عسكرة البحر الأحمر وجفاف "بنما" يخنقان الشحن العالمي
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
جاءت المناوشات الحربية في البحر الأحمر بين القوات الأميركية والحوثيين في اليمن لتزيد من أزمة حركة الشحن التجاري العالمية التي تواجه بالأساس منذ عدة أشهر اختناقات بفعل جفاف قناة بنما في أميركا الوسطى، والتي تخنق بشكل خاص التجارة الأميركية التي باتت في حيرة للبحث عن بدائل موثوقة للمرور.
وتواصل تكلفة التأمين ضد مخاطر الحرب للسفن التي تبحر عبر البحر الأحمر الارتفاع، مما يضيف عائقاً محتملاً آخر أمام التجارة عبر ممر مائي اعتبرته "البحرية الأميركية" خطيراً للغاية بالنسبة إلى الشحن التجاري.
وتتقاضى شركات التأمين حالياً ما بين 0.75% و1% من قيمة السفينة للإبحار عبر هذه المنطقة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، فيما يشكّل قفزة كبيرة منذ أن استهدفت الغارات الجوية الأميركية والبريطانية الحوثيين في اليمن في نهاية الأسبوع الماضي. وقبل بضعة أسابيع فقط، كانت أسعار التغطية التأمينية حوالي عُشر هذا المبلغ. وتنطوي هذه الزيادة الحادة على خطر جعل عبور الممر المائي الحيوي مكلفاً للغاية.
ويتعين على مالكي السفن والمستأجرين المستعدين للمخاطرة بالإبحار عبر البحر الأحمر أن يدرسوا ما إذا كان من الأرخص دفع تكاليف التأمين الإضافية المتزايدة بالإضافة إلى رسوم عبور قناة السويس، أو بدلاً من ذلك اتخاذ المسار الطويل حول رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا والذي يرفع كلفة الوقود الإضافية.
ووفق تقرير لشركة "كلاركسونز سيكيوريتيز" ومقرها أوسلو: "ارتفعت أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب بالنسبة إلى السفن بشكل كبير"، مضيفة وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية أنه "ربما يجد أصحاب السفن والمستأجرون أن إعادة التوجيه حول أفريقيا أكثر فعالية من حيث التكلفة، بدلاً من تكبد التكاليف المجمعة لرسوم عبور قناة السويس وأقساط التأمين".
تكلفة التأمين ضد الحرب البالغة 1% لسفينة جديدة تبلغ قيمتها 100 مليون دولار يعني الاضطرار إلى دفع مليون دولار للإبحار عبر الأجزاء الأكثر خطورة في البحر الأحمر وخليج عدن. وتتحدد التكلفة التأمينية عموماً على أساس نسبة مئوية من قيمة السفينة خلال فترة زمنية معينة.
وقُصفت سفينة تجارية أميركية، يوم الاثنين الماضي، بصاروخ أثناء إبحارها في خليج عدن، مما يسلط الضوء على المخاطر المستمرة التي تتعرض لها السفن في المنطقة. جاء ذلك في وقت سلطت "بيمكو"، وهي مجموعة تجارية رئيسية، الضوء على تحذير "البحرية الأميركية" بأن شركات الشحن يجب أن تدرس مسألة تجنب الإبحار بهذه المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت وزارة النقل الأميركية تحذيراً جديداً توجّه فيه سفنها التجارية بتجنب جنوب البحر الأحمر حتى إشعار آخر، بينما كان تحذير سابق قد نبّه السفن إلى تجنب المنطقة لمدة 72 ساعة.
وقال مونرو أندرسون، رئيس العمليات في شركة "فيسيل بروتكت" المتخصصة في مخاطر الحرب البحرية والتأمين لبلومبيرغ إن "معدلات التأمين تتزايد، ما يعكس التعرض الكبير والمريب للمخاطر داخل البحر الأحمر. الصعوبة الرئيسية التي ينطوي عليها الوضع الحالي هي معدل التغير في ملف المخاطر الذي يؤدي إلى تسعير أكثر ديناميكية بكثير مما هو عليه الحال عادة".
