نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقال رأي، لمؤلف كتاب عن الناقدة سوزان سونتاغ فاز عليه بجائزة بوليتزر، بنجامين موسير، قال فيه "إن معاداة الصهيونية ليست مشابهة لمعاداة السامية، والتاريخ يثبت خطأ المقاربة بين المصطلحين". 

وأشار موسير، في البداية للقرار الذي مرره مجلس النواب الأمريكي في كانون الأول/ ديسمبر وسط سفك الدم والدمار في غزة اعتبر فيه "معاداة الصهيونية تساوي معاداة للسامية"، وتم تمرير القرار بنسبة 311 صوت لصالح 14 صوتا، حيث عبر 91 نائبا حضروا التصويت عن الإجماع بين النخبة السياسية الأمريكية بأن معارضة الصهيونية هو مساو للكراهية التآمرية لليهود.

 

وتابع: "لو لم تكن للقرار أية تداعيات عملية، فإن الإجماع وراءه له تداعيات. ويعكس القرار غير المتوازن دعم الحكومة الأمريكية الدبلوماسي والعسكري والأيديولوجي المطلق لإسرائيل، التي تحكمها أكثر الحكومات المتطرفة في تاريخها والتي تشن حملة ضد عملية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر والتي تسببت بمقتل الآلاف الفلسطينيين بمن فيهم 7.700 طفلا وفي عدد قليل من الأسابيع".

وأضاف الكاتب: "عندما يعلمون بالتصويت هذا، قد يكبت الكثير من الناس على معرفة بالتاريخ اليهودي ابتسامة ساخرة. فإن معاداة الصهيونية هي مفهوم خلقه اليهود وليس أعداؤهم؛  وقبل الحرب العالمية الثانية، كانت الصهيونية من أشد الموضوعات الانقسامية والجدلية في عالم اليهود". 

وأردف: "ظهرت أشكال يسارية وأخرى يمينية لمناهضة الصهيونية، وأشكال دينية وأخرى علمانية وكذا أشكال في كل بلد عاش فيه اليهود" مؤكدا أن "أي شخص مطلع على هذا التاريخ، سيندهش من تحول معارضة الصهيونية، كما ينص القرار إلى مساو لمعارضة اليهود، وليس اليهودية بل وكراهية اليهود أنفسهم". 

واسترسل: "لكن الخلط هذا لا علاقة له بالتاريخ، وعوضا عن ذلك فهو سياسي، هدفه تشويه المعارضين للعنصرية"، مشيرا إلى أن: "العرق ظل دائما في قلب النقاش. وظن الكثير من مناهضي الصهيونية أن اليهود هم في لغتهم "كنيسة"، وهي تعني أنهم وإن تشاركوا في  معتقدات معينة وتقاليد وصلات مع أبناء دينهم في الأمم الأخرى، فإنهم ينتمون في النهاية إلى مجتمعاتهم الوطنية ومثل أي شخص آخر".
 
وتابع: "بالنسبة لهم فابن الديانة اليهودية الأمريكي هو يهودي أمريكي مثل الأمريكي الأسقفي أو الأمريكي الكاثوليكي، هو أمريكي أولا. ولم يكونوا يريدون النظر لليهودي باعتباره جزءا من عرق مختلف ومثل ما يعتقد المعادين للسامية غير قابل للاستيعاب. فهؤلاء الناس لا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم شعب في المنفى كما ترى الصهيونية، بل واعتبروا أنفسهم في الوطن. وخافوا من أن التركيز على الإثنية أو العرق قد يعرضهم للاتهامات القديمة عن الولاء المزدوج والتي قوضت محاولات تحقيق المساواة". 


وأضاف: "في الحقيقة فإن التفكير المناهض للصهيونية سابق تاريخيا للصهيونية، وظهر من الاحتمالية التي ظهرت أولا في نهاية القرن الثامن عشر. ففي رسالته الشهيرة ليهود نيوبورت عام 1790".

