المحور والتحالف…بقلم: أ. د. بثينة شعبان
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
أقرأ كتاباً صدر حديثاً باللغة الإنكليزية بعنوان: «حب وإخلاص وخداع» عن دار بيرغهان في أوكسفورد ونيويورك، ومع أن محور الكتاب يدور حول علاقات شخصية غير عادية إلا أنه غني بمعلوماته التاريخية والمجتمعية والأنثروبولوجية والسياسية، ذلك لأن الشخصيات الرئيسية كانت من أوائل من أسّس علم الأنثروبولوجيا في جامعة لندن وقامت ببعثات بحثية وأنثروبولوجية في الصين وماليزيا والهند وبورما قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية، أي إن البعثات تشكلت من أهمّ المتخصصين وأقدرهم على البحث؛ فدرست هذه المجتمعات عرقياً ودينياً وتاريخياً ونفذت إلى الفروقات العشائرية والجندرية وتوصلت إلى أفضل السبل للتعامل مع تلك المجموعات البشرية، وحين نشبت الحرب العالمية الثانية كانت الأوراق البحثية والنتائج التي تمّ التوصل إليها أغلى وأهم ما حفظوه من الغرق والضياع والفقدان في رحلات صعبة استغرقت أشهراً، ومنذ ذلك الوقت كان التبادل بين الولايات المتحدة وبريطانيا في العلم والمعلومة والبحث والاستنتاج كالتبادل بين جامعات وأبناء البلد الواحد.
وتعزز هذا الإرث بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية وضمّ بعد تشكل الاتحاد الأوروبي، أوروبا الغربية كلها، وأصبح هذا الإرث المعرفي والاستشراقي والذي ينظر إلى كل المجتمعات الأخرى نظرة دونية، إرثاً غربياً بامتياز وأصبحت مجتمعات الشرق والجنوب مادة للبحث من أجل إحكام السيطرة عليها ونهب مواردها وإبقائها في حال من التخلف يسمح باستغلالها بسهولة ويسر، وحين احتلّ اليابانيون بورما عاد بعض هؤلاء الباحثين إلى بورما والهند وماليزيا وكانت مهمّتهم المعلنة تجنيد جواسيس من هذه المجتمعات لمصلحة المملكة المتحدة ولمقاومة اليابانيين وضمان استمرار القبضة البريطانية الغربية عليها.
بعد قرن تقريباً من ذلك التاريخ هذا هو الغرب الذي نواجهه اليوم في فلسطين والوطن العربي عموماً وفي آسيا وأفريقيا، وهذه هي أدواته: دراسة وبحث وفهم مجتمعاتنا وتركيباتها الاثنية والعرقية والدينية وإيجاد أسهل المنافذ لاختراقها وتجنيد جواسيس فيها من ضعاف النفوس لخدمة استمرار الهيمنة الغربية وقمع الشعوب ونهب ثرواتها وفتح أسواقها ومنع البلدان من تحقيق نمو وازدهار تصاعدي لا توقفه أو تشلّه الحروب والتي تهدف أساساً لمنع هذه المجتمعات من التطور والإمساك بناصية شؤونها وإنجاز الاستقلال الحقيقي في قراراتها ومساراتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية، بالإضافة إلى الحروب المفتعلة ضد العرب وشعوب آسيا وأفريقيا، فإن الغرب قد اعتمد وبشكل جوهري على دبّ الفرقة بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد والطائفة الواحدة والمجتمع الواحد على أسس واهية اخترعها هو لهم لم يفكروا من قبل بها من فروقات دينية إلى طائفية وعرقية ومذهبية، وإذا لم توجد يخترعونها ويجنّدون لنشرها من أهل البلاد والدين والطائفة والقبيلة، ولذلك فإن العدو الأساسي لخطط الغرب هو العيش المشترك الحقيقي والتعاون والتعاضد بين أبناء المجتمع والمجتمعات التي تمتلك عناصر مشتركة وتتقاسم الأهداف التي تسعى لتحقيقها، ولذلك ترى أنهم قسموا العرب إلى 22 دولة وقسموا أفريقيا حسب حدود الاستعمار، ولذلك تراهم يثيرون النعرات الانفصالية في يوغوسلافيا وإيران وفي كل مكان.