جفاف قناة بنما
وتتشابك مخاطر العبور في البحر الأحمر، مع أزمة قناة بنما التي تواجه معضلة جفاف كبيرة. وقد أدى الجفاف، الذي ربما تفاقم بسبب تغير المناخ، إلى انخفاض مستويات المياه في القناة عن أي وقت مضى، مما أجبر بنما على السماح لعدد أقل من السفن بالمرور. وقد أدت القيود إلى تأخيرات، وزيادة تكاليف الشحن، وعدم اليقين بشأن مستقبل أحد نقاط الاختناق التجارية الحيوية في العالم.
وقال سورين ستوكيبيك أندرسن، المدير التجاري الإقليمي في شركة الشحن العالمية " Leth Agencies" لمجلة فورين بوليسي الأميركية: "لقد غيّر الجفاف بشكل جذري كيفية عمل الشحن عبر القناة". ويتسبب هذا الوضع في تعطل صناعة الشحن الدولية.
ويمر ما يقرب من 5% من التجارة العالمية المنقولة بحراً عبر قناة بنما، التي تعد بوابة لـ 40% من حركة الحاويات الأميركية. ومع تزايد شيوع الظواهر المناخية المتطرفة، تخشى شركات الشحن والمحللون والحكومات أن أزمة بنما قد لا تكون انحرافاً، بل واقعاً جديداً. وقد دفع التدافع لتسليم بضائعهم في الوقت المحدد شركات الشحن إلى التساؤل عما إذا كانت القناة ستظل شرياناً موثوقاً للتجارة العالمية، كما أثار اهتماماً متجدداً بإيجاد بدائل للقناة.
وقال جوزيف شوفر، أستاذ الهندسة الفخري في جامعة نورث وسترن الأميركية، إن "الجفاف يشكل تهديداً خطيراً لقناة بنما". ولم يتم إنشاء القناة، التي تم بناؤها منذ أكثر من 100 عام، لتحمل الانخفاض الشديد في هطول الأمطار.
ويعد هطول الأمطار ضرورياً لعمليات القناة. ويتطلب كل عبور حوالي 52 مليون غالون (195 مليون لتر) من المياه العذبة لرفع وإنزال السفن داخل وخارج القناة. وتأتي هذه المياه من بحيرات صناعية تعتمد على هطول الأمطار.
يمتد موسم الأمطار في بنما عادة من أواخر إبريل/ نيسان إلى نوفمبر/ تشرين الثاني، ولكن في العام الماضي، شهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول هطول أمطار أقل بنسبة 41% من المتوسط، ومن المتوقع أن يستمر انخفاض هطول الأمطار حتى موسم الأمطار هذا العام.
وفي ديسمبر/كانون الأول، انخفضت المياه في بحيرة جاتون، وهي أكبر بحيرة اصطناعية في بنما والخزان الرئيسي للقناة، إلى مستويات غير مسبوقة في هذا الوقت من العام، ومن المتوقع أن تتقلص مستويات المياه بشكل أكبر في الأشهر المقبلة.
ويعود الجفاف إلى ظاهرة النينيو القوية، وهو نمط مناخي يتكرر كل سنتين إلى سبع سنوات، ويشهد ارتفاع درجة حرارة سطح البحر. وتؤدي الظاهرة إلى تعطيل دوران الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى إضعاف أو إزاحة الرياح التي كان من الممكن أن تجلب المزيد من الأمطار إلى بنما وغيرها من البلدان الاستوائية.
ورغم أن بنما معتادة على ظاهرة النينيو، إلا أن هذا الجفاف أشد من المعتاد. ومن المرجح أن تصبح الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تواتراً مع تفاقم تغير المناخ. وقال نديم فرج الله، مدير برنامج تغير المناخ والبيئة في معهد عصام فارس التابع للجامعة الأميركية في بيروت: "لم نشهد بعد الانفجار الكامل لظاهرة النينيو".
