سودانايل:
2024-11-07@16:30:57 GMT

حميدتي والجنجويد ودولة 56

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

قال اريئل شارون رئيس وزراء اسرائيل الاسبق انه يتمنى لو يستيقظ ذات صباح ويجد غزة قد ابتلعها البحر، نام شارون النوم الابدي وظلت غزة باقية؛ هذه الامنية الشارونية تبناها بعض منظري الدعم السريع في سياق مختلف، فاصبح حلمهم هو ان يستيقظوا ذات صباح ليجدوا أن ما يسمونها دولة 1956 قد اختفت وابتلع بحر النيل جزء منها والجزء الباقي اصبح من نصيب البحر الاحمر.


الجنجويد ودعواهم عن دولة 56 وقبلهم جون قرنق ومشروعه عن السودان الجديد وبقية الحركات المسلحة انما ينهلون من منبع واحد، فهم يقومون بالعمل العسكري اولاً؛ ثم بعد ذلك وفي مرحلة تالية يحاولون ايجاد الغطاء الفكري له لتبريره وتأطيره وتقديم المسوغات له، ويحدث هذا بعد ان يقع المحظور ويدوي الرصاص. لذا لم يظهر مصطلح دولة 56 بقوة إلا بعد 15 ابريل، وربما ظهر قبلها ببرهة وجيزة كصوت ضعيف في خضم التوتر بين الجيش والدعم السريع قبل اشتعال الحرب.
بالقدر نفسه فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان لم تقم في بداياتها على اساس فكري يتحدث عن السودان الجديد، وما كان جون قرنق هو المؤسس الفعلي للحركة؛ ولكنه التحق بالتمرد فيما بعد، إذ أن من تمرد أولاً في عام 1983 كان كاربينو كوانين قائد الكتيبة 105، ولم يكن تمرده مبنياً على قضية مركز وهامش أو سودان جديد؛ بل كان تخوفاً من ترتيبات امنية سعت حكومة النميري للقيام بها تحت عنوان انصهار القوات، حيث يجرى بموجبها نقل قوات جنوبية الى الشمال ونقل قوات شمالية الى الجنوب؛ واعقب ذلك هروب كاربينو وقواته الى اثيوبيا حيث لحق بهم جون قرنق هناك.
مساهمة قرنق في التنظير الفكري وايجاد الغطاء السياسي والترتيب التنظيمي للتمرد جاءت فيما بعد، وذلك حين اصدرت الحركة بيانها الاساس (مانيفستو الحركة) ودستورها المكون من احد عشر فصلاً، وفيه جرى تعريف المشكلة ولأول مرة بانها مشكلة كل المناطق المهمشة، وليست مشكلة الجنوب فقط.
وجه الشبه بين شعاري السودان الجديد ومحو دولة 56؛ هو ان كلاهما يتحدث عن الهامش والمركز، لكن شعار السودان الجديد كان يتحدث عن بناء جديد، أيا كان اتفاقنا او اختلافنا حول طبيعة هذا البناء واهدافه، بينما شعار الجنجويد يتحدث عن محو وإزالة. ولم يقدم منظرو الجنجويد رؤية واضحة لما ستكون عليه الاحوال بعد المحو، وما هو شكل البناء المزمع قيامه على انقاض الدولة القديمة.
ربما كان الامر في هذا الخلل يعود إلى ان فكرة دولة 56 جرى طبخها على عجل لتلحق بركب الحرب، ويعود ايضاً الى خلو المليشيا من وجود منظرين بها لهم ثقافة واسعة وخبرات متعددة مثل جون قرنق. لذا وجد المحو وهو العمل السهل تطبيقاً ميدانياً في حرب ابريل 2023م، وتكفلت المليشيا بإنزاله لأرض الواقع؛ باستهداف المراكز العلمية والبحثية والتجارية والصحية لدولة 56، فلم تسلم منهم مؤسسات لا علاقة لها بالعمل العسكري مثل دار الوثائق المركزية؛ ومتحف السودان القومي، ومكتبة جامعة ام درمان الاهلية ومكتبة محمد عمر بشير ومتحف التاريخ الطبيعي، ومعهد البحوث ببحري والمستشفيات والجامعات والبنوك وغير ذلك. واستدعت عملية المحو احتلال منازل مواطني دولة 56 وتشريدهم واذلال من تبقى منهم في عاصمتهم باغتصاب نسائهم وسلب ممتلكاتهم.