وفي هذا السياق المعرفي من المناسب أن نشير إلى ما نشرته مجلة «فورين أفيرز» في 17 كانون الثاني 2024 بعنوان: «كيف تمكنت الحرب في غزة من إحياء محور المقاومة»، وبغض النظر عن المواربة في المصطلحات والتي توحي للقارئ بأن أعمال 7 تشرين الأول كانت شاهداً على القتل والخطف في حين تأتي كل جرائم حرب الإبادة الصهيونية للمدنيين من أطفال ونساء في غزة وفلسطين عموماً بصيغة المبني للمجهول وأن كوارث الدمار وقصف المستشفيات والمدارس والمنازل والجامعات ودور العبادة حلّت من دون معرفة من قام بقتل النساء والأطفال ومن دون أن يتمّ ذكر النساء والأطفال والمشافي والمدارس، ولكن وبغض النظر عن كل هذا الانتهاك الغربي المقصود للغة والمصطلح وتضحيته بالحقائق فقد ركز المقال على خطورة فكرة التضامن بين إيران وسورية والمقاومة في فلسطين وحزب اللـه واليمن وأن التنسيق بين هؤلاء الأطراف أمر خطير جداً على الغرب وصنيعته إسرائيل، وينذر إسرائيل والغرب بواقع جديد عليهم مواجهته، ويتعرض المقال بدهشة واستغراب لإتقان المقاومة لوسائل التواصل الاجتماعي وحرصها على تفنيد أعمالها ضمن الشرعية الدولية الأمر الذي يلقى آذاناً مصغية في المجتمعات الأخرى وحتى الغربية منها، واعتبرت أن هذا يشكل تحدياً للغرب ويثير غضب المجتمعات المؤيدة ويعزز من تأثير محور المقاومة، ولذلك دعا المقال إلى وقف الحرب على غزة والتوصل إلى تسوية نهائية قبل أن يفقد الغرب تأثيره ومكانته في الشرق الأوسط، ويعترف المقال أن الولايات المتحدة لا تستطيع تفكيك هذا المحور بسهولة ولا إلحاق الهزيمة بالأفكار التي بُني عليها، ولذلك يدعو إلى تسوية سريعة للقضية الفلسطينية وإلا فسوف يصبح المحور واقعاً إقليمياً وعلى الولايات المتحدة التعامل معه لسنوات قادمة.
ما غاب عن المقال هو أن التحالف الغربي الذي هو شريك في حرب الإبادة على فلسطين منذ مجازر العصابات الصهيونية في دير ياسين وكل ما شهده العالم من قتل وإبادة وتطهير عرقي واحتقار للقانون الدولي، قد غيّر الواقع مرة وإلى الأبد وأن أحداً لن يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء أبداً، لقد انكشف الغرب عارياً سياسياً وإعلامياً وأخلاقياً أمام من حاول إبهارهم لقرون «بحريته» و«ديمقراطيته»، انكشف أنه لا يقيم للأخلاق ولا للحياة البشرية البريئة ولا للطفولة وزناً وأنه يدوس على كل الأعراف والقوانين بما فيها قوانين الحرب والأسْر لدعم قاعدته الاستعمارية في الوطن العربي وليصمت صمت القبور عن أبشع ما يمكن أن يرتكبه بشر بحق إخوانهم في الإنسانية.
لقد انكشف التحالف الغربي على حقيقته الاستعمارية الوحشية فهو داعم لإرهاب كيان عنصري صهيوني لا تختلف جرائمه أبداً عن جرائم داعش في سورية والعراق ولذلك فإن وعي الشعوب لا يمكن تجميده ولا يمكن العودة به إلى ما قبل غزة ولا يمكن إيقاف ارتدادات ما جرى في فلسطين على المنطقة والعالم والتي سوف تستمر عقوداً أو تأتي بنتائج لم يكن الغرب يحسب لها حساباً، ولقد أعلنت الحرب على فلسطين سقوط الغرب المدوي في ضمائر كل شعوب الأرض، وسيحصد الغرب نتائج هذا لعقود قادمة، وأتّفق تماماً مع ما قاله الباحث شولتو بيرنز في مقاله في جريدة «الناشنال» في 17/1/2024 بعنوان: «القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل قد كشفت تصدعات ما بعد الكولونيالية في العالم أجمع»، حيث قال: «نحن نشهد تغيرات بركانية، ويبدو أن قادة الدول الاستعمارية السابقة غير مدركين حجم الإرادة الطيبة التي يعبثون بها أو الدرجة التي تتسبب بها أعمالهم بمواقف ضدهم في أنحاء العالم كافة».