وذكر الكاتب نفسه، أن جورج واشنطن، أعلن أن "الجميع يتمتعون بحرية الضمير وحصانة المواطنة. ولم تعد تسامحا يتم الحديث عنه وكأنه تساهلا مع فئة من الناس وكأنه حق طبيعي متأصل، ذلك أن حكومة الولايات المتحدة، ولحسن الحظ، والتي لا تمنح التعصب  حماية ولا تعطي مساعدة للاضطهاد، تطلب من الذين يتمتعون بحمايتها التصرف كمواطنين صالحين".

إلى ذلك، أردف، بأنه "بعد سنوات قليلة، عرض نابليون على يهود فرنسا إمكانية الحصول على الجنسية الفرنسية الكاملة في دولة علمانية، وعمم هذا المبدأ على المناطق الواسعة التي غزاها". مضيفا أن: "انفتاح الغيتوهات أطلق العنان لدفقة من الإبداع بين المفكرين اليهود الذين بدأوا يتعاملون مع فكرة محفوظة في الصلوات التقليدية وهي أن على اليهود العودة إلى فلسطين حيث أرض أجدادهم وسوف يحكمهم سليل بيت داوود ويعيد التضحيات في ظل الكهنوت من نسل هارون ويصلون في المعبد الذي يعاد بناؤه".

وأفاد أنه "قد رفض الكثير من المفكرين الحداثيين هذه الفكرة والطقوس والصيغ على أنها مهجورة وعفا عليها الزمن وخيالية. فبدلا من انتظار الـ "ميسايا" أو المخلص الذي سيقوم بإحياء الموتى، عبروا بدلا من ذلك عن أمل بعصر ميسياني من السلام والأخوة. ولن يكون هذا مشروطا بالأمل الأسطوري بالعودة إلى صهيون. وبدلا من ذلك، فعلى اليهود الآن وهنا العيش في العالم الحقيقي".

وأكد أنه "مع هذه الفكرة جاء مفهوم أن اليهود بكلمات حاخام. مواطنون وأبناء موالون للأرض التي ولدوا فيها أو تبنوها كبلد، وهم مجتمع ديني وليسوا أمة؛ ورغم التعامل في البداية مع هذه الفكرة راديكالية إلا أن غالبية اليهود الغربيين تبنوها بشكل تدريجي. وفي النهاية وجدت هذه الفكرة أتباعا متحمسين لها بين يهود الولايات المتحدة". 

وفي السياق نفسه، قال الحاخام غوستافوس بوزاننسكي من تشارلستون، في ساوث كارولينا في عام 1841 "هذا البلد هو فلسطيننا، هذا البلد هو قدسنا، وبيت الله هذا هو معبدنا". وبعد قرن وأثناء الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، أعلن الحاخام ديفيد شولمان من معبد إيمانو-إيل في نيويورك قائلا "بالنسبة لي، فجوهر الإصلاح في اليهودية هو رفض القومية اليهودية، وليس بالضرورة تناول لحم الخنزير". 

ولاحظ عدد من اليهود أن الحديث عن "الشتات" وحتى بين "الشعب اليهودي" يشبه افتراءات المعادين للسامية والتي اتهمت اليهود بأنهم إمبراطورية غير مندمجة داخل إمبراطورية. فيما لاحظوا، حيث لم يجدوا صعوبة في الملاحظة أن معظم المعادين للصهيونية كانوا من أشد المتحمسين للصهيونية: أب من الأفضل التخلص من اليهود. 

وبعد وعد بلفور في عام 1917 الذي وعد بدولة يهودية إلى أقلية يهودية صغيرة تعيش في فلسطين، لاحظ لورد مونتاغو، اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية أن "سياسة حكومة جلالته معادية للسامية في النتيجة وستكون أرضية لتحشيد المعادين للسامية في كل دولة بالعالم". 