حاولنا الحصول على تعريف دقيق لهذا المصطلح الجنجويدي الجديد خلافاً لقصة هامش ومركز وذلك من خلال قراءة ما كتبه بعض الكتاب وفهمهم له، فهو عند عبد الله على ابراهيم في مقال له باندبندت عربية الصادر في 13 اغسطس 2023م انه جاء (ليشيع في خطاب المركز والهامش في السودان احتجاج جوهري على الدولة السودانية منذ استقلالنا في عام 1956 كدولة "جلابة"، أي صفوة الجماعة العربية المسلمة على أواسط النيل، لاحتكارها السلطة والثورة).
ويرى حامد برقو في مقاله (دولة 56 التي سقطت اخلاقيا ودبلوماسيا قبل ان تهز عسكرياً) المنشور بصحيفة الراكوبة بتاريخ 6 يناير 2024، (إن الملح الآن قبل الغد ان يتذكر بعض أبناء الوسط والشمال النيلي بأننا في عام 2024 – فلابد من تساوي الفرص ليتعافى الوطن و لأجل غد افضل للجميع).
ويصنف محمد جميل في مقال (ماذا بقي من جمهورية 56 في السودان) المنشور في صحيفة اندبندت عربية بتاريخ 8 يونيو 2023م المشكلة بأنها (ذات طابع تاريخي متصل بالعدالة والمواطنة، وأخفقت الحكومات الشمالية في تحقيق هاتين المسألتين، ليس في جنوب السودان فحسب، بل في جميع هوامش وأطراف السودان الأخرى... وسيكون البديل عن هذين الخيارين: الحرب الأهلية الشاملة).
ويقول ابراهيم سليمان في مقال (ايهما احسن استمرار مركزية دولة 56 ام التفتيت الفدرالي بالحسنى) المنشور بصحيفة الراكوبة في 27 سبتمبر 2023 ،(وبات في حكم المؤكد، أن عودة منظومة دولةــ56 المركزية القابضة مستحيلة، وأن الـخامس عشر من أبريل 2023م نقطة فاصلة في التاريخ السياسي للدولة السودانية، وأن التروس المهترئة التي ظلت تدير آلة الدولة الظالمة، والأيادي الآثمة التي ما برحت تتحكم في دوران تلك التروس، جميعها، يجب أن تستريح من العبث بمقدرات الشعب، لصالح الدولة العميقة، وحواضنها من جنرالات الجيش والبيوتات الطائفية والرأسمالية ومن الانتهازيين العابرين).
هذا الاستعراض على قلته لم يخرج عن قضية الهامش والمركز، وفيه قواسم مشتركة تكمن في توجيه الاتهام لابناء مناطق جغرافية بعينها هم ابناء الوسط والشمال النيلي في احتكار السلطة والثروة وتهميش بقية اهل السودان. وانهم هم المستفيدون من دولة 56 وبالتالي يجب ازالة هذه الدولة من الوجود، لينعم الجميع بالمساواة والعدالة.
هذا الطرح يتجاهل تماما أن قرى مناطق الشمال والشرق والوسط تعيش مثلها مثل قرى المناطق الاخرى في فقر مدقع، وتنعدم في معظمها الخدمات التعليمية والصحية وخدمات المياه النقية والكهرباء ووسائل النقل، إلا ما يشيده ابناء تلك المناطق المغتربون من حر مالهم لاهلهم. اما الخرطوم نفسها (كرش الفيل) فتعج بأبناء الشمال والشرق والوسط المهمشين كغيرهم من ابناء الغرب والجنوب. يركبون الحافلة نفسها ويلدغهم ذات البعوض، ويصهر جلودهم الحر وتنقطع عنهم الكهرباء والماء مثلهم مثل غيرهم.
