سوف أستخدم وصف كتاب الساعة لهذا الكتاب رغم شيوع وكلاشية الوصف، وبالرغم من تهمة المبالغة التي قد يشعر بها قارئ مطلع على ما أخرجته المطابع من كتب تناولت القضية الفلسطينية، وقد يرى في العديد منها ما يعد كتاب الساعة أيضا.

لكن تقديري أن كتاب «عن فلسطين» الصادر حديثا في ترجمة عربية عن منشورات جدل للمترجم سالم عادل الشهاب، يأتي الآن وهنا بين كتب الساعة لأنه يتضمن رؤى اثنين من أنزه المفكرين الغربيين الذين تأتي القضية الفلسطينية بين اهتماماتهما المركزية وهما نعوم تشومسكي وإيلان بابيه، ولأنهما في هذا البحث والحوار المتبادل بينهما لا يكتفيان بماضي وتاريخ القضية، بل يمتد ما يتناولانه لطرح حلول أو معالجات للقضية الفلسطينية بناء على تحليل النزاع داخل المجتمع الإسرائيلي وصراعاته الطبقية من جهة، ومن خلال استعراض مقاربة بين الحالتين الجنوب إفريقية والفلسطينية، بوصفهما قضيتا صراع ضد الإمبريالية وأنظمة الفصل العنصري، من جهة أخرى.

يأتي الكتاب أيضا في ظرف عالمي دقيق يشهد تحولا كبيرا في مشاهدة واستبصار الشعوب الغربية بـ / لحقيقة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، واكتشاف ما يجري على الأرض من ممارسات لا يمكن أن توصف إلا بكونها مشروعا للتطهير العرقي باستخدام كافة وسائل العنف والدموية التي يمكن تصورها، والتي جاءت الحرب الأخيرة في غزة لكشفها بجلاء ساطع، وبثتها وسائل الإعلام وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما تضمنته المشاهد من القتل المجاني لكافة الفلسطينيين بلا تمييز، وقصف البيوت والمشافي والمعاهد العلمية ودور العبادة، إضافة إلى تقييد الحريات والاعتقالات التي لم ينج منها حتى الأطفال، ثم منح المستوطنين كافة سبل إرهاب المواطنين الفلسطينيين في أرضهم بدعم كامل وحماية من جيش الاحتلال، مع الإصرار على منع دخول المساعدات، لتأكيد تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، في تحد صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية للسلام والأمن العالمي وحقوق الإنسان.

معجم جديد

لهذا يرى إيلان بابيه، أننا في تطلعنا للمضي قدما في طرح حلول القضية وإرساء العدل الذي يضمن عودة الحقوق المسلوبة للفلسطينيين، لا بد أن نعيد تأمل الماضي باستخدام المصطلحات الأكثر صوابا وقدرة على توصيف حقيقة ما جرى، بالقول أنه «من المهم جدا أن نصف ما حدث للفلسطيين في 1948 على أنه جريمة وليس بوصفه مأساة أو كارثة فحسب؛ إذا كنا ننتوي تصحيح ما جرى جراء هذا الشر».

ويأتي ذلك في إطار ضرورة وضع معجم جديد للمصطلحات التي تخص هذا المشروع الاستيطاني، والذي أسهم في تضليل العالم حول حقيقة ما يجري من جهة، والتشويش بالتالي على محاولات فهم ما يجري لأجل الوصول إلى المستقبل العادل للقضية.

قصة الكتاب

أود الإشارة إلى أن الكتاب يأتي نتيجة لمبادرة من الناشط البلجيكي فرانك بارات، وقصته تستحق الإشارة، لأنها تأتي سببا جوهريا لظهور الكتاب إلى النور.

