WP: هل هناك تشابه بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقال رأي للكاتب، بنجامين موسير، قال فيه "إن معاداة الصهيونية ليست مشابهة لمعاداة السامية، والتاريخ يثبت خطأ المقاربة بين المصطلحين".
وأشار موسير، في البداية إلى القرار الذي مرره مجلس النواب الأمريكي في كانون الأول/ ديسمبر وسط سفك الدم والدمار في غزة، اعتبر فيه "معاداة الصهيونية تساوي معاداة للسامية"، بـ 311 صوت مقابل 14 صوتا.
وتابع: "لو لم تكن للقرار أي تداعيات عملية، فإن الإجماع وراءه له تداعيات. ويعكس القرار غير المتوازن دعم الحكومة الأمريكية الدبلوماسي والعسكري والأيديولوجي المطلق لإسرائيل، التي تحكمها أكثر الحكومات المتطرفة في تاريخها، والتي تشن حملة عسكرية تسببت بمقتل الآلاف الفلسطينيين بمن فيهم أكثر من 7 آلاف طفل.
وأضاف الكاتب: "معاداة الصهيونية هي مفهوم خلقه اليهود أنفسهم وليس أعداؤهم، وقبل الحرب العالمية الثانية، كانت الصهيونية من أشد الموضوعات الانقسامية والجدلية بين اليهود".
وأردف: "ظهرت أشكال يسارية وأخرى يمينية لمناهضة الصهيونية، وأشكال دينية وأخرى علمانية، وكذا أشكال في كل بلد عاش فيه اليهود"، مؤكدا أن "أي شخص مطلع على هذا التاريخ، سيندهش من تحول معارضة الصهيونية، كما ينص القرار، إلى مساو لمعارضة اليهود، وليس اليهودية بل وكراهية اليهود أنفسهم".
واسترسل: "الخلط هذا لا علاقة له بالتاريخ، وعوضا عن ذلك فهو سياسي، هدفه تشويه المعارضين للعنصرية"، مشيرا إلى أن: "ظن الكثير من مناهضي الصهيونية أن اليهود وإن تشاركوا في معتقدات معينة وتقاليد وصلات مع أبناء دينهم في الأمم الأخرى، فإنهم ينتمون في النهاية إلى مجتمعاتهم الوطنية ومثل أي شخص آخر".
وتابع: "بالنسبة لهم فابن الديانة اليهودية الأمريكي هو يهودي أمريكي مثل الأمريكي الأسقفي أو الأمريكي الكاثوليكي، هو أمريكي أولا. ولم يكونوا يريدون النظر لليهودي باعتباره جزءا من عرق مختلف ومثل ما يعتقد المعادين للسامية غير قابل للاستيعاب، فهؤلاء الناس لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم شعب في المنفى كما ترى الصهيونية، بل واعتبروا أنفسهم في الوطن. وخافوا من أن التركيز على الإثنية أو العرق قد يعرضهم للاتهامات القديمة عن الولاء المزدوج والتي قوضت محاولات تحقيق المساواة".
في الواقع، التفكير المناهض للصهيونية يسبق الصهيونية، وفي عام 1790، أعلن جورج واشنطن، في رسالته الشهيرة إلى يهود نيوبورت بولاية رود آيلاند، أن "الجميع يمتلكون حرية الضمير وحصانات المواطنة على حد سواء".
وتابع: "ومن حسن الحظ أن حكومة الولايات المتحدة، التي لا تعاقب المتعصبين "لا تساعد على للاضطهاد، ويتطلب الأمر أن تعيش تحت سلطة الحكومة كـ"مواطن صالح"، بغض النظر عن الدين.
