من الزنازين للمقابر.. سجون السيسي تحصد أرواح 3 معتقلين في 2024
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
"أفرجت" أجهزة النظام المصري مع بداية العام الجاري، عن "ثلاثة معتقلين سياسيين"، لكن ليس إلى بيوتهم وأعمالهم وذويهم، إنما إلى المقابر، بعد وفاتهم بمحبسهم خلال الأيام الستة الأولى من العام الجديد.
ويؤكد مراقبون أن آلاف المعتقلين يعيشون ظروفاً قاسية من الإهمال الطبي المتعمد، والتعنت في تنفيذ قرارات إخلاء سبيلهم، بسبب قوانين النظام المصري الصارمة.
ويوضح الحقوقي المصري أحمد العطار لـ"عربي21" أن النائب السابق في برلمان 2012 والمعتقل عادل رضوان عثمان، جرى دفنه قبل أيام في مدينة العاشر من رمضان.
كما توفي المحامي المعتقل وعضو نقابة المحامين المصرية محمد الشربيني علي السيد (58 عاما) من محافظة الدقهلية، السبت الماضي، داخل محبسه بالمركز الطبي بمركز بدر للإصلاح والتأهيل.
وتوفي أيضاً المعتقل (إ م) بسجن "بدر3"، فيما استجابت "عربي21" لرغبة أسرته بعدم نشر اسم المتوفى، وهو صاحب مكانة بين أبناء محافظته شمال الدلتا، وله إسهامات في مجال العلم والتعليم.
علامات استفهام
وقعت الحالات الثلاثة في مركز بدر للتأهيل والإصلاح، ما يثير علامات استفهام حول أوضاع المعتقلين في هذا المجمع الأمني، والمخاوف بشأن ما إذا كانت تلك الوفيات غير طبيعية.
وجرى افتتاح المركز في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ويبعد عن العاصمة الإدارية الجديدة 10 دقائق، وتم نقل الكثير من المسجونين إليه.
وسجلت منظمات حقوقية 9 حالات وفاة في السجون ومقار الاحتجاز بالربع الأول من 2023، ووفاة 13 معتقلا في الربع الثالث من العام، ووفاة 9 معتقلين في الربع الأخير ، وخلال نحو 10 سنوات توفي في المعتقلات أكثر من 1000 معتقل مصري.
وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013، بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، لـ"عربي21"، في 28 أيار/ مايو الماضي، أنهم "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022"، هذا غير وفيات مقرات الاحتجاز والمراكز والأقسام الشرطية.
وقدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين في مصر بنحو 114 ألف سجين، فيما أكدت أن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم.
وأكدت المنظمة في تقريرها الصادر 25 كانون الثاني/ يناير 2021، أن قسوة السلطات تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما أنها ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء.
عمليات الانتهاك
تواصل السلطات المصرية طوال السنوات السابقة ومنذ منتصف العام 2013، عمليات الانتهاك لكل القوانين والأعراف بحق المعتقلين، وترفض إخلاء سبيل الآلاف رغم انتهاء فترة محكوميتهم، وتتركم للموت البطيء بالمرض والإهمال داخل السجون، وفق ما رصدته تقارير سابقة لـ"عربي21".
وخلال الأسبوع الأول من 2024، جددت محكمة الجنايات "إرهاب"، حبس 1148 معتقلا سياسيا مصريا في سجن بدر، خلال جلستين فقط عقدتها يومي 2 و3 كانون الثاني/ يناير الجاري، وذلك عبر الدوائر الإلكترونية.
وذلك في رقم كبير جدا للمعتقلين، ما يشير إلى عمليات تدوير المعتقلين وتجديد الحبس دون النظر بأوراق القضايا وملابساتها مع الإخلال بحقوق المعتقلين والمحبوسين في التقاضي العادل.
حقوقيون مصريون تحدثوا إلى "عربي21"، وأكدوا أن إجراءات التقاضي التي فرضتها سلطات رئيس النظام، كانت السبب في منع آلاف المعتقلين من الحصول على حقهم الطبيعي في التقاضي العادل، وبالتالي إصدار الأحكام القاسية، ما تسبب بوفاة مئات المعتقلين.
الحقوقية المصرية هبة حسن، قالت: "بالطبع لا نستطيع اعتبار الوفيات المتتالية للمعتقلين وفاة طبيعية، بل هي نتاج سياسات القتل البطيء التي ينتهجها النظام المصري مع المعتقلين السياسيين منذ سنوات".
وفي حديثها لـ"عربي21"، أضافت: "بدءا بالاعتقالات التعسفية لمدد طويلة، والحبس الاحتياطي الذي يتخطى القوانين والمدد الطبيعية التي تحقق أهداف الحبس الاحتياطي، ولا تحوله لعقاب في حد ذاته".
المدير التنفيذي لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، تابعت: "مرورا بالمحاكمات التي تطول لسنوات وكثير منها لا تكون أمام القاضي الطبيعي، ولا تعطي المعتقلين الحقوق المكفولة لأي متهم بالدفاع عن نفسه، أو تقديم أدلة براءته".
