تعرض المقال الأول للأهمية القصوى لإيقاف الحرب ومعالجة أسبابها، التي لن تتم بدون وحدة القوى المدنية، للدفاع عن التصور الديمقراطي لحل هذه الأزمة الكارثية. وكان المقال الثاني بعنوان " من يحمي الديار من حماة الديار؟" ومقولته الأساسية ان الخطر على استقرار الشعوب يأتي من الجيوش، عندما تنتزع السلطة. أما المقال الثالث فقد واصل، نفس الطرح، بتأكيد ان أكبر وأعظم المخاطر على الجيوش تأتي من الانقلابات التي تتحدث، زورا، باسم الجيوش نفسها.

اليوم نواصل ونعرض مثالا حديثا ومعروفا على نطاق بلادنا، يوضح خطورة الأنظمة العسكرية التي تعطي سلطات مطلقة لقائدها، ليسرح ويمرح بمصير شعب كامل.
أسست قوات الدعم السريع في 2013، وكان ذلك احتفاءا بنجاحات ما سمي بحرس الحدود في محاصرة الحركات، ثم احضار قواته الى الخرطوم لقمع انتفاضة 2013، ولإرهاب سكان الخرطوم. صدر القانون المنظم له في سنة 2017 وترقي حميدتي من رتبة العميد الي رتبة اللواء. كان قواته حوالي 30 ألف عند التأسيس ووصلت الي 50 ألف عند التقنين، وتخطت مائة ألف عند اندلاع الحرب..
قامت اللجنة الأمنية، بتوجيه من الحركة الاسلاموية، بانقلاب عسكري في 11 أبريل لقطع الطريق على ثورة ديسمبر. رفضت جماهير الاعتصام تعيين ابن عوف. فتم تقديم البرهان، الذي اشترط مشاركة حميدتي. كان ذلك امتداد طبيعي للحلف الذي نشأ بينهما، عندما عملا معا في مكافحة الحركات في دارفور.
شاركت قوات الدعم السريع مع الجيش في ارتكاب مجزرة فض الاعتصام. وعندما زلزلت مواكب 30 يونيو 1989 الأرض تحت اقدام المجلس العسكري الانتقالي، تراجع وقبل التفاوض مع قحت. وفي 11 يوليو 2019 (بعد شهر من مجزرة فض الاعتصام) وقبل انتهاء المفاوضات حول الوثيقة الدستورية في أغسطس19، صدر التعديل الأول لقانون الدعم السريع، بتأثير مباشر من البرهان، الذي وقع عليه، رغم عدم امتلاكه الحق في ذلك. وسمي الامر الدستوري 32. هذا التعديل نص على مهام واسعة للدعم السريع تشمل مكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب وغيرها. هذا التعديل قنن استمرار مشاركة الدعم السريع مع أوربا فيما سمي بعملية الخرطوم، ونال منها مئات الملايين من الدولارات.
هذا التعديل يكشف جزء من خفايا ومؤامرات العسكر عند تفاوضهم حول الوثيقة الدستورية. أعتقد ان هذا وغيره من أخطاء القوى المدنية يحتاج للكشف والنقاش علنا. الهدف الأساسي من ذلك التعديل هو نقل صلاحيات القائد الأعلى للقوات، في قانون 2017، الى القائد العام للقوات المسلحة. بصريح العبارة الا يكون للمدنيين ولرئيس الوزراء أي سلطة على الدعم السريع. وتزاد الريبة عندما تم تعديل أخر في 30 يوليو، بعد 3 أسابيع من التعديل الأول، بإلغاء المادة 5 من قانون الدعم السريع (الخضوع لقانون القوات المسلحة) وتنص على: (يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقت ان يدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتخضع عندئذ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2009). جاء هذا التعديل المستعجل ليعطي حميدتي سلطات مطلقة على قواته. واصل البرهان دعم حليفه حميدتي بمنحه حق التنقيب الحصري عن الذهب في جبل عامر بدارفور، وقد استخدم حميدتي السلاح ضد بقية المعدنيين. استخراج الذهب بكميات تجارية فتح الباب للتحالف مع الامارات وروسيا.
وقع حميدتي على الوثيقة الدستورية ممثلا للمكون العسكري، الأمر الذي أبرز مكانته العالية وسط المكون العسكري، واعطته نفوذا سياسيا كبيرا.
نصب حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة رغم عدم وجود نص على ذلك في الوثيقة الدستورية، وهكذا ينال المكون العسكري رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة. وقد استغل حميدتي تلك الصفة ليوسع من نفوذه وكثرت تحركاته الداخلية والخارجية.
فرض حميدتي كرئيس لوفد الحكومة للتفاوض مع الحركات الدارفورية في جوبا، وتسربت معلومات انه كان يحسم النقاط الخلافية بقرار منه دون الرجوع للخرطوم. وكان هناك اتهام علني ان حميدتي عقد حلفا (تحت التربيزة) مع الحركات المسلحة.
أعطى البرهان الدعم السريع وبقرار فردي ثلث قيمة الصناعات العسكرية، التي تم تمويلها من أموال دافع الضرائب.
أوضحت جلسات محكمة بكراوي بتهمة قيادة انقلاب، محاولة حميدتي السيطرة على سلاح المدرعات، ولم يحرك البرهان ساكنا. كما تكررت الاخبار عن إهانة قوات الدعم السريع لقادة عسكريين كبار، وغيرها ما كان معروفا، وسط صمت من قيادة الجيش.
تشارك البرهان وحميدتي في تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، كما شاركت قواتهما في قمع المتظاهرين بوحشية وسادية.
فشل انقلاب 25 أكتوبر في ان يجد أي سند شعبي، وصار السودان بلا مجلس وزراء، وتوسع الرفض الشعبي في كل السودان. وتضارب المصالح والطموحات الشخصية لكل منهما. وضغوط حلفاء الرجلين داخليا وإقليميا زاد من حدة التناقضات، وأصبح الفتور، بل العداء، يرشح للرأي العام. وجاء الاتفاق الاطاري ليفتح ملفات الدمج مرة أخري.، وكذلك قضية اصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية. شعر الاسلامويين بخطورة الأمر، فنظموا حملة لمعارضة الاتفاق الاطاري. حاول كرتي الضغط على حميدتي لإرغامه على التراجع. ورأت الامارات، بوضوح وبلا مواربة، سيطرة الاسلامويين على السلطة بعد انقلاب 25 أكتوبر، فضغطت على حليفها حميدتي.
جوهر العرض أعلاه، ان قيام البشير بالاعتماد على قوات الدعم السريع لحمايته، هو مشابه لكل ما قامت به الأنظمة العسكرية في العالم العربي من إنشاء جيوش خاصة لحماية القائد. أما البرهان، في إطار سعية المحموم، للبقاء رئيسا فقد عمل منذ انقلاب 11 أبريل2019، على استخدام حميدتي كأداته الضاربة لإرهاب الشعب، ترويع شركائه في قيادة الجيش، وتهديد وما تبقي من الوطنية داخل الجيش من خطورة التحرك ضده.
تأكيدا لمقولتنا بان قادة الأنظمة العسكرية يرتكبون كل الجرائم، ويفعلون أي شيء للبقاء في السلطة.