إلى ذلك، أردف، بأنه "بعد سنوات قليلة، عرض نابليون على يهود فرنسا إمكانية الحصول على الجنسية الفرنسية الكاملة في دولة علمانية، وعمم هذا المبدأ على المناطق الواسعة التي غزاها". مضيفا أن: "انفتاح الغيتوهات أطلق العنان لدفقة من الإبداع بين المفكرين اليهود الذين بدأوا يتعاملون مع فكرة محفوظة في الصلوات التقليدية وهي أن على اليهود العودة إلى فلسطين حيث أرض أجدادهم وسوف يحكمهم سليل بيت داوود ويعيد التضحيات في ظل الكهنوت من نسل هارون ويصلون في المعبد الذي يعاد بناؤه".
وأفاد أنه "قد رفض الكثير من المفكرين الحداثيين هذه الفكرة والطقوس والصيغ كونها مهجورة وعفا عليها الزمن وخيالية. فبدلا من انتظار الـ "المسيح" أو المخلص الذي سيقوم بإحياء الموتى، عبروا بدلا من ذلك عن أمل بعصر مسيحاني من السلام والأخوة. ولن يكون هذا مشروطا بالأمل الأسطوري بالعودة إلى صهيون. وبدلا من ذلك، فعلى اليهود الآن وهنا العيش في العالم الحقيقي".
وأكد أنه "مع هذه الفكرة جاء مفهوم أن اليهود بكلمات حاخام. مواطنون وأبناء موالون للأرض التي ولدوا فيها أو تبنوها كبلد، وهم مجتمع ديني وليسوا أمة؛ ورغم التعامل في البداية مع هذه الفكرة، إلا أن غالبية اليهود الغربيين تبنوها بشكل تدريجي. وفي النهاية وجدت هذه الفكرة أتباعا متحمسين لها بين يهود الولايات المتحدة".
وفي السياق نفسه، قال الحاخام غوستافوس بوزاننسكي من تشارلستون، في ساوث كارولينا في عام 1841 "هذا البلد هو فلسطيننا، هذا البلد هو قدسنا، وبيت الله هذا هو معبدنا". وبعد قرن وأثناء الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، أعلن الحاخام ديفيد شولمان من معبد إيمانو-إيل في نيويورك قائلا "بالنسبة لي، فجوهر الإصلاح في اليهودية هو رفض القومية اليهودية، وليس بالضرورة تناول لحم الخنزير".
ولاحظ عدد من اليهود أن الحديث عن "الشتات" وحتى بين "الشعب اليهودي" يشبه افتراءات المعادين للسامية والتي اتهمت اليهود بأنهم إمبراطورية غير مندمجة داخل إمبراطورية. فيما لاحظوا أن معظم المعادين للصهيونية كانوا من أشد المتحمسين للصهيونية".
وبعد وعد بلفور في عام 1917 الذي وعد بدولة يهودية لأقلية يهودية صغيرة تعيش في فلسطين، لاحظ لورد مونتاغو، اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية أن "سياسة حكومة جلالته معادية للسامية في النتيجة وستكون أرضية لتحشيد المعادين للسامية في كل دولة بالعالم".
وتابع الكاتب: "لم تكن هناك طريقة لحجب الانقسامات هذه سوى كارثة ساحقة مثل هولوكوست النازية، ومهما فكر اليهود بأنفسهم، جادلت الصهيونية أن الأغيار لن يقبلوا بهم أبدا. فمهما شعروا أنهم في وطنهم ومهما عبروا عن ولائهم، ومهما مات الكثيرون منهم دفاعا عن البلد، سيواجهون في النهاية الاضطهاد. ولا يهم إن أطلقوا على أنفسهم شعبا أم عرقا، ولا يهم إن اعتبروا أنفسهم ألمانيين أو رومانيين أو كنديين، فالعالم الخارجي لا يرى إلا اليهود. فقد أثبت الواقع الكارثي أن اليهود ليس إلا أنفسهم للاعتماد عليها، وأنهم بحاجة لوطنهم الخاص وجيشهم الخاص ودولتهم والتي يجب أن توجد في فلسطين".