كان لافتاً أن تسهم ناميبيا في الاحتجاج على حضور ألمانيا جلسة المحكمة إلى جانب الوفد الصهيوني، وأن يعلن الرئيس الناميبي هيغ غينغوب أنه لا يحق لألمانيا التي ارتكبت أول إبادة في القرن العشرين 1904-1908، حيث قتلت عشرات الآلاف من الناميبيين، أن تجلس في هذا المكان.
لقد دفع الغرب بكل قواه وسياسييه وإعلامه لدعم جرائم الإبادة الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول لحرب الإبادة هذه أملاً منه في استعراض قوته واستعادة مكانته العالمية، ولكن السحر انقلب على الساحر وسيسجل التاريخ العدوان على فلسطين والإبادة المشينة للشعب الفلسطيني كبداية لنهاية الغرب الاستعماري وكل كذبه ونفاقه وعنصريته ونهبه التي مارسها ضد شعوب الأرض، والقطار انطلق من محطة غزة ولن تستطيع تحالفاتهم إيقافه بعد اليوم.
جريدة الوطن السورية
بثينة شعبان 2024-01-22sherinسابق شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة انظر ايضاً الدكتورة شعبان لوفد الخارجية الصينية: تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات وصولاً إلى الشراكة الإستراتيجية
دمشق-سانا بحثت المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان مع مدير عام إدارة غربي …
آخر الأخبار 2024-01-22شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة 2024-01-22مسؤول روسي: سويسرا فقدت مصداقيتها كمنصة دولية محايدة 2024-01-22غاتيلوف يدعو الهيئات الأممية لبحث الاعتداء الأوكراني على دونيتسك 2024-01-22تراجع أسعار النفط بفعل ضغوط عوامل اقتصادية 2024-01-22المقاومة اللبنانية تستهدف ثكنة زرعيت للعدو الإسرائيلي 2024-01-22مصرع 47 شخصاً في انزلاق أرضي جنوب غرب الصين 2024-01-22إصابة فلسطيني واعتقال آخرين في الضفة الغربية 2024-01-22الجو بين الصحو والغائم وفرصة لهطل الأمطار فوق المناطق الساحلية 2024-01-21الخارجية الفلسطينية تطالب الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية بالاعتراف بدولة فلسطين 2024-01-21الاحتلال يجبر فلسطينياً على هدم منزله في القدس المحتلة
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسومين حول أحكام وطبيعة العقوبات الخاصة بالتعامل بغير الليرة السورية وتشديد العقوبات على مزاولة مهنة الصرافة بغير ترخيص 2024-01-20 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بإحداث الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء 2024-01-06 الرئيس الأسد يصدر القانون رقم (1) الخاص بتنظيم عمل الاتحاد الوطني لطلبة سورية 2024-01-06الأحداث على حقيقتها عدوان إسرائيلي يستهدف مبنى سكنياً في حي المزة بدمشق 2024-01-20 القضاء على أحد عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي في درعا بحوزته حزاماً ناسفاً 2024-01-16صور من سورية منوعات الأرض على موعد مع عاصفة مغناطيسية الليلة القادمة 2024-01-22 أستراليا تشهد موجة حرارة شديدة تزيد من خطر حرائق الغابات 2024-01-20فرص عمل جامعة دمشق تعلن عن مسابقة لتعيين أعضاء هيئة فنية من حملة الماجستير 2024-01-18 وزارة الداخلية تعلن عن مسابقة لتعيين عدد من الأطباء البشريين والأسنان 2024-01-18الصحافة المحور والتحالف…بقلم: أ. د. بثينة شعبان 2024-01-22 ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن 2024-01-21حدث في مثل هذا اليوم 2024-01-2222 كانون الثاني 2014- انطلاق مؤتمر جنيف 2 في مدينة مونترو السويسرية ضمن جهود حل الأزمة في سورية 2024-01-2121 كانون الثاني 2014 – تفجير إرهابي يستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت 2024-01-2020 كانون الثاني 1996 – انتخاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية 2024-01-1919 كانون الثاني 1883- توماس إديسون يضع أول نظام إضاءة كهربائي في الخدمة 2024-01-1818 كانون الثاني2017- تنظيم داعش الإرهابي يفجر واجهة المسرح الأثري في مدينة تدمر 2024-01-1717 كانون الثاني 1962- انعقاد أول مؤتمر قمة عربية في القاهرة