فلأسباب شخصية، وبعد تقاعده عقب خبرات شباب ونضوج عديدة توجه للقراءة والانخراط في القضايا التي لم يكن يعرف عنها شيئا وبينها قضية فلسطين، يقول بارات :»أدت القراءة والشعور بالاستنارة من خلال الكتب دورا كبيرا في تغيير نظرتي للحياة، والمعاني التي تحملها. بدأت بقراءة تشومسكي، ومن ثم أصبحت ببطء مهتما بأي شيء يتعلق بإسرائيل/ فلسطين. أصبحت قراءة إدوارد سعيد، ومحمود درويش، وغسان كنفاني، وجون بيرغر، وتانيا راينهارت، وإيلان بابيه، ونورمان فنكلشتاين، ونعوم تشومسكي، وكيرت فونيجت، وأرونداتي روي، ونعومي كلاين، جزءا من روتيني اليومي».

وفي عام 2008 قام بمراسلة كل من تشومسكي وإيلان بابيه للعمل على إصدار كتاب معه أسفرت عن كتاب «أزمة غزة: تأملات في الحرب الإسرائيلية على فلسطين» والذي نجح في لفت الانتباه بشكل واسع، وترجم لعدد من اللغات. لكن الطبيعة غير التفاعلية للنقاش الذي تضمنه الكتاب جعل بارات متحمسا لكتاب آخر لا يتضمن ، فقط، الأفكار النظرية وتوجيه أسئلة لكلا المفكرين يجيبان عليها بشكل غير تفاعلي، بل وبتفعيل إجراء حوار مباشر بينهما حول عدد من القضايا المحددة، وهو بالفعل ما منح الكتاب نوعا من الحيوية وإثراء الأفكار وكذلك المزيد من التوضيح أو طرح الأمثلة التي توضح الفكرة أكثر من خلال تفاعل الحوار.

وقد جاءت هذه الخبرة كلها لتؤكد قناعات بارات حول أن القضية الفلسطينية ليست إلا تجسيدا لكل ما هو خاطئ في هذا العالم. وإن غياب العدالة في فلسطين له أثر في جميع أنحاء العالم، وأن فلسطين؛ وفقا لشواهد غياب العدالة الدولي، مختبر تجارب كبير في تجارة إعادة إنتاج أدوات القمع والاضطهاد، ولذلك «فإن البحث والتنقيب في القضية الفلسطينية مهم لفهم ومعرفة موقفنا بصفتنا بشرا، وما الذي نقف خلفه وندافع عنه».

خطة الحوار

يضم الفصل الأول شرحا من إيلان بابيه لخطة النقاش التي ستدور بين الأطراف الثلاثة على مدى صفحات الكتاب:

«حين جلست أنا وفرانك بارات مع نعوم تشومسكي لنقاش طويل عن فلسطين، قمنا بتقسيم النقاش إلى ثلاثة أجزاء: نقاش عن الماضي، وتركيز على فهم الصهيونية بوصفها ظاهرة تاريخية، ونقاش عن الحاضر؛ مع تركيز مكثف على صلاحية واستحقاق تطبيق نموذج الفصل العنصري على إسرائيل وعلى فعالية حركة المقاطعة BDS بوصفها استراتيجية رئيسة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأخيرًا في الحديث عن المستقبل، تحدثنا عن الخيار بين حل الدولة الواحدة وحل الدولتين. كان المبدأ الرئيس لهذه الاجتماعات هو مساعدة بعضنا في فهم وتوضيح وجهة نظر الآخرين، على ضوء الأحداث التي تجري في الإقليم كله، وليس في إسرائيل وفلسطين فحسب. افترضنا أن يتفق العديد من القراء على أن وجهة نظر تشومسكي تجاه القضية الفلسطينية - خلال هذا المنعطف التاريخي المهم تعد مساهمة مهمة لأي نقاش حول القضية. نتمنى أن يساهم هذا الحوار في توضيح القضية الفلسطينية مسلطة الضوء على التحول الممكن من خلال حركة التضامن مع الفلسطينيين، مع تطبيقات واسعة للنضال من داخل إسرائيل/فلسطين».

