استهداف قانون المعقولية في ظل الحرب يعيد الشرخ في إسرائيل
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
على وقع الحرب اليائسة التي تشنّها حكومة نتنياهو على قطاع غزة، جاء قرار المحكمة العليا بإلغاء قانون المعقولية الأساسي؛ ليصدم نتنياهو وحلفاءه، ويعيد للواجهة مسألة الشرخ المجتمعي والسياسي الحادّ الذي عانت منه إسرائيل طوال السنة التي سبقت عملية "طوفان الأقصى".
وبدَّدت المحكمة بذلك آمال نتنياهو في لمّ شتات الفرقاء الإسرائيليين تحت زعامته، وإشغال الجميع بالحرب لكسب أكبر قدر ممكن من الوقت للتخلّص من تبعات ذلك القانون، الذي أقام إسرائيل على قدم واحدة، منذ إقراره في الكنيست في يوليو من العام الماضي.
فكرة إلغاء القوانين لدى المحكمة العليا لم تكن جديدة، ولكن الجديد في هذا الخبر؛ هو أن القانون الذي ألغته المحكمة العليا لم يكن قانونًا عاديًا، وإنما هو قانون أساس، وقوانين الأساس في إسرائيل تعتبر بمثابة الدستور؛ لأن إسرائيل لا تمتلك دستورًا شفويًا أو مكتوبًا، وتعوض ذلك بالقوانين الأساسية التي تحمل قوة المواد الدستورية، كما أن هذا القانون يتعلق بصلاحيات المحكمة نفسها، ويحاول الحدّ من هذه الصلاحيات؛ ومنها تضييق سلطات المحكمة في إلغاء القوانين.
وبالرغم من أن إلغاء القانون جاء بفارق صوتٍ واحدٍ في هيئة المحكمة العليا، بواقع 8 إلى 7 فقط، فإن هذا لا يعني أن المحكمة العليا كانت منقسمةً على نفسها بخصوصه بالكامل، وذلك لأنه سبق لاثني عشر من أصل 15 قاضيًا في المحكمة العليا الإسرائيلية، أن قرروا أنه يجوز للمحكمة العليا مراجعة القوانين الأساسية، والتدخل فيها في حال رأت هيئة المحكمة أن الكنيست قد تجاوز صلاحياته بإقرار قوانين تنحرف عن سلطته التأسيسية.
كما أن هناك ثلاثة قضاة- من السبعة الذين لم يوافقوا على قرار المحكمة- كانوا يرون أنه يمكن ضبط "قانون المعقولية" بتضييق تفسيراته فقط دون الحاجة إلى إلغائه بالكامل.
نتنياهو قد يسعى إلى استفزازه واستفزاز إيران بعمليات محددة موجعة قد تؤدي إلى تدحرج كرة الثلج وتضخمها بسرعة في المنطقة، وهو ما قد يعطيه فرصةً لتعطيل القوانين والحياة بالكامل بحجة توسع ميدان الحرب
فكرة "المعقولية" نفسها قديمة وموجودة في القوانين، وتعود في أصلها إلى العهد الروماني، وهي في القوانين الدستورية والإدارية تعتبر مقياسًا قانونيًا يشير إلى ضرورة أن تكون الإجراءات والقوانين "معقولة"؛ أي متوافقة مع روح الدستور والاختصاصات.
وبذلك تضمن المحكمة من خلال هذا المقياس ألا يقر البرلمان قانونًا مخالفًا للدستور أو روح المجتمع أو قيم الدولة أو طبيعتها، ومن هنا تنبع قوة مقياس المعقولية في عمل المحاكم الدستورية.
وفي حالة دولة الاحتلال، يعتبر هذا المقياس كابحًا للكنيست (البرلمان) والحكومة عن إصدار أيّ قوانين أو تعليمات تتعارض مع الأفكار والقيم التي قامت عليها إسرائيل، وهذا هو المدخل الذي كان نتنياهو يرغب في استهدافه في إصلاحاته القضائية التي أدخل البلاد بسببها في نفق مظلم.