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: کانون الثانی بثینة شعبان
إقرأ أيضاً:
ما أبرز الإنجازات والمكتسبات التي حققها طوفان الأقصى للقضية الفلسطينية؟
رغم تسبب حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة بأكثر من 158 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وهي إحصائية مرشحة للزيادة بشكل يومي، إلا أن طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حقق العديد الإنجازات التي ربما لم يتم تحقيقها عبر عقود سابقة من السياسات المختلفة.
وجذبت غزة خلال الشهور الـ15 الماضية حالة غير مسبوقة من التضامن الدولي مع فلسطين، وعملت على تسليط الضوء على مكاسب استراتيجية والفشل الأمني الإسرائيلي، وكشفت حقيقة محاولات تجميل وجه الاحتلال الذي استغل مختلف المجلات لـ"تبييض" جرائمه، إضافة إلى الإجازات التي تم تحقيقها من خلال الاعتراف بفلسطين دوليا وجهود المقاطعة الكبيرة.
محاولات "الغسيل"
يمارس الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة مختلف أنواع "الغسيل" من أجل تحسين صورته أمام العالم وتقديم "إسرائيل" سياسيا على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، واقتصاديا أنها "أمة الشركات الناشئة - Start-up Nation"، ورياضيا من خلال مشاريع مختلفة، وحتى أنها تحافظ على "حقوق الحيوان" وأنها تضمن أكبر عدد من "الجنود النباتيين" حول العالم.
ومصطلح "الغسيل" بشكل عام يتم استخدامه لوصف مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التسويقية والسياسية التي تهدف إلى ترويج المنتجات أو سياسات البلدان أو الأشخاص أو الكيانات من خلال إظهار مساندة بعض القيم والقضايا بهدف تسويق صورة تقدمية وحداثية متسامحة تعترف بحقوق الأقليات المضطهدة.
خلال الأولمبياد التي أقيمت في باريس في منتصف العام الماضي، ومن بين الرياضيين الإسرائيليين الثمانية والثمانين المشاركين، أيد ما لا يقل عن ثلاثين منهم علنا الحرب وجيش الاحتلال، وقد عمل بعضهم كدعاة ومتحدثين باسم الجيش، الأمر الذي أكد على مكانتهم كـ"رموز للقوة الصارمة التي تتمتع بها إسرائيل على الساحة العالمية".
ويذكر أن كل إسرائيلي يخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والرياضيون المتميزون، رغم أنهم في بعض الأحيان قادرون على تأجيل الخدمة، إلا أنهم ليسوا معفيين منها، وفقا لتقرير نشرته مجلة "ذي نيشين" الأمريكية.
وأكد المقال أن وجود "إسرائيل" هو مثال رئيسي على "غسيل الرياضة"، وهو عندما تستخدم الكيانات السياسية الرياضة والمسابقات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأولمبية للتغطية على الجرائم، وهذا يساعد في إضفاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان، بل وحتى تمجيدها.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عمل الاحتلال على الإضرار بمحاولاته لـ"الغسيل الرياضي" بنفسه بعدما اعتدى مشجعون لفريق "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي لكرة القدم، على رمزية العلم الفلسطيني في قلب شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، وترديد هتافات مُعادية للعرب والمسلمين، وهو أثار موجة من الغضب والاستياء، ووثّّقته جُملة من المقاطع التي جابت مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
فضيحة إعلاميه كبيره لقناة Skynews
.
