ إنتاج القمح بمحافظة الجوف حوالي 266000 طن في مساحة زراعية بلغت 7000 هكتار، منها 4000 طن من البذور النقية بواقع إنتاج يتراوح بين 5 إلى 6 طن لكل هكتار. وهي نسبة إنتاج ساعدت على تغطية جزء كبير من الاحتياج المحلي للقمح. فضلا عن أنها نتيجة مرضية ومقبولة، شجعت على التوسع في زراعة محصول القمح الذي يكلف اليمن أكبر فاتورة استيراد من الغذاء تزيد عن 3 مليارات دولار سنويا. وبالتالي، كان لابد على الدولة أن تشرع في تشجيع المزارعين ورؤوس الأموال المحلية على الاستثمار في زراعة المحصول، ويمنح قانون الاستثمار الجديد الكثير من الامتيازات للمنتجين المحليين في خطوة جادة لتشجيعهم على الزيادة وتحسين جودة الإنتاج على طريق العمل على خفض فاتورة الاستيراد خلال أقرب مدة ممكنة.

مبشرات مستقبلية

وفي أجابته على تساؤل: هل سنشهد خلال هذا الموسم زخماً أكبر في زراعة القمح وزيادة في الكمية المخصصة له، أم أن هناك تراجعاً؟ قال المصدر: بالنسبة لعجلة التنمية في زراعة القمح ومحاصيل الحبوب والبقوليات بشكل عام، فقد انطلقت فعلياً وآثارها ملموسة على أرض الواقع، ولا مجال للتراجع مهما كانت الظروف أو المشاكل أو المبررات. لقد بدأت اليمن وستستمر في كفاحها، بعون الله، نحو رفع نسب الاكتفاء الذاتي من محصول القمح بشكل أساسي، ومن بقية محاصيل الحبوب والبقوليات.

على سبيل المثال، لدينا الآن 1000 هكتار من المساحة المزروعة بمحصول القمح في محافظة الجوف مخصصة لإكثار البذور. ومن المتوقع أن توفر لنا هذه المساحة في الحد الأدنى حوالي 60 ألف كيس من البذور، وقد تصل الكمية إلى 80 أو 100 ألف كيس نتيجة لارتفاع الإنتاجية في العديد من المزارع الاستثمارية، مثل مزرعة “إنعام اليمن” ومزرعة “السنيد”. وبالتالي، سيكون لدينا في الحد الأدنى 60 ألف كيس، أي حوالي 3000 طن من الحبوب.

لتلبية هذه الكمية، نحتاج إلى مساحة تتراوح بين 180 ألف و200 ألف هكتار. إذا استطاع المزارعون تطبيق هذا التوسع وزرعوا ما تبقى من المساحات، فربما نحصد حوالي 600 ألف طن من الحبوب، وهو ما يعادل مليون و200 ألف كيس. هذه الكمية ستكون متاحة بإذن الله في العام القادم نتيجة لاستراتيجياتنا وخططنا التي نبنيها للعام 24 / 25، ما يتطلب في العام المقبل حوالي 25 مليار ريال لشراء الحبوب من المزارعين.

لذا، ندعو كافة الجهات والقيادات المعنية إلى التعزيز وتنمية محصول القمح ومحاصيل الحبوب والبقوليات لتوفير الموارد اللازمة للمؤسسة، حتى تتمكن من مواجهة تحديات الموسم القادم. إذا لم يتم شراء المحاصيل من المزارعين والمستثمرين، فقد يتحول المزارعون، لا قدر الله، إلى زراعة محاصيل أقل قيمة مثل القات، ما سيؤدي إلى كارثة.

نجاح وإشادة

تجدر الإشارة أيضاً إلى النجاح الذي حققته جمعية “المتون” في العام الماضي. حيث قامت بتصفية حقول تمتد على حوالي 50 هكتاراً، ما أسفر عن إنتاج 1500 كيس من البذور المنقاة من البذور الشاردة والمختلطة. وقد تم تخزين هذه الكمية واستلامها في هذا الموسم من مؤسسة الحبوب، رغم انخفاض الكمية إلى 900 كيس بعد الغربلة، إلا أن ذلك يعد إنجازا يضاف إلى رصيد جهود المضي قدما نحو تحقيق النهوض المنشود. وقد تم الاتفاق بين الجمعية ومؤسسة الحبوب على إرجاع الكمية للجمعية بعد استكمال إجراءات تحسين جودتها كي تصبح بذورا محسنة، لإعادة تدويرها بين المزارعين في الموسم القادم.

في السياق، شهد هذا الموسم توسعاً كبيراً من قبل المزارعين القدماء ودخول مزارعين جدد، حيث تم توسيع نطاق جهود التوعية التي تمت داخل المدارس الحقلية من قبل فرسان التنمية والمتطوعين من المحسنين الذين تجندوا من كافة فعاليات المجتمع وفئاته لهذه المهمة الوطنية الدينية العظيمة، ما أسهم في زيادة المساحات المزروعة، وتحفيز المزارعين على الاستفادة من الفرص المتاحة في زراعة القمح بدرجة أساسية، والتوسع في زراعة العديد من أنواع الحبوب كالذرة الشامية والرفيعة والبقوليات والفواكه، والتوسع في زراعة النخيل وإنتاج أصناف التمور.