هل كان الجنجويد صادقين وهم يلعنون ما يسمونه دولة 56؟ وهل يمكنهم لعب دور حماة المهمشين؟ كلا.. بل سنجد انهم صنيعة هذه الدولة التي يريدون استئصال شأفتها، وهي والدهم الشرعي؛ بأنظمتها المتعاقبة ذات الوجوه المتعددة ما بين ديمقراطية حيناً وعسكرية حيناً آخر، وقد اطلقت عليهم أسماء مختلفة في مراحل مختلفة تختلف من حكومة لأخرى.
ظهرت مليشيا الجنجويد في بداية أمرها كميليشيا قبلية في الفترة الانتقالية بعد انتفاضة ابريل عام 1985؛ وقيام الحكومة الانتقالية التي ترأسها المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وسميت هذه المليشيا حينها بالمراحيل، وجلها من قبائل تعود لأصول عربية في إقليم كردفان، وكان الهدف منها هو مساندة الحكومة المركزية لإخماد تمرد الجنوب، ثم واصل الصادق المهدي الذي خلف سوار الذهب السياسة نفسها تجاه هذه المجموعات ولم يقم بحلها، بل كان يحتاجها هذه المرة في جبهتين، وليس كسلفه في جبهة واحدة، هما جبهة الجنوب وجبهة الغرب، وفي الغرب كانت السماء حبلى بسحب التمرد وانتشار عصابات النهب المسلح وقطع الطريق.
ورثت حكومة الانقاذ عام 1989م هذه المليشيا وقامت بتطويرها واستخدمتها في حربها ضد الحركات المتمردة في دارفور بدءاً من العام 2003م، والحقتها بحرس الحدود، ثم في عام 2013م اصبح مسماها (الدعم السريع) تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ثم صدر قانون الدعم السريع في عام 2017 واصبحت تتبع لرئيس الجمهورية مباشرة، مع بقاء تبعيتها إلى القوات المسلحة في الوقت نفسه. ومن هنا نجد هذه المليشيا وفي كل الاوقات لم تكن أكثر من ذراع عسكرية متنقلة لدولة 56. تستخدمها كعصا ضد من يخرجون على سلطان الدولة. وعاشت في جلباب سوار الذهب والصادق المهدي وعمر البشير والبرهان.
سنقبل في الاسطر التالية ومن باب الجدل المفيد نظرية دولة 56، وسنكتشف ان المليشيا كانت تعيش في الاحضان الدافئة لهذه الدولة سنين عددا، مما يهزم الفكرة من اساسها.
لم يكن حميدتي صاحب المبادرة في قيام المليشيا، بل كان تاجر ابل متجول لا يفقه شيئاً لا في العسكرية ولا السياسةً، وجاءت دولة 56 لتضعه على رأس هذه المليشيا، وكتبت لها عقيدتها القتالية، وقامت بتحسين تدريبها وتسليحها، ورسمت لها المكان الجغرافي لوجودها، وحددت لها نوع المعارك التي عليها ان تخوضها، وصنفت لها عدوها الذي يجب عليها قتاله.
كانت سعادة المليشيا وقيادتها بهذا الكرم والسخاء المقدم من دولة 56 لا تحده حدود، لذا كانوا يبذلون قصارى جهدهم للدفاع عن حاضنتهم الشرعية دولة 56 ومحاربة اعدائها والتنكيل بهم.