وستكون العواقب وخيمة بالنسبة لبنما. فمن ناحية، يعتمد اقتصاد بنما بشكل كبير على القناة. وفي عام 2022، حققت إيرادات بقيمة 4.32 مليارات دولار، أي ما يعادل حوالي 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد يكلف الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو القناة ما يقدر بنحو 200 مليون دولار من الإيرادات في السنة المالية الحالية.
لكن الجفاف يهدد أيضاً إمدادات المياه في بنما. كما توفر بحيرة جاتون، التي تغذي القناة، نصف مياه الشرب في بنما، ويتطلب عبور سفينة واحدة كمية من المياه تعادل ما يستهلكه نصف مليون بنمي في يوم واحد.
استجاب المسؤولون البنميون للجفاف بفرض ضوابط مشددة على عبور القناة. وفي الأشهر الأخيرة، قامت هيئة قناة بنما بتقييد المرور عبر القناة، من حوالي 36 إلى 24 سفينة يومياً، وهو الحد الذي سيتم تخفيضه مرة أخرى إلى 18 سفينة في فبراير/ شباط المقبل.
وقالت هيئة قناة بنما في رسالة بالبريد الإلكتروني، وفق فورين بوليسي، إنها تنفذ تدابير إضافية لتوفير المياه. وسمحت بعبور سفينتين في وقت واحد إذا كانت السفن صغيرة بما يكفي.
والجفاف الحاصل يضع قيوداً على حملات السفن وعمقها في الماء. وتوقع الخبراء أن هذا قد يجبر بعض السفن على تقليل حمولتها بنسبة تصل إلى 40%.
البحث عن بدائل
وأكد الرئيس البنمي السابق مارتن توريخوس، الذي قاد مشروعاً لمضاعفة قدرة القناة في عام 2006، أن القيود غير المتوقعة دفعت مستخدمي القناة إلى القلق بشأن قدرتها المستقبلية وموثوقيتها.
وبحسب أندرسن فإنه قبل الجفاف، كان بإمكان السفن حجز المرور عبر القناة قبل ثلاثة أسابيع أو الانتظار في الطابور دون حجز. ولكن الآن، تضاعفت أوقات الانتظار خمس مرات في بعض الحالات، ويتم حجز المواعيد أحياناً قبل أشهر. وتواجه شركات الشحن ثلاثة خيارات - وكلها مكلفة: الدفع مقابل تجاوز الطابور، أو الانتظار، أو إعادة التوجيه.
بالنسبة للسفن التي تختار تغيير مسارها، فإن البدائل الثلاثة الرئيسية هي قناة السويس في مصر، ومضيق ماجلان في تشيلي، ورأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا. الأخيران موثوقان ولكنهما يتطلبان رحلات أطول بكثير.
والخيار الأقصر هو قناة السويس، الممر المائي الاصطناعي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. ويمكن لقناة السويس أيضاً أن تسمح بدخول المزيد من السفن، حيث يمكن أن تستخدمها ما يصل إلى 100 سفينة في اليوم الواحد، أي أكثر من أربعة أضعاف القدرة الحالية لقناة بنما.
عسكرة البحر الأحمر
ولكن مع عسكرة البحر الأحمر، هناك مخاوف جدية بشأن العبور في الممر الملاحي الحيوي ومن ثم قناة السويس أيضاً. وفي البحر الأحمر، تشن الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات ضد الحوثيين في اليمن، الذين كثفوا هجماتهم على السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى المتجهة صوب إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في غزة الذين يتعرضون لعدوان إسرائيلي مدمر منذ 103 أيام.
ويعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن الضربات ضد الحوثيين تأتي في إطار حماية التجارة الدولية عبر ما تصفه واشنطن بعملية "حارس الازدهار". ومع تصاعد الأزمة البحرية، بدأت السفن في تغيير مسارها، وأوقفت العديد من كبريات شركات الشحن العالمية رحلاتها مؤقتاً في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، وامتد القلق إلى ناقلات النفط والغاز التي أوقفت شحنات لها مؤقتاً كما غيرت مساراتها بعيداً الممر المضطرب.