مهددات تحت السيطرة

وفي خضم استحقاقات اتساع رقعة الفائدة، كان لازما أن يرافق ذلك التقدم، بعض من المهددات، حيث واجه بعض المزارعين آفات زراعية كانت شرعت في تهديد محاصيلهم من القمح، حيث – بالفعل- أدى إلى انهيار بعض المحاصيل. الحالة التي سارعت الجمعيات إلى الاضطلاع بدورها بالتنسيق مع مكتب الزراعة ووحدة الوقاية بالمحافظة في توفير مبيدات زراعية حشرية وفطرية. وبتضافر الجهود، تم دعم الجمعيات بسيارات لمكافحة الآفات، وبفضل الله تم القضاء على أغلب هذه المهددات، بالرغم من أنها حدثت في نهاية موسم زراعة القمح.

وبالتنسيق مع المؤسسة، تم توفير حصادات ومساندة الجمعيات بتفعيل الحصادات المجتمعية، حيث أن المساحات المزروعة واسعة وتحتاج إلى معدات كبيرة. في العام الماضي، عملت حوالي 50 حصادة في مدينة المتون وداخل المديرية فقط. وبالتالي، بدأ مهدد جديد، تمثل في نقص العدد من الحصادات. وهو المهدد، الذي تصدت له المؤسسة العامة للحبوب ومؤسسة بنيان التنموية وتعهدا أنهما ومن أول يوم للانتهاء من عملية الحصاد، وبعون الله، لن يُترك المزارعون يواجهون أي تعثر أو مشاكل من هذا الجانب، خصوصا وأنه قد أصبح بمقدور المؤسسات صناعة العديد من الآلات والمعدات، وفي مقدمتها الحصادات والفرامات والفراطات. وأصبح بمقدورهما الوقوف دائماً في صف المزارعين كعون وسند في مواجهات كافة التحديات وتحويلها إلى فرص. كما تعهدت مؤسسة الحبوب بأنها ستتبنى بالتعاون مع الشركاء حملة لشرح عملية إنتاج الدمن (السماد) البلدي.

مساحة إرشادية: خطوات تحضير السماد البلدي

1 نبدأ بصناعة الدمن البلدي من خلال طرح المواد العضوية في حفرة خاصة، حيث نستخدم مكونات مثل التبن وقليل من العلف. بعد ذلك، نخلط هذه المواد مع كمية من السماد الفوسفوري وكمية من السماد الأبيض، ما يساعد على تحسين خصوبة التربة وتعزيز الإنتاجية.

هكذا، نقوم بخلط المكونات معًا. نحتاج إلى 4 كيلو من السماد الأبيض و1 كيلو من المادة الفسفورية. بعد ذلك، نضيف ثلاثة جرادل من الماء بعد أن نطرح الطرحة الأولى. نقوم بخلط التبن مع السماد والفسفور والسكر، ثم نرش بعض الماء عليه.

الطرح الأولى: نبدأ بوضع السماد الأبيض والمادة الفسفورية. إضافة الدمن البلدي: نضيف فوقها مادة الدمن الطبيعي الناتجة عن الأغنام والأبقار. الطرح الثانية: نضيف التبن فوق السماد والفسفور والسكر، ونرش الماء مرة أخرى.

نكرر نفس الخطوات في الطرح الثانية والثالثة بخلط الفسفور مع السماد الأبيض والسكر، ونستخدم حفراً بعمق 3 إلى 4 متر. بعد ذلك، نغطي الخلطة ونسقيها بالماء ونتركها لمدة شهر.

بعد مرور الوقت وفتحها، سنلاحظ نجاح عملية التخمير. هذه العملية مهمة لأنها تحافظ على العناصر الغذائية وتساعد في تحسين إنتاجية التربة وتخفيف الملوحة فيها.

فوائد التسميد العضوي:

– زيادة إنتاجية الحبوب: التسميد العضوي يعزز من خصوبة التربة ويزيد من إنتاجية المحاصيل.

– تقليل نسبة الملوحة: يساهم في تحسين نوعية التربة، ما يدعم نمو النباتات بشكل أفضل.

– قلة التكاليف، ويحقق الفائدة للجميع.

نقلا عن موقع انصار الله

مقالات مشابهة

  • «تقرير»: درجات الحرارة التي شهدها شهر يناير أعلى عن الرقم القياسي المسجل في 2024
  • سعر طن الأرز الشعير اليوم الخميس 6-2-2025 في الأسواق قبل رمضان
  • محافظة الجوف.. نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح
  • سعر طن الأرز الشعير اليوم الخميس 6 فبراير 2025
  • "البحوث الزراعية" يعزز تجربة خلط دقيق القمح والشعير في صناعة الخبز
  • "لا مكان للأسبرتام في طعامنا".. دعوات لحظر المحليات الصناعية في أوروبا
  • سعر الأرز الشعير اليوم الأربعاء 5-2-2025
  • سعر طن الأرز الشعير اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025
  • سعر طن الأرز الشعير اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2025
  • ما هي العناصر الغذائية التي يحتوي عليها نصف كوب من الجزر النيء؟