توسعت الحاضنة في الكرم فمنحت المليشيا علاقات دولية؛ واعطتها الفرصة لخوض حروب اقليمية، كسبت من ورائها اموالاً ونفوذاً، واجازت لها عقد صفقات التسليح والتدريب، ثم وصل التعاون مداه حين وجد قائد المليشيا حميدتي نفسه وقد اصبح الرجل الثاني في دولة 56، نائباً لرئيس مجلس السيادة، ورئيساً للجنة الاقتصادية، ونجماً تسعى التجمعات السياسية والسفارات الاجنبية لخطب وده، ويتنافس السفراء والمبعوثون الدوليون في الدخول للسلام عليه، أما مجموعته من ضباط المليشيا وعساكرها ومثقفيها ومدنييها فقد كانوا يخاطبونه بلقب أمير، ربما لشيء في نفس يعقوب، وقد كاد هذا الشيء الذي في نفس يعقوب أن يكون واقعاً بعد أن كان خيالاً. وكان قاب قوسين أو ادني من التحقق.
لكن هل كان هناك فعلا ما يسمى دولة 56 وانها قامت كنبت منفصل عن جذوره، أم أن السودان كله بكافة احزابه وقبائله وحدوده ومدنه وقراه هو دولة 56؟
هذا التقسيم الزماني للمشكلة يخرجها عن اطارها القديم والمتمثل في انها مشكلة مكانية بين هامش ومركز، قابلة للحل، أما التقسيم الزماني إنما يطرح خياراً استئصالياً واحداً لا غيره وهو الحذف النهائي لهذه الدولة من السجلات واختيار توقيت جديد للدولة السودانية قد يطلق عليه دولة 2023م.
ويطرح عبد الله على ابراهيم تساؤلاً ويقول: (بعبارة أخرى، لماذا يثور هؤلاء الشماليون على حكومات هم أصحاب الوجاهة فيها والامتياز؟ وكيف لهم ركل نعمة هذه الحكومات، التي قيل إنها ملكية خاصة بهم، ثلاثاً منذ أن قامت فيهم في 1956)؟ وثلاثاً يعني بها ثورة اكتوبر عام 1964م وانتفاضة ابريل 1985م وثورة ديسمبر 2019م.
إذا القينا نظرة على السجلات التاريخية سنجد انها لا تخدم اصحاب فكرة دولة 56، فالدولة السودانية ولدت بعد تجربة حكم ذاتي قصيرة استمرت من عام 1953 الى عام 1956، وقد جرت انتخابات عام 1953 تحت اشراف الادارة البريطانية وفاز فيها الحزب الوطني الاتحادي، وانتُخب اسماعيل الازهري رئيسا للوزراء، وفي 19 ديسمبر عام 1955 أُعلن استقلال السودان من داخل البرلمان.
من اللافت للنظر أن الآباء المؤسسين- إن صحت العبارة - انتبهوا لأهمية التمثيل الجهوي في صنع قرار الاستقلال حتى وإن جاء في ثياب الحزبية، ويذكر خضر حمد في مذكراته صفحة 240:
(وتقاسمت الاحزاب عن طيب خاطر شرف تقديم اقتراح الاستقلال واللجنة القومية والجمعية التأسيسية، وفي يوم 19 ديسمبر 1955م وبعد الاجراءات الشكلية وقراءة بعض الردود، وقف السيد عبد الرحمن محمد ابراهيم دبكة (أمة) واقترح الآتي- وهو الاقتراح المتفق عليه منا جميعاً مع غيره من الاقتراحات - قال:
نحن اعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم الشعب السوداني أن السودان قد اصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معاليكم ان تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الاعلان فوراً). ويمضى خضر حمد ويقول أن من ثنى الاقتراح هو مشاور جمعة سهل، وان من تقدم باقتراح تشكيل مجلس رأس الدولة (مجلس السيادة) هو حسن جبريل سليمان، وقد ثناه جوشوا ملوال، وان من تقدم باقتراح قيام الجمعية التأسيسية هو محي الدين الحاج محمد وثناه حماد ابو سدر.