" قامت بنشر فيديو يصف بدقه ما حدث في امستردام
ويصف العنف الذي قام به مشجعوا فريق مكابي وعنصريتهم البشعه
.
" لكن ما حدث هو أن القناه قامت بعد فتره قصيره من نشر الفيديو بحذفه فورا
.
" ويبدوا أن الحقائق التي اظهرها هذا الفيديو غير ملائمه
للروايه… pic.twitter.com/TGdutpGwld — Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) November 10, 2024
وعقب مباراة جرت في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، جمعت بين فريقي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي، و"أياكس أمستردام" الهولندي، انتهت بنتيجة 5-0 لصالح الأخير، حصلت توتّرات فجّرتها هتافات عنصرية ونابية صدرت عن مشجعي الفريق الإسرائيلي ضد فلسطين والعرب، بالإضافة إلى الاعتداء على العلم الفلسطيني وتمزيقه.
ولم تكن أحداث أمستردام سوى جزء صغير من فشل الغسيل الرياضي بعدما تسببت الحرب ضد قطاع غزة، باستشهاد أكثر من 715 شهيدا من الرياضيين، بينهم 95 طفلا، بالإضافة إلى تدمير 273 منشأة رياضية في القطاع، وهي أعداد ليست نهائية في ظل كثرة المفقودين، وقلّة مصادر المعلومات.
وعن فكرة "أمة الشركات الناشئة"، صدرت حركة المقاطعة ضمن متابعتها تحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف "إسرائيل"، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار".
ضمن متابعتها لتحوّل أمّة "الشركات الناشئة"، كما شاع وصف إسرائيل، إلى أمّة "الشركات المُغلقة"، تصدر حركة المقاطعة (BDS) سلسلة جديدة من #ShutDownNation، وهذه المرّة تحت عنوان: إسرائيل على وشك الدخول في "دوامة الانهيار". pic.twitter.com/L72tcy7Pfr — حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 4, 2024
وقالت الحركة إنه "إلى جانب التصاعد الحاد في هروب رأس المال وجفاف الاستثمارات الأجنبية في التكنولوجيا المتقدّمة الإسرائيلية، أرسل 130 من أبرز الاقتصاديين الإسرائيليين في أيار/ مايو 2024 إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "تحذيرًا واضحًا وحاسمًا من الاحتمال الكبير لسقوط الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي في دوامة الانهيار".
وتستخدم أيضا "إسرائيل" الغسيل النباتي أو الخضري لتحسين صورة جنودها وجيشها أمام العالم، باعتبار أنه الأكثر إنسانية، وفي عام 2018، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن جيش الاحتلال هو "أكثر جيش خضري في العالم"، وقامت بتسليط الضوء على خضرية جنود الاحتلال وحرصهم على احترام النبات والحيوان، لم تقم بالإشارة إلى الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطيني وأرضه.
“The IDF is also issuing leather-free combat boots and wool-free berets to soldiers who register as vegan, so they can march into battle knowing that no living creature has been harmed in their provisioning.”https://t.co/ZmW6hYctQq pic.twitter.com/vcfTsfdEyV — Jehad Abusalim جهاد أبو سليم (@JehadAbusalim) December 11, 2024
وخلال شهور الحرب انشرت العديد من الانتقادات الدولية لجرائم الاحتلال الموثقة من قبل كبرى منظمات حقوق الإنسان، ومن أبرزها منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن "إسرائيل" ترتكب جرمية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
حالة المقاطعة
ولعل من أبرز نتائج طوفان الأقصى هو خلق فكرة الوعي بالمقاطعة وتأثيرها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والجهات الداعمة له اقتصاديا، من خلال مقاطعة المنتجات والشركات وبعض الخدمات التي تدعم "إسرائيل" والإبادة الجماعية بشكل أو بآخر.
