هجمات البحر الأحمر.. هل يعيش العالم أزمة تضخم جديدة؟
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
أذكت أزمة البحر الأحمر القائمة، المخاوف العالمية من ترجيح عودة التضخم للارتفاع مجددا في حال طال أمد الأزمة، بعد صراع قادته البنوك المركزية العالمية مع ارتفاع الأسعار، عبر زيادات أسعار الفائدة.
واضطرت أغلب السفن إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الواقع جنوبي دولة جنوب أفريقيا، ممرا بديلا عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، خوفا من هجمات قد تشنها جماعة الحوثي اليمنية.
ويستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن بالبحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل، وذلك "تضامنا مع قطاع غزة" الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أميركي.
ودخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافتة منذ استهداف الحوثيين، في 9 يناير/كانون الثاني الجاري، سفينة أميركية بشكل مباشر، تلته ضربات أميركية على مواقع للحوثيين.
وارتفعت أسعار كلفة الشحن الوارد عبر مضيق باب المندب بنسب وصلت إلى 170%؛ بسبب هجمات الحوثي على السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما دفع شركات شحن لتعليق كل رحلاتها عبر المضيق.
عودة التضخمنبهت شركة "إم إس سي" -أكبر شركة شحن في العالم- العملاء في بيان صحفي، إلى زيادات إضافية في أسعار بعض حركة الحاويات إلى الولايات المتحدة، بدءا من 12 فبراير/شباط المقبل.
وقالت شركة الشحن أونر لين Honor Lane في بيان منفصل، إنها تتوقع أن يستمر الوضع في البحر الأحمر لمدة تصل إلى 6 أشهر، وربما حتى سنة.
وأضافت "إذا كان الأمر كذلك، نتوقع أن يستمر ارتفاع أسعار الشحن ونقص المعدات حتى الربع الثالث في 2024". وتنقل شبكة سي إن بي سي عن ستيفن شوارتز، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ويلز فارغو للمستحقات العالمية والتمويل التجاري قوله: لقد شعرت أوروبا بأكبر الأثر من الوضع في البحر الأحمر.. آثار ارتفاع الأسعار بدأت تظهر على السلع.
وأضاف أن تأخير الحاويات وانخفاض السعة، وأوقات العبور الأطول "كلها (عوامل) تؤثر في تكاليف الشحن العالمية، التي بدأت في التأثير في الشركات الأميركية كلما استمر الوضع في البحر الأحمر".
تتوقع تقديرات لمكتب الإحصاءات الأوروبية، أن تتسبب أزمة البحر الأحمر في ارتفاع التضخم بنصف درجة مئوية، على مدى الربعين الأول والثاني من 2024.
وفي أوروبا، تضغط أزمة البحر الأحمر على آمال اقتصاد منطقة اليورو، في احتمالية خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، من القمة التاريخية الحالية البالغة 4%.
وبهدف كبح التضخم، نفّذ البنك المركزي الأوروبي 10 زيادات متتالية على أسعار الفائدة بدأت في يوليو/تموز 2022، وبينما كان المحللون يرجّحون أن يخفّض المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 6 مرات في 2024، إلا أن توترات البحر الأحمر قد تؤجل هذا الخفض.
وفي الولايات المتحدة، عاد التضخم للارتفاع إلى 3.4% في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من 3.1% في الشهر السابق له، وهو ارتفاع ما زالت توترات البحر الأحمر بريئة منه.
وتكمن مخاوف الفدرالي الأميركي من أن تقود أزمة البحر الأحمر إلى وضع تأثيرات إضافية على التضخم، بداية من يناير/كانون الثاني الجاري، ما يعني تراجع الآمال بفرضية خفض الفائدة قبل نهاية النصف الأول من 2024.
وتبلغ أسعار الفائدة في الولايات المتحدة حاليا 5.5%، وهي أعلى نسبة منذ 2001، حسب بيانات الفدرالي الأميركي.
ماذا عن الشرق الأوسط؟في الشرق الأوسط، لا تزال توقعات التضخم غير واضحة في العديد من الاقتصادات، خاصة أن جماعة الحوثي لا تستهدف كل السفن العابرة للممر المائي.
إلا أن ما بادر به الأردن، قد يشكّل نموذجا لأغلب الدول العربية المستوردة للنفط، في آلية التعاطي مع التوترات، واستباق أيّ تأثيرات في إمدادات السلع.