وقد أدى البحث عن خيارات بديلة لقناة بنما إلى زيادة الاهتمام بطرق التجارة في دول أميركا اللاتينية التي تأمل في جذب حركة المرور من قناة بنما. بعض هذه لم يتم بناؤها بعد.
وفي نيكاراجوا، قال الرئيس دانييل أورتيغا إنه يريد إحياء خطة لبناء قناة بين المحيطات، لكن العديد من مواطني نيكاراجوا يرفضون هذا الاحتمال في واحدة من أفقر دول المنطقة وأكثرها فساداً.
وربما تكون خطط كولومبيا أكثر واقعية بعض الشيء. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مجلة فورين بوليسي، قالت وزارة النقل الكولومبية إن الحكومة قد طورت بالفعل المرحلة الأولى من خطط إنشاء قطار عبر المحيطات بطول 123 ميلًا (حوالي 198 كيلومتر) مع أنفاق بطول 7 أميال لربط سواحل البلاد على المحيط الهادئ والبحر الكاريبي. وتتوقع الوزارة أن يكون المشروع جاهزاً لطرح المناقصة بحلول نهاية العام الجاري 2024.
وهناك مشاريع أخرى اكتملت بالفعل أو قيد التنفيذ. وفي عام 2022، افتتحت باراجواي النصف الأول من الطريق السريع المزدوج، ممر طريق المحيط الحيوي، والذي سيمتد من تشيلي عبر الأرجنتين وباراجواي، وينتهي في البرازيل.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، افتتحت المكسيك جزءاً من مشروع للسكك الحديدية بقيمة 2.8 مليار دولار للتنافس مع القناة من خلال نقل البضائع بين المحيطين الهادئ والأطلسي.
ومع ذلك، يشكك الخبراء في أن هذه المشاريع ستشكل تهديداً لقناة بنما في أي وقت قريب. وعلى الرغم من أن جوزيف شوفر، أستاذ الهندسة الفخري في جامعة نورث وسترن الأميركية، يرى أن المشروع المكسيكي واعداً، إلا أنه يعتقد أنه لن ينجح إلا بالنسبة لجزء صغير من البضائع المنقولة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وأن التكاليف المرتفعة تجعله أقل جاذبية من قناة بنما.
كما قال سورين ستوكيبيك أندرسن، المدير التجاري الإقليمي في شركة الشحن "Leth Agencies"، إن شركات الشحن العالمية من غير المرجح أن تراهن على طرق غير مختبرة في صناعة تعتبر الموثوقية فيها أمراً أساسياً.
في الوقت الحالي، ستظل قناة بنما بمثابة الممر التجاري الرئيسي في المنطقة. ولكن إذا لم تستجب سلطات القناة للظواهر المناخية المتطرفة المتصاعدة، فإنها تخاطر بخسارة أعمالها في المستقبل.
ويتمثل أحد الحلول، التي اقترحها مجلس إدارة القناة، في إقامة سد على نهر إنديو وحفر نفق عبر جبل قريب لتوصيل المزيد من المياه إلى بحيرة جاتون. ومن المتوقع أن يكلف هذا حوالي 900 مليون دولار ويمكن أن يستغرق بسهولة ست سنوات لإكماله.
ومع ذلك، في حين كان هناك دعم شعبي واسع قبل توسيع القناة في عام 2006، إلا أن هذا المشروع أكثر إثارة للجدل. ومن شأن السد الجديد أن يغمر الأراضي ذات التنوع البيولوجي ويؤدي إلى نزوح المجتمعات المحلية، ويخشى السياسيون الموافقة عليه قبل الانتخابات الرئاسية في بنما في مايو/أيار.
لقد أثار احتمال إنشاء خزان جديد جدلاً ساخناً بالفعل. وتصاعدت التوترات السياسية منذ الخريف الماضي، عندما أصابت المظاهرات الشعبية البلاد بالشلل لأكثر من شهر.