وأضاف: بدا كأن الهولوكوست دليل إثبات لصحة مقولات الصهيونية. وبالنسبة لكل اليهود تقريبا، فإن ظهور إسرائيل بعد ثلاثة أعوام من هزيمة هتلر هو بمثابة معجزة قيامة. وأضافت انتصارات إسرائيل ضد أعداء أقوياء للحس بأن اليهود لن يعانوا أبدا ما عانوه من قبل. وبالنسبة لليهود حول العالم، حتى اليهود الذين لم تطأ أقدامهم إسرائيل، فقد حل الفخر بإسرائيل محل الدين الذي فقد الكثيرون صلتهم به، فبعد ليل طويل في المنفى ظهر فجر رائع وأخيرا".
ويرى الكاتب أن "خلف الإجماع ظلت الصهيونية مثار جدل. فقد كانت مثيرة للجدل وسط المجتمعات الدينية المتشددة التي آمنت بأن الملخص وحده هو من سيقود اليهود إلى الأرض المقدسة، ورفضوا ما رأوه مادية وعدم صلاح وفسوق المستوطنين اليهود. فيما كانت الصهيونية مثيرة للجدل بين الاشتراكيين والشيوعيين الذين رفضوا كل أشكال القومية".
وأكد: "لكن النقاش اتخذ بعد إنشاء دولة إسرائيل منحى آخر. فقد كان جوهر الرفض بين المرعوبين يدور حول ما تعنيه إسرائيل لسكان فلسطين الأصليين. وبالنسبة لهؤلاء، فإن الدروس من معاداة السامية كانت رفض كل أشكال العنصرية وبالذات تلك المجازر التي ارتكبت ضد اليهود. وشعروا بالغضب من أن شعبا لا مسؤولية له عن جرائم النازية سيدفع ثمنها".
وأضاف: "نظرا لالتزامهم بالقيم العالمية فقد تصادموا مع الدولة اليهودية. ونظرا لاستمرار المخاطر التي واجهتها إسرائيل، وظلوا لعقود خارج الاهتمام ومن النادر ما استمع لمواقفهم وتم تجاهلهم ووصفوا أحيانا بـ "اليهود الكارهين لأنفسهم" أو "المعاقين عقليا".
وأشار إلى أنه "حتى المفكرين الذين ظلوا يتعاملون مع إنشاء إسرائيل كخطأ، حملوا أملا بأن يتم حل النزاع بتقسيم سلمي. وأشارت اتفاقيات أوسلو لهذا الاتجاه، لكن اغتيال اسحق رابين، الذي كان أثرا مباشرا لهذه النقاشات، وضع حدا لهذا الافتراض، وفتح المجال أمام ظهور سلسلة من الحكومات اليمينية المتطرفة. وجعلت سياساتها من إمكانية ظهور دولة فلسطينية أمرا مستحيلا. ونتيجة لهذا، فقد ازدادت مناهضة الصهيونية، بدلا من انكماشها، ولم يحدث أن تواجه دولة في العالم مساءلة بشأن "حقو الوجود" مثل إسرائيل".
وأضاف: "كان غياب الاعتراف أهم -وربما الأهم- من انشغالات الدبلوماسية الإسرائيلية. وربما كانت أحيانا تعبيرا عن رفض أناس يكرهون اليهود، ولكن بين اليهود أنفسهم، كان رفض فكرة الصهيونية، وهي رفض لفكرة الإثنية والقومية، وهي رفض لفكرة المواطنة المرتبطة بالعرق. فإن إسرائيل التي تصف نفسها بالغربية والديمقراطية لا تزال قائمة على هذه الأفكار".
وتابع: "لأنها أصبحت تعرف نفسها كدولة يهودية، فقد بات المدافعون عنها يصفون المعارضين لها بمعاداة السامية. والمشكلة في هذا الوصف هي أن معظم الذين يشتركون بهذا الاعتقاد كانوا من اليهود".