 

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الوثیقة الدستوریة قوات الدعم السریع هذا التعدیل

إقرأ أيضاً:

ادانات بالغة للإنتهاكات الجسيمة والعنف الجنسي ضد النساء على يد قوات الدعم السريع بالسودان

 

أعربت منظمة صحفيات بلا قيود عن إدانتها البالغة وقلقها الشديد إزاء الانتهاكات الجسيمة وجرائم العنف الجنسي التي ترتكبها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ضد النساء والفتيات في السودان، والتي وثقتها تقارير حقوقية وإعلامية موثوقة، من بينها تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 16 ديسمبر 2024.

تشمل هذه الجرائم المروعة جرائم الاغتصاب الجماعي، الاستعباد الجنسي، التعذيب، وحالات اختطاف، ما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق أحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

أكد التقرير الصادر عن هيومن رايتس ووتش ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرب في جنوب كردفان، حيث شنت قوات الدعم السريع سلسلة من الهجمات ضد المدنيين بين ديسمبر 2023 ومارس 2024، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين والاغتصاب الجماعي لعدد من النساء والفتيات. تم توثيق 79 حالة اغتصاب لنساء وفتيات نوباتيات، شملت بعض الحالات العبودية الجنسية. كما وثق التقرير شهادات لضحايا وعائلاتهن خلال الهجمات على حبيلة وفايو، حيث تم اغتصاب النساء تحت تهديد السلاح. إحدى الشهادات تشير إلى قيام المهاجمين بقتل زوج المرأة قبل اغتصابها، وأكدت الضحية أن هذا الحادث وقع في يناير 2024. كما جمع الباحثون في هيومن رايتس ووتش شهادات من 70 نازحًا في مناطق جبال النوبة في جنوب كردفان، وتم فحص صور الأقمار الصناعية التي كشفت عن تدمير ممتلكات مدنية وهجمات ضد المجتمعات النوبية.

وقالت بلا قيود ان مفوضية حقوق الإنسان الأممية نسبت 70 في المئة من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع، وحادثة من بينها، يتهم بارتكابها مقاتل بلباس قوات الجيش ، في حين وثق تقرير الهيومن رايتس وواتش وقوع انتهاكات ممنهجة طالت عشرات النساء والفتيات، تراوحت أعمارهن بين 7 سنوات و50 عامًا، خاصة في ولاية جنوب كردفان ودارفور. ووفقًا لمنظمة المرأة في منطقة القرن الإفريقي (SIHA)، فإن أكثر من 90% من حالات الاغتصاب كانت ضمن اعتداءات جماعية، حيث ارتُكبت الجرائم أمام عائلات الضحايا، في منازلهن، أو بعد اختطافهن واستعبادهن جنسيًا ، روايات مروعة عن نساء وفتيات تعرضن للعنف الجنسي والتعذيب على يد عناصر قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة.