وبإمعان النظر في هذه الاسماء ومناطقها سنجد ان عبد الرحمن دبكة نائب دائرة بقارة نيالا غرب، عن حزب الأمة، وناظر عموم قبيلة بني هلبة، وهو من دارفور، ومشاور جمعة سهل نائب دار حامد غرب، وهو من قبيلة المجانين، من كردفان. وحسن جبريل سليمان نائب دائرة دار مساليت جنوب، وجوشوا ملوال جنوبي، وهو نائب دائرة غرب النوير الجبل، ومحي الدين الحاج محمد (تقلي جنوب)، وحماد ابو سدر نائب دائرة الجبال الشمالية شرق وهو نوباوي من دلامي.
أما من رفع علم دولة 1956م فهو اسماعيل الازهري وجذوره الاسرية تعود لقبيلة بديرية كردفان، وكان معه في رفع العلم محمد احمد محجوب وجذوره تعود لوسط وشمال السودان، وقد ولدت هذه الدولة بصورة سلمية، إذ كان آخر القتلى الانجليز في السودان قد سقط قتيلا في حوادث ثورة عام 1924م، أي قبل اربعين سنة من حصول البلاد على استقلالها.
الاتهام بان ابناء الشمال والشرق والوسط استحوذوا على السلطة لا يقوم على اساس، لأن الوصول للسلطة في السودان يجيء عبر طريقين: الأول الطريق الديمقراطي عبر الانتخابات، وفيه يصبح رئيساً للوزراء من يأتي به صندوق الانتخاب. والثاني طريق الانقلابات العسكرية، وحكومات هذه الانقلابات هي من استأثر بحكم البلاد لفترات طويلة وصلت في مجموعها الى أكثر من نصف قرن.
من يخطط لانقلاب عسكري لا يفكر كثيراً في مسألة الهامش والمركز، ودولة 56 وما الى ذلك، بل يضع في حساباته القوات التي سيعتمد عليها في تنفيذ انقلابه من مدرعات ومظلات وقوات جوية ومشاة..الخ اكثر من اعتماده على الوزن الجهوي للضباط والعساكر المشاركين معه في الانقلاب، إذ أن حسابات الانقلاب لا تحتمل الخطأ ونتيجتها واحدة من اثنتين: أما الجلوس على كرسي السلطة او توسد طوبة القبر. ولا يهم قائد الانقلاب ان يكون الضابط المكلف جعليا او من دار حمر او من الهدندوة، ما يهمه هو ان تقوم القوة المكلفة باداء مهمة ما ضمن سيناريو الانقلاب بتنفيذها على اكمل وجه.
ولو كان الاعتماد على الثقل القبلي نافع لاستفاد منه حميدتي ومن اول يوم في حرب ابريل 2023م.
كل الانقلابات العسكرية في السودان يقبع في خلفيتها حزب سياسي طائفي او عقائدي، فانقلاب نوفمبر 1958م الذي قاده عبود كان مجرد تسليم وتسلم للسلطة لا أكثر، وكان في خلفية المشهد عبد الله خليل وحزب الامة وهو حزب طائفي، وباركت الانقلاب قيادتا الختمية والانصار، أما المجلس العسكري الذي استلم الحكم في هذا الانقلاب فقد كان موروثاً وبكامل هيئته من العهد الاستعماري، ولا مجال فيه لإثارة قضايا المركز والهامش، ولم يسأل حينها احد عن الهوية الجهوية لأعضاء المجلس.
انقلاب مايو عام 1969م قبع في خلفيته الحزب الشيوعي السوداني، وقام به بعض صغار الضباط، وانقلاب عمر البشير عام 1989م كان وراءه حزب الجبهة القومية الاسلامية، وكل حزب من هذه الاحزاب ينتمي له اعضاء من جميع مناطق السودان، ومن مختلف الفئات الاجتماعية، وتتعدد فيها الاعراق. ولا يمكن القول بان الحزب الشيوعي خاص بأبناء الشمال والوسط والشرق ولا الجبهة القومية الاسلامية كذلك، ولا حزب الامة ولا الاتحادي الديمقراطي أيضاً، قد يكون هناك مراكز ثقل ونفوذ لبعض هذه الاحزاب في مناطق معينة، لكنها وحسب دساتيرها مفتوحة للجميع.