فقد احتج البنميون على العقد الحكومي المتسرع الذي سمح لشركة "مينيرا بنما"، وهي شركة تابعة لشركة "فيرست كوانتوم مينيرالز" الكندية، بتشغيل منجم نحاس عملاق مفتوح الحفرة في غابة متنوعة بيولوجيا في البلاد لمدة عشرين عاماً على الأقل. وهتف الناس في الشوارع: "نحن دولة قناة، ولسنا دولة تعدين".
وقالت رايسا بانفيلد، نائبة عمدة مدينة بنما السابقة ورئيسة منظمة بنما المستدامة، إن الاحتجاجات كشفت عن أزمة هوية البلاد في سعيها لرسم مستقبلها.
وأشار شوفر إلى أنه بغض النظر عما إذا كانوا سيبنون السد الجديد، فيجب على سلطات القناة التخطيط للمستقبل، معربا عن أمله في أن تمنح المنافسة القناة "حافزاً حقيقياً للقيام بعمل جيد".
وعلى المدى الطويل، فهو واثق من أن هيئة قناة بنما سوف تتوصل إلى حلول، تماماً كما فعلت على نطاق أصغر في عام 2016، عندما نجحت في تنفيذ أحواض توفير المياه التي خفضت احتياجات القناة من المياه. وأضاف: "لكن هذا سيستغرق وقتاً.. كما أن كيفية إدارة الأمر في هذه الأثناء سيكون مثيراً للاهتمام حقاً".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر اقتصاد الشحن العالمي بنما فی البحر الأحمر هطول الأمطار شرکات الشحن قناة السویس ملیون دولار من المیاه قناة بنما فی بنما بنما فی إذا کان فی عام
إقرأ أيضاً:
هل يؤثر وقف إطلاق النار في غزة على استراتيجية الحوثيين في البحر الأحمر؟
المصدر: العربي الجديد الإنجليزية- جوناثان فينتون هارفي
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
كجزء من الصراع في غزة، تطورت جماعة الحوثيين المتمركزة في اليمن من تمرد محلي إلى قوة إقليمية قادرة على التأثير في الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر وتعطيل التجارة العالمية.
شمل هذا التحول هجمات بحرية غير مسبوقة ومرونة ضد الضربات الجوية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل.
يغير وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس الذي تم الإعلان عنه في 18 يناير/كانون الثاني استراتيجيتهم. وقد تعهد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بمواصلة الهجمات على السفن الإسرائيلية مع الإشارة أيضًا إلى استعدادهم لتقليل الضربات ضد الشحن الدولي الأوسع.
منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، أطلق الحوثيون النار على الشحن الدولي المار عبر باب المندب – وهو نقطة اختناق حيوية مجاورة لليمن تمر من خلالها 10 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من نفط وغاز العالم.
أدت أعمال الحوثيين إلى تحويل طرق التجارة حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وهو بديل أكثر تكلفة ويستغرق وقتًا أطول من التنقل عبر المسار التقليدي للبحر الأحمر وقناة السويس.
خلال هذه الفترة، اتخذ الحوثيون خطوات للإشارة إلى ضبط النفس وإظهار الجدية في تقليل أعمالهم. أطلقوا سراح طواقم الشحن التي تم القبض عليها خلال رحلاتهم في البحر الأحمر، بما في ذلك أولئك الذين تم احتجازهم في وقت مبكر من ديسمبر 2023 عندما وجهت الجماعة أنظارها نحو الشحن الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، في 25 يناير، أطلق الحوثيون سراح أكثر من 153 سجينًا من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا الذين تم القبض عليهم خلال الحرب في اليمن.
تعكس هذه الأفعال محاولة أوسع لتخفيف صورتهم وكسب الاعتراف الدولي. على الرغم من هذه التحركات، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان الحوثيون سيستمرون في تهديد الشحن في البحر الأحمر في المستقبل.