وقال المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير بأمريكا، جيسون غرينبلات: "لا يوجد هناك نقاش بأن مناهضة الصهيونية تستند على مفهوم واحد، إنكار حقوق الشعب الواحد. وبالنسبة للناس الذين لا يعرفون أي شيء عن واحد من أقدم وأكثر النقاشات استمرارية في التاريخ اليهودي، فكلامه يبدو معقولا. وأي شخص يفعل هذا لا يمكنه إلا الإعجاب بالبراعة المطلوبة في تقديم هذا السؤال المثير للانقسام، وهو سؤال ظل على مدى قرنين في قلب الهوية اليهودية ويحظى بالإجماع، ولم يكن النقاش هذا أعلى منه الآن".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية حقوق الشعب التاريخ اليهودي امريكا التاريخ اليهودي حقوق الشعب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاداة الصهیونیة معاداة السامیة هذه الفکرة أن الیهود الیهود أن
إقرأ أيضاً:
كريم خالد عبد العزيز يكتب.. غيّر منظورك: إيجابيات الانطوائية
خطأ يرتكبه كثير من الناس هو النظر إلى الأمور من منظور واحد، وكأن منظورهم هو الحقيقة المطلقة التي لا تقبل النقد أو التغيير.... ويترتب على هذا عدم قدرتهم على التفكير بشكل أعمق، وعدم قدرتهم على النظر إلى الأمور من زوايا أخرى قد تغيّر حكمهم على الأشياء من سلبي إلى إيجابي أو العكس صحيح.
الانطوائية على سبيل المثال، رغم أنها تُعتبر شيئًا سلبيًا يبعد الإنسان عن التفاعل الإيجابي الذي يتماشى مع طبيعته الاجتماعية، إلا أنه لو نظرنا إليها من منظور آخر، سنجد أن لها العديد من الإيجابيات.... الأشخاص الانطوائيون غالبًا ما يكونون مستقلين ومعتمدين على أنفسهم، لا يخشون من الوحدة ومرتاحون في قضاء وقت طويل بمفردهم، مما يمنحهم فرصة للاعتماد على أنفسهم وتطوير شخصياتهم باستقلالية.... يفكرون بعمق، يحللون الأمور، ويركزون على العلاقات الإنسانية القوية والعميقة أكثر، نظرًا لأن علاقتهم بالناس محدودة، مما يجعلهم أكثر ثباتًا وارتباطًا.... هدوء حياتهم من الصخب يجعلهم أكثر دقة وتركيزًا من غيرهم، فيركزون على الإبداع والقدرة على إنتاج أفكار إبداعية.
لو نظرنا بمنظور آخر إلى الأشخاص الاجتماعيين، فسنجدهم، رغم تفاعلهم الإيجابي مع غيرهم ومع المجتمع والحياة، أشخاصًا مشتتين لكثرة الصخب والأنشطة في حياتهم، وبالتالي يفتقدون إلى التركيز.... نجدهم يخافون من الوحدة ويعتمدون على الغير في تلبية احتياجاتهم بدلاً من الاعتماد على أنفسهم.... لا يشغلهم بناء العلاقات العميقة لأنهم يفتحون المجال للتعارف على أي شخص، ولذلك تكون معظم علاقاتهم سطحية.... صخب حياتهم وانشغالهم بالتفاعل يجعل الجانب الإبداعي في حياتهم غير بارز مقارنة بالأشخاص المائلين للانطواء.
النظر إلى الأمور من منظور مختلف قد يفتح لنا أفقًا أوسع لرؤية الإيجابيات حتى فيما يبدو لنا سلبيًا.... فالكثير من المواقف والتجارب التي قد تبدو صعبة أو مزعجة تحمل في طياتها فرصًا للتعلم والنمو.... الوحدة أو الانطوائية قد تكون فرصة لاكتشاف الذات.... الفشل أو الإخفاق دافع للنجاح والتفوق.... ما نراه مظلمًا من منظور قد نرى فيه النور من منظور آخر.