لا يمكن الحجر على منطقة ما ومنعها من المطالبة بتحسين وضعها، لكن الفكرة بان هناك تغول من مناطق ما على حقوق الآخرين يهزمها الواقع المعاش إذا خرجت عن الخرطوم في أي اتجاه عشرين او ثلاثين كيلومتراً، والاموال التي صرفتها الحركات المسلحة على الحروب والخسائر التي سببتها حرب الدعم السريع كانت كفيلة بتحويل السودان الى بلد سعيد، وهي اموال كان يجب ان تذهب الى الصحة والتعليم والمرافق العامة لا ان توجه نحو جعل فلان رئيساً ووضع علان نائباً للرئيس وتسليم شخص ما وزارة او ولاية، ويكون ثمن هذه المناصب دم ودموع الشعب.

nakhla@hotmail.com
/////////////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان الجدید هذه الملیشیا هذه الدولة نائب دائرة فی السودان جون قرنق یتحدث عن فی عام دولة 56

إقرأ أيضاً:

صعود الميليشيات في السودان: بين ضعف الدولة وتفكك النظام السياسي

في السودان، تعد الأحزاب والجماعات السياسية جزءًا معقدًا من النسيج الاجتماعي والسياسي، حيث تتباين توجهاتها وتختلف رؤاها بحسب الأيديولوجيات والتوجهات السياسية. ورغم أن السودان شهد تاريخياً حركات سياسية مدنية تسعى لبناء دولة المؤسسات والقانون، إلا أن تدهور الحالة السياسية والصراعات المتكررة بين القوى العسكرية والمدنية ساهم في خلق بيئة لنمو ثقافة الميليشيات.

الأحزاب السياسية في السودان: سياق تاريخي وتوجهات
شهدت الساحة السياسية السودانية منذ الاستقلال عام 1956 تكوين العديد من الأحزاب، والتي تأثرت بتوجهات أيديولوجية مختلفة، مثل الإسلام السياسي، والقومية العربية، والأفكار اليسارية والليبرالية. عملت هذه الأحزاب في فترات الحكم المدني والعسكري على تعزيز مصالحها وتوسيع قاعدتها الشعبية، وكان لها تأثير كبير في رسم معالم السياسة السودانية.
لكن فترات عدم الاستقرار السياسي المتكررة والانقلابات العسكرية خلقت صعوبات أمام هذه الأحزاب، حيث تم قمع الكثير منها، ووجدت نفسها في حالة مواجهة مع الأنظمة الحاكمة. أدى ذلك إلى انقسام العديد من الأحزاب وتشكل فصائل جديدة منها، مما أضعف التأثير السياسي للأحزاب التقليدية وساهم في تشتت القوى السياسية.
ثقافة الميليشيات , ظروف النشأة وأسباب الانتشار
في ظل الحروب الأهلية المتكررة في السودان، خاصةً في دارفور وجنوب السودان (قبل انفصاله)، بدأت ظاهرة الميليشيات تتصاعد بشكل كبير. وكانت الأسباب وراء هذه الظاهرة متعلقة بعدة عوامل
ضعف الدولة المركزية , و كان ضعف الدولة وعدم قدرتها على فرض سلطتها بشكل كامل في المناطق النائية أحد أهم العوامل التي دفعت إلى ظهور ميليشيات محلية تدافع عن مصالحها.

الأزمة الأمنية والسياسية و ساهمت الأزمة الأمنية المستمرة في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وغيرها من المناطق في استقطاب الجماعات المحلية وتسليحها، إما من قبل الحكومة كوسيلة لفرض السيطرة، أو من قبل الجماعات المعارضة للدفاع عن نفسها.