وبعد أن يقوم بابيه بشرح عدد من القضايا المهمة التي وجد أهمية طرحها خلال الحوار من أجل المزيد من الفعالية، وبينها أهمية اختلاق معجم جديد مبني على فهم واقعي لحقيقة الوضع على الأرض، وتخليصه من المصطلحات الملتبسة التي فرضتها الحركة الصهوينية لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

بعد هذا الشرح المستفيض تبدأ الحوارات في ثلاثة فصول متتالية، الماضي، الحاضر، ثم المستقبل، ويليها فصل بعنوان «داخل إسرائيل» وبه حوار حول الداخل والكيفية التي تغيرت بها رؤية المؤرخين الإسرائيليين للحقيقة بعد ظهور تيار المؤرخين الجدد (بينهم إيلان بابيه) الذين أعادوا قراءة التاريخ وفق أدوات أكثر منهجية تسببت في تبين الكثير من الحقائق التاريخية، وزيف الكثير من الرواية الصهيونية المعتمدة، قبل أن يختتم الكتاب بقسم ثاني مستقل بعنوان انعكاسات يتضمن مقالات، كل منها في فصل مستقل: تأتي عناوينها على النحو التالي: حصار غزة، جرائم إسرائيل، ومسؤوليتنا تجاه ذلك لنعوم تشومسكي، تاريخ مختصر حول تصاعد الإبادات الجماعية في الأراضي المحتلة لإيلان بابيه، كابوس في غزة لنعوم تشومسكي، الجدار الفاصل: العبثية والخلود لإيلان بابيه. ثم مقالين متتابعين لتشومسكي : وقف إطلاق النار.. استمرار الانتهاكات، ورسالة إلى الأمم المتحدة.

وهذا القسم يتضمن إشارات وتحليلات لأوضاع قائمة أو مواكبة لأحداث مرت بها غزة على مدى العقد الأخير في إطار رؤية شاملة للوضع الفلسطيني بشكل عام.

حول الماضي والحاضر والمستقبل

في صلب القسم الأول من الحوارات المشتركة الذي يحمل عنوان «الماضي»، ينبه كل من إيلان بابيه ونعوم تشومسكي إلى الكيفية التي ينبغي بها التعامل مع الماضي، إذ يقتضي تصويب المصطلحات من جهة، وتعديل الأوضاع التي نتج عنها هذا الماضي من جهة أخرى، بمعنى النظر للنكبة على أنها خطأ تاريخي ينبغي على إسرائيل الاعتذار عنه، وتغيير الأوضاع التي انبنت عليه وبينها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحق زيارة أهل فلسطين لبلادهم وقتما شاءوا.

ويتدخل تشومسكي في الحوار مشيرا أن الدول التي تقوم بالاحتلال تريد أن تغض الطرف عن جرائمها باعتبارها جزء من ماضي تم تجاوزه أو لا بد من تجاوزه، ويستشهد بمقولة لأوباما يقول فيها أننا يجب أن نتغاضى عن غزو العراق ونتجاوزه لكي نمضي للأمام، ويرى في ذلك تبرير القوة في دفاعها عن خطاياها.

ويأتي ذلك إضافة لما كان بابيه يوضحه بالقول: «في صلب هذه النظرة، هناك خطة للسلام تصر على إقصاء الماضي من المعادلة يدعي وسطاء السلام هؤلاء أن الماضي «ذا الصلة والأهمية المباشرة بالقضية هو النقطة التي يجب أن تبدأ عندها عملية السلام. ليس مهما ما حدث قبل ذلك لعملية السلام؛ لذا إن كانت هناك مستوطنات يهودية ضخمة في الضفة الغربية، فلا يمكنك التفكير في إزالتها. بإمكانك التفكير في عملية تبادل الأراضي؛ لكن لا يمكن التفكير في إزالتها فحسب. لذلك إن الماضي يعد عقبة لعملية السلام حسب المدعوين بوسطاء السلام في حين أن الماضي هو كل شيء في عيون المحتلين والمقموعين».