وفي 15 يناير/كانون الجاري، وجّه رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، الوزارات والجهات المعنية في المملكة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات، للتعامل مع الآثار التضخمية المحتملة على السوق المحلية؛ بسبب تطورات البحر الأحمر.
وقال الخصاونة في بيان "وجّهنا لتوفير مخزون وافر وكافٍ لكل المواد الأساسية، وأن تحافظ على أسعار هذه المواد الأساسية حتى نهاية شهر رمضان (بين مارس/آذار، وأبريل/نيسان المقبلين) على الأقل، بصرف النظر عما قد نتحمله من كلف مرتبطة بذلك".
ووجّه إلى تشديد الأدوات الرقابية في الأسواق و"التحوط والتثبت من استمرارنا في الحفاظ على مخزون إستراتيجي آمن من القمح والشعير وكل المواد الأساسية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أزمة البحر الأحمر فی البحر الأحمر أسعار الفائدة
إقرأ أيضاً:
أمريكا وسياستها في البحر الأحمر
تمضي إسرائيل اليوم ومن ورائها أمريكا وبريطانيا والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن إلى تنفيذ فكرة الشرق الجديد، وتنفيذ الخطط الاقتصادية، ومنها الخطط المتعلقة بحركة التجارة العالمية، والسيطرة على مساراتها، وهم ماضون في تحقيق الحلم القديم الذي نشأ بعد تأميم قناة السويس في عام 1956م والمتمثل في إنشاء قناة بن غوريون التي تعمل على تسهيل الحركة بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط في مسارين دون توقف أو إعاقة في حركة منسابة وسهلة لا يمكن لقناة السويس توفيرها بسبب الجغرافيا، والمشروع كبير ويدر دخلا قوميا كبيرا جدا وفق خططه ودراساته المتوفرة .
وقد برزت أهمية البحر الأحمر في منظور السياسة الأمريكية في أعقاب حرب أكتوبر 1973م حين استخدم العرب النفط كسلاح سياسي في سياق المعركة بينهم وبين إسرائيل، وكان للتوسع الأمريكي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م دور كبير أثناء رسم السياسات الدولية وتحديد خطوطها الرئيسية، وقد تزايد اهتمام أمريكا بالمنطقة العربية بعد تفردها بحكم العالم حيث يشكل البحر الأحمر أحد محاورها المهمة لكونه يمثل طريقا استراتيجيا لحركة المواصلات العالمية، وله علاقة بالعديد من النزاعات الإقليمية والدولية كالصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإيراني الأمريكي، والصراع الأمريكي الصيني، وسعي العديد من القوى الدولية إلى إقامة قواعد عسكرية على سواحله الممتدة لعشرات الآلاف من الكيلومترات.
وتأتي أهمية البحر الأحمر لكونه بحراً عربياً بنسبة تفوق التسعين بالمئة من سواحله، ومن ناحية أهميته في اعتماد التجارة الدولية بين شرق وغرب الكرة الأرضية على استخدام مياهه واحتواء أغلب الدول المطلة عليه على ثروات معدنية وطبيعة خلابة وسواحل مرجانية فضلا عن احتوائه على كميات كبيرة من النفط والمعادن الأخرى.
ومن هنا كان لا بد للولايات المتحدة من مبررات ودوافع تمكنها من السيطرة على هذا الممر المائي المهم على المستويين السياسي والاقتصادي وقد “أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس “قوة مهام جديدة”، مع دول حليفة، تقوم بدوريات في البحر الأحمر، وحُددت مهمتها “تعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن”، وبشكل أدق “التصدي لتهريب الأسلحة إلى اليمن”، وهي ذرائع لمطامع استعمارية وصهيونية خطيرة.
ويمثل البحر الأحمر أهمية ذات بعد استراتيجي بسبب ارتباطه بمنطقة الخليج، فأمريكا ترى ضرورة استمرار تأمين خطوط الملاحة التي يمر بها النفط والغاز عبر البحر الأحمر وقناة السويس، سعيا منها إلى أن تكون أكثر سيطرة على طرق النفط وعلى منابع النفط حتى تحد من دول الاتحاد الأوروبي، ومن خلال تواجدها في البحر الأحمر وفرض هيمنتها عليه تسعى أمريكا إلى إعادة ترتيب المنطقة طبقا لمصالحها الحيوية والفاعلة، كما أن البحر الأحمر يمثل أهمية عسكرية في حال تهديد المصالح الأمريكية من أي قوة عسكرية محتملة تهدد مصالحها، والأهم وجود مصالح استراتيجية مشتركة بين إسرائيل وأمريكا إذ تلتزم أمريكا بضمان أمن إسرائيل في مواجهة أي احتمال عسكري أو اقتصادي يهدد وجود إسرائيل في المنطقة .