بعد أن أدى اليمين كرئيس للولايات المتحدة في 20 يناير، كان أحد أول أعمال دونالد ترامب في الشرق الأوسط هو إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية في 23 يناير، ليس فقط بسبب هجماتهم على الشحن في البحر الأحمر ولكن أيضًا بسبب هجماتهم المتقطعة بالطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل.
تطور الحوثيون كقوة إقليمية
كانت إحدى المطالب الرئيسية للحوثيين خلال الحرب في غزة هي وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث قاموا بتأطير أعمالهم في البحر الأحمر كعقوبات ضد إسرائيل وحلفائها الغربيين.
من خلال القيام بذلك، لم يسلطوا الضوء فقط على توافقهم مع القضية الفلسطينية، بل أعادوا اليمن إلى دائرة الضوء الدولي بعد ما يقرب من عامين من الهدوء النسبي بعد وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في أبريل /نيسان 2022.
حازت هذه الاستراتيجية على دعم كبير من اليمنيين وسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يؤيدون فلسطين بشكل ساحق.
عززت هجماتهم المتقطعة على إسرائيل، بما في ذلك الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة، صورتهم كمدافعين عن الفلسطينيين المحاصرين.
ومع ذلك، يجادل المحللون بأن أعمال الحوثيين كانت مدفوعة أكثر برغبة في تعزيز مكانتهم كقوة إقليمية بدلاً من التضامن الحقيقي مع غزة.
قال الباحث والمحلل اليمني نبيل البكيري لصحيفة “العربي الجديد” بنسختها الانجليزية: “لم يكن هدف الحوثيين دعم حماس والفلسطينيين في غزة بشكل حقيقي”.
وأضاف: “بدلاً من ذلك، كانوا يهدفون إلى تأكيد وجودهم الدولي من خلال استغلال هذه الأزمة لتأسيس أنفسهم كقوة إقليمية مهمة، مما يجبر العالم على الاعتراف بهم، حتى لو فعلوا ذلك من خلال تهديد السلام والأمن الدوليين.”
حذر الحوثيون من أنه إذا فشل وقف إطلاق النار الهش في غزة أو استؤنفت أعمال العنف، فسوف يزيدون من هجماتهم إلى مستويات سابقة، بما في ذلك استهداف أوسع للسفن الدولية. تبرز هذه التهديدات نيتهم في الحفاظ على النفوذ على الطرق البحرية الرئيسية وإبراز تأثيرهم.
محليًا، عزز الحوثيون السيطرة على شمال اليمن، وهي عملية جذرها عقود من الصراع.
وتوسع نفوذهم بشكل كبير خلال فترة ما بعد الربيع العربي، وبلغ ذروته مع استيلائهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 وإطاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وأدت الحرب التي تلت ذلك مع التحالف الذي تقوده السعودية منذ مارس/آذار 2015 إلى تمكين الحوثيين من ترسيخ سلطتهم في شمال اليمن وسط انهيار الدولة.
لعب الدعم المستمر من إيران دورًا رئيسيًا، حيث قدمت طهران الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطويلة المدى، وعززت الروابط الأعمق مع الجماعة خلال وبعد الحرب. استمرت هذه الجهود حتى بعد وقف إطلاق النار في 2022، مما سمح للحوثيين بتعزيز قوتهم.
بالحديث عن قوة الحوثيين المتزايدة في المنطقة، أشار فريق خبراء الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى أن “تحول الجماعة إلى الأعمال البحرية زاد من نفوذها” في المنطقة.
وأضاف الفريق “مثل هذا الحجم من الهجمات، باستخدام أنظمة أسلحة على السفن المدنية، لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية”.
بعيدًا عن علاقاتهم مع إيران، قام الحوثيون بتطوير علاقات مع فصائل مختلفة عبر الشرق الأوسط. تشمل هذه التحالفات المقاومة الإسلامية المدعومة من طهران في العراق، حيث ادعى كلا الجماعتين المسؤولية عن الهجمات الصاروخية على حيفا، بما في ذلك مينائها الاستراتيجي، في يونيو/حزيران 2024.