للمفارقة، فإن هدف نتنياهو من استهداف هذا المقياس القانوني، كان حماية نفسه فقط من خلال تقييد سلطات المحاكم، وهنا "مربط الفرس" الذي أدى إلى الشرخ الكبير في المجتمع الإسرائيلي الذي سبق عملية "طوفان الأقصى".
فنتنياهو -وائتلافه اليميني- كان يرى أن المحكمة العليا تقيد قدرته على إصدار قوانين تمكنه من تحصين نفسه من المحاسبة بتهم الفساد، وإن ادعى غير ذلك، ولهذا فإنه كان يضغط بكل قوته لإلغاء قدرة المحكمة العليا على استخدام حجة المعقولية؛ لإلغاء أي قوانين يتمكن من تمريرها في الكنيست فيما يخص تحصينه من المساءلة القانونية، والمحاكمة بتهم الفساد أثناء وجوده في السلطة وبعد ذلك.
وكان حلفاؤه في اليمين المتطرف، يدعمون هذا التوجه لديه للحصول على مكتسباتهم الخاصة بإصدار القوانين التي يريدونها حول القدرة على ضم الأراضي وحماية المستوطنين، واستغلال حاجة نتنياهو لهم لتمرير ما يريدون من متطلبات ومناصب عليا. وتمكن نتنياهو وائتلافه اليميني بالفعل من تمرير قانون أساسي يلغي حجة المعقولية، بل إنه حرص على إعطاء القانون صفة "قانون أساسي" كي يجعله دستورًا محصنًا.
وقبل معركة "طوفان الأقصى" بشهر واحد، تم رفع دعوى طعن في هذا القانون الأساسي أمام المحكمة العليا من معارضي نتنياهو، وأثناء المداولات اندلعت الحرب الحالية، وكان نتنياهو يرى أن استمرار الحرب على غزة يمكن أن يشغل الرأي العام والمحكمة العليا في الوقت نفسه عن محاولة إلغاء هذا القانون.
لكن المحكمة العليا عادت وانقلبت على نتنياهو في وسط الحرب، ولم تأبه بذلك، لتعلن في الأول من العام الحالي 2024 قرارها المزلزل بإلغاء هذا القانون الأساسي الذي يلغي حجة المعقولية؛ أي أن المحكمة العليا – للمفارقة – ألغت القانون الذي يلغي قدرتها على إلغاء القوانين.
هذه الهزة تأتي لنتنياهو-ومعسكره من المحكمة العليا- في وقتٍ يعتبر فيه أضعف ما يكون في الشارع الإسرائيلي، بعد الإخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي، وحكومة نتنياهو في غزة.
وحتى عندما حاول نتنياهو الفرار من هذه الإخفاقات العسكرية المتتالية بالتوجه خارج غزة، ومحاولة توسعة الحرب كما يبدو-من خلال اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري، والذي حدث في اليوم التالي مباشرة لقرار المحكمة، ثم محاولة توتير الأجواء في الإقليم، كما يبدو، لتوسيع ميدان الحرب- فإن المرجح أن ذلك لن يغطي في المستوى الشعبي والسياسي الداخلي الإسرائيلي على هذه الإخفاقات المتتالية، أو على آثار الزلزال الذي أحدثته دراما المحكمة العليا.
نتنياهو يبدو يائسًا ويحاول أن يلعب بكافة الأوراق لحماية نفسه من السجن، فقد بات يدرك أن أعداءه ومعارضيه أصبحوا الآن أشد نقمةً عليه، وأن السكاكين تشحذ بانتظار سقوطه لتنقض عليه الطعنات وتذبحه سياسيًا من قبل جميع القوى المعارضة له دون هوادة، ولذلك فإنه لا يجد لنفسه إلا الهروب إلى الأمام على المستويَين: الداخلي والخارجي.