” وحضور أمريكا المباشر قد يكون مزمناً بتثبيت تواجدها وتكريس صهيونية البحر الأحمر حتى يكتمل تحالف ” الناتو العربي الصهيوني” ليقوم بمهمة السيطرة على المنطقة وضمان المصالح الأمريكية، حينئذ محتمل أن تقلص الولايات المتحدة من حضورها المباشر في البحر الأحمر، أما في الظروف الراهنة فلا زالت الجزيرة العربية بالغة الأهمية لها، وخاصة مع سعي كل من روسيا والصين إلى فرض نظام متعدد الأقطاب وبالتالي إعادة رسم خارطة التوازنات العالمية ومعها الانتشار العسكري، فالولايات المتحدة منذ انتصارها على المعسكر الاشتراكي أعلنت “الشرق الأوسط” منطقتها العسكرية المركزية ونشرت فيها أساطيلها وهيمنت عبر الخونة والعملاء عليها” .
“خلف هذا التحرك عاملان: استراتيجي، وتكتيكي، الاستراتيجي: وهو متعلق بالسياسة الأمريكية الصهيونية في ضرورة السيطرة على المضايق البحرية وعلى البحر الأحمر بشكل خاص وعلى منابع النفط، فالبحر الأحمر وفق هذه الاعتبارات يقع في قلب الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية .
أما البعد التكتيكي، فهو متعلق بتضاعف القوة اليمنية في البحر الأحمر، واستباق احتمالات التسوية السياسية في اليمن لترسيخ الوجود الأمريكي كأمر واقع، وكذلك تفاقم الأزمة الغربية الروسية الصينية وما يرتبط بها من تحركات لهذه الدول على مستوى العالم أشبه ما يكون بتسجيل نقاط في رقعة شطرنج، في الوقت الذي تحتكر فيه روسيا الحضور العسكري في البحر الأسود حتى الآن وتزداد التصريحات الصينية بأحقية سيادتها في بحر الصين الجنوبي. ”
والخلاصة تريد أمريكا أن تضمن ثلاثة أهداف استراتيجية من خلال فرض هيمنتها على البحر الأحمر هي:
– ضمان عدم سيطرة القوى التي تراها معادية لمشروعها في المنطقة وخاصة محور المقاومة وجل ما تخشاه أن يحدث تحالف بين الصين ودول المنطقة أو بين الدول المطلة على البحر الأحمر وروسيا.
– الهدف الثاني: هو ضمان بقاء إسرائيل واستمرارها في المنطقة، فهي تفرض حمايتها لإسرائيل، فاللوبي الصهيوني الضاغط في أروقة البيت الأبيض والمتحكم في مفاصل الدولة والاقتصاد يفرض مثل هذه السياسة على أمريكا فهي مجبرة لا بطلة في الأمر.
– الهدف الثالث: هو ضمان تدفق النفط والغاز عبر البحر الأحمر وعبر المضايق دون أي قلق وهي اليوم أشد حرصا منها بالأمس بعد أن أشعل الدب الروسي فتيل المعركة في جزيرة القرم وتسبب ذلك في تأثر سوق الطاقة في أوروبا، وتركت الحرب أثرا على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وعلى أمريكا نفسها، لذلك تخوض حربا مع روسيا بالوكالة من خلال أوكرانيا فهي مع دول الاتحاد الأوربي يدعمون أوكرانيا لوجستيا وعسكريا ويقودون المعركة من خلف جدر أو من بروج مشيدة.
تلك الأهداف كانت وراء تعثر المفاوضات السياسية وبقاء الحال على ما هو عليه حتى تضمن لها موقع قدم في البحر الأحمر دون تهديد من أي قوة عسكرية، فهي ترى أنصار الله كقوة وطنية تحررية معادية لمشروعها لذلك تحاول أن تُفشل أي تقارب سياسي بين صنعاء ودول التحالف العربي ولعلها بعدوانها اليوم تفصح عن هذه الأهداف دون مواربة أو شك.