ما الصهيونية؟

يأتي الاهتمام بتعريف الصهيونية كجزء رئيس في فهم الماضي وهو ما يجعل فرانك بارات يزجه سؤاله للطرفين قائلا:

صارت الصهيونية كلمة متعددة التعريفات والتأويلات حتى لم يعد بعض الناس يعرفون ما تعنيه، هل يمكنك تقديم نظرة عامة عما عنته هذه الكلمة تاريخيا ؟

ويجيب إيلان بابيه إن أكثر هذه التعريفات حيادية هو أنها أيديولوجية، إن الصهيونية مجموعة من الأفكار التي تلهم الناس لارتكاب أفعال معينة والتصرف على أساسها. ولكن المهم بالنسبة إليه هو الكيفية التي تفسر فيها الصهيونية من قبل الأشخاص ذوي النفوذ، وأقل اهتماما بالكيفية التي يفسر بها المثقفون الصهيونية. ويضيف: «إنني مهتم بالصهيونية بوصفها أيديولوجية؛ لها تأثير على حياة الناس على أرض الواقع. كانت وما زالت الصهيونية أيديولوجية منذ بدء المشروع الصهيوني في فلسطين حتى الآن؛ أيديولوجية تعني بكل بساطة أن اليهودية بوصفها حركة وطنية لديها الدافع والحق في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وبأقل قدر ممكن من المواطنين الفلسطينيين فيها. تم فرض هذا الواقع بوصفه شرطا مسبقا من أجل خلق مجتمع يهودي جديد». أعتقد أنه بعد مرور السنوات - حين تكون هناك مؤسسة على شكل دولة تقبل بأيديولوجية مثل هذه على أنها أساس أخلاقي تقوم عليه - ستؤدي الأيديولوجية دورًا أكبر في حياة الناس.»

على هذا الأساس لن يكون هناك فرق كبير بين الأيديولوجيات الوطنية والثقافية. إن تفردها يكمن في مكان آخر. إن الصهيونية اليوم ليست إلا أيديولوجية للقوة غير المألوفة عبر التاريخ؛ كونها موجهة ضد مجموعة محددة من الناس تكون الأيديولوجية موجهة في العادة إلى شريحة أكبر من الناس؛ في حين أن الصهيونية أيديولوجية مركزة جدا.

متغيرات عالمية جديدة

والحقيقة أن هذ الكتاب بالفعل يطرح العديد من النقاط بالغة الأهمية التي لا تعني المهتمين بحل القضية فقط، بل وكذلك لكل الباحثين عن حقيقة ما يجري في فلسطين، ومحاولة تحليل الكثير من آفاق المستقبل في ضوء التغير الحادث منذ الثمانينات في الأوساط الأكاديمية الأمريكية، والذي بدا ملاحظا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وكيفية خلق قنوات جديدة للضغط على متخذي القرار.

كما يكشف الكتاب أيضا كيف أن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وفقا للوثائق التي أفرج عنها مؤخرا، وبينها رسائل بين إدارة الفصل العنصري والولايات المتحدة أن الأخيرة كانت تدعم هذا النظام بشكل كامل، بلا شرط أو قيد، منفردة وهذا كان أحد أبرز أسباب استمرار الفصل العنصري الذي لم يتهاوى إلا بعد أن اضطرت أمريكا للتخلي عنه، ويرى الكاتبان بابيه وتشومسكي أن هذا السيناريو مرجح للحدوث في القضية الفلسطينية مستقبلا بسبب الأزمات الأخلاقية التي يتسبب فيها الدعم غير المحدود من قبل الإدارة الأمريكية إلى الاحتلال الصهيوني.

بطبيعة الحال، وبين تفاصيل عديدة يتناولها أطراف الحوار الذي نتج عنه الكتاب، يأتي أفق المستقبل ومحاولة بحث تصورات واقعية حول هذا المستقبل سواء من خلال حل الدولة الواحدة التي تضمن حقوق متساوية لكل من يعيش بها، وفق نموذج جنوب إفريقيا، أو من خلال حل الدولتين، وهما تصوران يميل كل كاتب من الاثنين لأحدهما، يفرضان معرفة مهمة بالطريقة التي ينبغي لنا نحن العرب أن نهتم بها في طريقنا ليس لمحاولة فهم تاريخ القضية فقط، بل وفهم تصورات أفق المستقبل المرجو للشعب الفلسطيني، لأن القضية لها أبعاد لم يعد تأثيرها مقتصرا على دول الجوار أو دول المنطقة العربية فقط، بوصفها بين أطراف التأثير المباشر لقضية الصراع الفلسطيني العربي مع الكيان الصهيوني المحتل، بل وعلى أرجاء العالم، لأسباب عديدة بينها اختلال مذهل للقيم الأخلاقية العالمية، وكذلك سقوط القناع عن وجه الغرب لكشف ازدواجية في المعايير لا يمكن لها إلا أن تكشف قيما سلبية عنصرية تجاه فلسطين والعرب، ولعل هذا ما يتسبب اليوم في الدفع باتجاه محاسبة الكيان الصهيوني من خلال توالي انضمام عدة دول، بعد جنوب إفريقيا، لمقاضاة الاحتلال الصهيوني على جرائم الحرب التي ارتكبها عن عمد وعلى مرأى من العالم كله في الشهور الثلاثة الأخيرة لحرب غزة.