فأما على المستوى الداخلي الإسرائيلي، فإن هناك احتمالًا أن يحاول نتنياهو تحدي قرار المحكمة العليا عبر إصدار قانون يوقف القرار مؤقتًا، ريثما يتم تغيير رئيسة المحكمة العليا المنتهية ولايتها والمعارضة لنتنياهو (إستر حيوت)، بحيث يتمكن من إدخال شخص موالٍ له في المحكمة العليا، وينجح في قلب القرار.
وقد بدأ حليفه في الحكم حزب "شاس" المتطرف هذا الإجراء بالفعل، وهذا الاتجاه يعارضه حليف نتنياهو في حكومة الحرب بيني غانتس، ولذلك فقد يكون صعب المنال حاليًا، وقد يؤدي إلى انفراط عقد حكومة الحرب لاحقًا.
أما على المستوى الخارجي، فإن هناك احتمالًا كبيرًا في الأفق أن يحاول نتنياهو استغلال عملية اغتيال الشيخ صالح العاروري؛ لتوسيع رقعة الحرب الحالية وتحويلها إلى حربٍ إقليميةٍ دون انتظار شكل ردّ حزب الله، فبعد خطاب حسن نصرالله الأخير بدا واضحًا أن الحزب لن يلجأ إلى الرد بتوسيع الحرب بعد ما حصل.
ولذلك فإن نتنياهو قد يسعى إلى استفزازه واستفزاز إيران بعمليات محددة موجعة قد تؤدي إلى تدحرج كرة الثلج وتضخمها بسرعة في المنطقة، وهو ما قد يعطيه فرصةً لتعطيل القوانين والحياة بالكامل بحجة توسع ميدان الحرب.
وهذا الأمر في غاية الحساسية، ويعتبر مقامرةً ثقيلةً من نتنياهو، لدرجة أن البعض قد يرى هذا السيناريو غير منطقي، لكن الشهور الثلاثة الماضية علمتنا أن لا شيء يمكن استبعاده على نتنياهو وتيار اليمين المتطرف الذي يدعمه، ولا سيما تيار الصهيونية الدينية الذي يبحث عن الحرب العالمية ضمن هوسه بفكرة الحرب الدينية، والأفكار الخلاصية التي يحملها ويبشّر بها اليوم.
بغض النظر عن مآلات الأمور على المدى القصير، إلا أن ما يمكن قوله هنا أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية صبّ زيتًا على نارٍ تكاد تحرق المجتمع الإسرائيلي بالكامل.
وسواء كان الحل الذي يراه نتنياهو هو توسعة الحرب أم استغلالها إلى أبعد حد فإنه سيفشل فشلًا ذريعًا في لمّ شمل مجتمعٍ وصل به الانقسام مرحلة اللاعودة، وهو ما يدعو بالفعل إلى التفكير في مرحلة ما بعد تحول هذا الانقسام إلى فوضى داخلية إسرائيلية تكاد تكون مؤكّدة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المحکمة العلیا قرار المحکمة هذا القانون نتنیاهو فی قانون ا
إقرأ أيضاً:
فنزويلا.. عقوبات أوروبية على رئيسة المحكمة العليا
وافق الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، رسمياً على فرض عقوبات جديدة ضد رئيسة محكمة العدل العليا الفنزويلية، كاريسيليا رودريجيز، وكذلك ضد 14 مسؤولاً فنزويلياً رفيع المستوى آخرين، لتقويض الديمقراطية وسيادة القانون في البلاد.
ونشر الاتحاد الأوروبي القائمة الجديدة للمسؤولين الخاضعين للعقوبات، في جريدته الرسمية في يوم تنصيب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي أعيد انتخابه في انتخابات مثيرة للجدل في يوليو (تموز) الماضي.