وتابع الكاتب: "لم تكن هناك طريقة لحجب الانقسامات هذه سوى كارثة ساحقة مثل هولوكوست النازية، ومهما فكر اليهود بأنفسهم، جادلت الصهيونية أن الأغيار لن يقبلوا بهم أبدا. فمهما شعروا أنهم في وطنهم ومهما عبروا عن ولائهم، ومهما مات الكثيرون منهم دفاعا عن البلد، سيواجهون في النهاية الإضطهاد. ولا يهم إن أطلقوا على أنفسهم شعبا أم عرقا، ولا يهم إن اعتبروا أنفسهم ألمانيين أو رومانيين أو كنديين، فالعالم الخارجي لا يرى إلا اليهود. فقد أثبت الواقع الكارثي أن اليهود ليس إلا أنفسهم للإعتماد عليها، وأنهم بحاجة لوطنهم الخاص وجيشهم الخاص ودولتهم والتي يجب أن توجد في فلسطين". 

وأضاف: ؛بدا وكأن الهولوكوست دليل إثبات لصحة مقولات الصهيونية. وبالنسبة لكل اليهود تقريبا، فإن ظهور إسرائيل بعد ثلاثة أعوام من هزيمة هتلر هو بمثابة معجزة قيامة. وأضافت انتصارات إسرائيل ضد أعداء أقوياء للحس بأن اليهود لن يعانوا ابدا ما عانوه من قبل.  وبالنسبة لليهود حول العالم، حتى اليهود الذين لم تطأ أقدامهم إسرائيل، فقد حل الفخر بإسرائيل محل الدين الذي فقد الكثيرون صلتهم به،  فبعد ليل طويل في المنفى "غالوت" ظهر فجر رائع وأخيرا".

ويرى الكاتب أنه "خلف الإجماع ظلت الصهيونية مثار جدل. فقد كانت مثيرة للجدل وسط المجتمعات الدينية المتشددة التي آمنت بأن الملخص وحده هو من سيقود اليهود إلى الأرض المقدسة، ورفضوا ما رأوه مادية وعدم صلاح وفسوق المستوطنين اليهود. فيما كانت الصهيونية مثيرة للجدل بين الاشتراكيين والشيوعيين الذين رفضوا كل أشكال القومية". 

وأكد: "لكن النقاش اتخذ بعد إنشاء دولة إسرائيل منحى آخر. فقد كان جوهر الرفض بين المرعوبين  يدور حول ما تعنيه إسرائيل لسكان فلسطين الأصليين. وبالنسبة لهؤلاء، فإن الدروس من معاداة السامية كانت رفض كل أشكال العنصرية وبالذات تلك المجازر التي ارتكبت ضد اليهود. وشعروا بالغضب من أن شعبا لا مسؤولية له عن جرائم النازية سيدفع ثمنها".

وأضاف: "نظرا لالتزامهم بالقيم العالمية فقد تصادموا مع الدولة اليهودية. ونظرا لاستمرار المخاطر التي واجهتها إسرائيل، وظلوا لعقود خارج الإهتمام ومن النادر ما استمع لمواقفهم وتم تجاهلهم ووصفوا أحيانا بـ "اليهود الكارهين لأنفسهم" أو "المعاقين عقليا".

 وأشار إلى أنه "حتى المفكرين الذين ظلوا يتعاملون مع إنشاء إسرائيل كخطأ، حملوا أملا بأن يتم حل النزاع بتقسيم سلمي. وأشارت اتفاقيات أوسلو لهذا الإتجاه، لكن اغتيال اسحق رابين، الذي كان أثرا مباشرا لهذه النقاشات، وضع حدا لهذا الإفتراض، وفتح المجال أمام ظهور سلسلة من الحكومات اليمينية المتطرفة. وجعلت سياساتها من إمكانية ظهور دولة فلسطينية أمرا مستحيلا. ونتيجة لهذا، فقد زدات مناهضة الصهيونية، بدلا من انكماشها، ولم يحدث أن تواجه دولة في العالم  مساءلة بشأن "حقو الوجود" مثل إسرائيل". 

وأضاف: "كان غياب الإعتراف، أهم وربما الأهم من انشغالات الدبلوماسية الإسرائيلية. وربما كانت أحيانا تعبيرا عن رفض أناس يكرهون اليهود، ولكن بين اليهود أنفسهم، كان رفض فكرة الصهيونية. وهي رفض لفكرة الإثنية والقومية، وهي رفض لفكرة المواطنة المرتبطة بالعرق. فإن إسرائيل التي تصف نفسها بالغربية والديمقراطية لا تزال قائمة على هذه الأفكار". 