واضاف بين بلا قيود " في ٦ ديسمبر نشر موقع أخبار الأمم المتحدة  عن بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان ، التي نشرت تقريرها الأول ، والذي تضمن إن الأطراف استهدفت المدنيّين من خلال الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي والاعتقال، بالإضافة الى التعذيب وسوء المعاملة، كما اكدت أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت "اعتداءات مُرعبة" ضد المجتمعات غير العربية – وبالتحديد ضد مجتمع المساليت في الجنينة وحولها بغرب دارفور - تضمّنت القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي وتدمير الممتلكات والنهب.  وهي جرائم ترقى جميعها الى جرائم حرب "متمثلة في الاعتداء على الحياة والأشخاص والاعتداء على الكرامة الشخصية".

كما أكدت "صحفيات بلا قيود" إن ما ترتكبه قوات الدعم السريع في السودان يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الأساسية، حيث تحظر اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الثاني جميع أشكال العنف ضد المدنيين، بما فيها العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة، فيما ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مادتيه السابعة والثامنة على اعتبار الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، والتعذيب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إذا ارتُكبت بشكل ممنهج وواسع النطاق. كما يلزم قرار مجلس الأمن رقم 1325 (2000) الأطراف المتنازعة بحماية النساء والفتيات من العنف الجنسي، ويؤكد على مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم. ويُعد استمرار الإفلات من العقاب خرقًا واضحًا لالتزامات السودان الدولية، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي صادق عليها السودان، ما يستدعي تحركًا عاجلًا لتحقيق العدالة وإنهاء هذه الانتهاكات.

ودعت صحفيات بلا حدود المجتمع الدولي ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي التحرك لملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم وضمان محاسبتهم أمام المحاكم الدولية المختصة ، والعمل علي اتخاذ خطوات عاجلة لحماية النساء والفتيات في السودان، وتقديم الدعم النفسي والطبي والقانوني للضحايا. ، مؤكده علي ضرورة تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن تعزيز تدابير المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب، بما في ذلك محاسبة المسؤولين الجنائيين وضمان وصول الضحايا إلى العدالة .

وطالبت بلا قيود كافة الأطراف وقف استهداف المدنيين فورًا ، خاصة النساء والأطفال، والعمل على إيجاد حلول عاجلة لوقف الحرب الدامية وتحقيق السلام.

كما طالبت بوجوب تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، ولا سيما بشأن تدابير المساءلة، و وضع حد للإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة، بما في ذلك، حسب الاقتضاء، المسؤولية الجنائية الفردية، ووصول الضحايا إلى العدالة.

وفي أخر بيانها أكدت "صحفيات بلا قيود" إن معاناة النساء في السودان تتطلب استجابة سريعة وفعّالة لضمان حقوقهن وحمايتهن من هذه الجرائم البشعة. سنواصل، في منظمة صحفيات بلا قيود، فضح هذه الانتهاكات والدفاع عن حقوق النساء في كل مكان، والعمل مع الجهات المعنية لتحقيق العدالة والمساءلة.

   

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع تؤكد استعادة منطقة الزرق.. والمشتركة تنفي
  • بالفيديو.. هل يسير “جلحة” على درب “كيكل” وينضم للجيش؟ القائد الميداني للدعم السريع يبعث برسالة ساخنة لحميدتي (نحنا ما بنتهدد يا حميدتي وعندنا قوة لا مثيل لها وجيش جرار)
  • الفاشر – طويلة .. مواطنون يروون معاناتهم جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل قوات الدعم السريع
  • أطباء بلا حدود: قوات الدعم السريع هاجمت مستشفى بالعاصمة السودانية
  • المبعوث الأميركي للسودان: الدعم السريع متورطة في تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية
  • «القاهرة الإخبارية»: الناتو يستغل الفترة الانتقالية لرفع سقف المواجهات في روسيا
  • هل يكسب البرهان الحرب بسبب عقوبات بايدن المحتملة على حميدتي ؟؟
  • واشنطن تعيد تقييم مزاعم الإمارات حول عدم تسليح الدعم السريع
  • رغم تأكيد الإمارات.. واشنطن تعيد تقييم مزاعم أبو ظبي حول عدم تسليح الدعم السريع
  • ادانات بالغة للإنتهاكات الجسيمة والعنف الجنسي ضد النساء على يد قوات الدعم السريع بالسودان