Unión Europea sanciona al régimen de Madurohttps://t.co/nZOixULHXZ
— Comando ConVzla (@ConVzlaComando) January 10, 2025واتفق سفراء دول الاتحاد الأوروبي الـ27، على توسيع قائمة المعاقبين في النظام الفنزويلي، كما رفضوا الاعتراف بفوز الرئيس الحالي، نيكولاس مادورو، الذي لم يقدم السجلات الانتخابية بعد انتخابات 28 يوليو (تموز) الماضي.
وكاريسيليا رودريجيز، هي رئيسة الهيئة التي صادقت على إعادة انتخاب مادورو، كما ذكر المجلس الوطني الانتخابي سابقاً، وهي تخضع بالفعل لعقوبات أمريكية وكندية.
وتشمل العقوبات الجديدة أيضاً، مسؤولين كباراً آخرين في المجلس الوطني الانتخابي. كما أدرج الاتحاد الأوروبي في هذه القائمة الجديدة للأفراد المعاقبين، المدعي العام المساعد، لويس إرنستو دوينيز رييس، لمشاركته في "الاضطهاد القضائي ذي الدوافع السياسية"، لمرشح المعارضة إدموندو جونزاليس أوروتيا.
???? Declaración de @KajaKallas en nombre de la UE:
La UE apoya una solución negociada y democrática a la crisis en Venezuela.
La responsabilidad de poner fin a esta crisis y prepararse para la transición democrática recae en las autoridades venezolanas.https://t.co/iEVQOkGMwv
وشملت القائمة أيضاً مدير جهاز الاستخبارات الوطنية الفنزويلية، ألكسيس خوسيه رودريجيز كابيو، ونائبه، حيث يعتبره الاتحاد الأوروبي مسؤولاً عن "الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان، وقمع المجتمع المدني والمعارضة الديمقراطية في فنزويلا".
ويشمل فصل أفراد القوات المسلحة، الذين فرضت عليهم عقوبات لارتكابهم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، قائد الحرس الوطني، إيليو رامون إسترادا باريديس، ومدير إدارة التحقيقات الجنائية ، أسدروبال خوسيه بريتو هيرنانديز، وقائد العمليات الاستراتيجية للقوات المسلحة الوطنية، دومينجو أنطونيو هيرنانديز لاريز.
ومن ناحية أخرى، نشر الاتحاد الأوروبي اليوم في جريدته الرسمية، تمديد العقوبات المفروضة على الأفراد الذين كانوا مدرجين بالفعل على القائمة السوداء - التي بدأت في عام 2017 - والتي قرر الاتحاد الأوروبي أن يدرج فيها مرة أخرى رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات إلفيس أموروسو.
أمريكا ترفع مكافأة "رأس" مادورو إلى 25 مليون دولار - موقع 24رفعت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، المكافأة من 15 إلى 25 مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على نيكولاس مادورو، الذي أدى اليمين الدستورية اليوم في البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، كرئيس لفنزويلا للفترة الرئاسية 2025-2031.وفي 28 يوليو (تموز) الماضي، واجه جونزاليس أوروتيا مادورو في الانتخابات الرئاسية التي تزعم كتلة المعارضة أنها فازت فيها، وفقاً للنتائج التي تدعي أنها جمعتها، لكن اللجنة الوطنية للانتخابات أعلنت فوز الرئيس الفنزويلي الحالي.
وقد قرر الاتحاد الأوروبي، الذي لا يعترف بنتائج هذه الانتخابات، توسيع نطاق إجراءاته المستهدفة ضد نظام مادورو، والتي تشمل حظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد أصول الأفراد والكيانات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية وسيادة القانون.
وتشمل قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات، والتي تتجاوز الآن 50 شخصاً، نائبة الرئيس ديلسي رودريجيز، ووزير الداخلية ديوسدادو كابيو، ولكنها لا تشمل نيكولاس مادورو.