إبراهيم فرغلي كاتب وروائي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الفصل العنصری إیلان بابیه من خلال لا یمکن ما یجری على أن من جهة

إقرأ أيضاً:

جلسة حوارية تناقش القيم الفكرية والأدبية لفلسطين

نظم صالون مداد الثقافي جلسة حوارية بعنوان "فلسطين.. أبعاد فكرية وثقافية" استضاف فيها الدكتورة شفيقة وعيل، والشاعر أحمد العبري والكاتب علوي المشهور، في النادي الثقافي، وأدار الأمسية سالم الرحبي، بحضور عدد من الأدباء والمهتمين.

وأشارت الدكتورة شفيقة وعيل عن دور الأدب في تغذية الذاكرة الجماعية باللغة والكتابة في مواجهة الإبادة، بأن كل النظريات الأدبية تسقط في الظرف الذي نعيشه، ففلسطين هي القضية والعقيدة والإنسانية، ولا يستطيع الأدب أن يخفف عن فلسطين، فالظرف الذي نعيشه اليوم يحتاج قلبا يتجاوز الصدمة، وهذه ليست حربا وإنما إبادة مؤسس لها بسبق الإصرار والترصد.

مبينة أن التحدي الذي يرفع في مثل هذه الأزمات هو تحدي الجمالية وتحدي العقيدة، بأن تكون فلسطين جمالية أدبية وأن تكون عقيدة إنسانية ودينية ووطنية وقومية، وتضيف: أتوقع ألا يسقط الأدب في فخ الابتذال، وأن يرتفع بنفس مستوى فلسطين، لأن القضية كبيرة والوجع الإنساني كبير جدا، وعلى الأدب أن يكون فلسفة، والنظريات التي كانوا يصدرونها لأن نكون مفكرين عصريين، اكتشفنا اليوم أنها بميزانين، وأصبحنا نميز بين قيمنا وقيمهم، فقيمنا هي الحرية والعدالة والإنسانية.

وتطرقت وعيل إلى القضية الفلسطينية داخل الحرم الجامعي فتقول: عندما يكون هناك حراك عالمي فاعل نجد الطلاب في قلبه، وإذا فتحنا موضوع فلسطين في القاعات سنجد النفس باكيا، ونحن نتوجع لما يحصل في غزة، ومع الوقت نحاول أن نقلب الصفحات، ولم نعد أن تحمل أن نراه، والذي فعلته غزة أنها غيرت النموذج المعرفي الذي كان مفروضا علينا، لم يعد الفلاسفة الكبار هم الفلاسفة المعترف بهم، ولم تعد القيم الغربية هي القيم المركزية، الآن صار المركز فلسطين باختصار لما تمثله من هوية قيمية من عروبة في اللغة والتنوع المجتمعي حتى في الدين، وقد اجتمع العالم كله بأن فلسطين هي المركز.