ولفتت إلى "ظروف الاحتجاز السيئة التي يتعرض لها كل هؤلاء المعتقلين، بما فيها من غياب مقومات الحياة الآدمية والإهمال الطبي".
وترى الحقوقية المصرية، أن "الأسوأ من ذلك هو أن تكون هذه الانتهاكات تحت غطاء قانوني من خلال القرارات والإجراءات الجديدة التي يتم إصدارها تباعا ويكون ظاهرها الرحمة واستهداف تسهيل الإجراءات والتيسير على المتهمين".
وأكدت أن تلك القرارات والإجراءات "تزيد من التعنت والإيذاء لهم؛ مثل قرارات التجديد الإليكتروني مثلا، والتي تغلق آخر مساحة لهم بالتنفس كانوا يحصلون عليها عند الخروج من محبسهم، ولقاء محاميهم، أو أهلهم".
وأشارت إلى أن الأهل "ربما يكونوا ممنوعين من زيارة ذويهم لسنوات، كما هو حال الآلاف، أو منع أي فرصة لرفع صوت المعتقلين والمطالبة بعلاج أو إظهار تدهور حالتهم الصحية".
مزيد من الضحايا
في نهاية حديثها أعربت حسن، عن أسفها من أن "كل ما يقوم به النظام يرسخ مزيدا من التضييق والظلم للمعتقلين وأسرهم، ومزيدا من الضحايا يسقطون كل يوم جراء هذه المظالم".
ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي منتصف 2013، على أول رئيس مصري مدني منتخب ديمقراطيا، الراحل محمد مرسي؛ وقام باعتقال آلاف المعارضين وأنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين يقبعون بظروف غير إنسانية بعد محاكمات وأحكام مسيسة وبالمخالفة للقانون والدستور، وفق حقوقيين.
ويرفض نظام السيسي، تقديم حلا نهائيا لأزمة المعتقلين، بل يرفض الحديث عن هذا الملف برغم الانتقادات الحقوقية الدولية والتي توجهها له المعارضة ولسطوة نظامه الأمني، حيث يؤكد رأس النظام مرارا أنه برفضه هذا يحافظ على أمن مصر.
وقدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية آذار/ مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.
من جانبه، قال الحقوقي المصري أحمد العطار، إن "الحقيقة التي أثبتتها الوقائع والأدلة، والتى رصدتها المنظمات الحقوقية المصرية غير الحكومية، ومن بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات الدولية، أنه لا يوجد قضاء عادل".
المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أضاف لـ"عربي21": "أن التقارير التي تصدر من الخارجية البريطانية والأمريكية والاتحاد الأوروبي، والتي تدين ملف حقوق الإنسان في مصر؛ تدل بما لا يدع للشك أنه لا يوجد قضاء عادل ولا نيابة عادلة".
وأكد أن "أعدادا قليلة من وكلاء النيابة والقضاة الذين يراعون ضمائرهم"، مبينا أن "المنظومة في أغلبها طالها الفساد، وسوء الاستخدام، وعدم الشفافية".
وقال إن "ما يحدث في السجون وأقسام الشرطة من انتهاكات غير آدمية تحط من كرامة وصحة وأمن بل وحياة المسجون سواء كان سياسيا أو جنائيا؛ وأدت إلى ارتفاع أعداد الوفيات في أماكن الاحتجاز؛ فكان هناك 3 حالات وفيات، تم رصد وتوثيق ملابساتها للآن في 2024".
ويرى أنها "بالتأكيد نتيجة تراكمية طبيعية لما يحدث مع إصدار قوانين ليس الغرض منها تحقيق العدالة والمساواة، ولكن الغرض منها التنكيل والبطش بالمعارضين السياسيين"، ضاربا المثل بـقوانين "التظاهر"، و"الإرهاب"، و"الكيانات الإرهابية".
وأوضح أن "الاتهامات المتعلقة بالإرهاب، كفيلة بحبس المعتقل 3 سنوات احتياطيا؛ خلافا لما يحدث في تحقيقات النيابة من تجاوزات وتغاضي عن أبسط حقوق المعتقلين القانونية والإنسانية وإجراءات التقاضي، حيث العبث بحياة آلاف المعتقلين".
وإلى جانب قانون "التظاهر"، (رقم 107 لسنة 2013) وتعديلاته المثيرة للجدل في أيار/ مايو 2017، وقانون "الكيانات الإرهابية" الذي أقره السيسي في شباط/ فبراير 2015، يأتي قانون "مكافحة الإرهاب"، الصادر في آب/ أغسطس 2015، كأكثر 3 قوانين جرى تفصيلها للبطش والتنكيل بآلاف المعتقلين المصريين، بحسب حقوقيين.
وتمثل تعديلات قانون "الإجراءات الجنائية"، الجزء الخاص بتعديل بعض أحكام "الحبس الاحتياطي" (رقم 83 لسنة 2013)، إحدى أكثر التعديلات المقننة للانتهاكات بحق المعتقلين والتي تمنع عنهم تنفيذ قرارات النيابة العامة بإخلاء السبيل، والبقاء رهن الاعتقال في ظروف قاسية تقود إلى المرض وبالتالي الوفاة.