علاوة على ذلك، هناك اقتراحات، مثل تلك الواردة من الاستخبارات الأمريكية، تشير إلى أن الجماعة قد تحالفت مع جماعة الشباب المتطرفة في الصومال لمناقشة التعاون العسكري.
نظرًا لتوسع نفوذ الحوثيين، فمن غير المرجح أن يتراجعوا عن البحر الأحمر. ويرجع ذلك ليس فقط إلى المكاسب السياسية والشعبية الناتجة عن هذه العمليات، ولكن أيضًا إلى الفوائد المالية الكبيرة.
“قدمت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر فرصة لهم لتحقيق نفوذ كبير على التجارة الدولية وجني حوالي 2 مليار دولار سنويًا كرسوم تفرض على بعض شركات الشحن لمنحهم المرور”، قال توماس جونيو، أستاذ مشارك في جامعة أوتاوا، لصحيفة “العرب الجديد” الانجليزية.
وأضاف: “نظرًا لطموحات الحوثيين في وضع أنفسهم كقوة إقليمية وتعزيز سلطتهم محليًا، فإنه من الصعب تصديق أنهم يمكن أن يتخلوا ببساطة ودون حدود عن الفرصة لمواصلة هذه الهجمات.”
ومع ذلك، مع تزايد طموحات الحوثيين الإقليمية، فإنهم يواجهون أيضًا تحديات محلية كبيرة. يعيش حوالي 70 في المئة من سكان اليمن تحت سيطرتهم، حيث تدهورت الخدمات وسبل العيش بشكل كبير، بينما لا يزال الغالبية يعتمدون على المساعدات الإنسانية بعد الصراع الوحشي الذي استمر سبع سنوات.
لذا، من الصعب تخيل أن الحوثيين سيتخلون طواعية عن دعمهم العلني للقضية الفلسطينية، حتى لو استمر وقف إطلاق النار في غزة.
“نظرًا لضعف الحوثيين المحلي، خاصة على الصعيد الاقتصادي، يمكننا أن نتوقع منهم الاستمرار في جهودهم العدوانية للتلاعب بالقضية الفلسطينية لحماية مصالحهم المحلية”، أشار الدكتور جونيو.
تهديد مستقبلي من الحوثيين
حتى إذا تراجعت عمليات الحوثيين على المدى القصير بعد توقف حرب إسرائيل على غزة، فمن المحتمل أن تهدف الجماعة إلى الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، فضلاً عن السعودية، في المستقبل، بفضل نفوذها الجديد في البحر الأحمر.
لم تؤد الغارات الأمريكية والبريطانية ضد الجماعة منذ يناير 2024، التي تهدف إلى تقليل ترسانتها العسكرية، إلى إضعافها بشكل كبير. حتى الهجمات الإسرائيلية، رغم أنها أضرت بالبنية التحتية اليمنية، لم تعطل الحوثيين، مما يشير إلى ضعف في تحديد قيادة الجماعة.
ومع ذلك، أضعفت الهجمات الإسرائيلية قدرة ميناء الحديدة، الذي يعد حيويًا لجلب المساعدات الإنسانية.
أكد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية هذه الحقيقة، لكن فعاليته في كبح أنشطتهم لا تزال غير مؤكدة.
على سبيل المثال، في حين أن الحوثيين قد بنوا شبكات مالية مستقلة قد تقلل من تأثير العقوبات، فإن هذا التصنيف سيقطع المساعدات الحيوية لليمنيين، على الرغم من أن الحوثيين أنفسهم قد اتهموا بتهريب المساعدات.
“سيستمر التهديد لتجارة البحر الأحمر ما دام الحوثيون في السلطة”، أشار المحلل اليمني نبيل البكيري.
رحب المجلس الرئاسي اليمني – الهيئة الحكومية المعترف بها دوليًا – بتصنيف ترامب كوسيلة لإعادة تنشيط الجهود ضد الحوثيين. يؤكد المراقبون اليمنيون، بما في ذلك البكيري، أن الدعم الدولي المستمر للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أمر حاسم لكبح نفوذ الحوثيين.