ونجحت المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لـ"إسرائيل" على نطاق واسع في الإضرار بهذه العلامات التجارية، ويظهر ذلك في التراجع الكبير لتلك العلامات التجارية خلال شهور الحرب، وهو ما أظهرته النتائج المالية المختلفة لها خلال السنة الماضية.
وانطلقت حملات شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقلت إلى أرض الواقع لمقاطعة المنتجات والشركات التي يُعتقد أنها تدعم "إسرائيل" في حربها ضد قطاع غزة.
ونجحت جهود المقاطعة مثلا في إغلاق العديد من المتاجر والمقاهي الأمريكية، مثلما حدث مع عشرات فروع شركة ستاربكس حول العالم وخاصة في ماليزيا، وإزالة اسم "كارفور" بشكل نهائي وتوقف عملها في الأردن بعد حملة مقاطعة واسعة.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أطلقت العديد من الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل النشطاء حملات واسعة تدعو لاستمرارية مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال، بعدما أصبحت المقاطعة وسيلة فعالة لدى العديد من للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وتحولت إلى جزء أساسي من أساليب محاربة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.
????????????????
4️⃣6️⃣8️⃣????
المقاطعة شعار دائم لن يتوقف بتوقف الحرب ..
إستمرار المقاطعة ..
واجب وأمر مفروغ منه …
إياكم العودة عن قرار المقاطعة …
حتى لا يلتقطوا أنفاسهم وتعويض خسائرهم … ومن ثم دعم العدو …
الآن العدو بحاجة لكل دولار فلا تبخلوا عليه بالمقاطعة ..
فاستمروا يحفظكم الله pic.twitter.com/qhYIzc5Shj — د.أيسر Ayser (@aysardm) January 16, 2025
وبهذا تجاوزت فكرة المقاطعة كونها مجرد رد فعل وموقف عاطفي مما يحدث يحدث في قطاع غزة، لتصبح لدى الكثير من المواطنين العرب فكرة مستمرة ترفض العودة لدعم الاحتلال بعد توقف الحرب على غزة.
الاعتراف بفلسطين
دفعت حرب الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة دول أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، في حين أبدت دول أخرى مثل سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، وهو ما اعتبر ثغرة في جدار الصد الأوروبي للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى.
ورغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في نيسان، أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة فإن الجمعية اعتمدت في 10 أيار/ مايو قرارا بأحقية فلسطين لهذه العضوية في الأمم المتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت.
وجاءت خطوة إعادة وضع موضوع الدولة على الطاولة بعد أن رفعت عملية طوفان الأقصى شأن القضية التي كادت أن تذوب في ظل مسار التطبيع والتعاون الأمني بين الاحتلال والدول العربية ومع استمرار الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.
ويعد اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية مؤشرا على بداية تفكك الموقف الأوروبي الداعم لـ"إسرائيل"، وهو الذي تمثل أيضا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذي تشكل إثر 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأن عدد الدول التي ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع.
#تغطية | في بيان له صدر منذ قليل قال وزير خارجية الاحتـلال قال أنه وجه خطابا شديد اللهجة لسفراء دول #إسبانيا، و #أيرلندا، و #النرويج في إسرائيل بعد القرار الذي اتخذته حكوماتهم بمنح ميدالية ذهبية لإرهابيي حمــ ـاس الذين اختطفوا بناتنا وأحرقوا الأطفال الرضع.
قال كاتس" سيشاهد… pic.twitter.com/B5KW9fsTH5 — عربي21 (@Arabi21News) May 22, 2024
وكانت السويد الدولة الأوروبية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بفلسطين عام 2014، فضلا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد، وهي بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ومالطا، في حين اعترفت آيسلندا والفاتيكان أيضا، وهما من خارج إطار الاتحاد.
وهذا يعني أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي، وهذا بحد ذاته يعد مكسبا مهما لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالي للدول التي تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة.
التضامن الدولي وتصدير القضية
بدءا بحراك الجامعات الواسع في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الولايات المتحدة الذي انطلق في نيسان/ أبريل 2024، حصلت حالة من التضخم الهائل في الضغوط العالمية تركت الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة شديدة، وحالة دعم غير مسبوقة لحقوق الفلسطينيين.