ذلك القانون رأي فيه حقوقيون مخالفا لقرينة البراءة المنصوص عليها بالدستور المصري، والتي تقول إن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، ما دعا حقوقيون وسياسيون للمطالبة بإعادة النظر في القانون وفي مبررات ومدد الحبس الاحتياطي.
وكانت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" قد اتهمت نيابة أمن الدولة في مصر باستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة، معتبرة أن ذلك الاستخدام يأتي وفقا لرغبة اﻷجهزة اﻷمنية، التنكيل بالمعتقلين دون حكم قضائي بات.
كذلك يأتي قرار تجديد الحبس الإلكتروني "رقم 8901 لسنة 2021" الصادر في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021، كإحدى القرارات الأشد قسوة بحق المعتقلين، حيث يسمح للقضاة بعقد جلسات النظر في "تجديد الحبس الاحتياطي عن بعد" باستخدام نظام الاتصال عبر الفيديو.
ذلك القرار الذي طالما اشتكى منه معتقلون، يمنع عنهم حتى رؤية الشارع المصري من خلف نظارة سيارة الترحيلات، أو حتى رؤية ذويهم أمام مقرات النيابة العامة أو داخل أروقة ودهاليز المحاكم، ويجعلهم فقط رهن الزنازين، وكأنها صارت مقبرتهم الأبدية.
وهو النظام الذي وصفته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في 26 أيار/ مايو 2023، بأنه "مسيء بطبعه لأنه يقوض حق المحتجز في المثول شخصيا أمام قاض ليقيم قانونية وظروف الاحتجاز وسلامة المحتجز، وحتى يتمكن المحتجز من التحدث إلى القاضي بشكل مباشر وإلى محاميه على انفراد".
وقالت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، في تقريرها في 2023، إن "دوائر الإرهاب في محكمة بدر، راجعت أكثر من 25 ألف أمر بتجديد الحبس الاحتياطي في 2022، معظمها يغطي قضايا تتعلق بالنشاط السياسي، وأيد القضاة جميع أوامر الحبس، باستثناء 1.4 بالمئة فقط.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية النظام المصري المقابر السجون القتل السيسي مصر الإنقلاب السيسي السجون النظام المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحبس الاحتیاطی آلاف المعتقلین حقوق الإنسان فی مصر
إقرأ أيضاً:
محاكم دبي تحصد أربعة أوسمة في «جوائز ستيفي الدولية 2024»
إسطنبول (وام)
أخبار ذات صلة أطفال أبوظبي يتواصلون مع الطبيعة 40 جلسة في الدورة التاسعة من «قمة المعرفة»فازت محاكم دبي بأربعة أوسمة في الدورة الحادية والعشرين لجوائز «ستيفي» العالمية لعام 2024، في مدينة إسطنبول التي تعد إحدى أبرز الفعاليات الدولية التي تحتفي بالتميز المؤسسي والابتكار في مختلف القطاعات.
ويأتي هذا الفوز تأكيداً للجهود التي تبذلها محاكم دبي لترسيخ موقعها واحدة من المؤسسات القضائية الرائدة عالمياً، من خلال اعتماد أفضل الممارسات المؤسسية، وتبني رؤية مبتكرة تعكس تطلعات المستقبل.
وحصدت محاكم دبي الميدالية الذهبية عن فئة الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، كما حصلت على الميدالية الفضية عن فئة الإنجازات في الموارد البشرية، وحازت القاضي الدكتورة حمدة السويدي الميدالية الفضية عن فئة المرأة وجاءت الميدالية البرونزية عن فئة إسعاد المتعاملين وخدمة العملاء.
وقال الدكتور سيف غانم السويدي، مدير محاكم دبي، إن هذا الفوز هو انعكاس للرؤية الاستراتيجية التي نتبناها لتقديم خدمات قضائية مبتكرة تحقق تطلعات قيادتنا الرشيدة وتواكب رؤية دبي المستقبلية، وإن هذا الإنجاز ليس فقط تتويجاً لجهودنا، بل أيضاً مسؤولية تحفزنا لمواصلة تطوير خدماتنا بما يعزز القيم المؤسسية للعدالة والمساواة والكفاءة.
وأضاف: إن جوائز «ستيفي» تشكل شهادة عالمية على ريادة محاكم دبي في تحقيق التميز المؤسسي والابتكار المستدام، ونتطلع إلى البناء على هذا النجاح لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تخدم المجتمع وتدعم تطلعات قيادتنا الرشيدة، وهي شهادة على التزام دبي المستمر بالريادة في جميع المجالات، وبفضل نهجها الذي يضع الإنسان في قلب التنمية، أصبحت دبي نموذجاً عالمياً يحتذى به، ومحاكم دبي، كجزء من هذه الرؤية، تستمر في تقديم خدمات تسهم في تعزيز مكانة الإمارة مركزاً عالمياً للتميز القضائي، مرتكزة على الابتكار والاستدامة والكفاءة.