أما الشاعر أحمد العبري فأوضح بأن الرمزية الدينية لفلسطين بالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، فالقدسية تأسست قبل الإسلام في جناح هذا المسجد. والقضية لم تبدأ في عام 1948 وإنما بدأت منذ الاحتلال البريطاني بتدنيس المسجد الأقصى واستعمار القدس، وهناك قصيدة الشيخ راشد بن سعيد المعولي فيما يقارب ستين بيتا نشرت في مجلة الشباب بمصر عام 1937، تناولت أهمية هذا المسجد، وتدنيسه من قبل الاستعمار البريطاني، مضيفا بأن فلسطين قضية قدسية وعندما امتدت اليد للتفاوض لم يصلوا لشيء ففلسطين لكل المسلمين ولا يحق لنا أن نفرط بها.

وانتقل العبري للحديث عن قصائد محمود درويش الذي تأثر به الكثير من الطلاب شعريا، والشعراء الكبار تبنوا فلسطين وقدموا الكثير لها، ولكن تتطلب الكتابة ثراء معرفيا وفكريا وسياسيا للكتابة عنها، وفي الوقت الراهن نجد مجموعات الشعراء تجتمع حول قضايا يناقشونها شعريا، بعيدا عن القضايا الأصيلة كالقضية الفلسطينية، فهم يرضون دواخلهم، والبعض ينزوي في السنوات الأخيرة للكتابة عن ذاته ولا يشتغل بهذه القضايا التي أفسدتها السياسة لينأى بنفسه عنها، وهي تعود للوعي لأن فلسطين لو كانت مهمة للشاعر لكتب عنها.

أما الكاتب علوي المشهور فتطرق إلى المركزية السياسية على الصعيد العالمي، حيث القضية الفلسطينية انطلقت من العالم العربي إلى العالم ككل، وتاريخيا، لا يمكن فصل القضية الفلسطينية عن محيطها والأحداث السياسية المجاورة في مصر والعراق وسوريا والأردن في تلك الحقبة، فالكثير من المؤرخين لم يجدوا موقفا واحدا وواضحا وجادا لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية. كما أننا نجد على المستوى الخليجي من الأسباب ما ساهم في تشكل القوميين العرب في الخمسينيات، والطليعة التي تأثرت بالقضية الفلسطينية، وكانت دافعا لتسييس الشعوب، فالقضية الفلسطينية كانت قضية مركزية لكل العرب، فهي تقع في قلب البلدان العربية تربط بين الشرق والغرب، وفي قلب العالم القديم، لذلك كانت دائما مطمعا عالميا.

وعن المستعمرات في تاريخ كل دول العالم يوضح المشهور بأن الواقع يشير إلى وجود حركات مقاومة مسلحة فاعلة وهناك حراكات تقوم بعمليات، إلا أن الأنظمة السياسية تتجاهلها، وينشرون إعلاميا الجانب المشرق للغرب، ونجد ذلك في الرموز كغاندي في الهند ومانديلا في جنوب أفريقيا، وتم استبعاد المسلحين إعلاميا الذين قادوا الحراك والمفاوضات. فهي تحاول أن تفرض نموذجا تصدره ليكون شعورا عاما، ولذلك نجدهم يون بأن ما تقوم به إسرائيل لا يشار له بالعنف على الرغم من كل فظاعته ووحشيته، تحت شعار أنها تحاول الدفاع عن نفسها.

مقالات مشابهة

  • «البيئية»: إعادة كتاب «الصحة» بشأن الرقابة على المرادم إلى الجهاز التنفيذي
  • جلسة حوارية تناقش القيم الفكرية والأدبية لفلسطين
  • مخرج فلسطيني: لم يعد ممكنا الحديث عن فلسطين في هوليوود بعد 7 أكتوبر
  • مخرج فلسطيني: لم يعد يمكن الحديث عن فلسطين في هوليوود عقب 7 أكتوبر
  • الصراع الحضاري في تاريخ سورية القديم… محاضرة الدكتور عبد الرحمن البيطار باتحاد كتاب حمص
  • قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان «5- 5»
  • الليلة ..انطلاق حملة تغريدات عربية وعالمية لفضح جرائم الصهيونية في غزة
  • الأدب والفن والعمارة الإنسانية فى ضيافة اتحاد كتاب مصر
  • التاسعة مساءً.. انطلاق حملة تغريدات عربية وعالمية لفضح جرائم الصهيونية في غزة
  • قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (5/5)