وتابع: "لأنها أصبحت تعرف نفسها كدولة يهودية فقد بات المدافعون عنها يصفون المعارضين لها بمعاداة السامية. والمشكلة في هذا الوصف؟ هو أن معظم الذين يشتركون بهذا الإعتقاد كانوا من اليهود". 

وقال المدير التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير بأمريكا، جيسون غرينبلات، "لا يوجد هناك نقاش بأن مناهضة الصهيونية تستند على مفهوم واحد، إنكار حقوق الشعب الواحد. وبالنسبة للناس الذين لا يعرفون أي شيء عن واحد من أقدم  وأكثر النقاشات استمرارية في التاريخ اليهودي، فكلامه يبدو معقولا. وأي شخص يفعل هذا لا يمكنه إلا الإعجاب بالبراعة المطلوبة في تقديم هذا السؤال المثير للانقسام، وهو سؤال ظل على مدى قرنين في قلب الهوية اليهودية ويحظى بالإجماع، ولم يكن النقاش هذا أعلى منه الآن".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية حقوق الشعب التاريخ اليهودي امريكا التاريخ اليهودي حقوق الشعب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاداة الصهیونیة معاداة السامیة هذه الفکرة أن الیهود

إقرأ أيضاً:

ألبانيز للجزيرة: الإبادة التي تمارسها إسرائيل بغزة أكدت نهاية النظام العالمي

قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية مروعة في غزة وتذبّح الفلسطينيين يوميا في ظل دعم مطلق من دول غربية.

وأوضحت ألبانيز في مقابلة مع الجزيرة أن "الإبادة الجماعية جريمة كبرى يجب أن تشعرنا بالصدمة، فخلال الأشهر الماضية كررتُ خلال مئات المقابلات أن الإبادة التي تمارسها إسرائيل أمر مروع وفظيع ولا أفهم كيف يستمر ذلك إلى غاية الآن".

وتساءلت المسؤولة الأممية "ما الذي يتطلبه الأمر لإيقاف هذا الجحيم؟"، قبل أن تؤكد أن ما يحدث في غزة أكد نهاية النظام العالمي الذي بني بعد الحرب العالمية الثانية.

وأضافت "النظام العالمي يظهر وجهه الحقيقي كمجموعة استعمارية من دول غربية تستمر بدعم إسرائيل وتزعم أن الأمر دفاع عن النفس، والأمر ليس كذلك. إسرائيل تقوم الآن بذبح الفلسطينيين، ما يُرى هو أطفالٌ بغزة يُقتلون في الشارع، وأناس يُحرقون في الخيام".

وختمت ألبانيز حديثها بالتأكيد أن ما يحدث في غزة "إبادة جماعية بهدف السيطرة على الأرض، وهذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم".

وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية على غزة، خلّفت أكثر من 142 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

مقالات مشابهة

  • مئات اليهود يدنسون المسجد الأقصى المبارك
  • ألبانيز للجزيرة: الإبادة التي تمارسها إسرائيل بغزة أكدت نهاية النظام العالمي
  • وزير فرنسي سابق: الخراب في غزة يغذي معاداة السامية
  • وفاة يهودا باور أحد أبرز المؤرخين اليهود عن عمر يناهز 98 عامًا
  • حماس: خطة الجنرالات التي تحاول إسرائيل تنفيذها شمال غزة تمثل إبادة مكتملة الأركان
  • وزير فرنسي سابق يحمَل إسرائيل مسؤولية انتشار معادة السامية
  • هل اليمن في الصراع مع اليهود.. (تأصيلٌ تاريخي – وقائعُ معاصرة) (تحليل موضوعي)
  • طهران: حددنا الأهداف التي سنقصفها في إسرائيل إذا هوجمنا
  • بالخريطة التفاعلية.. أبرز الهجمات التي تلقتها إسرائيل في ثالث أيام عيد العرش
  • بايدن: هناك فرصة لإنهاء الصراع بين إسرائيل وإيران لفترة من الوقت