التنافس على الموارد بسبب الفقر وتزايد حدة المنافسة على الموارد، خاصة في المناطق المهمشة، ظهرت ميليشيات قبلية وأخرى سياسية لتحصيل النفوذ وحماية المصالح الاقتصادية.
التأثيرات الخارجية نتيجة للحدود المفتوحة مع عدة دول أفريقية تعاني من الصراعات، أصبح من السهل على الجماعات السودانية الحصول على الأسلحة والتدريب من مصادر خارجية.
الميليشيات كأداة سياسية في السودان
استخدمت الحكومات السودانية المتعاقبة الميليشيات كأداة سياسية لضمان ولاء بعض القبائل والجماعات، ولتحقيق السيطرة في الأقاليم المتمردة. ومن أمثلة ذلك، نجد "قوات الدفاع الشعبي" التي كانت إحدى الأدوات التي استخدمتها حكومة الرئيس الأسبق عمر البشير لمحاربة الحركات المتمردة، إضافة إلى "الجنجويد" الذين لعبوا دورًا رئيسيًا في النزاع في دارفور. لاحقًا، تم تشكيل "قوات الدعم السريع"، التي كانت تطوراً لهذه الميليشيات، وأصبحت جزءًا مؤثرًا في المشهد السياسي والعسكري.
النتائج السلبية لثقافة الميليشيات
أسهمت ثقافة الميليشيات في تفتيت الدولة وزيادة الصراعات القبلية، حيث أدى وجود جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة إلى إضعاف المؤسسات الأمنية والقضائية، وزيادة الانتهاكات الحقوقية ضد المدنيين، خاصة في المناطق التي تنتشر فيها هذه الميليشيات. كما عرقلت هذه الثقافة مساعي السودان نحو الديمقراطية، حيث يجد المدنيون صعوبة في فرض الاستقرار والأمن دون الاتفاق مع الفصائل المسلحة.
نحو مستقبل سياسي مستقر
لتجاوز هذه التحديات، تحتاج الأحزاب السياسية السودانية والجماعات الفاعلة إلى تبني نهج يقوم على نزع السلاح وحل النزاعات عبر الحوار وإعادة بناء مؤسسات الدولة، مما يتطلب أيضاً إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة تعيد الثقة إلى المجتمع السوداني وتؤسس لثقافة سياسية تعتمد على دولة القانون وليس على سلطة السلاح.

إن ثقافة الميليشيات في السودان تعد نتاجاً لتاريخ طويل من الأزمات السياسية والأمنية، وبدون إصلاحات جذرية وإرادة سياسية موحدة، سيكون من الصعب تخطي هذا الإرث وبلوغ حالة من الاستقرار السياسي المستدام.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • صعود الميليشيات في السودان: بين ضعف الدولة وتفكك النظام السياسي
  • الحرب في السودان والأوضاع في دولة الجنوب أعاقا التقدم في منطقة أبيي
  • ياسر العطا يكشف تفاصيل عن مخطط حميدتي لحكم السودان وحجم قواته والانقلاب على البشير وينقل بشريات بشأن القتال
  • من هي هاريس التي باتت قاب قوسين من أن تصبح أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في أقوى دولة في العالم؟
  • «العدل والمساواة» و«الاتحادي الموحد» يرفضان الحرب ويدعوان لحل شامل للأزمة السودانية
  • القوات دان الحملة على الجيش: محاولة للانقضاض على آخر المؤسسات التي تعطي أملا للبنانيين
  • خاصة الطلاب.. السيسي يوجه بإزالة العقبات التي تواجه السودانيين في مصر
  • إبراهيم عيسى: مصر الدولة الوحيدة التي أنقذت فلسطين ووقفت ضد تصفية القضية
  • ذياب بن محمد يشيد بالعلاقات التي تربط الإمارات وسلوفينيا
  • الخارجية القطرية: نجدد موقف دولة قطر الثابت الداعم لوحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضي السودان