في النهاية، أثبتت إدارة ترامب الجديدة أنها مؤيدة بشدة لإسرائيل، مما يثير القلق بشأن سلامة الفلسطينيين خلال السنوات الأربع المقبلة. علاوة على ذلك، برز الحوثيون كفاعل أقوى في البحر الأحمر ويظلون ثابتين في استغلال القضية الفلسطينية لمصلحتهم الخاصة.
من المحتمل أن يؤدي هذا المزيج إلى المزيد من المواجهات في البحر الأحمر والهجمات بين إسرائيل والحوثيين.
يمن مونيتور30 يناير، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام سلطنة عمان تتوقع تحسن ظروف الشحن في البحر الأحمر مقالات ذات صلة سلطنة عمان تتوقع تحسن ظروف الشحن في البحر الأحمر 30 يناير، 2025 وزير دفاع إسرائيل: قواتنا ستبقى في مخيم جنين 30 يناير، 2025 مقتل 20 من عمال النفط في تحطم طائرة بجنوب السودان 29 يناير، 2025 رسمياً.. تنصيب أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا 29 يناير، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الردلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق تراجم وتحليلات اعتقال طالب يمني في الهند 29 يناير، 2025 الأخبار الرئيسية هل يؤثر وقف إطلاق النار في غزة على استراتيجية الحوثيين في البحر الأحمر؟ 30 يناير، 2025 سلطنة عمان تتوقع تحسن ظروف الشحن في البحر الأحمر 30 يناير، 2025 وزير دفاع إسرائيل: قواتنا ستبقى في مخيم جنين 30 يناير، 2025 مقتل 20 من عمال النفط في تحطم طائرة بجنوب السودان 29 يناير، 2025 رسمياً.. تنصيب أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا 29 يناير، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك سلطنة عمان تتوقع تحسن ظروف الشحن في البحر الأحمر 30 يناير، 2025 وزير دفاع إسرائيل: قواتنا ستبقى في مخيم جنين 30 يناير، 2025 اعتقال طالب يمني في الهند 29 يناير، 2025 الجيش اليمني يحبط هجوما للحوثيين شرق صنعاء 29 يناير، 2025 الأرصاد اليمني يتوقع استمرار الأجواء الباردة على عدة محافظات 29 يناير، 2025 الطقس صنعاء سماء صافية 14 ℃ 23º - 11º 50% 1.18 كيلومتر/ساعة 23℃ الخميس 21℃ الجمعة 21℃ السبت 22℃ الأحد 21℃ الأثنين تصفح إيضاً هل يؤثر وقف إطلاق النار في غزة على استراتيجية الحوثيين في البحر الأحمر؟ 30 يناير، 2025 سلطنة عمان تتوقع تحسن ظروف الشحن في البحر الأحمر 30 يناير، 2025 الأقسام أخبار محلية 29٬170 غير مصنف 24٬203 الأخبار الرئيسية 15٬617 عربي ودولي 7٬343 غزة 10 اخترنا لكم 7٬194 رياضة 2٬457 كأس العالم 2022 75 اقتصاد 2٬312 كتابات خاصة 2٬125 منوعات 2٬055 مجتمع 1٬878 تراجم وتحليلات 1٬879 ترجمة خاصة 133 تحليل 18 تقارير 1٬651 آراء ومواقف 1٬573 صحافة 1٬491 ميديا 1٬470 حقوق وحريات 1٬358 فكر وثقافة 927 تفاعل 828 فنون 492 الأرصاد 388 بورتريه 66 صورة وخبر 38 كاريكاتير 33 حصري 27 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية أخر التعليقات عبدالملك قاسماخي عمره ٢٠ عاما كان بنفس اليوم الذي تم فيه المنشور ومختي من...
جمالاشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
محمد شاكر العكبريأريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...
عبدالله محمد علي محمد الحاجانا في محافظة المهرة...
سمية مقبلنحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...