وخلال شهور الحرب الأولى من عام 2024، واجهت "إسرائيل" قطيعة نادرة مع واشنطن، وعممت إدارة بايدن حينها، مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يحذر جيش الاحتلال من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث نزح أكثر من مليون فلسطيني".
ورغم أن هذا المشروع لم ينجح وربما لم يكن ضغطا حقيقيا، إلا أنه مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في السابق على الاختباء خلف حماية الولايات المتحدة، لكن نتنياهو بعدها لم يعد قادرا على اعتبار هذه الحماية أمرا مفروغا منه، بحسب ما جاء في مقال لمدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز " في لندن مارك لاندلر.
وقال إنديك في ذلك المقال حينها: "هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق من حيث الاتساع والعمق، الذي امتد إلى الولايات المتحدة. لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعرب الأمريكيين في الحزب الديمقراطي، غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل".
وأضاف أنه بينما تتعرض "إسرائيل" لضغوط شديدة منذ الأيام الأولى لهجومها على غزة، فإن جوقة الأصوات من العواصم الأجنبية أصبحت مدوية في الأيام الأخيرة، وذلك في دول أوروبية عديدة على سبيل المثال.
ولعل العرض الأكثر إثارة للانتباه لعزلة "إسرائيل"، هو ما حدث بعد ذلك في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، متمثلا بقرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب على غزة فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
وبعد ذلك في 20 أيار/ مايو 2024 طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها جيش الاحتلال بغزة.
وتحقق ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وهو ما فتح الباب حاليا إلى ملاحقة الجنود الإسرائيليين من محتلف دول العالم.
مكاسب استراتيجية
أظهرت عملية طوفان عزما وتصميما وتخطيطا وتنفيذا فاق كل التوقعات من جانب المقاومة الفلسطينية، وأنها كانت في حالة إعداد منذ مدة طويلة، وقد استطاعت الأخيرة تحقيق منجزات أثرت على الحكومة الإسرائيلية الحالية، وستؤثر كما يبدو على أي حكومة مقبلة مضطرة للتعامل مع تبعاتها ونتائج التحقيق في الفشل الأمني الواسع.
ورأى الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج أن عملية طوفان الأقصى عملت على "كسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجندي المدجج بالسلاح المتفوق على الآخرين.. ومباغتة كتائب القسام وتفوقها الملحوظ وإنجازاتها البادية ولا سيما العدد الكبير من القتلى والأسرى الإسرائيليين ومشاهد المواجهات المباشرة بين المقاومين والجنود قد أنتجت صورة من الصعب ترميمها بالنسبة لدولة الاحتلال في السنوات القليلة القادمة".
وأضاف الحاج في مقال له أن هذه الصورة المتضعضعة لقوات الاحتلال سيكون لها أثرها الكبير على معنويات كل من المقاومة الفلسطينية وجمهورها من جهة وجيش الاحتلال وجبهته الداخلية من جهة ثانية بشكلين متعاكسين بطبيعة الحال. فضلا عن أن كسر صورة "إسرائيل" كقوة عسكرية وأمنية كبيرة في المنطقة قد يكون له أثره السلبي على مسار تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإسلامية.
وفيما يتعلق بملف الأسرى، أكد الحاج أن المقاومة الفلسطينية عرضت مرارا عقد صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال عبر وسطاء دون أن تجد تجاوبا، والآن وفي يد المقاومة الفلسطينية عشرات الأسرى لم يعد ممكناُ لأي حكومة إسرائيلية تجنب عقد الصفقة وبما يرضي المقاومة الفلسطينية وتنازلات صعبة على الاحتلال، إذ إنه لن يكون بمقدورها تجنب الضغوط الداخلية عليها لاسترداد هذا العدد الكبير من الأسرى.
ويحدث هذا حاليا مع دخول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار حيز التنفيذ من المرحلة الأولى والإفراج عن ثلاث أسيرات إسرائيليات حتى الأن مقال 90 من الأسرى الفلسطينيين، وهو أول عملية تبادل من عمليات عديدة مرتقبة خلال مراحل الاتفاق المرتقبة.
وسلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.